الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية والرد العربي ــ الأميركي
د. وليد فارس/انديبندنت عربية/17 أيلول/2019
الاعتداء الأخير على أرامكو يدفع واشنطن إلى المواجهة مع طهران ويعيد إلى الأذهان موقفها من صدام حسين في 1991
تمر الرياض وواشنطن بمرحلة دقيقة وحاسمة بعد الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية والتحقيقات الجارية التي تحمّل بشكل عام إيران مسؤولية إعطاء الأوامر لمجموعات مرتبطة بها في العراق لإطلاق طائرات بدون طيار باتجاه منشآت أرامكو عبر أجواء الكويت.
المعادلة اليوم هي معادلة تحدٍّ، فإما أن يؤخذ القرار بالرد على الهجوم، أو تبقى الأمور كما هي عليه، فإذا ردت أميركا والعرب على إيران مباشرة فإن ذلك سيلزم الأخيرة بشن هجمات أخرى على منشآت نفطية على طول الساحل الشرقي للجزيرة العربية وربما في العمق السعودي مما سيفتح باب الحرب الكبرى التي ستلزم أميركا بتعبئة عسكرية مشابهة للهجوم العاكس الذي شنته ضد صدام حسين بعيد اجتياحه للكويت في 1991.
عدم الرد سيعد بمثابة تحفيز للنظام الإيراني للقيام بضربات أخرى، والبعض يشير إلى موقف الرئيس دونالد ترمب من إسقاط الدرون الأميركية حيث عدل عن توجيه ضربة لقاعدة إيرانية مسؤولة عن إسقاط الطائرة بحجة أن التوقيت غير مناسب، وأن الرد سيوقع ضحايا بين الإيرانيين، ومع اختراق إيران للخط الأحمر عبر الهجوم الأخير، فإن الوضع الجديد الذي فرضته طهران على المنطقة والعالم يتلخص في معادلة بسيطة، إما أن يتم الرد والذهاب نحو مواجهة عسكرية، أو تستمر إيران بتوجيه ضربات دامية حتى تقرر واشنطن الخروج إلى المواجهة الشاملة. الطرفان في نهاية المطاف يلتقيان بواقع واحد، المنطقة متجهة إلى المواجهة ما دامت إيران في موقع الهجوم.
وهناك احتمال كبير بأن القيادة الإيرانية تقوم بهذه الخطوات اعتقادا منها بأن إدارة ترمب غير مستعدة الآن لمواجهة عسكرية كبرى، وأشرنا إلى هذا الموضوع سابقا، لسبب يتعلق بالسياسة الداخلية في أميركا والانتخابات المقبلة، ووفق التفكير الإيراني فإن ترمب سيمتص الضربات التي يتلقاها حلفاؤه في الخليج والدول العربية، ويستمر في دعمهم ولكن ليس على حساب انخراط أميركا في مواجهة شاملة، وربما الأمر سيتغير بعد الانتخابات الرئاسية، وبهذه الحالة تلعب القيادة الإيرانية ضمن العامل الزمني فهي توجه ضربات دون أن تفتح باب الحرب مع أميركا تزامنا مع التصعيد معها بوجه حلفاء الأخيرة.
وفي هذا الإطار يمكن أن نرى معادلات مقفلة وأخرى مفتوحة، الأولى تؤكد عدم السماح بحدوث تصادم مباشر إيراني أميركي، أو إيراني سعودي، لأن تطوراً في هذا الاتجاه سيجر المنطقة نحو حرب بلا هوادة ستحسمها أميركا في نهاية المطاف، وتتجنب إيران هذه المعادلة، وتتجه نحو الخيار المفتوح عبر استخدام جماعاتها ضد خصومها الإقليميين لا سيما في اليمن ضد السعودية والإمارات بشكل محدود، ورأينا كيفية تجهيز طهران للحوثيين في اليمن بالصواريخ الباليستية والدرون وإشرافها على استخدامها ضد السعودية، وما رأيناه في الأيام الأخيرة يعد بمثابة تفجير الجبهة الشمالية الشرقية (العراق) ضد الرياض عبر ميليشيات تأتمر من طهران أطلقت حرب الطائرات المسيرة ضد واحدة من أهم مواقع النفط.
ووفق هذا الستاتيكو فإن إيران صنعت فكي كماشة، الأول من الجنوب عبر اليمن، والثاني كما توقعنا منذ أشهر عبر الجبهة الشمالية؛ أي العراق، مع دعم يأتي من ميليشيات متمركزة في سوريا، وعلى الرغم من تنصل حكومة بغداد من إطلاق الصواريخ فإن أجهزة الاستخبارات الأميركية والعربية توصلت إلى قناعة تحسم بأن انطلاق الطائرات جاء من داخل العراق، والأخطر أن هذا يعني أن ميليشيات إيران في العراق تحولت إلى جيش صاروخي بإمكانه الضغط على الرياض، وضرب المنشآت في العمق، وبالتالي شل حركة بيع النفط السعودي إلى الأسواق العالمية ما يتلاقى مع التهديدات الإيرانية بعد تطبيق العقوبات الأميركية وتلويح قيادات طهران بمنع تصدير الخليج للنفط بحال مُنعت طهران من بيع نفطها.
ومن المؤكد أن القيادة الإيرانية وبفعل الضغط الأميركي الهائل على اقتصادها، ستصعد أكثر دون ضرب الأهداف الأميركية، ظنا منها أن مواجهة بين ميليشيات العراق والسعودية هو أفضل الخيارات، فمن جهة يسمح لإيران بعدم تحمل المسؤولية أمام المجتمع الدولي ويضعف الاقتصاد السعودية ما يؤثر بشكل غير مباشر على أسواق النفط العالمية وأميركا.
وعلى الرغم من تحرك الرئيس ترمب بشكل سريع وإعلانه تضامنه مع الرياض بحال استهدافها أو استهداف القوات الأميركية، غير أن مواقفه لم تركز على ما يمكن العمل عليه بحال استمرت هذه الهجمات، ولذا فإن البديل في هذه المرحلة هو المعاملة بالمثل أو التوازن الإستراتيجي فإذا سمحت إيران لنفسها باستخدام ميليشياتها في اليمن والعراق للانقضاض على دول التحالف العربي، فهذا الأمر يشرع قيام التحالف باستخدام نفس الأسلوب عبر دعم الشرعية في اليمن وأطراف أخرى معتدلة بسلاح نوعي للرد على هجمات الحوثيين عبر ضرب الأراضي الإيرانية مباشرة، ويمكن أيضا تسليح حركات المقاومة ضد إيران في العراق بسلاح نوعي لا سيما في المناطق السنية لاستخدامها ضد الميليشيات المدعومة من إيران، وتزويدها بطائرات درون لتوجيهها نحو العمق الإيراني، وهذا قد يشكل ردا استراتيجيا على أفعال إيران حال استمرار القرار في واشنطن والرياض بالعدول عن توجيه ضربة مباشرة إلى طهران.