شارل الياس شرتوني/ما هي فائدة التسوية بين هؤلاء الدجالين الدمويين؟ قراءة في نهايات مزمعة

160

ما هي فائدة التسوية بين هؤلاء الدجالين الدمويين؟ قراءة في نهايات مزمعة.
شارل الياس شرتوني/25 أيلول/2020

ننتظر تشكيل الحكومة، حكومة من، ولمن، ولما؟ صراحة لم اعد ارى من فائدة لهذه الاسئلة، ولا من غاية لهذه الالاعيب اللامتناهية بين متسلطين دمروا حيثية البلاد الكيانية والمؤسساتية، ونهبوا الاموال العامة، وتعاملوا مع كل سياسات النفوذ الاقليمية، واستباحوا كل المحرمات من قتل وسرقة وزنى محارم، من اجل الحفاظ على مواردهم الريعية والسلبطة على الناس.

لم اسمع سببا واحدا ايجابيا وبناء سوى ان التسوية بين اركان الجريمة المنظمة هو الحل الاخير، قبل الدخول في متاهات الفوضى الاقليمية والحروب الاهلية المزمعة، ولكن لا احدا اجاب على السؤال الاساس، من قال لكم اننا بصدد تجاوز قطوع الحروب المتداخلة المزمعة في ظل التوليفة بين هذه القوارض التي تتهادن قبل الانقضاض بعضها على البعض الآخر.

لقد بنيت المبادرة الفرنسية على قاعدة تلافي المحاذير والانزلاقات الخطرة، لعل في ذلك امكانية لتخريج ديناميكية سياسية بناءة تخرجنا من السياقات النزاعية المبرمجة على غير نحو.

عبثا نفعل مع هذه الافاعي، ان لم تقطع رؤوسها واذيالها وترمى في النيران التي لا تنطفىء حتى لا تعود الى اي شكل من اشكال الحياة، وهذا لن يصير ما لم تنسف اللعبة من اساسها وندخل في ديناميكية جديدة لا علاقة لها بتوليفات الماضي البشع ورموزه:

أ- لقد انتهت جمهورية الطائف بصيغها المؤسسية، وديناميكيتها السياسية، واوليغارشياتها، ومحاصصاتها، والتوازنات الاقليمية التي خرجتها، ولم يبق منها سوى بذاءة اقطابها، وسوء نواياهم، وعاداتهم السيئة، والفراغات الدستورية والميثاقية والاخلاقية والاستراتيجية التي تلف يومياتنا وتجعلنا طعما للنيران الاقليمية المتأهبة من كل حدب وصوب. لم يبق شيء في لبنان، لا مؤسسات دستورية، ولاسيادة، ولا ارادة سلم اهلي، لم تبق الا صواعق التفجير التي اعدت لتفعيل السياسات الانقلابية للفاشيات الشيعية، ومراهنة الاوليغارشيات السياسية -المالية على الحرائق المتنقلة وجبال النفايات المتراكمة، حتى يصار الى حرقنا ودفننا، فلا يبقى شاهد حي على عملية احتيال العصر التي سلبت اللبنانيين في الوطن والمهجر جنى اعمارهم. ما اقبح مشهد القحاب التي نهبت هذه البلاد برمتها تحاضر في المعارضة والفساد والاصلاح والسلم الاهلي، وكأن ما وصلنا اليه من خراب عميم هو اسقاط من ولا مكان، وكأنهم ضحايا لما جنت ايديهم بفعل مقاصد ارادية. بري، جنبلاط، الحريري، الميقاتي، الصفدي، حزب الله ومواليهم في الاوساط المسيحية، مدعوون الى عملية اصلاح تبين للمرة الالف انها تقر وفاقا لاولوياتهم، ودفاتر شروطهم، وحركة ارتباطاتهم الاقليمية، وما عليكم الانتظار، المسألة مسألة وقت، والوقت مفتوح.

ب- الفاشية الشيعية ماضية بمسعاها الانقلابي ليس فقط على المعادلات السياسية التي اوصلتها من خلال لعبة التحالفات المتحركة والانتهازية والمرحلية، بل على حيثية الكيان الوطني الذي اعطى للشيعة في جبل عامل حيثية سياسية ودينية ومعنوية ( استقلالية الافتاء الجعفري عن الافتاء السني في زمن الانتداب / ١٩٢٦، والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى / ١٩٦٧، زمن رئاسة شارل حلو )، واخرجهم من الدونية، التي احالتهم اليها السلطنة العثمانية والخلافات الاسلامية المتعاقبة، الى الندية المعنوية والسياسية وما ادت اليه من ديناميكيات سياسية متوالية، بدأت مع الزعامات والوجاهات التقليدية، وتتابعت من خلال المرحلة اليسارية، واستكملت من خلال حركة موسى الصدر ومشتقاتها، ووصولا الى الثورة الايرانية وسياسات نفوذها الاقليمية التي يلعب فيها حزب الله دورا اساسيا. ان تصريحات حسن نصرالله ونعيم قاسم ومستنسخاتهم، والمقولات الشعبوية السائدة في الاوساط الشيعية، ليست الا تعبيرات عن سياسة سيطرة مبرمجة تحكم متخيل هذه الجماعة الدينية وتملي اداءاتها على كل المستويات. ان سياسة اقتصاد الجريمة المنظمة المنعقدة على خطوط تواصل المغتربات الشيعية، واستراتيجية الارهاب المنهجي المتنقل، وتحويل الدولة اللبنانية الى معين للسياسات الريعية والزبائنيات الشيعية والنهب المنهجي لمواردها المالية والخدماتية، ليسوا بمصادفات، بل تعبيرات عن ديناميكيات هادفة حولت مجموعة دينية الى آلية سيطرة استحثت واستباحت الفراغات المؤسسية والسياسية والاستراتيجية، المحلية والاقليمية والدولية، من اجل النفاذ باستراتيجية انقلابية متعددة الجوانب مرتبطة بسياسة النفوذ الايرانية ومراميها. لبنان بالنسبة للاستراتيجية الانقلابية الشيعية ليس الا بمسرح لادارة لعبة النفوذ الشيعية على المستوى الاقليمي، وكل كلام اخر يقع في الخطاب الانشائي الذي لا مضمون له. تشكل عملية تفجير المرفأ الارهابية نقلة نوعية في الاستراتيجية الانقلابية للفاشية الشيعية لجهة طابعها النهيلي الذي يستهدف الوجود المسيحي بمجل حيثياته، ويسعى الى تدمير الكيان اللبناني من خلال تقويض ركائزه الوجودية والبنيوية، والدفع برواية ايديولوجية مضادة وميتولوجيات سياسية نافية لشرعيته.

ج- ان الانهيار الشامل الذي نشهده في لبنان هو في طريق التبلور، وما نشهده من ممانعات سياسية بين اطراف هذه الاوليغارشيات، ما هو الا صورة عن ديناميكيات تذرر مفتوحة على كل الاشتراكات النزاعية تماثل التي خبرناها في حرب ( ١٩٧٥-١٩٩٠ ) وتندرج ضمن ديناميكيتها الناظم، نحن لسنا امام معطى جديد، بل امام نهاية مرحلة .ان التداعي البنيوي للدولة اللبنانية وتردداته على الساحة الاقليمية سوف يؤذن بالانفجار الثاني للنظام الاقليمي الذي يجري على وقع النزاعات المفتوحة بين الامپرياليات الاسلامية المتصادمة (ايران، تركيا، السعودية ودوائر نفوذها، التنظيمات الارهابية )، وحركية المجموعات الاتنو -سياسية على مستوى منطقة الشرق الاوسط، وتكتونيات النزاع العربي- الاسرائيلي، وما لبنان الا محطة لنزاعات وحروب سوف تؤدي الى اعادة تشكل جيو-پوليتيكية آخذة بالتبلور. ان الحول الذي اصاب الفاشيات الشيعية جعلها تسترسل في عملية التفخيخ العسكري والسياسي والاستراتيجي لهذا الكيان المنتقص القدر من قبل سياسات النفوذ الاسلامية واليسارية، متناسية كما فعل قبلها تحالف اليسار الفاشي ومنظمة التحرير الفلسطينية، ان الفراغ يستدعي الفراغ وتصادم سياسات النفوذ الاقليمية في حالة التأهب، وليس من فريق لبناني يقبل التسليم بارادة الشر التي تستهدفه صراحة .افصح اخبار، لم يكذب من قبل الفاشيات الشيعية ونادي رؤوساء الوزراء السنة، عن ابلاغهم ضرورة [تنظيم الخلاف الشيعي-السني لإن المسيحيين راحلون] ، اما الامر الذي لم يفصحوا عنه، هو انهم على وجه التأكيد لن يكونوا ورثة.