يوسف ي.الخوري: في لبنان دويلتان داخل الدولة، وليس واحدة/رياض سلامة، أنت دويلة ثانية في دولة الهدر والفساد

141

في لبنان دويلتان داخل الدولة، وليس واحدة
يوسف ي.الخوري/01 أيار/2020

رياض سلامة، أنت دويلة ثانية في دولة الهدر والفساد. الدويلة الأولى (حزب الله) هي أقلّ فتكًا منكَ بمصائرنا، إذ هي لا تخجل بكونها جزء من ولاية الفقيه الإيرانيّة، وأهدافها واضحة للعيان ولمن يُريد أن يتواجه معها أو يُحالفها. أما أنت فلا نعرف إذا كان ارتباطك محصورًا بسياسات الْ “نيوليبرالية” العالمية وبعض الأمريكان، أم أنّك ترتبط بأكثر من طرف.

*****
رياض سلامة، تكلّمتَ بأمور كثيرة وأشغلتنا بتفاصيل مالية مملّة، وما كان مطلوب منك سوى الإجابة على أمر واحد: أين ودائعنا؟

طمأنتنا في البداية بأنّها موجودة، ثمّ رحت تستفيض بالتفاصيل وعرض الأرقام، لتشرح لنا أنّك ديّنتها للدولة والدولة استخدمتها!

سأتغاضى عن هذا التناقض في كلامك وأكتفي بأنّك قلت إنّها موجودة. موجودة، يا سعادة الحاكم، تعني أنّها بمتناول اليد أو الطلب، فإذا كنت تعني ما تقول، أعطِنا ما لنا بذمّتك من أموال ولا تُملي علينا كيف نتصرّف بها. وإذا كانت أموالنا مع الدولة ولا خوف عليها، فأخبرنا كيف ستُعيدها الدولة إليك لنستعيدها بدورنا منك!

أوضحت في مؤتمرك الصحفي الأخير بأنّ مُهندَساتك المالية أخّرت الانهيار، وتفاصحت بأنّك كنت ترى الخطر القادم وحذّرت الساسة أولياء الأمور منه، لاسيّما لناحية تأخّرهم في إصلاح القطاع العام، أو إقرارهم سلسلة الرتب والرواتب من دون اعتماد آلية مناسبة لتسديدها.

أن تعرف بأن الدولة مُقبلة على انهيار، ومن ثمّ تستمر في تغذيتها بالأموال من ودائعنا في البنوك، فهذا يعني أمرًا واحدًا لا ثاني له: محاكمتَك بتهمة سوء التصرّف بالأمانة، لأنّك سلّفت ودائعنا لجهةٍ (الدولة) أنت مدرك بأنّها عاجزة عن السداد. أنا أجهل أساليب التحقيق والمحاكمات، لكنّي أتخيّل ما قد يطرح عليك قاضي نزيه من أسئلة، سيقول:
– القاضي: إشرح لي، سيّد سلامة، كيف حصل أن سمحت لجنة الرقابة على المصارف بإقراض 80% من ودائع الناس في البنوك إلى الزبون نفسه (الدولة)، وهي تعلم من دون أدنى شك بأنّ هذا الزبون هو متعثر؟

(لا أتوقّع منك، سيّد رياض، أن تعترف بسهولة أمام سعادةَ القاضي، كم كانت الإغراءات والمكاسب التي قدّمتها للمصارف كبيرة، حتى جارتك في المقامرة بأموال الناس لتديين الدولة. وأنا أعتقد أن أيّ قاضٍ سيستمع إلى أقوالك، سيحاول تبسيط الأمور تجنّبًا لأن تغرقه بتفاصيل أرقامك)؛

– القاضي: لمّا اقترضتُ من أحد المصارف لأشتري سيارة لإبني، طلب منّي المصرف عشرات الأوراق والمعاملات للتأكّد من قدرتي على إيفاء الدين، وفوق ذلك، رهن السيارة الجديدة لصالحه، وألزمني، كي يضمنَ حقَّه أكثر، بتوطين جزء من معاشي يغطّي قيمة ثلاثة سندات. أسألك سيّد رياض: ماذا أعطت الدولة ضمانات لتستحق أن تقرضها المصارف والمصرف المركزي هذا الكمّ من أموال الناس؟
– أنت: كنا نأمل بأن يُجري السياسيون الإصلاح وتحصل الدولة على مساعدات وقروض أجنبيّة من شأنها تغطية الدين.
– القاضي: تقصد تغطية فوائد الدين…
– أنت: (لا تُجيب)
– القاضي: ولمّا لم يحصل الإصلاح ولم تأتِ القروض، ماذا كانت الإجراءات التي اتخذتها أنت كحاكم، للحفاظ على أموال الناس التي ديّنتها للدولة عن غير وجه حقّ؟
– أنت: (لا تُجيب)
– القاضي: (ساخرًا)… أنا أُجيب عنك؛ سهّلت للدولة الحصول على قروض إضافية… ومن أموال الناس أيضًا!
– انت: (لا تُجيب)
– القاضي: كيف تُعطي الدولة ديونًا جديدة وهي لسنوات عديدة بالكاد كانت تُسدّد الفوائد على دينها، ولم تُسدّد بارة واحدة من أصل الدين؟ … أرجو ألّا تستغبيني سيّد رياض وتقول أِنهم ألزموك بذلك أو توافقوا على ذلك في الميزانيّات السنوية….
– أنت: (لا تُجيب)
– القاضي: وكأنّك في الإطلالة التي أقدمت عليها أخيرًا، كنت تحاول رمي كل المسؤولية في ضياع جنى عمر اللبنانيين على الطبقة الحاكمة، كما تحاول الإيحاء بأنّ ما حصل هو خارج عن إرادتك وما كنت راغبًا فيه. لماذا إذًا لم تستقِل طيلة هذه السنوات سيّد رياض وقبل أن تقع الواقعة؟!
– أنت: (لا تُجيب)
– القاضي: عندي سؤالين أخيرين قبل إقفال التحقيق، وأرجو أن تجيبني عنهما: بحسب الوقائع التي تناولناها، من يكون المُقرض الفعلي للدولة، الناس أم البنوك؟
– أنت: (صمت، ثمّ بتردّد)… الناس…
– القاضي: (إستطرادًا) أرجو أن أسمعك توضح هذه النقطة في مؤتمر صحفي، وأن تعمّم على البنوك بالتوقّف عن تمنين الناس بالازدهار، والبحبوحة، والإتاحة لهم بتعليم أولادهم، والسفر خلال عطلهم، يوم كنتَ أنتَ تحكم بـ “أمر الليرة”، فالليرة ليرة الناس وأنتم كنتم تقرضونهم ليرَتهم بفوائد تحت شعار العيش الكريم!
والآن، إلى سؤالي الأخير سيّد سلامة: أخبرتنا في مؤتمرك الأخير أنّ البنك المركزي ينشر نتائج حساباته في الجريدة الرسمية، وحدّدت مواقع النشر منذ العام 2006. ماذا تقول عن هذه النقطة قبل ذلك التاريخ، ولماذا تجاهلته خلال المؤتمر؟
– أنت: (تفكّر قبل أن تُجيب)….
(إنتهى التحقيق أمام القاضي)

لا أعرف يا سيّد رياض ما إذا كان هناك من جواب على السؤال الأخير، لكن ما أعرفه هو أنّك آثرت التأكيد على “شفافيتك” في الأداء خلال زمن الشيعيّة السياسية (2006 – حتى اليوم)، متغاضيًا عن ذلك في زمن الحريريّة السياسيّة (1993 – 2005) السابق، مع العلم أنّ تواطؤكَ مع المصارف ضدّ حقوق الناس، بدأ منذ توليك الحاكميّة في العام 1993. آنذاك، خططتَ مع أترابك في الحريرية السياسية لأمور أربعة كانت هي الأساس في إيصالنا إلى حجم الفساد والسرقة اللذين نحن عليهما اليوم. وإذا كانت الدولة تشارككم في المسؤولية عن الهدر والفلتان الإجتماعي والإقتصادي، فيكون من باب أنّ سياستكم الحريريّة فتحت للدولة مصراعي الباب.

ماذا حصل؟! وهذه هي الوقائع الحقيقيّة المؤكدة:
غداة تسلّمك الحاكمية في آب العام 1993، باشر فريق رفيق الحريري، وأنت من طليعيّي المهندسين لسياساته، بتطبيق خطته الهادفة إلى وضع اليد على “البلد”:

أوّلًا: أقنعتم المصارف بوقف منافسة البنك المركزي، ولا نعرف إن كان بالترغيب أو الترهيب أو بالإثنين معًا، ووعدتموها بأرباح إضافية في حال جارتكم في سياساتكم النقدية والمالية على قاعدة “دعوا حاكم المركزي يعمل وهو يتكفّل بزيادة أرباح البنوك”. الشقّ الأول جيّد وضروري، لكن الشقّ الأخير (التكفل بزيادة أرباح المصارف) فنقطة سوداء في تاريخ الحريرية السياسية.

ثانيًا: ثبّتم سعر صرف الليرة لجذب الإستثمارات التي من شأنها تحريك عجلة الإعمار بعد الحرب، وهذه في المطلق خطوة حميدة. أمّا وأنّ تثبيت سعر الصرف فتح الباب لـِ “دَوْلَرَة” الإقتصاد اللبناني، وكلّف الخزينة عشرات مليارات الدولارات، فيُصبح خطوة قابلة للجدل برسم مصداقيّتك، سيّد رياض، وبرسم “الجوائز” التي حصدتها كحاكم و”النياشين” المعلّقة على صدرك.

ثالثًا: رفعتم الفوائد إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الحديث (± 43%)، وهذا ما غرّر باللبنانيين وببعض الأجانب، فدفقوا أموالهم في المصارف اللبنانية بهدف الإستفادة من الأرباح المتاحة التي لا يُمكن تحقيقها في أيّ مجال عمل. بغضّ النظر عن جشع الناس وطمعهم بالكسب المُريح، تبقى خطوة رفع الفوائد هي الأساس في القضاء على الإستثمار في الإنتاج اللبناني، ومن ثمّ دهورة إقتصاد البلاد، واليوم وضع اليد على ودائع الناس بعدما نجحتم في جمعها داخل المصارف.

رابعًا: أرسيتم نظامًا يُحالف بين أصحاب المال والقوى الحاكمة، فكان تحالف مثلث المصرف المركزي والبنوك والترويكا (حريري – جنبلاط – برّي) الذي أمسك بمفاصل البلاد الاقتصادية والمصرفية. خلال الثماني والعشرين سنة الماضية، استفادت هذه التركيبة من سرقة خيرات البلاد، كما أفادت كل طرف فهم كيف يحجز لنفسه فسحة ضمنها، فتعزّزت المحاصصة لإسكات الشركاء من الطبقة الحاكمة، وألغي دور ديوان المحاسبة لتسهيل مرور الصفقات، وهُمّش التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية حتى تمكّنت الترويكا من تقاسم الصناديق، فأحكم رفيق الحريري السيطرة على مجلس الإنماء والإعمار تاركًا للشيعة مجلس الجنوب وللدروز صندوق المهجرين، فتحوّلت هذه الصناديق إلى وكر للفساد والهدر يغرف أهل الحكم من نعمه.

حمى المنظومة المنوّه عنها أعلاه وأمّن استمراريتها؛ اثنان: السلطة الأمنيّة والمال. في زمن الحريريّة السياسية جاءت الحماية الأمنية من السوريّين، وفي زمن الشيعية السياسية تكفّل بها حزب الله. على مرّ الزمنين، كان رياض سلامة الساهر على توفير التغطية المالية لكل أعمال هذه المنظومة، الحسن منها – وهو قليل -، كما السيء الذي أوصل البلاد إلى أصعب مرحلة في تاريخها.

ولا تزال، يا سيّد رياض، وحتى أمس، تريد اقناعنا بأنّك منزّه ولا علاقة لك في أيّ من معاناتنا. لم يعد بمقدورك إخفاء شراكتك مع البنوك لسرقة مال الشعب مهما تظاهرت وإياهم بأنكما جسمان مختلفان. أنت من جعل هذه البنوك كتلة موحّدة محكومة بسياساتك النقدية ومهندَساتك المالية.

سيّد رياض،
لا أحتاج للبحث كثيرًا عمّا يُثبت تورّطك (أنت والبنوك) في الهدر والفساد المتفلّتين منذ عقود في بلدنا، فبالإضافة إلى كونك أحد رموز الحريرية السياسية، أنت ضيّعت جنى أعمارنا، كي لا أقول نظّمت سرقة جنى أعمارنا، وللتأكّد من تورّطك في هذه، يكفي كلّ منّا أن يسال نفسه: “أين ودائعي؟”، أو أن يتساءل كيف استمريتَ في تبوّء كرسي الحاكمية منذ عقود ثلاثة لو لم تكن على تنسيق وتناغم تامّين: من جهة مع الطبقة الحاكمة التي تنعتها أنت شخصيًّا اليوم بالفساد وهدر الأموال، ومن جهة ثانية مع دويلة السلاح التي لا يُمكن أن تسمح لأحد من حجمك أن يبقى في مركزه لثلاثين سنة ما لم يكن مغطِّيًا لأعمالها ونائيًا بنفسه عن سلاحها.

رياض سلامة، أنت دويلة ثانية في دولة الهدر والفساد. الدويلة الأولى (حزب الله) هي أقلّ فتكًا منكَ بمصائرنا، إذ هي لا تخجل بكونها جزء من ولاية الفقيه الإيرانيّة، وأهدافها واضحة للعيان ولمن يُريد أن يتواجه معها أو يُحالفها. أما أنت فلا نعرف إذا كان ارتباطك محصورًا بسياسات الْ “نيوليبرالية” العالمية وبعض الأمريكان، أم أنّك ترتبط بأكثر من طرف.

لكن ما نعرفه هو ان فريقك السياسي أمعن في سرقة الشعب وتدمير الاقتصاد وتشويه هويّتنا اللبنانية، بالتكافل والتضامن مع البنوك والأحزاب الطائفيّة وبعض الطوائف، وبحماية سلاح الدويلة الأولى. وأخيرًا يؤسفنا أنكم كلكم سيّئون لدرجة أنّكم جعلتمونا نفتخر ونفاخر بأنّنا كنّا يومًا من أتباع المارونية السياسية.

بالإذن من الحزب الشيوعي، وإنّه اليوم السابع والتسعين بعد المائة لانبعاث طير الفينيق.