منير الربيع: المطران الياس عودة يرفع عصا الانتفاضة بوجه السلطة والوصاية

127

المطران الياس عودة يرفع عصا الانتفاضة بوجه السلطة و”الوصاية”
منير الربيع/المدن/10 كانون الأول/2019

سريعاً ما تناغم المنتفضون اللبنانيون مع كلام المطران الياس عودة، المؤيد لهم ولمطالبهم.

كان عودة أول من أطلق موقفاً مؤيداً للثورة اللبنانية. وعلى الرغم من ترداد المطالبة بعدم تدخل رجال الدين في العمل السياسي، إلا أن المواطنين دوماً بحاجة إلى أي دعم معنوي لخياراتهم شكاويهم، تماماً كما تلجأ القوى السياسية إلى الاحتماء خلف طوائفها ومرجعياتها الطائفية. وبما أن المنتفضين لا يتمتعون بأي “غطاء سياسي”، مثّل موقف عودة نصيراً لهم في الظروف الحالية. موقفه في بكركي، الذي قال فيه إن هناك امتهاناً لكرامة الناس، ويفضل الفراغ على الواقع المعاش في لبنان، كان متقدماً جداً في دعم خيارات اللبنانيين، بعيداً عن الحسابات السياسية والطائفية.

وجع الناس أولاً
في قداس ذكرى استشهاد جبران تويني، أطلق عودة موقفاً بعيد المدى في السياسة إذ قال: “لبنان اليوم محكومة من شخص، كلكم تعلمونه وهو يعلم ما لا تعلمون ويحتمي بسلاح مجموعة تدعمه”. وأطلق عودة مواقف أخرى في العظة ذاتها، تلاقي مطالب الناس وتدعو للاستجابة لها. لكن موقفه حول حكم لبنان من شخص واحد يعتمد على السلاح، استدعى الكثير من الردود المهاجمة لمطران بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس.
وحسب ما تؤكد المصادر، فإن عودة قصد بكلامه الوزير جبران باسيل، المحتمي بمجموعة لديها سلاح، وسجل اعتراضاً على هذه “الجماعة” (حزب الله) وأسبابها في دعمه، وتوفير ما يريده، ليتمكن من التعطيل وربط مصير البلد بشخصه.

ينقل عن عودة إنه إذا ما خير بين الاستقرار ووجع الناس، يختار وجع الناس. ويرى أن هناك شخصاً واحداً هو الذي يؤخر الحلول. شخص يتحدث في المنتديات الدولية، وكأن شيئاً لم يحدث في لبنان، ومستعد لتدمير البلاد والعباد في سبيل مصالحه الشخصية. ولو لم يكن مدعوماً من هذه الجهة المسلحة لما تمكّن من القيام بما قام به. وتشير المعلومات، إلى أن عودة لم يهدف إلى سجال مع حزب الله، على الرغم من أن موقفه من الحزب معروف.

امتحانات في قبرص!
كما تشير مصادر متابعة إلى أن لا إشكالية بين عودة ورئيس الجمهورية. لا بل هو حريص على موقع الرئاسة ويقدره. لكن الأهم بالنسبة لعودة هو أن تكون الرئاسة في سبيل الناس وخدمتهم، وعدم حماية المحاصصات والصفقات، التي تضرّ الناس واقتصادهم، والكف عن سياسة الشرذمة والتفرقة والتعصب. هذا، على الرغم من أن العلاقة التاريخية بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون لم تكن جيدة.

إذ هناك روايات كثيرة عن حساسية تلك العلاقة، منها: في العام 1989، عندما كان ميشال عون رئيس حكومة عسكرية، زار عودة قصر بعبدا طالباً من عون التهدئة ووقف المعارك، كي يتمكن الطلاب من إجراء امتحاناتهم، فأجابه عون أنه ليس مسؤولاً عما يجري، وبالإمكان “إرسال الطلاب إلى قبرص لتقديم امتحاناتهم هناك”. ما شكل صدمة للمطران عودة.

دور النظام السوري
بالتأكيد ثمة أمور عديدة دفعت بعودة إلى هذا التصريح الجريء، تتجاوز الساحة اللبنانية. فهو منذ فترة طويلة يتعرض لحصار وتطويق من قبل بعض المطارنة والبطاركة الموالين للنظام السوري. وقد اتُهم من قبلهم بأنه يسعى إلى الانشقاق عن الكنيسة الأرثوذكسية، وهو يعارض بوضوح توجهات البطريرك يوحنا اليازجي الموالي للنظام السوري.

منذ فترة، يُتهم عودة بأنه يسعى إلى فصل كنيسة لبنان عن كنيسة سوريا، على غرار ما حدث في أوكرانيا. لكنه نفى الأمر بشكل قاطع. مع ذلك، لا تخفي المصادر أنه منذ انتخاب يازجي بطريركاً لكنيسة أنطاكيا، حتى بدأ عودة في مواجهة منطق “سورنة” الكنيسة الأرثوذكسية. إذ أن البطريرك اليازجي عمل على عزل وتطويق العديد من رؤساء أديرة لبنانيين وتعيين سوريين مكانهم. وجميعهم موالون للنظام السوري. ويقال إنه عندما تم تعيين مطران جديد لجبل لبنان، كانت الغاية أن يكون مطراناً سورياً.

لكن مطارنة لبنانيون انتفضوا وحذروا من خطورة هذه الخطوة. أي أن يتم استقدام مطران من الجنسية السورية إلى أكبر مطرانية أرثوذكسية، هي مطرانية جبل لبنان.

والهدف من “السورنة” يعود إلى مساعي النظام السوري بما ينسجم مع التوجه السياسي والكنسي الروسي، لتطويق المطران عودة وتأمين أكبر عدد من المطارنة الموالين لدمشق، ليتمكنوا من عزله أو انتخاب بديل منه، في سيناريو مشابه تماماً لما تعرض له البطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير. فلدى الكنيسة الأرثوذكسية، المطران على مطرانيته أشبه بالملك، ولا يمكن للبطريرك أن يقيله. ولمطران بيروت الذي ينتخب من المجمع الأرثوذكسي المقدس، رمزية كبيرة خصوصاً أنه يتحدث باسم كل الأرثوذكس في لبنان.

في الكنيسة الأرثوذكسية، هناك بطاركة حسب مناطق كبرى: القدس، موسكو، انطاكيا، وغيرها. هذه البطريركيات يتبع لها مطارنة، فبطريركية إنطاكيا ومركزها الشام، يتبع لها مطارنة لبنان وسوريا وجزء من تركيا. وبالتالي، فليتم تعيين مطران جديد، يجتمع المجمع المقدس الذي يضم البطريرك والمطارنة لانتخابه.

ومع واقع تعيين مطارنة سوريين موالين للنظام، يدورون جميعهم في فلك البطريرك، فهذا يمكنهم من انتخاب المطران الذي يريدونه. أي سيكون حكماً موالياً للنظام السوري.

المطران عودة يعارض ذلك، ويحاول المواجهة. ولذلك اتُهم بأنه يسعى إلى فصل كنيسة بيروت عن كنيسة انطاكيا، قطعاً لتأثير بطريركية سوريا على الكنيسة الأرثوذكسية في لبنان.

الصلب والشجاع
يتمتع عودة بقيمة فكرية ومكانة روحية لدى الرعايا الأرثوذكس وعموم اللبنانيين. هو من محافظة الشمال. وعندما تم انتخابه مطراناً على بيروت، لم يكن مقبولاً أن يكون المطران على بيروت من خارجها، فلم يلق قبولاً حينها. لكن تم احتضانه وتوقيره فيما بعد، بسبب مسيرته الإنمائية. فازدهرت في أيامه الخدمات الاجتماعية المقدمة، وتطورت القطاعات التابعة لكنيسته. وكانت له مواقف صلبة وشجاعة أيام الوصاية السورية على لبنان.

كما أنه يُعتبر من أكبر المحافظين على الإرث الأرثوذكسي. وهو تلميذ الراهب بوروفيريوس، الذي أصبح قديساً في الكنيسة الأرثوذكسية. ويُعتبر عودة بمثابة إبنه الروحي ويسترشد به، ما يجعله مقبولاً على نطاق واسع في الأوساط الأرثوذكسية.

وإذا ما افتقد اللبنانيون إلى صوت وكلمات البطريرك صفير، فها هم يسمعون المضمون عينه بصوت المطران عودة وعقله. وهم بالتأكيد يحتاجون وجدانياً إلى أصوات مماثلة، لطالما كانت تتعالى أيام الحروب وما تلاها.