منير الربيع/جعجع في ساحة الانتفاضة.. وجنبلاط يخذل جمهوره

116

جعجع في ساحة الانتفاضة.. وجنبلاط يخذل جمهوره
منير الربيع/المدن/لأحد 20 تشرين الأول/2019

قفزت القوات اللبنانية من الباخرة. من يعرف سمير جعجع، يعرف أنه من الذين لا يتراجعون في هذه الحالات، بعد أن يكون قد اتخذ موقفاً. وبالتالي لم يقف على تراجع وليد جنبلاط عن الإستقالة. أصر سمير جعجع على المضي قدماً في استقالة وزرائه، هو الذي كان يفكر بهذه الخطوة مراراً. خصوصاً أنه كان يتحمل مسؤولية لا علاقة له بها. وزراؤه مهمشون في الجلسات. لا يؤخذ بآرائهم. وهناك حصار مطبق عليهم. وحسب ما تعتبر مصادر متابعة، فإن قراراً واضحاً كان موجوداً لدى رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، بضرورة إخراج القوات من الحكومة. فالحريري يريد ذلك بسبب الاختلاف مع القوات حول موازنة 2019. وباسيل يريد إخراجهم ليتوسع هو مسيحياً، ويخرج القوات من المعادلة السياسية وتعطيل أي فعالية لها، على الرغم من امتلاكها لخمسة عشر نائباً.

بين الحريري وجنبلاط
كان سمير جعجع يعرف هذه الرغبة من الحريري وباسيل، لكنه استمد قوة من تحرك الشارع، ومن موقف وليد جنبلاط. وربما من أجواء إقليمية ودولية توحي بعدم الرضى على أداء الحكومة وممارساتها، السياسية والاقتصادية. واعتبر أنه بالاستناد إلى هذه المعطيات يمكن أن ينجح في استقطاب الحريري إلى جانبه وجانب جنبلاط، خصوصاً أنه في الساعات الأولى، كانت الوجهة تشير إلى استعداد الحريري للاستقالة، بينما تحدث جنبلاط على مرحلة 14 آذار، وحنينه إلى تجربته مع رفيق الحريري، فيما جعجع لم يغادر أصلاً تلك اللحظة، ولا يزال يراهن عليها.
جاء موقف الحريري مخيباً لمعراب، ليتبعه بعدها موقف وليد جنبلاط الذي تراجع. إلا أن القوات كانت منذ مساء يوم الجمعة تعمل على الضغط في الشارع، لعلّ هذا الضغط ينجح في استدراج الحريري للقفز من المركب الغارق، الذي يريد التيار الوطني الحرّ وحزب الله إبقائه فيه محملين إياه كرة النار.

عندما طلب الحريري مهلة 72 ساعة، كانت وجهة القوات بضرورة تحفيز الناس على النزول إلى الشوارع وقطع الطرقات وشل حركة البلد لقلب الموازين، وتحقيق انقلاب في وجهة الحريري، الذي تبين أنه غير جاهز ولو لمجرد التفكير بالخروج من الحكومة.

تصويت حزبي لصالح الاستقالة
عندما تحدث باسيل عن تحالف رباعي، فهم سمير جعجع الرسالة. واعتبر أن الاتفاق حصل والتسوية تجددت. لكنه لم يصر على التراجع في الاجتماعات التي عقدها مع الهيئة التنفيذية وكتلته النيابية. كان هناك تباين في الآراء. البعض اعتبروا أن المُراد هو إخراج القوات من الحكومة. وهذا مسعى يريد باسيل تحقيقه منذ الحكومة الفائتة، فلا يجب إعطاءه الفرصة. ولطالما عمل على قاعدة إحراج القوات لإخراجها بدءاً من الحصة الوزارية التي أعطيت لها وصولاً إلى الحملات التي تعرضت لها. بينما الرأي الآخر كان يشدد على وجوب الإستقالة وعدم ترك مزاج الناس، وعلى ضرورة الخروج من أعباء المسؤولية، التي وإن لم تظهر حالياً إلا أنها ستنفجر بوجه الحكومة لاحقاً. تم التصويت على القرار. فكانت الأكثرية مع الإستقالة. وعلى هذا الأساس أعلن سمير جعجع ما أعلنه.

السعودية وأميركا وفرنسا
تعتبر القوات أن مصلحتها هي الاستقالة في هذه المرحلة، خصوصاً في ظل الحديث عن عدم رضى دولي وإقليمي على سعد الحريري، وفق ما يعتقد القواتيون وغيرهم، كما أن هناك وجهة نظر تفيد أن المملكة العربية السعودية أيضاً تؤيد خطوة القوات. وكان هناك تنسيق بين الطرفين، بسبب تنازلات الحريري وبقائه مستمداً قوته من حزب الله وعون، وهذا ما تجلى بمدى دفاع نصر الله عنه وعن العهد، وبرفع الفيتو أمام إسقاط حكومته أو إسقاط العهد.

في مقابل وجهة نظر القوات هذه، تفيد معطيات أخرى، أن الأميركيين والفرنسيين حتى الآن يتمسكون بسعد الحريري، ولا بديل عنه للحفاظ على الاستقرار. وهو أجرى اتصالات مع هذه الجهات التي طلبت منه التريث في تقديم استقالته.

إلا أن لدى جعجع حسابات أخرى، تحاكي تطلعات الشارع المسيحي، الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى خطاب مغاير، تماماً كما كانت حال التيار الوطني الحرّ مع البيئة المسيحية طوال الفترة السابقة، قبيل الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

إذ يعتبر جعجع أن التيار اكتسح الشارع المسيحي بسبب خطابه المعارض، حتى وهو ضمن لعبة السلطة. حاول جعجع تكرار ذلك في الحكومتين السابقتين لكنه لم ينجح، ففضل الخروج. تطلعات المسيحيين بعد وصول التيار إلى رئاسة الجمهورية واستلام السلطة بكليتها، ستكون بحاجة إلى تغيير بعد كل هذه الأزمات المعاشة. هو يراهن على أن يكون لخطوته مردوداً شعبياً كبيراً في الشارع المسيحي.
ارتباك الاشتراكي وخطأه.

أما حسابات جنبلاط فمختلفة. قال أولاً إنه لا يريد ترك الحريري وحيداً، ولا يستقيل من دونه. وجد أن الحريري لا يريد الاستقالة. فعمل على تحسين شروطه. وسيطرح وليد جنبلاط جملة شروط سياسية واقتصادية، لكن جنبلاط أوقع نفسه وجمهوره في تناقض وفي خطأ. وظهر موقفه كتراجع كبير مثّل خذلاناً لجمهوره، خصوصاً أنه قبل أسبوع هو الذي قاد أول تظاهرة ضد العهد وضد الإجراءات الضرائبية. لكنه عاد وصوّت مع الضرائب، ليعود فيما بعد ليعلن استعداده للخروج من الحكومة، وقد عاد وغيّر موقفه وتراجع مفضلاً البقاء، لأسباب عدة أولها أن الحريري لا يريد أن يستقيل. وبالتالي لا نتيجة لاستقالته سوى أنها ستنقلب عليه، وسيحل مكانه معارضوه في الطائفة. وهذا ما لا يريده لأنه مطلب للقوى التي تسعى إلى تحجيمه. لكن حسابات جنبلاط التي تناقضت قد تكون خطأ فادحاً، خصوصاً ان الشارع قد تخطى كل القوى السياسية، وأصبحت مطالبه في مكان آخر.