فارس خشّان: حزب الله يعلنها حربا على الثوّار

2178

“حزب الله” يعلنها حربا على الثوّار
فارس خشّان/الحرة/06 كانون الأول/2019

“حزب الله” يتصرّف في هذه المرحلة، كما لو أنه يخوض حربا جديدة.
لا مبالغة في هذا الاستنتاج، فهو وليد كلام واضح نطق به الحزب على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد الذي قال بالحرف: “ما نحن بصدد مواجهته، من هذا الوجه من الحرب الناعمة، يوازي حرب تموز (يوليو) 2006.

لاحظوا كم هي المسألة كبيرة بأبعادها وأهدافها ونتائجها، لكن كما انتصرنا في تموز سننتصر الآن في هذه الحرب”.

كلام رعد خطر للغاية، فهو ينظر إلى الجزء الثائر من الشعب اللبناني، على قاعدة أنه آلة حرب، وإلى جميع من يدعم هؤلاء الثوار ويريد الاستجابة لمطالبهم، على قاعدة أنهم رعاة هذه الحرب.

وإذا كان “حزب الله”، من هذا المنطلق، يطمح إلى تسجيل انتصار، فهذا يفيد بأنه يضع كل ما يملك من طاقات لإلحاق هزيمة ساحقة بثوار لبنان وبكل من يتفاعل إيجابا معهم.

بالنسبة لـ”حزب الله”، فإنّ رفاهيته وقوته ودوره كلها مرتبطة بإيران
ولكن، ماذا يقصد “حزب الله” بالانتصار؟

ببساطة، هو يريد أن يعود إلى المعادلة السياسية التي كانت عليها الحال قبل انطلاق الثورة في 17 أكتوبر الماضي، أي ترسيخ وضعية ميشال عون في رئاسة الجمهورية، والحيلولة دون إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتشكيل حكومة جديدة تستنسخ، بمعادلاتها، تلك التي خسر معركة منعها من الاستقالة.

وما كان “حزب الله” ينفيه، لا يتردد حاليا في تأكيده وتقديم الأدلة على صحته، فالمعادلة السياسية السابقة لـ 17 أكتوبر رسّخته متحكّما بالقرار اللبناني، في مقابل توزيع المغانم على كل من عاونه في ذلك.

ولهذا السبب، فإن المطالب الشعبية الرامية إلى إلغاء هذه المعادلة والمطالبة بخروج مكوّناتها تباعا من السلطتين التنفيذية فالتشريعية، يعتبرها “حزب الله” حربا عليه وعلى حكمه وعلى نفوذه وعلى تفوّقه، وتاليا فهو يتعامل مع الثوّار على قاعدة العداء، حتى ولو اضطر بين الحين والآخر، على أساس محاولات الاستيعاب، إلى وضع بعض السكر على لسانه المر.

وانطلاقا من ذلك، يمكن فهم التركيبة الحكومية التي يعمل “حزب الله” وملحقته “حركة أمل” على تشكيلها، عبر “ثنائي التفاوض” المشكل من حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب وعلي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس “حركة أمل” الذي هو في آن رئيس مجلس النواب.

يهدف “الخليلان” ـ وهو اللقب الذي يطلقه عليهما اللبنانيون ـ إلى إقناع أهم مكوّنات الحكومة المستقيلة بالعودة، بطريقة أو بأخرى، إلى الحكومة الجديدة. بطبيعة الحال، لا يعانيان أي مشكلة مع فريق رئيس الجمهورية حيث يبرز صهره جبران باسيل الذي يخشى أن ينهار كل ما قدمه من أجل وراثة كرسي “عمّه” في القصر الجمهوري.

ولكن “الخليلين” وجدا عقبات لدى رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري كما لدى رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، من دون أن يبذلا أي جهد لإزالة “المستحيلات” المعلنة عند رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع أو رئيس “حزب الكتائب اللبنانية” سامي الجميّل. كلام رعد خطر للغاية، فهو ينظر إلى الجزء الثائر من الشعب اللبناني، على قاعدة أنه آلة حرب ونجحت “الترسانة” التي يتوسلها “الخليلان” في “الإقناع” بنزع تنازلين من الحريري وجنبلاط، فهما قررا تسهيل مهمتهما، من خلال الموافقة على تسمية “رئيس الحكومة البديل” والمشاركة في الحكومة من خلال وزراء اختصاصيين غير حزبيين.

ومن شأن نجاح “الخليلين” ومعهما رئاسة الجمهورية في تشكيل حكومة بهذه المعادلات أن تضعف المعارضة السياسية المرتقبة، بعدما انقسم ظهرها، فجعجع سيجد نفسه إلى جانب “حليف” لا يربطه الود به بل التنافس، وهو سامي الجميل، وبعيدا من حليفين يريد أن تربطه بهما المصالح السياسية والوطنية، وهما الحريري وجنبلاط.

كما أن تكلل نجاح الخليلين “الدفتري” عبر تسجيله في منظومة المؤسسات، من شأنه أن يلحق هزيمة كبيرة بالثوار وبكل من دعمهم، ذلك أنّ من أخرجوهم من الباب عادوا إليهم من النافذة.

ولكن هل يمكن اعتبار الانتصار الذي ينشده “حزب الله” انتصارا فعليا؟
من وجهة نظر الحزب الاستراتيجية هو انتصار كامل، فمهمته أن يبقى متسيّدا على الساحة اللبنانية، حتى يتمكن من إبقائها جزئية فاعلة لمصلحة “الأجندة الإيرانية”.

ولم يعد خافيا على أحد أن “حزب الله” لا ينظر إلى لبنان على قاعدة أنه بلد قائم بنفسه، بل على أساس أنه جزء لا يتجزأ من المدى الاستراتيجي الإيراني.

بالنسبة لـ”حزب الله”، فإنّ رفاهيته وقوته ودوره كلها مرتبطة بإيران، فإذا سمح للشعب، الذي يقدم مصلحته على أي مصلحة أخرى، بتحقيق أهدافه، فهذا يعني أن قدرته على أخذ لبنان إلى حيث تتطلب المصلحة الإيرانية، سيصيبها الوهن، وتاليا فأهميته ستتراجع والامتيازات التي يحصل عليها ستتقهقر.

وهذا الاختلاف العميق في “الأجندات” بين ثوّار لبنان الذين يحوزون على تأييد غالبية الرأي العام، من جهة و”حزب الله” الذي يملك القوة وما يرافقها من استعدادات وأوهام من جهة أخرى، وضعهما في جهتين متقابلتين، وسمح لمحمد رعد بإعلان الحرب.

إن انتصار “حزب الله” في هذه الحرب ـ وهذا غير مستبعد إذا لم يزخم الشعب ثورته ـ ستكون له نتائج كارثية أعنف بكثير من تلك التي يعيشها اللبنانيون حاليا، لأنه يدخل لبنان نهائيا في “محور الجوع” المشكل من سوريا والعراق وإيران واليمن وفنزويلا وغيرها.

ولن يجد لبنان المنضوي نهائيا في “محور الجوع” من يقف إلى جانبه، فالاستجابة لتطلعات الشعب الثائر فتح باب الأمل في جذب المساعدات على قاعدة الإصلاحات وعلى قاعدة الاهتمام بالذات الوطنية.

قبيل الثورة، وفي ختام زيارته الأخيرة للبنان، تحدث السفير الفرنسي المكلف متابعة مؤتمر “سيدر” بيار دوكين عن عجز الطبقة الحاكمة وقال: “لا يمكن أن نجد مؤشرا اقتصاديا وماليا واحدا ليس سيئا”.

إن انتصار “حزب الله” في هذه الحرب ستكون له نتائج كارثية
وبعد مرور أسابيع على انطلاق الثورة، قال نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود، وذلك بعد أيام قليلة على انعقاد اجتماع في باريس ضم مسؤولين فرنسيين وبريطانيين وأميركيين، للبحث في الوضع اللبناني: “إنّ هناك أكثر من 11 مليار دولار تنتظر، ولكن لا توجد حكومة غربية مستعدة لإنقاذ لبنان إذا لم يستوعب السياسيون رسالة الشارع”.

وهذه المرة الأولى التي تعصف فيها مشاكل تصل بلبنان إلى حافة الجوع، ونجد الدول الخليجية عموما والمملكة العربية السعودية خصوصا، صامتة صمتا كاملا، كأنها لا ترى ولا تسمع.

وتفيد المعلومات أن باريس فاتحت الرياض وأبوظبي بإمكان تقديم مساعدة عاجلة للبنان، فجاءها الجواب: “إذا تشكلت حكومة، كما يريدها الشارع اللبناني، فنحن جاهزون.

في حال حدوث العكس، فلسنا معنيين”.
إذن، “حزب الله” أعلنها حربا فإذا انتصر فليس لديه ما يقدمه للبنانيين إلا المزيد من التعثر والفقر والجوع وإقفال كوّة الأمل.