الكولونيل شربل بركات/جنبلاط والاستدارة الجديدة

511

جنبلاط والاستدارة الجديدة
الكولونيل شربل بركات/17 حزيران/2020

قال الشاعر الجنوبي مرة:
لم القَ شعباً بغير الأرضِ مرتبطاً له ولاءٌ غريبٌ كيفما ارتحلَ
لم القَ شعباً يُرجّي هدمَ موطنه ليبني الغير من أنقاضه دولَ
شعبٌ كهذا جديرٌ إن مررت به أن تسدُد الأنف من نتنٍ وتنعدلَ

لا يمكن أن ينطبق هذا القول على دروز الجبل الذين يتمسكون بالأرض ويفاخرون بتاريخهم ولهم على لبنان أكثر من غيرهم فقد دفعوا مع قرقماز وحده ستين ألف رجل قتلوا كلهم وهم يدافعون عن أميرهم ضد الهجمة العثمانية التي قادها والي مصر ابراهيم باشا يومها (وهو غير ابراهيم ابن محمد علي الذي قاد هجوما ضد السلطنة أيام الأمير بشير الثاني الشهابي) هاجمهم من البر والأسطول العثماني من البحر وذلك سنة 1584 ما أضطر ابنه فخر الدين الثاني أن يهرب يافعا ليتربى عند الموارنة في كسروان ويعود بمساندتهم له بأربعين ألف فارس ليحكم الجبل من جديد ويبني أسس استقلال لبنان الحديث.

وما كان علي جنبلاد الكردي قد هرب من حلب بعد ليلتجئ عند المعنيين كونه حاول أيضا أن يستقل عن السلطنة ما جعل هؤلاء الأمراء يستقبلونه ويكرمونه لا بل يجعلونه منهم بالرغم من أن ابواب الدعوة كانت أغلقت منذ زمن. (ولا نعرف إذا كان تعرّف عليها في شمال سوريا؟)

كلام جنبلاط اليوم يعود للمتاجرة، كما الغير، بالكوفية الفلسطينية واستذكار الايام الخوالي و”الحركة الوطنية”.

ولا تندرج هذه العودة أبدا في خانة بطولات الدروز في الدفاع عن وطن بنوه بفلذات الأكباد وبالجهد والتضحية. وتعاونوا في سبيل ذلك مع أغلب الفئات التي حلمت بلبنان مستقل عن كل المحيط وموئل لكل تواق إلى الحرية وكل هارب من جور.

كلام جنبلاط موجه للدروز أكثر من غيرهم من اللبنانيين ليقول بأنه لا يريد أن يقاوم “السلطنة الجديدة” التي يمثلها الولي الفقيه وأذنابه في لبنان. وهو يساير المحتل يوم وقف دروز السويدا معترضين على الوضع المعيشي في سوريا.

وهم كانوا ممن رضي بالوقوف مع النظام لكي يأمن شره. فهل خاف من تهديد وهو الوحيد الذي كان جرّب يوم السابع من ايار “المجيد” مقاومة جحافل السلطنة ونجح؟

أم أنه خاف من أن تطاله سيوف الاصلاح، التي يشحزها الشعب ضد الفاسدين. وفضّل أن يخيف بيئته أيضا، كما يفعل نصرالله، لتبقى على ولائها له لا للوطن، وتخاف من التعاون مع الآخرين؟

بالطبع بري وجنبلاط “دافنينو سوى” من هنا عليهما وكل المشاركين في منظومة الفساد والمنتمين اليها أن يخافوا من الآتي لأن الجوع سيطال كل الناس ولن يردهم ولاء لزعيم. ولذا عليه أن يستعد لتدارك الأمور وأهينها الالتفاف على بيئته واعادتها إلى مربعها الأمني لتأخذ حيزا، بقيادته، فتحميه حتى يمر الصعب.

وجنبلاط باستذكاره لأيام عرفات ومحسن ابراهيم والكوفية الفلسطينية يريد الاختباء خلف تراث الحرب هذا لكي يحمي شركاته وأمواله التي تفرد بها.

فالمنادون “بكلن يعني كلن” لم يستثنوه ولا يمكنهم ذلك. لذا يجب أن تنقلب الأمور ليرجع أمير حرب تحميه بنادق الفئوية.

وهكذا فلم تعد العباءة التي ألبسها لتيمور كافية ويجب استبدالها بالكوفية. والتهجم على من يطالب بتنفيذ القرارات الدولية وعلى راسها 1559 لأنها تعيد للبلد استقراره بتسليم اسلحة المخيمات وحزب الله وكل الفئات الأخرى التي ما زالت تحتمي بالسلاح وتسيطر بواسطته على المواطنين ومستقبلهم. وهذه المرة، إذا نجحت الثورة، لن يبقى من الفاسدين ذكر أو ربما سيضطرون لدفع المستحق عليهم مما كانوا سلبوه من أموال المواطنين.

لن يسمح اللبنانيون لجنبلاط ولا لنصرالله أو بري أو غيرهم من المشاركين في الفساد بأن يبقوا في الصدارة كما فعلوا. والعالم كله ينظر، وعاجلا أم آجلا سوف تبدأ الحلول في المنطقة.

ولكن بانتظارها هل يقتتل اللبنانيون مجددا في سبيل حماية الفاسدين ومنظومة الفساد هذه التي ظهرت على حقيقتها؟

أم هل تعود شعارات تحرير فلسطين التي سئمها الفلسطينيون أنفسهم لتغزي خيال شبيبة القرن الواحد والعشرون؟

نقول للسيد جنبلاط “روح خيّط بغير مسلة” فلا انت بقادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولا نصرالله بقادر أن يطعم جماعته ولا بري سيتمكن، بواسطة فرسان الدراجات التي يطلقها، من ضبط الشارع الشيعي ولو صرخ شيعة شيعة إلى يوم الدين.

لأن أعين الشيعة قد تفتحت وهم يرون ويعرفون “البير وغطاه” ولم يعد يستطع شراءهم. ولا غيرهم من الفاسدين الكبار أمثال فتوش أو السنيورة الذي لم يقبل بأن ينفذ القرار الدولي 1701 تحت البند السابع من خوفه، إلا يستفيد من المساعدات التي سترسل لاعادة إعمار ما هدمه نصرالله في حربه التي “انتصر” فيها “النصر الالاهي”، وأن يتحرر اللبنانيون فيبدأوا بالمحاسبة من صناديق الاقتراع إلى أقواس المحاكم.

ولذا فقد فضل، حتى أن يحاصره جماعة “الحرس الثوري” في السراي ومن ثم يسقطونه في عملية القمصان السود ويعاودون الانقضاض على الدولة، من أن تقوم الدولة وتنتظم فتقطع يد السارقين وتغلق معاقل الفساد وتجفف ينابيعه.

لم يعد أحد ينغش بتحاليل السيد جنبلاط ولا بنظرياته لأنها صارت من الماضي وقد سبقها الزمن كما سبقه فتيان وسائل التواصل الذين يراقبون كل الوقائع ويعرفون التفاصيل وقد بطل الخوف فالكل تساووا بالقلة.

وأصبحت المعلومات متوفرة. فرئيس أكبر دولة يتكلم مباشرة مع الناس ويمكن قراءة ما يقول بنفس اللحظة ولا داعي للتفسير وانتظار آراء المحللين.

من هنا فقدان جنبلاط لدوره وأنفه الذي يشتم بعض المتغيرات. وهذه المرة لا متغيرات سوى محاولة الحماية من سيوف الشعب الجائع والذي يرى بأم عينه أطماع هذه الطغمة.

فإن أراد السيد جنبلاط أن يسمعه أبناء الجبل فليبدأ بتنفيذ الاشتراكية من شركاته ومداخيله ليشعر ابناء الجبل بأنهم متساوون. ومن ثم فليطلب تنفيذ القرارات الدولية التي تعيد للبلد استقراره وتنهي مقاطعة العالم القريب والبعيد له ليعود القطار للسير على سكة واضحة لا تتناتشه أيدي وأنياب الفاسدين ولا أسلحة المحاسيب والمرتزقة. ويرجع الحلم بالاستقرار وتعود أموال الاستثمار إلى البلد وتفتح الشركات ابوابها من جديد لتنطلق ورشة البناء لا الهدم والسرقة.

فكفانا نظريات وبكاء على الاطلال لأن الهم الأكبر لم يعد نظري فالجوع يدق الأبواب واللبنانيون متساوون في الفقر في كل طوائفهم وكل مناطقهم وكل فئاتهم ولا يختلف عنهم سوى زمرة الفساد التي أرهقت البلد وجماعة الأذناب التي أعادت الناس إلى القرون الوسطى لكي يبقى لها مجال لتجنيد المرتزقة كمقاتلين عند من يدفع أكثر.