انطوان نجم/موقع المقاومة اللبنانية: كيف تمّ إعتماد اسم المقاومة اللبنانية والقوات اللبنانية

325

كيف تمّ إعتماد اسم المقاومة اللبنانية والقوات اللبنانية

انطوان نجم/موقع المقاومة اللبنانية/04 حزيران/2020

(تمّ ويتمّ التداول بمصطلح”المقاومة المسيحيّة” كتعريف بديل عن”المقاومة اللبنانية” التي خاضت معارك الدفاع عن لبنان على المستويات كافة، السياسيّة منها والعسكريّة، منذ إندلاع الحرب على لبنان في العام ١٩٧٥، على الرغم من أن مصطلح”المقاومة المسيحية” لم يُستٓخْدٓمْ يوماً في أدبيات الخطاب السياسي أو في منشورات أحزاب الجبهة اللبنانية وأيضاً في الخطاب السياسي أو منشورات القوات اللبنانية- الإطار العسكري-. ماذا يقول الأستاذ أنطوان نجم عن هذا الموضوع وهو من آخر مفكّري الجبهة اللبنانية الذين عاصروا تلك المرحلة وكان له فيها الدور الفاعل)

كتب الأستاذ أنطوان نجم: صديقي ورفيقي العزيز صعود إبي شبل،
​​​تحية طيبة،

طلبتَ مني أن أبدي رأياً في ماهية المقاومة التي عشنا منذ 13 نيسان 1975، لأنك سمعتَ بعضهم يصفها بأنها مقاومة “مسيحية”.

في سطوري هذه آمل أن ألبي طلبك، بمقدار ما أنا قادر عليه، وأضعك في الأجواء التي عشناها على الأرض كمقاومين. ويهمني أن أحيط علماً كلّ من يطّلع على هذه الورقة أنّ خطّ المقاومة لم يقم دفعة واحدة وعلى نحو منظم متكامل منذ اللحظة الأولى. بل تكوّن بالتدريج، وبحسب الظروف، وبثمن غال من التضحيات، واستفاد من أخطائه، فصحح نفسه مع الممارسة، وعدّل في تصرّفاته وسلوكياته.

وكان لا بدّ من أن تمرّ المقاومة في يسر وعسر، كما واقع كلّ من يأخذ على عاتقه رسالة وطنية كرسالتنا، في أحوال جدّ مضطربة وغامضة، تتداخل فيها المفاجآت على أنواعها، وترافقها ملابسات وأمور ما كانت لتخطر في بالنا…

أوّلا ً– فوجئنا، كمسيحيين، بما حصل في عين الرمانة في 13 نيسان 1975، وبما رافقه فورًا في الأربع والعشرين ساعة التي تلته، من كثافة بالنيران راحت تنهمر على بيروت الشرقية. وبدا كلّ شيء وكأنه معدّ سلفاً لهذه اللحظة. ومن المعروف أنّ المقاومين المسيحيين واجهوا الحدث، بادئ ذي بدء، في عين الرمانة وما جاورها، بأسلحة صيد عادية.

وسمع الناس عندنا بأنّ الرؤساء العامين للرهبانيات المارونية والروم الكاثوليك وأعضاء الرابطة المارونية يلتقون في جامعة الروح القدس في الكسليك، حيث يتداولون في شؤون ما يجري.

فور عودتي من مهمة تربوية في كندا في أيار 1975، أخذتُ أشارك في هذه الاجتماعات مع كثير من المثقفين والسياسيين المسيحيين. وكنتُ عضوًا دائماً في “لجنة البحوث اللبنانية” التابعة لهذه اللقاءات. فصدرت مذكرة بتاريخ 11/12/1975 حول إصلاح الأوضاع العامة ضمن إطار الصيغة اللبنانية القائمة، قدّمت إلى مجلس النواب. وكذلك مذكرة “حول أربع صيغ جديدة ممكنة للبنان الجديد”، في تشرين الأوّل 1976. ثمّ استمرّت اللقاءات شبه اليومية. واللون المسيحيّ هو السائد، بحضور القيادات المسيحية للأحزاب والمفكرين والمناضلين المسيحيين.

بهذا اللون المسيحيّ الذي طغى عليه العنصر المارونيّ، بدأت المقاومة. ومن الضروريّ، هنا، أن أشير إلى أنّ الخصوصية المارونية لا تفرِّق ولا تميز بين الانتماء المارونيّ والانتماء اللبنانيّ، وذلك بصورة عفوية تلقائية. وهذا معلوم ومكشوف تاريخياً.

ثانياً – عندما تبلورت فكرة توحيد المقاتلين المسيحيين في الميدان المقاوِم، أصدر حزب الكتائب اللبنانية في 25 آب 1976 مشروع إنشاء “قيادة موحدة للقوى اللبنانية”، رقمه 3450.

ملاحظة: في الاستعمال الشفويّ لهذه التسمية، تحوّرت عبارة “القوى اللبنانية” إلى “القوات اللبنانية”، وذلك بصورة عفوية وتلقائية بمقابل عبارة “القوّات المشتركة” التي طلع بها الفريق الآخر المعتدي. وبعد قليل من الوقت انتشرت تسمية “القوّات اللبنانية” وعمت. وكان أعضاؤها جميعاً-على ما أعرف-من المقاومين المسيحيين المنتمين إلى كلّ الطوائف المسيحية.

ثالثاً– كان المعنيون في لقاءات الكسليك، من كلّ المستويات والمسؤوليات، مصرّين على اعتماد عبارة “المقاومة اللبنانية”، إلا القليل القليل منهم الذي فضل عبارة “المقاومة المسيحية”. ولكن، في النهاية، كانت تسمية “المقاومة اللبنانية” هي التي اطمأنّ إليها الجميع، واتخذها شعارًا وحيدًا إلى الآن.

وأذكر أننا، في الكسليك، كنا نؤكد ونشدّد على هذه التسمية، خصوصاً في اتصالات الإعلاميين الأجانب بنا، وفي اتصالاتنا بالإعلام الأجنبيّ. مما ثبتها، وأعطانا ثقة واحتراما وإشادة وتأييد العالم الحرّ لنا.

رابعاً – في خلال الأحداث، كان أفراد من القيادات الإسلامية على تواصل سرّيّ معنا. وكان بعضهم يلاقينا في المجلس الحربيّ. وكنا نطلع منهم أنّ القاعدة الإسلامية أخذ صوتها يعلو ضدّ الفلسطينيين وتصرّفاتهم. وإنّ تلك القاعدة تتفهم مواقف مقاومتنا. وأشير، هنا، بنوع خاصّ إلى من كان الزعيم الكبير صائب سلام ينتدبه ليجتمع بنا باسمه في المجلس الحربيّ حيث كنا نتداول في الأمور التي كانت تشغل بالنا كثيرًا.

خامساً – مما لفتنا بقوّة أنه وحتى العام 1977، وعلى الرغم من الشيعة الماركسيين والعروبيين والسوريين القوميين، لم يكن للسواد الشيعيّ الأعظم تطلعات “لا لبنانية” صارخة. وقد ازدادوا تقرّباً منا عندما أخذ الفلسطينيون يضايقونهم، وحتى يضطهدونهم.

وفي تلك السنة بالذّات اهتمّ مكتب المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى والإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين، بوضع ما سموه “صيغة 1977″، وفيها أنّ “لبنان وطن نهائيّ لجميع بنيه”.

وصدُف أن حزب الكتائب اللبنانية انتدبني والمحامي منير الحاج، للمشاركة في مؤتمر سرّيّ في جنيف من 26 إلى 30 أيار 1977. فالتقينا بعدد من غير المسيحيين من مثل حسن صعب وحسن منلا وغالب محمصاني ومروان حماده ونبيه برّي ووليد نجا وسواهم. كانت مداخلات هؤلاء مطمئنة لنا لأنها لم تكن عدائية لا بل متفهمة لما نقوم به. فازداد اقتناعنا بأنّ “المقاومة اللبنانية” سائرة في الطريق الصحيح. لا بل كانت تسمية “المقاومة اللبنانية” تريحهم.

سادساً – لا أنكر، في الساعات العصيبة جدًّا التي مررنا بها في الأحداث، أنّ بعضا من المقاومين كفر بلبنان القائم وطالب بلبنان مسيحيّ. وهذا أمر مفهوم في الحالات القاسية والمرهقة، والقريبة جدًا من حافة اليأس. ولكن كنا نعود دوماً، وبسرعة، إلى الإيمان بلبناننا كما هو وبقدرات المقاومة اللبنانية.

سابعاً – تعزّزت كثيرًا عبارة “المقاومة اللبنانية” خصوصاً عندما رفض بشير، قائد القوّات اللبنانية، أن يعلن على الملأ الدعوة إلى النظام الفدراليّ، على الرغم من اقتناعه الوجدانيّ به. وهذا ما عزّز كثيرًا موقف “المقاومة اللبنانية”، آنذاك، في الوسط الإسلاميّ.

ثامناً – بعد استشهاد بشير، صدر في العام 1983، وثيقة “الثوابت الإسلامية العشر” التي اصدرتها الهيئات الإسلامية في لبنان، وتلا محتوياتها الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وفيها المبدئان الأوّلان اللذان يعترفان، لأوّل مرّة وعلناً وفي أصعب الأوقات، بأنّ “لبنان وطن نهائيّ بحدوده الحاضرة”، وأنه “جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحرّيات العامة وضمانها، وعلى مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع اللبنانيين من دون تمييز.”

وعلينا ألا ننسى رائعة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في “الوصايا” التي سجلها في آخر أيام العام 2000 قبل وفاته، والتي قال فيها-من جملة ماقال: “أوصيكم بلبنان، وتجربته التي هي جوهر حرياتكم وحصن حقوقكم الملتئمة، طائفة طائفة، وإنساناً إنساناً…” وكذلك “الحرص الكامل التام على ضرورة وجود وفاعلية المسيحيين في لبنان، وعلى تكاملهم وعلى شعورهم بالانتماء الكامل والرضى الكامل، وعلى عدم أي شعور بالاحباط، أو بالحرمان، أوبالنقص، أو بالانتقاص، أو بالخوف على المستقبل، وما إلى ذلك. وهذه الرؤية ليست قائمة على المجاملة وعلى الحس الانساني فقط، وانما هي قائمة على حقائق موضوعية أساسية لا بد من مراعاتها”.

وتوالت بعد ذلك “وثيقة الثوابت الوطنية والإسلامية” الصادرة عن دار الفتوى في شباط من العام 2011، و”وثيقة المستقبل” في 6/3/2012، وكلام سعد الحريري في 15/3/2012 على “تحقيق الدولة المدنية الواحدة السيدة على أراضيها وفي قرارها الوطنيّ التي يطمح إليها جميع اللبنانيين”.

في النتيجة: إنّ سلوكنا “اللبنانيّ”، قولاً وفعلا، الذي أصررنا عليه طيلة الأحداث وما بعدها بإيمان عميق، كان عاملاً مهماً في إنقاذ لبنان المتعدّد الطوائف. وقد ترسخ في أذهاننا وقلوبنا أن لا حياة للمسيحيين إلا في هذا اللبنان بالذّات الذي يقدر أن يؤمن لأبنائه، على أرض الواقع، عدالة حقيقية ومساواة حقيقية.

“المقاومة اللبنانية”، نصاً وروحاً، هي مقاومتنا، ولا مقاوَمة منتصرة إلا بها.

في 29 أيلول 2017​​​​ ……..انطوان نجم