شارل الياس شرتوني/حزب الله، سياسات النفوذ الشيعية والأبواب الموصدة

128

حزب الله، سياسات النفوذ الشيعية والأبواب الموصدة
شارل الياس شرتوني/09 نيسان/2020

ان الصلف الذي يتسم به اداء الثنائي الشيعي ينم عن عدم اتزان في تقدير الأمور والتصرف وكأن البلاد ملعب مفتوح للتعبير عن وهامات انتصارية وعقد استعلاء تسترجع ترسبات دونية لا مسوغ لها، سوى عدم اجراء قراءة نقدية لمسار تاريخي متعرج بين خصوصية جبل عامل التاريخية داخل المدى السلطاني العثماني ( السني )، والآفاق الجديدة التي تأسست مع الكيان الدولاتي اللبناني، سواء لجهة المساواة المعنوية والقانونية والمدنية ( التي تكفلها الموجبات الدستورية )، وتبلور الهوية التاريخية خارجا عن الحدود الشرعية والفعلية التي ارستها الخلافات السنية المتعاقبة، وديناميكيات التمكين المتنوعة التي دفعت بها الحداثة من خلال المساواة المدنية، والسياسات الاجتماعية والتربوية، والحراك السياسي، والهجرة الى أفريقيا، واميركا اللاتينية والديموقراطيات الغربية، وتبلور سياق اجتماعي تصاعدي من خلال التعليم العالي والتثاقف ونشوء نخب ليبرالية، خرجت الى غير رجعة عن دائرة الدفاعات النرسيسية المستنفرة، الى دائرة التواصل المدني والانساني المتحرر من الترسبات النفسية المريرة التي انطوى عليها تاريخي تمييزي مديد. مشكلة حزب الله الشيعية هي تموضعه على خط تقاطع التباسات تنعقد على خطين: خط سياسة التمكين التي أسسها الإمام موسى الصدر المبنية على سياسة تحديث طوائفية تحاكي وتتواصل مع التجربة المسيحية اللبنانية، والمارونية تحديدًا، لجهة النهضة التربوية والعلمية والمثاقفة والاغتراب… ( بديلًا عن الخط الشيوعي الذي اعتمد منذ الستينات كأحد تعبيرات أمراض البلوغ، le communisme comme maladie infantile )؛ والأفق السياسي الناشئ عن الثورة الخمينية، كنموذج انقلابي داخلي وإقليمي بمواجهة الإقفالات التي فرضتها تاريخيًا سياسات النفوذ السنية.

حزب الله بأفقه الأيديولوجي الناظم هو في حالة اصطدام فعلية مع واقع شيعي حاضر اكثر تعددية وليبرالية وغير مستعد للتأقلم مع إملاءاته، حتى لو انه يفيد من ديناميكية النفوذ التي أوجدها؛ وهو أيضا في حالة تأزم سببها تهاوي الثورة الإسلامية في ايران، وسقوط روايتها المؤسسة، لحساب مسار ليبرالي يناقضها في أسسها وميتولوجياتها الإسلامية الناظمة. حزب الله يسعى الى فرض سياق سلطوي في بلد ذات ارث ليبرالي كلبنان، على قاعدة أزمتين متداخلتين في وسطه: ليبرالية شيعية غير سكونية، وتناقضات مرجعيته الإيرانية المميتة، في محاولة مزدوجة لفرض اقفالاته الأيديولوجية والسياسية، وتعزيز فرص تركز هيمنة شيعية ترأب التناقضات الداخلية؛ وتركيز سياسة التوسع الإيرانية على مستوى الشرق الأدنى، وبالتالي تعزيز سيطرة سياسة الملالي على الداخل الإيراني المتداعي، على وقع أزمات متضافرة: سياسات التوسع الإقليمية وتداعياتها المفتوحة، سقوط مؤسسة الولي الفقيه مع نهاية حقبة الخامنئي كمقدمة لنهاية المرحلة الخمينية، النفاذ بسياسة عسكرة الطاقة النووية كبديل عن التطبيع الدولي والإصلاح الداخلي، وتنامي المخاوف الاستراتيجية الإقليمية على تنوع تصريفاتها الواقعية والمتوهمة. حزب الله يتحرك باتجاه الخارج ( غير الشيعي ) ،المحلي والإقليمي، على وقع مفكرة شيعية تصطدم بممناعات داخلية تأتي من قبل ائتلافات سياسية مناوئة ( افرقاء ١٤ آذار، تيار المستقبل، معارضات شيعية، … )، وخارجيا بممناعات سنية متنوعة ( سعودية، أردنية ، تركية وراديكالية سنية )، وبحدود اللعبة الدولية المنعقدة حول مداخلات الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، ومندرجات الدبلوماسية الدولية. ضف الى ذلك حدود لعبة التصرف بالحكومة التي يسعى الى توظيفها بشكل فج في خدمة حركته السياسية الداخلية والخارجية، والتي من الممكن ان ينفرط عقدها بين يديه في حال التمادي في استتباعها والتصرف الاستنسابي بها.

حزب الله يعيش حالة مد وجزر بين اقفالاته الأيديولوجية والاستراتيجية، وإملاءات العمل السياسي الفعلي وما يمليه من تسويات وتعديلات في الرؤى ومندرجات الحركة السياسية. ان” الظهورات المتواترة ” لحسن نصرالله تبقى في دائرة العزل الأيديولوجي الذي يمارسه حزب الله في الأوساط الشيعية المتنوعة في لبنان وفي المغتربات الشيعية، وعلى خط الترابطات المالية والاقتصادية والسياسية المؤتلفة حول اداءات غير سوية ومنحرفة ( داخليا واقليميا ودوليا )، ورعاية الفساد والسياسات الريعية والزبائنية، ولن تخرج في مسارها ومؤدياتها عن دائرة الحجر الشيعي وملحقاتها .ضف الى ذلك ان التمدد الاستراتيجي للحزب على قاعدة ارتباطات نزاعية ثلاثية، داخلية، وسورية واسرائيلية، سوف تدخله في منزلقات صراعية غير قابلة للضبط، وعلى خلفية واقع لبناني متداع على كل الأصعدة، ومنعطف على اشتراكات نزاعية وإشكالات مميتة، ومدغمة بمكابرة ليس فيها من حسن التقدير والتدبير بشيء. ان تحول لبنان الى منصة لأعمال انقلابية داخلية واقليمية ودولية، تعيدنا الى الوضعية التي آل اليها على أساس القاعدة الذهبية التي اعتمدها تحالف اليسار التوتاليتاري ومنظمة التحرير الفلسطينية ( بيروت هانوي العرب ) التي حولت لبنان الى مكب نزاعي إقليمي ودولي ( ١٩٧٥-١٩٩٠ )، ليس من الحكمة والواقعية بشيء، ولا حاجة لإعادة معاينة تردداته المدمرة للتحقق منها كما جرى في العام ٢٠٠٦. ان المبالغات الخاطئة في التموضع الاستراتيجي وفي تقدير الموازين الاستراتيجية دونها عقبات واعتبارات لا بد من التوقف عندها، قبل الخوض في مغامرات غير متماسكة في أحكامها ومترتباتها.

الواقعية السياسية تقتضي من الثنائي الشيعي مقاربة واقعية وغير مكابرة، وذات اعتبارات سيادية ملزمة وغير انتهازية، فلبنان ليس بمحطة مرحلية لسياسات شيعية إقليمية تديرها الجمهورية الإسلامية الإيرانية: لبنان بلد مستقل، ودولة ذات سيادة مبدئية، ومجتمع سياسي، يعانون مجتمعين ومنفردين من أزمات وجودية ( سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية وتربوية … ) تتطلب حلولًا عملية تتمفصل على خط التواصل بين الدولة والمجتمع المدني، والا دخلنا في دوامات التقيح النزاعي واشتراكاته المتحولة والمفتوحة على واقع الصراعات الإقليمية وتفاعلاتها. علينا بادىء ذي بدء، ان نعي ان للاعتدال فضيلة هي التبصر والتمييز في مجريات الأمور خارجا عن الجموح الأيديولوجي والاستراتيجي لحزب الله، الذي يؤهل نفسه دوما لخوض مغامرات غير مسؤولة مبرمجة على أساس سياسات النفوذ الشيعية التي اطلقتها الثورة الخمينية، وديناميكيات الفوضى التي تستحثها وما يقابلها من ديناميكيات سنية مضادة، وانهيارات إقليمية متنامية أطاحت وتطيح بما تبقى من مراسي جيوبوليتيكية ضابطة.

أما فيما يعود إلينا كلبنانيين، الحكمة السياسية الأولية تقتضي الحفاظ على الاعتبارات الميثاقية الناظمة، وإعطاء الأولوية لمعالجة الأزمة الوبائية الخطرة، والتعاطي مع الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية من منطلق تداخلي وتعاوني، وعلى خطي الداخل والخارج ( الإقليمي والدولي ). ان أية محاولة لحزب الله باتجاه احتباس البلاد ضمن مقولاته الأيديولوجية، ومصالحه السياسية والمذهبية ومنطلقاته الانقلابية، وإخراج البلاد من قواعد المجتمع الدولي على أساس النماذج الفنزويلية والإيرانية والكورية الشمالية والكوبية ( وهامات وخزعبلات النظام الدولي المضاد: كاسترو، كيم جونج ايل، احمدي نجاد، هوغو تشافيز، … )، هم ضروب من الهوس والترهات الأيديولوجية والانكفاء النزاعي المديد الذي لن يسلم احد من تردداته. المكابرة في السياسة كلفتها كبيرة ومضاعفة وقلما ينجو حاملها من نتائجها المدمرة.