شارل الياس شرتوني/سقطت الحكومة قبل ان تولد والسلم الأهلي على المحك

76

سقطت الحكومة قبل ان تولد والسلم الأهلي على المحك
شارل الياس شرتوني/19 كانون الثاني/2020

ان ما شهده وسط بيروت من تفلت امني خطير البارحة يحيلنا الى وقائع خطيرة تتبلور مع وضع يد ،حزب الله وملحقاته، على السلطة السياسية في البلاد وتحويلها الى متغير تابع لسياسات النفوذ التي يديرها على غير محور إقليمي وداخلي.

ان الانقلاب المبرح على المعادلات الميثاقية واللجوء الى تحالفات صورية تغطي هيمنته الاحادية، لن يجدي نفعا وسوف يستحث ممانعات تأخذنا الى سياقات فوضوية لن يقو على ضبطها احد.

ان سياسة الخيارات المفتوحة التي يعتمدها حزب الله لن تقتصر عليه فالآخرون لديهم أيضا خيارات مفتوحة، وما سوف يستتبع ذلك من ديناميكيات فوضوية تقوض السلم الأهلي، وتدخلنا على نحو مباشر في متاهات النزاعات الاقليمية.

ان سياسة المكابرة والرهان على فائض القوة التي يمتلكها، والتنكر لهموم وأولويات اللبنانيين الحياتية والإصلاحية، كما عبرت عنها الحراكات المدنية على مدى الأشهر الماضية، لحساب سياسات النفوذ الايرانية والشيعية اقليميا، سوف يؤديان الى انهيار ما تبقى من الوجود الدولاتي، والدخول في متاهات نزاعية متشابكة.

أما الجانب الآخر لواقع التدهور السياسي الخطير فهو استنكاف حكومة تصريف الأعمال عن القيام بعملها التدبيري عملًا بمبدأ استمرارية السلطات، وصيانة الخير العام وحقوق اللبنانيين، لجهة الاستقرار النقدي والاقتصادي والاجتماعي، وترك هذه الشؤون للسياسات الاستنسابية التي تعتمدها جمعية المصارف انطلاقًا من تقديرها لأولوياتها ومصالحها، متنازلة بذلك عن دورها السيادي في مجال صياغة السياسات العامة وإنفاذها من خلال لجنة الرقابة على المصارف، وتطبيقات قانون النقد والتسليف، والتواصل مع المؤسسات المالية الدولية من اجل احتواء الأزمة والتحضير للسياسات البديلة…،.

ان مهزلة ترك سياسة إدارة الودائع المصرفية لجمعية المصارف وإحالة حقوق المواطنين لإرادتها الاستنسابية، هو استهداف للوضعية المواطنية بالصميم، وتحويلنا الى موالي عند المصرفيين، لا مواطنين في دولة تعبر ،كما في كل نظام ديموقراطي، عن إرادة الشعب كمصدر للسلطات والمرجع الأخير لها.

لقد ترك الناس في حالة تخبط وضياع مع تنامي الأزمة المالية واستفحالها، ووضع اليد على المبادلات المالية من قبل مافيات الصيرفة ومحركيها في القطاع المصرفي، امعانا في دفع السياق التضخمي، وشفط أموال الناس من خلال اللعب على أسعار صرف العملات الصعبة، وما أدت اليه من انهيار الثقة بالقطاع المصرفي، وضرب الحياة الاقتصادية، وتفعيل الأزمات الاجتماعية والاستشفائية والتربوية…،.

على الرغم من كل ذلك، سمح سعد الحريري لنفسه مغادرة البلاد لقضاء عطلته الدائمة، ولم يكلف نفسه لا هو ولا رئيس الجمهورية التوجه الى اللبنانيين من اجل توضيح حيثيات الأزمة المالية وصعوباتها وسبل حلها، وتركت الناس تتدبر امرها وكأنه ليس لهذا البلد من حكم فعلي سوى سياسة القمع غير المتبصرة.

لقد سقطت حكومة حسان دياب قبل ان تولد بفعل استشراء العنف وتبلور إيحاءاته، وها نحن اليوم أمام خياري الحرب الأهلية وما سوف تستحثه من صراعات مفتوحة على كل نزاعات المنطقة، أو العودة الى العقود الميثاقية وطروحات الحراكات المدنية التمكينية والإصلاحية كمدخل لمرحلة جديدة. ان سياسة الإملاء وفرض الأمر الواقع المعتمدة لن تذهب بعيدا والبرهان على ذلك انها وقعت في لعبة الدم قبل ان تبدأ.

ان تجاهل حيثيات الحراك المدني والاعتبارات الميثاقية، وما تستدعيه من سياقات سياسية ودستورية وآليات انتقالية نحو تسوية ديموقراطية، هو تطور خطير يفصح عن إرادة سيطرة صريحة وذات نتائج مدمرة.

اخيرا، لا بد للحراكات المدنية من اجراء نقلة نوعية باتجاه برنامج عملي مشترك وآلية تفاوضية من اجل الدفع بحكومة تمثيلية تحضر لانتخابات نيابية مبكرة. عدا ذلك، مسار الفوضى والحرب الأهلية قد استكمل روايته وعدته.