الأب سيمون عساف: دنيا فيها يَحيَون/المطران بولس عبد الساتر: لم يعطَ لكلّ أحد أن يكون زعيمًا مارونيًّا

191

لم يعطَ لكلّ أحد أن يكون زعيمًا مارونيًّا!
المطران بولس عبد الساتر/01 شباط/2020

دنيا فيها يَحيَون
الأب سيمون عساف/01 شباط/2020
ان اغوص في التاريخ الماروني البعيد والقريب، يعني القيام بزيارة معالمنا القديم منها والحديث للاستذكار والاتعاظ واخذ العِبَر.
عِبَرٌ لمن اعتبر وحرَّكه دم الشهامة والمرؤة الذي يغلي في العروق للحفاظ على الموروث العريق، وعلى اهلٍ أصحاب أصل تركوا لأجيالهم ملاحم ولا اشرف.
تُحَفِّزُنا للأسمى ولاستكمال مسار بَنَوه بثمن غالٍ كريم.
فلسفة الحياة ان يكون للانتماء احترام نترجمه بالتعلق بمخزون تركتنا.
والمخزون كناية عن قلم وجهاد ودم واستشهاد وارتقاء وقدَاسات.
وهذا ما يدل على هويتنا الراسخة الجذور بارضها الزاخرة بالمعطيات التراثية حضارة وثقافة ورسالات.
اقلامنا حلّق حاملوها وابدعوا في كل مضمار علمِيٍّ وفنِّيٍّ وروحيٍّ وادبي، اذكر منهم على سبيل الحصر سمعان السمعاني واسطفان الدويهي وجبران خليل جبران وامين الريحاني وسعيد عقل وامين نخله والأب ميشال حايك وألأب يواكيم مبارك والدكتور كمال الحاج وغيرهم كثيرون، دمغوا باتساع فكرهم وقوة براعتهم وفصاحة عبقرياتهم وبلاغة نبوغهم المميَّز الممتاز جباه المعارف والعلوم حتى تمّ فيهم المَثلُ المـاثور “عالِمٌ كماروني”. سجَّلوا اسماءهم في اصرحة الجامعات وموسوعات الامم.
وننتقل الى مساحة جهاد ابطالنا التي لا تستوعب تجلياته الحروف والكلمات وتشهد الهيجاء وساحات الوغى على الشراسة في الدفاع عن مقادسهم وامتيازاتهم والكرامات، ويا للأسف، اغلب قادتهم باعوا معارك النبل وتاجروا بجهاد الرفاق نتيجة الطمع والخيانة والغباء فبكى الإخلاص والأخلاق على التضحيات وبلتهُم الهزائم والخيبات.
ثم الدماء الذكية السخية التي أُهرِقت من اجل صيانة الكيان مرفوعا شامخا مزينا بالعنفوان، تقترن قضيتها بالجهاد صارخة من تحت التراب ومن غيب المقاتلين الراحلين لاعنة كل نذيل في شخص قايين وبيلاطس ونيرون. ذاك الدم السكيب يبكِّت الضمائرويحدو بالأبناء والحفَدَة للاستطلاع والتعمق ببطولية الفرسان الأشاوس والاقتداء بها اوفى اقتداء.
وماذا عن الاستشهاد المستميت للذود عن حياض ورياض وطنٍ كان سبب علة وجوده اجدادٌ تشبَّثوا بترابه وسقَوه عرقَ العصب والجبين وناموا في حضنه أملين من القادمين بَعدَهم الحفاظ على ربوع مراقدهم وتقديس خشوعها الساكن الى يوم مجيء “الحَمَل” المظفَّر.
وكم ارتقى جهابذةٌ عظام متضلِّعون خبراء من قوافلنا قممَ المجد والسؤدد وتجلّوا حتى حفروا في ذاكرة مجتمعنا المآتي والمآثر وما على الباحث الا ان يكتشف مخابىء الكنوز في خزائننا المهجورة.
من هنا بزغت الفضائل من فجر القديسين نعمة الله وشربل ورفقا والأخ اسطفان فالتمعت نجومهم بظهور مذهل واجادوا على الناس بالخوارق والاعاجيب والمعجزات في طليعتهم الراهب اللبناني بطل القداسة شربل مخلوف.
كتبت هذا السطور لأحثّ الطالعين من ناشئتنا على الرجوع الى تاريخهم والاستقاء من مناهله والافتخار بما عندهم علَّهم يستحقوا ان يكونوا الورثة الحقيقيين المؤمنين المنتمين الى ارض وطن منها خرجوا وعليها درجوا في زمن التفلُّت وخلع العِذار.
واذا اهملوا بقلة اكتراثهم وعدم اهتمامهم هذا الفيض من القيم الشيم الفكرية والعلمية والروحية فعليهم اللعنة من الرعيل وبئس السليل وعلى دنيا فيها يَحيَون الف سلام؟

لم يعطَ لكلّ أحد أن يكون زعيمًا مارونيًّا!
المطران بولس عبد الساتر01 شباط/2020
أريد زعيمًا مارونيًّا يكون إنسانًا مسيحيًّا مؤمنًا وملتزمًا اختار الله الآب والابن والروح القدس الهًا واحدًا ووحيدًا له، زعيمًا يكفر بآلهة هذا العالم كالمال والسلطان والعروش والطموحات.
أريد زعيمًا مارونيًّا يصوم ويصلي راكعًا على ركبتَيه، على نية من جعلوه كبيرهم. أريد زعيمًا يُميت غرائزه ويستلهم الروح القدس في قراراته وأفعاله لأنه يَعي مسؤوليته أمام الله في يوم الحساب، عن الذين أوكلوا اليه.
أريد زعيمًا مارونيًّا يختار أن يعيش كما أسلافه، في أعلى الجرود، في الصقيع وبين الصخور أو في عمق الوديان ذات الدروب المستحيلة ليبقى حرًا في قراره ومعتقده وضميره على أن يعيش في السهول الخصبة وفي بحبوحة، تابعًا، ومكبَّل الضمير.
أريد زعيمًا مارونيًّا يختار أن يثبت في أرضه في زمن الضيق مع اهله حتى الاستشهاد، ويعمل لأجل شعبه حتى نسيان الذات، ويتنكّر لمشاريعه ولمصالحه الشخصيَّة حتى نكران الذات.
أريد زعيمًا مارونيًّا يقول الحق دومًا من دون مواربة وبلا خوف، ويقاوم الفاسد كائنًا من كان بلا تسوية، ويعمل لخير الإنسان، كل الإنسان، من دون تردّد.
أريد زعيمًا مارونيًّا يختار المنفى أو التخلي عن الزعامة وحتى الموت، كلّ يوم مرات ومرات لأجل قومه على أن يموت واحد منهم لأجله ولأجل زعامته، ولو مرة واحدة.
فهل سأجد هكذا زعيم؟