نديم قطيش: تذاكي حسان دياب على اللبنانيين/فؤاد مطـر: العراق نطَقَها ولبنان الإيراني يغص بها

164

العراق نطَقَها… ولبنان الإيراني يغص بها
فؤاد مطـر/الشرق الأوسط/28 نيسان/2020

تذاكي حسان دياب على اللبنانيين
نديم قطيش/الشرق الأوسط/28 نيسان/2020
الكلام الكبير عن «تغيير وجه لبنان الاقتصادي الحر» كما تحذر القوى المعادية لـ«حزب الله» في لبنان، بات ممجوجاً، وينمّ عن انعدام المخيّلة السياسية والإعلامية لقائليه، واتكالهم الكسول على خطاب التخويف وشحن الذعر على أنه أداة سياسية لا أكثر.
لا أحد من القائلين بذلك يفصّل ما يعنيه بتغيير وجه لبنان. تغييره بأي اتجاه ووفق أي منظومة قيم أو قواعد عمل؟
عدم وجود إجابة ليس صدفة. هو نتيجة منطقية لطبيعة السؤال الخاطئة. بالنظر إلى الورقة الاقتصادية التي قدمتها حكومة الرئيس حسان دياب؛ يعثر المرء على كل ما يؤكد التزام الحكومة بالاقتصاد الحرّ. الورقة بهذا المعنى امتداد موضوعي للحريرية السياسية؛ نهجاً اقتصادياً يقوم على فكرة تمويل الاقتصاد بالاستدانة والتوظيف في البنية التحتية وخلق وظائف وجذب رساميل استثمارية، وقد زِيد عليها مؤخراً قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ورقة الحكومة تذكر صندوق النقد الدولي ومؤتمر «سيدر» الاستثماري عشرات المرات بوصفهما المرجعيات العملية التطبيقية لسياسة الحكومة الاقتصادية.
فأين بالضبط عثر أصحاب التخويف على مؤامرة «تغيير وجه لبنان الاقتصادي الحر»؟
الأخطر من هذه التهمة السمجة، هو أن حسان دياب الذي يرأس حكومة الشراكة بين «حزب الله» وتيار رئيس الجمهورية ميشال عون، ملحقاً بهما على مضض الرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية وبعض الشخصيات المستقلة المحترمة، ينتحل صفة وجه لبنان وما ينبغي أن يكونه هذا الوجه.
منذ البداية يتذاكى دياب على اللبنانيين. تذاكى بأنه يشكل حكومة مستقلين أكفاء سيعمل معهم على استعادة ملامح لبنان الحقيقي وليس تغييرها. ومنذ البداية بدت ولادة الحكومة وقد خرجت من قبّعة القوى السياسية نفسها التي يقود معسكرها «حزب الله». الوزير سليمان فرنجية فضح هذا الادعاء بأعلى درجات الشفافية حين خرج في مؤتمر صحافي قال فيه إن الحكومة يشكلها صهر العهد الرئاسي جبران باسيل.
وحتى الرهان على قدرة المستقلين في الحكومة على إحداث أي فارق جدّي في الأداء السياسي سرعان ما سقط. يكفي النظر إلى التشكيلات القضائية التي كان يمكن أن تعطي إشارة لتطور إيجابي في التعامل مع مواقع الشأن العام؛ وإذ بها مجمّدة في أدراج رئاسة الجمهورية بانتظار إخراجها، كما كانت تخرج في العادة، على قواعد المحاصصة واستتباع القضاء لهيمنة السلطة السياسية.
مع ذلك؛ يستمر الرئيس دياب في التذاكي الأخطر، وهو أنه الوجه النضر للبنان الذي يكافح الفساد، ولبنان الذي يطمح لبناء اقتصاد متناغم مع قواعد النظام الدولي، ولبنان الذي يحلم به جيل أبناء «ثورة 17 تشرين».
يتذاكى حسان دياب على الثورة بمحاولة إيهامها بأنه رئيس الحكومة التي تريدها، وبأنه الشخص الذي أتى ليحل مكان النخبة السياسية القديمة، متعامياً بالكامل وداعياً الجميع إلى التعامي، عن حقيقة ساطعة؛ هي أن هذه الحكومة هي حكومة «حزب الله» – ميشال عون. حكومة يسعى حسن نصر الله وجبران باسيل لتمتين عودها كلما دعت الحاجة، ورئيس حكومة ينشد له منشد الحزب كلاماً ولحناً ما قيل في غيره.
ويتذاكى حسان دياب بخطاب مكافحة الفساد متعامياً بالكامل وداعياً الجميع إلى التعامي، عن حقيقة ساطعة، وهي أن متورطين في بعض الفساد من التهرب الجمركي، والمعابر غير الشرعية، والكهرباء، وملف النفط، أعضاء في الحكومة الحالية، بل قيّمون عليها وعلى قرارها، في الكبيرة والصغيرة.
هكذا يصبح خطاب الفساد كلام حق يراد به باطل، أو في الحد الأدنى أداة بيد فاسدين لتصفية حسابات سياسية مع فاسدين آخرين، بصرف النظر عن مصالح اللبنانيين الفعلية والمباشرة. وما حسان دياب في هذه المعادلة إلى الأداة التي يمرّ عبرها سلوك الكيدية وتصفية الحسابات.
ويتذاكى حسان دياب في الملف الاقتصادي، فيخاطب المجتمَعين الدولي والعربي من منصة الدولة الرشيدة، والحكومة العاقلة التي تعرف كيف يعمل العالم. يتوجه إلى صندوق النقد الدولي بخطاب إصلاحات، وإلى الدول العربية مراهناً على تدخلها الاقتصادي الحميد لصالح لبنان، ويغازل أوروبا من بوابة «مؤتمر سيدر الاستثماري»، حتى تشعر أن لبنان فعلاً على أبواب صفحة جديدة تفتح في تاريخه. يقول الرجل جلّ ما ينبغي أن يقال في لحظات مماثلة. يحاول انتقاء العبارات الدقيقة، ويسعى للتعبير عن التوجهات المُثلَى، ويرمي الوعود المغرية لكل من يريد أن يسمع. كل ذلك وهو يرأس حكومة «حزب الله»، الذي لا يعرف سبيلاً لوضع لبنان موضع الشبهة الدولية إلا سلكه، وما ترك حائط عمار مع العالم العربي إلا هدمه.
يتناسى حسان دياب ذلك ليس من باب التآمر فقط. فهو يملك من الأنا المتضخمة ما يجعله يعتقد بصدق أنه قادر على أن يلعب على كل التناقضات، لتمرير ما يعدّه مشروعه الإصلاحي والإنقاذي.
يعتقد أنه قادر على الاحتيال على الثورة و«حزب الله» وصندوق النقد وخصومه السياسيين والمجتمع الدولي، للوصول إلى مبتغاه: الرئيس المنقذ الذي أخرج لبنان من محنته!
يتسلح دياب بأن حكومته حاجة للجميع وأن سقوطها يعني عدم القدرة على تشكيل حكومة أخرى في المدى المنظور، وأنه بسبب من هذه الحاجة قادر على الاستثمار في التناقضات. في ذهنه أنه يضرب بعضاً من أركان النخبة القديمة «بري – الحريري – جنبلاط» ويحتال على النخبة الأحدث «عون – (حزب الله)» لتمرير ما يريد تمريره وحجز مقعد له في مستقبل لبنان السياسي.
قوة حسان دياب في أَنَاه المنتفخة التي تدفعه للتفكير خارج الأطر التقليدية للتفكير في السياسة في لبنان من دون أن يتوقف للحظة عند مخاطر ما يفكر فيه أو يقدم عليه، ومن دون أن ينتبه إلى الحدود بين ما هو قراره وما هو قرار من أتى به ويحميه ويواكبه.
كفى تذاكياً.

العراق نطَقَها… ولبنان الإيراني يغص بها
فـــؤاد مطـــر الشرق الأوسط/28 نيسان/2020
مصادفة مدعاة للتأمل، ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه الرئيس الجزائري يعزل رئيس جهاز المخابرات ويتم إيداعه السجن تمهيداً لمحاكمته بعد ما كان، بطبيعة الحال لمن يتسلم هذا المنصب أحد أبرز مراكز القوى، يواصل مصطفى الكاظمي (رئيس جهاز المخابرات في العراق حتى يوم تسميته من جانب رئيس الجمهورية برهم صالح مرشح التوافق عليه لتشكيل الحكومة) سعيه لإنجاز المهمة، وبالتالي استيلاد الحكومة التي تعسَّر أمر اختيار الشخص الذي في استطاعته أن يكون رئيس حكومة للعراق وليس رئيس حكومة في العراق تتقاذفها رياح الولاءات للنظام الإيراني وبالذات للحرس الثوري في هذا النظام الذي كانت دائماً قبضة جنراله الأقوى قاسم سليماني ضاغطة عند التشاور حول مَن يترأس حكومة العراق ثم أكثر ضغطاً بعد الترؤس.
أن ينتهي أمر رئيس جهاز مخابرات معزولاً ثم مسجوناً وقيد المحاكمة ليس حالة جديدة في العالم العربي. ولنا على سبيل المثال لا الحصر ما جرى لرئيس المخابرات المصرية في عهد الرئيس أنور السادات. لكن الحالة المستحدَثة هي أن يقع الاختيار على رئيس جهاز المخابرات بعد التوافق لكي ينهي النظام به أزمة تشكيل حكومة على نحو ما حدث في العراق. والتوافق الذي حدث كان توافُق الاضطرار بعد طول استنزاف للصبر والمماحكات التي لا جدوى منها والتي كان مشهدها أشبه بحرائق مشتعلة فيما مياه النهر تتدفق بجوارها ولا مَن يطفئ النار. فهنالك انتفاضة. وهنالك «جيوش» صغيرة تتناسل وتأخذ من وهج الجيش الوطني ذي التاريخ العريق. وهنالك إرادة قرار مصادرة وتفريس متدرج للسياسة العامة. وما هو أهم من ذلك أن صيحات الثأر لا تهدأ وينادي مطلقوها ضد أميركا بخروجها وتناسي أن الأميركان في شخص بوش الأب ثم في شخص ابنه كانوا بسياستهم وحربهم هم الذين صادروا القدرة الوطنية العراقية على تغيير نظام البعث إسقاطاً وإحلال من ارتأوا إحلالهم مكانه.
وعند الحديث عن الصبر، فإن سعة صدر الرئيس برهم صالح وإدارته لأزمة التكليف مثَّلت دفعاً للاقتناع ولو بعد طول أخْذ وكثرة اشتراطات عصية على القبول بأن لا حل للعراق كوطن، وليس فقط لا حل لأزمة تشكيل حكومة جديدة، إلاّ في طي صفحة الإملاءات الخارجية. وعندما تُطوى هذه الصفحة تصبح مبادئ التشكيل هي مفتاح باب العراق المرصود أمام علاقة عربية متوازنة وعلاقة دولية متزنة. وعندما ارتأى الرئيس برهم صالح بمغادرته بغداد إلى السليمانية آخر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فلكي يسجل نقطة نظام ورفضاً قاطعاً لإصرار المشترطين على حكومة شبيهة بشجرة مغروسة في أرض العراق فيما أغصانها وثمارها عبْر الشط يجنيها الجار الإيراني ويوظفها بكل أنواع التوظيف العقائدي والمالي والتجاري، إلى جانب أن تكون مثل رصاصة في مسدس يهدَّد بها الآخر، وهو هنا المجتمع الدولي الداعي إلى تغيير النهج الإيراني، بحيث تكون إيران دولة وليست بؤرة ثورية تُوزع الإقلاق في أكثر من مكان وبشكل مكثف على دول الخليج والأشقاء العرب الذين يريدون جواراً إيرانياً خالياً من الأذى والتدخل.
رفْض الرئيس برهم للإملاءات الخارجية من خلال وجوده في السليمانية وبداية ذبول متدرج في القدرة المالية الإيرانية وانعكاس مفاعيل هذا الذبول على الأذرع الإيرانية في الخارج وبالذات في العراق ولبنان واليمن، ثم المفاجأة الكورونية التي أربكت ذوي العناد والمكابرة، أوجبت بالنسبة إلى اللوبي الإيراني في العراق أن يقرأ كتاب الوضع كما تستوجب القراءة الصحيحة وليس كما الهوى. وعلى هذا الأساس استقر رأي أُولي التعطيل التقليديين على أن يؤخذ برؤية رئيس الجمهورية برهم صالح واختياره مصطفى الكاظمي مدير المخابرات لتشكيل حكومة تسترضي كل الأطراف وتلقى الرضا من هذه الأطراف في ظروف اضطرارية عاشها الناس في العراق طوال عشر سنين عجاف. وبدا اختيار التوافق على مصطفى الكاظمي للترؤس، رغم أن عدنان الزرفي كان هو الآخر من أصحاب الرؤية الواقعية لوضع الوطن على أُولى محطات انطلاق قطار تصحيح مواقف أعاقت العراق سمعة وطمأنينة، أشبه باختيار الرئيس دونالد ترمب يوم 13 مارس(آذار) 2018 مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات المركزية وزيراً للمنصب الثاني الأهم في الدولة الأميركية. كما أنه أشبه باختيار الرئيس رونالد ريغان، رئيس المخابرات المركزية زمنذاك جورج بوش الأب لمنصب نائب الرئيس.
المتوقَّع للعراق لمجرد انحسار المخاطر الكورونية والخطر الداعشي المتجدد حَراكه، هو أن يكون العراق المأمول دوراً ونهوضاً ما دام من سيشكِّل الحكومة حدَّد ومن دون التحسب لهذا أو ذاك أو أولئك يسجلون الاعتراض على تكليفه، خريطة طريقه التي لخص معالمها بما قل ودل من التعهدات على النحو الآتي: «السيادة خط أحمر ولا يمكن التنازل عن كرامة العراق. العراق للعراقيين وقرار العراق بيد أبنائه. سنعمل على حصْر السلاح بيد الدولة، فالسلاح ليس من اختصاص الأفراد ولا المجموعات. سيادتنا الوطنية أولاً ويجب أن تقوم علاقاتنا الخارجية على الاحترام والتوازن. العراق ليس تابعاً لأحد. الدولة ليست حزباً ولا طائفة ولا ديناً بعيْنه وعلينا أن نثق بها. لن نسمح بإهانة أي عراقي من أي جهة داخلية أو خارجية عبْر اتهامه للخارج. إعادة النازحين إلى ديارهم هدف لن أتخلى عنه».
معنى هذه التعهدات أن من مصلحة النظام الإيراني التعامل مع العراق بعد الآن وفق هذه الخطوط – المبادئ التي مِن شأن الأخذ بها استعادة العراق رقماً يُحسب له حساب يرتاح له الجار العربي ويخفف الجار الإيراني من أثقاله عليه. وشيئاً فشيئاً يستعيد العراق شأنه كثاني دولة نفطية، لا يتعثر في تأمين متطلبات الشعب ويحقق مطالب المنتفضين ويسدد ما تبقَّى عليه من ديون… وينتقل بالتالي من دولة مهمومة إلى دولة تستعيد مكانتها في خريطة المنطقة. وهذا وارد الإنجاز ما دام تنفيذ خريطة الطريق سيبدأ.
ما فعله الثنائي برهم صالح – مصطفى الكاظمي أمثولة لمن يريدون صدقاً صون وطنهم وكرامته واستقراره وإبقاءه في منأى عن الغلو الثوري وإبراء الكيان الذي أمعنوا فيه بعثرة ووضْعه من جديد في المكانة التي يستحقها.
والأمثولة برسم الثنائي اللبناني رئيس الجمهورية ميشال عون الذي نتمنى أن يكون مثل برهم صالح، وحسن نصر الله الذي نتمنى ألا يغص فيما نطقه مصطفى الكاظمي… مع الأخذ في الاعتبار أن لبنان أكثر حاجة إلى استنساخ الأمثولة الكاظمية من العراق نفسه. كما هي برسْم ما تبقَّى من مهابة الرئيس بشَّار الأسد الذي إذا نطق بما نطقه الكاظمي فإن سوريا تعود سوريا العربية وقد تجردت من ثوبها الإيراني – الروسي الذي أرخى أقتم الظلال على تاريخها الوطني. والله الهادي إلى سواء السبيل.