خيرالله خيرالله/اليوم معامل أرامكو وغدا ماذا/علي الأمين: الصواريخ الإيرانية على أرامكو تطوي التهدئة وتشرع باب الحرب

73

اليوم معامل “أرامكو”… غدا ماذا؟
خيرالله خيرالله/العرب/17 أيلول/2019

الصواريخ الإيرانية على “أرامكو” تطوي التهدئة وتشرع باب الحرب
علي الأمين/العرب/17 أيلول/2019
تصعيد إيراني غير مسبوق في نوعيته
حبست السلطة العراقية أنفاسها يوم السبت، إثر انتشار خبر استهداف منشأتين سعوديتين تابعتين لشركة أرامكو، المعلومات التي تسربت من أكثر من طرف عراقي وكويتي، كانت تشير إلى أن طائرات مسيرة انطلقت من العراق استهدفت السعودية، رغم إعلان الحوثيين في اليمن مسؤوليتهم عن هذه العملية.

لكن آخر نتائج التحقيقات حول العملية، كما نقلتها صحيفة “وول ستريت جورنال” على لسان مسؤول أميركي، أن “فريق تحقيق سعوديا – أميركيا مشتركا وجد حطاما لـ19 صاروخ كروز يصل مداها إلى 1000 ميل متوسطة المدى”، مستبعدا مسؤولية الحوثي عن العملية التي تبدو وفق المعلومات الأولية لفريق التحقيق أنها قادمة من العراق أو إيران. القلق في دوائر الحكومة العراقية، رغم نفي رئيسها عادل عبدالمهدي مسؤولية العراق في هذا الشأن، أشار إلى عملية تحقيق جارية للتثبت مما جرى. القلق في هذه الدوائر هو ما يمكن أن يسببه “العمل العدواني” من تداعيات في داخل العراق.

السعودية لم توجه اتهاما لإيران، لكن وزير الخارجية الأميركي هو من اتهمها بالوقوف وراء استهداف أرامكو. فيما أكدت أوساط رسمية أميركية لمحطات إعلامية منها الـ”سي.أن.أن” أن “دقة الهجمات على المنشآت النفطية السعودية تظهر أن انطلاق الهجمات كان من الشمال الغربي وليس من اليمن”.

هذا ليس الهجوم الأول على السعودية من قبل إيران من الأراضي العراقية. ففي 15 مايو، هاجمت طائرتان دون طيار إيرانيتان متفجّرتان من العراق محطتي ضخ رئيسيتين لخط أنابيب النفط شرق- غرب لشركة أرامكو وسط السعودية، وأشعلتا النار فيهما. وينقل هذا الخط النفط المنتج في حقول النفط السعودية في الشرق إلى ميناء ينبع غرب ساحل البحر الأحمر.

الإسرائيليون يرجحون أيضا أن الهجمات على بقيق السعودية جاءت من داخل العراق، وفق موقع “تيك ديبكا” الإسرائيلي. هذا الهجوم يعتبر من أكثر الهجمات الإيرانية توسّعا على أهداف نفطية في الخليج منذ أن بدأت الهجمات قبل 5 أشهر، فقد تم توسيع الجبهة الإيرانية ضد العقوبات الأميركية في العراق.

وهو تطور خطير يتلاحق في الخليج مع تطورات يخشى أن تقلب مع الوقت حسابات المملكة العربية السعودية في المواجهة، بعدما تجاوز الخطر الإيراني الخطوط الحمر التي لا تهدد أمن النفط السعودي فحسب، بل العالمي أيضا. فدقة الضربة لمنشآت أرامكو أدت إلى خفض الإنتاج السعودي للنفط إلى النصف.

ومنذ العام 2015 توالت الهجمات على أهداف نفطية واستراتيجية في العمق السعودي آخرها هجمات على معملين لشركة أرامكو بقيق وهجرة خريص، أدت إلى وقف إنتاج النفط في المنطقة.

الهجوم يعتبر من أكثر الهجمات الإيرانية توسّعا على أهداف نفطية في الخليج

الموقف الأميركي بقي هادئا نسبيا في رد الفعل الأولي، ورغم الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولي العهد الأمير محمد بن سلمان غداة الهجوم، فقد أكدت واشنطن استعدادها لتعويض أي نقص للنفط في السوق العالمي، من خلال الاحتياطي الأميركي الاستراتيجي من البترول. وأعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستواجه أي “هجوم إيراني على المملكة” من دون أن يتضح إن كانت واشنطن تصف ما جرى في أرامكو أخيرا هجوما إيرانيا، لكن مواقف ترامب ووزير خارجيته أوحت بجدية الرد إذا ثبت تورط إيران. لا شك أن التطورات الأميركية الأخيرة والتي أظهرت اهتمام الرئيس الأميركي بإجراء مفاوضات مع إيران، وترافقت مع إقالة أحد أبرز صقور الإدارة الأميركية جون بولتون من موقع مستشار الأمن القومي، هي التي شجعت القيادة الإيرانية على التصعيد السياسي والعسكري، فطهران باتت أكثر اطمئنانا على ما يبدو لعدم قيام الرئيس الأميركي بضربات عسكرية ضدها، لاسيما بعد سلسلة اختبارات لردود فعله تجاه استفزازات طهران العسكرية.

وفي خطوة تبدو استيعابية دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد الماضي عشية وصوله إلى تركيا، إلى ضرورة قيام هدنة في اليمن، مرفقة بدعوة إلى حوار بين دول المنطقة لمعالجة مشكلاتها.

هذا الموقف الإيراني لن يوقف تداعيات استهداف أرامكو، الذي سيعجل من سلسلة ردود فعل عسكرية، لعل أبرزها ما يمكن أن يدرج ضمن الحرب بالأدوات بين واشنطن وطهران، مع توقع طي ترامب فكرة لقاء روحاني في نيويورك الشهر المقبل حيث قال في تغريدة الأحد إنه “لن يلتقي روحاني بلا أي ثمن”. بل يرجح أن يتوقف أي مسعى للتخفيف من العقوبات على إيران. فإعلان واشنطن عن نتائج التحقيق بأن مصدر الصواريخ إيران أو العراق يستتبع بالضرورة سلسلة إجراءات داخل العراق، ومنها استهداف مقرات لميليشيات تابعة لإيران، في وقت ستوجه واشنطن رسائل أكثر جدية إلى الحكومة العراقية بشأن هذه الميليشيات، علما أن الإدارة الأميركية تنظر باهتمام إلى ما يمكن أن يصدر عن المرجعية الشيعية من مواقف بشأن حصر السلاح في يد الجيش وآليات تنفيذه. في هذا الوقت يشكل السلوك الإيراني الأخير، فرصة إضافية لإسرائيل، لتصعيد هجماتها في سوريا والعراق، وحتى لبنان الذي بات مع التصعيد الإيراني الأخير، ساحة رد يمكن أن تستثمر إسرائيل اللحظة الدولية والإقليمية، لتنفيذ ما تخطط له لإنهاء وطي ملف الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، بعد الانتخابات البرلمانية المقررة الثلاثاء.

التصعيد الإيراني غير المسبوق في نوعيته، وإذا أثبتت التحقيقات مسؤولية إيران، سيفتح الباب واسعا على جملة تطورات، أولها أن الرد السعودي لن يكون مباشرا. فالقيادة السعودية التي راهنت في السنوات السابقة على إدارة واشنطن لملف المواجهة مع إيران، باتت أمام استحقاق التصعيد الإيراني، أمام خيار الرد الذي لا مفر منه، علما أن دائرة الخيارات واسعة أمام المملكة السعودية، فيما لو قررت ذلك.

أما ترامب فقد لوّح بالحل العسكري في وقت سابق لمعاقبة إيران التي اتهمها بشكل مباشر بتنفيذ العملية، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي بعد يوم من العملية. بعد أن كشفت التحقيقات إطلاق صواريخ كروز، فإن فرضية الرد العسكري في أكثر من ساحة لا مفر منها، إن استبعد الرد المباشر على إيران كما هو مرجح.

اليوم معامل “أرامكو”… غدا ماذا؟
خيرالله خيرالله/العرب/17 أيلول/2019

كشفت العملية التي شنتها إيران مستهدفة النفط السعودي وشركة “أرامكو” بالذات أن “الجمهورية الإسلامية” اعتمدت خط التصعيد ردّا على العقوبات الأميركية التي تستهدفها. كشفت هذه العملية، في الوقت ذاته، إدارة دونالد ترامب. تبدو الإدارة الأميركية في حيرة من أمرها في غياب خيارات أخرى غير متابعة فرض العقوبات وعرض حوار من دون شروط مسبقة على طهران. ردت إيران على خيار الحوار من دون شروط مسبقة بعمل أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه إعلان حرب. نعم، إنّه إعلان حرب بكل معنى الكلمة نظرا إلى أنّه يهدد “إمدادات البترول العالمية وأمنها، بما يشكل تهديدا للاقتصاد العالمي”. هناك اعتراف بذلك من وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي لم تنقصه الجرأة في الكلام عن الأمور كما هي واصفا ما حدث بدقة وشفافية.

من الواضح أن إيران تشعر بالاختناق وتعتبر أنّها تتعرّض لحرب وصفها أحد دبلوماسييها في بيروت بـ”الموت البطيء”، مشددا على أنّها “لن تقف مكتوفة أمام هذا الموت البطيء وهذه الحرب”.

إذا، اتخذت إيران قرارها. ما أقدمت عليه ردّا على العقوبات الأميركية يعتبر أشدّ خطورة من إغلاق مضيق هرمز الذي اكتشفت إيران أنّه يصعب عليها إغلاقه… في حين أنه من الأسهل ضرب أهداف حيوية في منطقة الخليج العربي. اليوم معامل لشركة “أرامكو”. غدا، قد يكون هناك استهداف لمصانع تحلية المياه. باختصار، تمتحن إيران القدرة الأميركية على الصمود والردّ في وقت تعرف جيدا أن دونالد ترامب يخشى الدخول في أي حرب، خوفا من أن يؤثر ذلك على فرص العودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية التي موعدها في تشرين الثاني-نوفمبر 2020.

إلى أي مدى ستذهب إيران في ما تعتبره ردّا على الحرب الأميركية؟ الظاهر أنّها ستذهب بعيدا في ظلّ إدارة أميركية قررت استبعاد الردّ العسكري ما دام الهدف دول الخليج العربي وليس الجنود الأميركيين والقواعد الأميركية في المنطقة.

تبيّن أنّ “الجمهورية الإسلامية” تعيش في أجواء التصعيد في غياب إدارة أميركية قادرة على ردعها. تعرف تماما أن في استطاعتها تجاوز الكثير من الخطوط الحمر باستثناء قتل جنود أميركيين. كان إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية فوق مضيق هرمز في حزيران- يونيو الماضي خير دليل على ذلك. في اللحظة الأخيرة، تراجع ترامب عن الردّ العسكري وتصرّف على طريقة باراك أوباما. تذرّع الرئيس الأميركي بأن الردّ كان سيؤدي إلى سقوط ضحايا إيرانية كثيرة، في حين اقتصرت الخسائر الأميركية على طائرة مسيّرة لا يتجاوز ثمنها 150 مليون دولار!

بات على دول الخليج العربي في ضوء المعطيات الراهنة، التي تتمثل بتصعيد إيراني تجاهها وتجاهل أميركي لهذا التصعيد، البحث عن إستراتيجية جديدة تستند إلى معطيات خاصة بالوضع القائم. في مقدّم هذه المعطيات أن إيران، العاجزة عن الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا، لجأت إلى الردّ في الخليج نفسه وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن. من المهمّ ملاحظة أنّ الضغوط الإيرانية في العراق زادت أخيرا في غياب سلطة عراقية فعلية. كان أبرز ما كشفته هذه الضغوط استيعاب طهران لمقتدى الصدر مجددا، وظهوره في مجلس “المرشد” الإيراني علي خامنئي، لدى إحياء ذكرى عاشوراء، جالسا إلى جانب الجنرال قاسم سليماني.

لم يعد سرّا أن الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، والتي تعمل بكلّ حرّية في العراق تحت تسمية “الحشد الشعبي”، وضعت الأراضي العراقية في تصرّف “الجمهورية الإسلامية”، فيما الولايات المتحدة تتفرّج… أقلّه إلى الآن. هل يفاجئ دونالد ترامب حلفاءه الخليجيين فيثبت أنّه مختلف عن باراك أوباما، وأن إزاحته لمستشاره لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، لن يكون لها تأثير يذكر على المواجهة مع إيران؟

لن يعود مستغربا بعد اليوم، في حال لم تتخذ أميركا إجراءات من نوع مختلف ردّا على مهاجمة المنشآت النفطية السعودية، أن يكون هناك لجوء إلى سياسة خليجية مستقلة عن السياسة الأميركية إلى حد كبير. ستشبه هذه السياسة تلك التي اتبعت في عهد باراك أوباما الذي لم يكن يرى مشكلة في استيلاء الإخوان المسلمين على مصر إثر انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها مريبة.

تحرّكت دول خليجية عدّة، في مقدمتها السعودية والإمارات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ودعم الانتفاضة الشعبية التي أدّت إلى تخلّص مصر من حكم الإخوان المسلمين الذي سمح بتغلغل إيراني في عمق البلد. ليس سرّا أن مجموعة من الدول العربية تحرّكت بطريقة مستقلّة ودعمت خيار الشعب المصري منتصف العام 2013. عندما تتردّد الولايات المتحدة، بسبب حسابات خاصة بها التعاطي، في اللجوء إلى الحزم مع إيران، سيحمل ذلك دولا عدةّ في منطقة الخليج إلى إعادة النظر في مواقفها وسياستها، في وقت تسعى إيران إلى دق إسفين بين هذه الدولة العربية وتلك. في النهاية إن دول الخليج العربي كلّها في مركب واحد ويفترض بها إدراك أن اللعبة الإيرانية المتمثلة في التركيز على السعودية وحدها، هذه الأيّام، لن تمرّ على أحد.

هناك بكل بساطة وضع مختلف في المنطقة، خصوصا في الخليج. تستطيع أميركا الاكتفاء بسياسة تشديد العقوبات على إيران. لكن ليس في استطاعة دول الخليج الاكتفاء بالتفرّج على ردود الفعل الإيرانية التي تستهدفها، خصوصا أنّ ليس ما يشير إلى أنّ “الجمهورية الإسلامية” مستعدة لالتزام حدود معيّنة، نظرا إلى أنّها تعتبر العقوبات الأميركية مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها.

لم تعد إمدادات النفط مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي أصبحت في وضع القادر عن الاستغناء، ضمن حدود معيّنة، عن نفط الخليج. ولكن ماذا عن بقية دول العالم، بما في ذلك الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية باستثناء بريطانيا ونرويج؟ ما الذي ستفعله إدارة ترامب في حال مارست هذه الدول ضغوطا عليها كي تخفف العقوبات على إيران، خصوصا العقوبات على تصدير النفط، وذلك كي تخفف إيران بدورها من التصعيد في منطقة الخليج؟

تدخل المنطقة ومعها العالم مرحلة جديدة في ظلّ حال من التخبط الأميركي في أساسها رغبة دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض بأي ثمن… حتّى لو كان هذا الثمن مصافحة الرئيس الإيراني حسن روحاني والتقاط صورة تذكارية معه. هناك ثمن يبدو المقيم في البيت الأبيض مستعدا لدفعه، فيما لا أحد في المنطقة العربية على استعداد لتحمّل النتائج المترتبة على دفع أميركا لهذا الثمن.