شارل الياس شرتوني/حزب الله والاوليغارشيات والتدمير المنهجي للدولة اللبنانية

83

حزب الله والاوليغارشيات والتدمير المنهجي للدولة اللبنانية
شارل الياس شرتوني/27 كانون الأول/2019

ثمة نقطة تقاطع تجمع حزب الله والاوليغارشيات الحاكمة في هذا البلد، هي تشبثهم بالاقفالات السياسية، والامتيازات المالية والاقتصادية التي مكنتهم من تحويل الدولة اللبنانية الى متغير تابع لسياسات النفوذ، وتثبيت الطابع الريعي للدولة والاقتصاد، وتفكيك أوصال النظام الديموقراطي لحساب السياسات الزبائنية التي قوضت اركان دولة القانون ( الحقوق الأساسية والولاءات المدنية، وصدقية التمثيل السياسي، واستقلالية المواطنين المعنوية والادائية، وتعمم الفساد على كل المستويات ). هذه الاستنتاجات تظهرها التطورات السياسية الأخيرة لجهة تمدد الفراغ الحكومي والإبهام الذي يحيط الأوضاع المالية:

أ- ان التعثر المتمادي لتأليف الحكومة عائد لاعتبارين، الأول يعود للطابع المفاجىء للثورة المدنية التي أطاحت بشرعية السياسات الاوليغارشية وممثليها، والثانية ترجع الى نظام المحاصصة بين أطراف النادي الاوليغارشي المغلق. سياسة التمادي في الفراغ الحكومي ترمي الى استنزاف الحراكات المدنية، وتفعيل تناقضاتها والحؤول دون تحولها الى منازع فعلي لها، والحؤول دون فتح باب المشاركة السياسية وانهاء واقع الاوليغارشيات السياسية المقفلة. ان حيثيات تكليف حسان دياب والمداولات المحيطة بتشكيل الحكومة، تعيدنا الى سياسة وضع اليد التي صاغها حزب الله منذ نهاية الانتخابات النيابية الأخيرة والتي تستكمل اليوم من خلال تأليف حكومة تابعة. الحول السياسي لحزب الله يعود الى سوء تقدير قدراته على صعيد المبادرة السياسية والعمل الحكومي، وهامش حركته الإقليمية والدولية الضيق والمحفوف بالمخاطر، واعطابه الاستراتيجية لجهة انخراطه المباشر في نزاعات الداخل السوري، وتداعيات الصراع السني-الشيعي اقليميا، واستدعاء النزاع العسكري الأرعن مع اسرائيل. ان تخليه عن النهج السياسي الميثاقي والتوافقي لحساب وضع اليد المباشرة على الحكم في البلاد سوف ينتهي بالفشل، وادخال البلاد في متاهات نزاعية مدمرة ومفتوحة على كل مصادر الصراعات الإقليمية. ناهيك عن حالة عداء مفتوحة مع غالبية الفرقاء السياسيين والمدنيين اللبنانيين، بما فيهم أوساط المعارضة الشيعية المتنامية، وفي حالة انكشاف تامة حيال سياسات العقوبات المالية، والملاحقة الجنائية من جراء أعماله الاقتصادية وممارساته المالية غير السوية.

يصر حزب الله، على الرغم من كل ذلك، متابعة أدائه غير المتبصر، والمغالي في تقدير الإمكانيات، والتنكر للحدود والمخاطر. أما تحالفه مع التيار الوطني فقد تحول الى علاقة استتباعية أفقدته صدقيته في الأوساط المسيحية، وأنهت قدرته على المبادرة الخارجية. كما ان تقسيم العمل بينه وبين زعامة نبيه بري القائمة على رعاية الفساد والنفوذ الاعتباطي داخل ادارات الدولة، واستعمال سياسة ارهاب الرعاع للنيل من سياسات الممانعة تجاه كليهما، لن يثنيا احدا عن المواجهة وسوف يفضيا الى تفعيل النزاعات الأهلية على تنوع وتائرها وفاعليها. أما سياسة تقاسم المسالب مع الاوليغارشيات السنية ( الحريري، الميقاتي، الصفدي ) ، والسعي الى تفتيت الساحة السنية ( عبد الرحيم مراد، فيصل كرامي، تجمع علماء المسلمين ) فقد افضت الى تفعيل الحراكات المدنية، والنزاعات السنية والشيعية في الداخل، كما نشهد منذ بضعة أسابيع. حزب الله يعمد الى سياسة التفرد والاستعداء المجاني في وقت تصطدم فيه سياسة النفوذ الإيرانية بالانهيارات المتسارعة في دواخلها، وفي العراق الشيعي ولبنان الملتئمين حول ديناميكيات الثورات المدنية التي حفزها الفساد السرطاني والاقفالات الاوليغارشية الخانقة.

ب- ان الإبهام الذي يكتنف السياسات المالية وأوضاع المصارف لجهة مراقبة حركة الرساميل التي اقتصرت على احتجاز أموال المواطنين، وفتح باب التسرب الذي يقارب عشرات المليارات، كما افصح عنه الخبير الاقتصادي مروان إسكندر ( نقلا عن صحافية سويسرية، افادت ان البرلمان الكونفدرالي السويسري هو بصدد إعداد تحقيق يعد للنشر حول ودائع السياسيين اللبنانيين في المصارف السويسرية )،وكما أوحت به تصريحات حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وسليم صفير ، رئيس جمعية المصارف . ان الغموض والتكتم والادعاء بعدم حيازة المعلومات، هي خدع صبيانية لا تنطلي على المواطنين الذي كانوا السباقين في الإعلان عن سياسات التهريب التي لم تتوقف خلال الشهرين المنصرمين. هذا الواقع المخزي كاف وحده لابراز الطلاق الفعلي بين المجتمع المدني والنادي الاوليغارشي على اختلاف تشكلاته. هذه الاداءات اللاالأخلاقية وغير المسؤولة والجرمية الطابع، تستهدف بشكل إرادي الاستقرار المالي في البلاد وتؤكد ان هذه الاوليغارشيات لا هم لها سوف تهريب سرقاتها، دون أي اكتراث لمفاعيلها على مستقبل الاستقرار النقدي في البلاد وتداعياتها الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسلم الأهلي.

ج- تحيلنا هذه الوقائع الى مواقف سياسية تملي على الحراكات المدنية والسياسات المعارضة التوجهات التالية: ١) ضرورة مواجهة حازمة مع حزب الله لجهة تعديل مساره السياسي باتجاه توافقي يغلب الواقعية والاعتدال على الجموح السلطوي الأعمى، والشطحات السياسية والأيديولوجية، والحسابات الاستراتيجية الخاطئة وغير المتزنة، ولاحاجة لتجارب مماثلة لما جرى في ٢٠٠٦، او لفلتان الإرهاب المتفجر الذي لازم المداخلات في العمق النزاعي السوري، او لتمدده باتجاهنا للاستدراك… ٢) لا بد من اللجوء الى الفصل السابع من قانون الأمم المتحدة من اجل توسيع مهمات القوات الدولية باتجاه الداخل حؤولا دون الانزلاق باتجاه النزاعات الأهلية ٣)لا بد من تشكيل لجنة دولية للتحقيق والتدقيق المالي من اجل تحديد مواطن الفساد ومصادرها وفاعليها، ورصد حركة الأموال المنهوبة وشبكات تبيض الأموال، ورفع دعاوى باسم الشعب اللبناني، والعمل على إصدار مذكرات توقيف جنائية بواسطة المحاكم الأوروبية والاميركية وإجراء محاكمات، ومصادرة الأموال المنهوبة، كما شهدنا من خلال مصادرة أموال صدام حسين، وموبوتو سيسيسيكو، ونيكولاي تشاوشيسكو، ومعمر القذافي، ومانويل نورييغا، والاوليغارشيات الفنزويلية الحالية، واستثمارات حزب الله وشراكاته وعمليات تبييض أمواله …،. ولا سبيل الى ذلك الا من خلال خطة لاستعادة الأموال تنطلق من الخارج باتجاه الداخل تحفزها إثباتات التورط في عمليات سرقة الأموال العامة التي تمتلكها الدول الديموقراطية المعنية. لا سبيل الى حلحلة عقدة الحيات القائمة على تقاطع ممانعة حزب الله والاوليغارشيات، الا من خلال الحركة الخارجية، علها تجعل من الاعتدال والتسوية مسارا واقعيا وبديلا عن سياسات الجموح والفساد والإسقاطات غير الواقعية والمدمرة على خطوط التقاطع بين الداخل والخارج.