المحامي عبد الحميد الأحدب/القضاء هو الحلّ الوحيد… ولكن أي قضاء؟

99

القضاء هو الحلّ الوحيد… ولكن أي قضاء؟
المحامي عبد الحميد الأحدب/27 أيار/2020

تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى الى الأسفل “لي كوان يو” قائد الثورة في سنغافورة.

كيف يمكن للبنان أن يخرج من الانهيار الخطير الذي يتخبط فيه؟

لبنان ضوء منير في التاريخ ليس لبنان جبران باسيل ولا سوزان الحاج ولا، ولا، بل لبنان هو جبران خليل جبران وأمين الريحاني ومي زيادة وأمين المعلوف، بلد فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل، بلد الرحابنة.

كلا، ليس بلد النفايات والمقاولين الفاسدين والفيول المغشوش والكهرباء المقطوعة والتي تكلف 50 مليار دولار، ليس بلد السماسرة!

فكثير من بلدان العالم وقعت تحت قبضة الفاسدين ولكنها بعزم الرجال استطاعت ان تخرج مرفوعة الرأس تمحو العار بيد من حديد!

من يستطيع اخراج لبنان من هذا النفق؟ آه يا جيل الخيانات! آه يا جيل العمولات! آه يا جيل النفايات! آه يا جيل الدعارة! سوف يجتاحكم مهما أبطأ التاريخ فرسان الحرية.

من يخرجنا من هذا الجحيم؟ هناك مؤسسات لها رصيد ولها تاريخ كما الجيش وكما البنك المركزي وكما القضاء، ولكن، الجيش اللبناني ليس جيش فؤاد شهاب ولا معدنه من معدن الجيوش العربية التي قامت بانقلابات خرّبت بلدها وهي تزعم أنها تصلحه وتحرر فلسطين.

الجيش اللبناني لن يقمع الثورة ولكنه لن يقوم بثورة.

أمّا البنك المركزي، فهو بين حانا ومانا، وليس بنك ادمون نعيم بطل الإصلاح والنزاهة، حاكمه رياض سلامة، شاطر، رسم لهم خطة النهب! وتغاضى واستفاد وخطط الطريق للانهيار الذي سارت به الدولة الى هذا القعر المخيف.

لا الجيش اللبناني، جيش فؤاد شهاب، ولا البنك المركزي هو بنك ادمون نعيم. وريمون اده وفؤاد شهاب تركا لبنان وحذّراه من السير في الطريق الذي تسلكه الطبقة السياسية الحالية!

بقي القضاء وحده وسيلة الإنقاذ الوحيدة من الإنهيار. ولكن القضاء يجب أن يقوم بثورة إصلاحية قضائية تطهّر القضاء ذاته وتفكّ ارتباطه بالسياسة وتحمل السيف لقطع رؤوس الفاسدين بأيد نظيفة ولكن أي قضاء هو المطلوب؟

القضاء اللبناني كان قضاء اعتبارياً مثل كل قضاء في دول العالم الثالث اكبر قضاياه عفاف وشكري، وكان قضاء مستوراً! لم يكن قضاء طاهراً ولا قضاء داعراً!

اذا كنا نتطلع الى المؤسسة الثالثة الباقية في دولة لبنان المنهار أي القضاء، فإن الأمر يبدأ بإصلاح القضاء وتطهيره! لأنه اذا كان القضاء في الدول التي لا يعشعش فيها الفساد لأنه هو ايضاً قضاء عادل طاهر على شكل الدولة التي يضبط العدل فيها: فرنسا ليست دولتها فاسدة بل هي دولة ديمقراطية وقضاؤها هو حارس العدل الولايات المتحدة وانكلترا واسبانيا و…و… هذه الدول لا تحتاج الى قضاء ينقذها لأنها ليست ساقطة في الخطيئة المميتة.

ولكن لبنان وهو من الدول التي تعاني ما تعانيه من فساد ورشوة ضربت رقماً قياسياً في العالم في افراغ ميزانية الدولة والمصارف، مثل هذه الدول امامها ثلاث مؤسسات الجيش والبنك المركزي والقضاء، ولبنان ليس مؤهلاً لإنقاذه لا عن طريق الجيش ولا عن طريق البنك المركزي فلا يبقى الا القضاء للبنان المنهار الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليس سوى مؤسسة القضاء تصلح له.

ولكن هيهات، فالقضاء القادر على الإنقاذ ليس قضاء عفاف ولا قضاء عمر فاخوري ولا قضاء سوزان الحاج ولا قضاء فايز كرم ولا قضاء ميشال سماحة ولا قضاء بيتر جرمانوس وغادة عون وليس بالذات قضاء انتقامي في الحجز على أموال النائب هادي حبيش.

القضاء المطلوب للإنقاذ يبدأ امره بأن يطهر نفسه ويصلح نفسه ولا يعود قضاء انتقامياً بل قضاء يعطي العدل طاهر ناصع البياض ارزه لبنان.

ليصبح قضاء طاهراً يؤمن العدل ويحاسب الطبقة السياسية المشكلة من الحرامية!! قضاء سهيل عبود، ولكن مسنوداً من النقيب ملحم خلف بطل الثورة الذي خفت صوته هذه الأيام! قضاء اميل تيان وعبد الباسط الغندور وامثالهم، هذا هو القضاء الذي ينتظره الدور التاريخي في انقاذ لبنان، وهذا اول تحد مطلوب على طريقة تحديات الطبقة السياسية من الحرامية والجدد والذين انضم اليهم مجموعة في طليعتهم وزيرة العدل (ما شاء الله على حقوق المرأة).

ليس أمامنا سوى القضاء، ليس، ليس قضاء غادة عون بل قضاء سهيل عبود وملحم خلف!

اعتقدنا أن وزيرة العدل ستكون اميل تيّان فاذا هي مستشارة عند جبران باسيل، اسقطت الآمال المعقودة على المرأة، كان لبنان وقضاءه بحاجة الى صفية زغلول وجميلة بو حيرد وبنت الشاطئ وعلياء الصلح وليس بنات من روضة الأطفال، لأنّ الوزيرة التي انقلبت من الثورة الى سلطة الفساد، هي التي تعرقل اليوم التشكيلات القضائية وتخالف نص القانون بشكل معيب يستوجب المسؤولية والمحاسبة– حين يأتي يوم الحساب – وليست الوزيرة سوى نسخة عن محاكمة سوزان الحاج!

وصار من الواجب ان تكون النظرة عند اختيار المرأة الى المسؤولية أكثر دقة بكثير مما كان انطباع أيام زمان، واذا عدنا الى القضاء إنّه المنقذ الوحيد لإخراج لبنان من الإنهيار فلنعدد الأمثال:

في إيطاليا تزعّم قاضي كبير وجريء ونبيل نادي القضاة كما عندنا هو جوفاني فالكوني وسقط شهيداً عام 1992 بسيارة مفخخة اعدّتها له المافيا في صقلّية. سقط شهيداً مع زوجته القاضية فرنشيسكامورفيللو وثلاثة من مرافقيه (النهار 23/5/2020).

في إيطاليا خاض القضاء معركة ضد السياسيين والمافيات، أسقط الفساد، وكانت المعركة مسلحة من المافيات الإيطالية كما اللبنانية هذه الأيام، كانت مسلحة ولجأت الى اغتيال القضاة وعائلاتهم وأصحاب الجرأة والكفاءة الذين لاحقوا المافيات بمذكرات التوقيف وأحكام السجن بالسنوات، وكانت معركة وقف العالم يتابعها بذهول، وأعطت للتاريخ أمثولة في اصلاح نظام فاسد على يد قضاء جريء وطاهر!

عالم جبار، وذهب ضحية المعركة عشرات من القضاة الايطاليين الشرفاء ولم يتراجعوا وظلوا متابعين معركتهم لآخر لص من المافيات الايطالية الذين افرغوا خزانة الدولة.

ونزل الشعب الإيطالي كله الى الشارع وظل يساند القضاء حتى خافت وتراجعت السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية امام هذا الهدير الجبار واعطت القضاة القوانين التي طالبوا بها. واصطلح النظام في إيطاليا على يد القضاء وعادت الأموال المنهوبة الى الشعب الإيطالي واستعاد الشعب الإيطالي كرامته وحريته وأمواله، هاتوا لنا قضاء مثل القضاء الإيطالي.

قضاء سهيل عبود الطاهر سار نصف الطريق ثم قطعت الطريق عليه الوزيرة ماري-كلود نجم لتوفر على ميشال عون مزيداً من المسؤوليات عن الفساد التي يحملها! وكنا ننتظر من ملحم خلف بطل الثورة ان يكمل الطريق.

وأمثلة أخرى من العالم:
في اليونان اشترط صندوق النقد الدولي اصلاح القضاء، وتم اصلاح القضاء وانقضّ القضاء الجريء الصالح على المافيات اليونانية وأدخل الوزراء وكل المدراء وكل المقاولين الى السجون التي ضاقت بهم.

عادت الحياة العامة في اليونان كما وعادت الأموال المنهوبة وأعطى صندوق النقد الدولي مليارات وعادت اليونان دولة عصرية نظيفة فيها الاستثمارات وفيها رخاء وفيها، وفيها، ولكن لم يعد فيها فساد ولا مفسدين في السلطة!

اذا نجح القضاء في تطهير نفسه تدق ساعة الإصلاح اذ ذاك، والقضاء العادل والطاهر هو وحده القضاء الذي يمكن أن يكون الرجاء للوضع اللبناني المنهار والمهدد بأوخم العواقب!

قضاء سنغفورة حيث كان “لي كوان يو” بطل الثورة وأول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة والتي حكمها ثلاثون عاماً، فنقلها من العالم الثالث الى العالم الأول، من دولة نامية تمد يدها وتستعطي الى دولة رائدة ذات اقتصاد جبّار ويعتبروه في سنغافورة الأب الروحي لهذه البلاد التي أصبحت من أعتى وأكبر الاقتصاديات في العالم والتي اعتمدت أساساً على جودة التعليم والبحث العلمي ونظام منخفض الضرائب والسياحة.

يقول “لي كوان يو”: “أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيّرت مكانة المعلميّن من طبقة بائسة الى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، وهو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنّا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع.”

هنا بالضبط يكمن سر التغيير، التعليم! بناء الانسان الجديد، تغيير نظرته الى الحياة والى نفسه، جعله صاحب مهمة ورسالة، وليس التعليم القائم على فكرة الحشو المعرفيّ فقط، المعرفة لا تبني انساناً لوحدها.

الرجال العظام والقضاء العالم الجريء المتحرر هم الذين ينقذون ويحررون الأوطان!

في غياب فؤاد شهاب وريمون اده لا يبقى لنا سوى القضاء، القضاء اللبناني وحده دون سواه، كلنا وراء القضاء، والقضاء يطهّر نفسه على رغم أنف الفاسدين والفاسدات! ومنذ سنوات ليست بعيدة نجح القضاء في العالم في انقاذ اليونان وإيطاليا وسنغافورة من الانهيار المخيف.

منذ اتفاقية الطائف صرنا بكل أسف شعب المصادفات التاريخية، فبالمصادفة نحب، وبالمصادفة نكره، وبالمصادفة نتّحد، وبالمصادفة ننفصل، وبالمصادفة ندخل الحروب، وبالمصادفة نخرج منها، وبالمصادفة نولد، وبالمصادفة نموت، نحن أصدقاء الريح تعلمنا منها التذبذب، وعدم الثبات ونحن أصدقاء الموج، تعلمنا منه التناقض والانفعال.

القضاء وحده قادر أن يؤمّم الظلم وينهي حكم الباشوات والمتعهدين والفساد والاستبداد وينهي أسطورة ماسحي الجوخ ويكسر سلطتهم ويزيل حاجز الخوف بين القانون والناس.

يا قضاة لبنان خمس ملايين لبناني معكم وراءكم وسندكم تعالوا الى مشاركة الناس خبزها وقهوتها وحزنها وفرحها وحريتها السجينة لتتحوّل عيون لبنان الذابلة الى عيون خضراء.