محمد أبي سمرا/عون في الجبل والجيش السري يهدّد.. فيا لسعادة لبنان

123

عون في الجبل والجيش السري يهدّد.. فيا لسعادة لبنان
محمد أبي سمرا/المدن/الثلاثاء 27 آب/2019

“حضور رئيس الجمهورية إلى الشوف، يعيد إلى الجبل معنوياته وعنفوانه وكرامته.

لا خوف في الشوف والجبل، ولا خوف عليهما، ولا على لبنان كله. فالرئيس عون حلّ أخيراً في قصر بيت الدين، فامتلأت بالطمأنينة قلوب أهل الشوف، وشفاهم حضور الرئيس وإقامته بينهم من قلق وخوف مديدين.

هذا ما أجمعت عليه كلمات وفودٍ أمّت القصر الرئاسي الصيفي السبت الفائت، فاستقبلها عون بنصائحه ووعوده وأمنياته الخلاصية التي أثلجت صدور الزائرين. وتصدر هذه الوفود نوابٌ عن الشوف وعاليه، وضمت مخاتير ورؤساء بلديات وأعضاءها، وسواهم من بطاناتهم وحاشياتهم التي تسمى “وفوداً شعبية” في رطانة الأعراف اللبنانية السائدة.

بهجة الرئيس المبتورة
بعض التقارير الصحافية التي نقلت أخبار الزيارات والكلمات المتبادلة بين الوفود والرئيس، لخّص زبدة أقوال عون في عنوان: “لا تيأسوا من الوضع الصعب، فالخلاص ممكن”. والأرجح أن الوفود التي زارت قصر بيت الدين، كان مقرراً لها أن تستمر وتتضاعف نهار الأحد، لولا حادثة الطائرتين المسيرتين اللتين سقطتا في ضاحية بيروت الجنوبية ليل السبت – الأحد، فنغّصت الحادثة المشؤومة على الوفود والرئيس استكمال ابتهاجهم بتبادل كلمات الطمأنينة ونزع القلق والمخاوف واليأس، وإغداق الوعود الخلاصية. فلبنان الإعلامي والرسمي عاش عطلته الأحدية الصيفيّة في حمى التسابق على التكهنات والتوقعات وإعلان المواقف من حادثة الطائرتين، في انتظار إطلالة الخطيب التلفزيوني للجيش السري، صاحب الكلمة الفصل في لبنان، والذي كانت إطلالته على رهطه المجتمع في بلدة العين البقاعية، مقرّرة في الخامسة بعد ظهر الأحد، في مناسبة الذكرى  السنوية لـ”انتصاره على الإرهاب في معركة فجر الجرود”، بعد أسبوع من إطلالته التلفزيونية في ذكرى “انتصاره في حرب الوعد الصادق” على إسرائيل في تموز – آب 2006. وفي إطلالته الأخيرة من العين، هدّد الخطيب وأنذر وتوعد، ثم أوكل إلى الحكومة اللبنانية أن تتحدث مع الأميركيين ليقنعوا إسرائيل بالكف عن تسيير طائراتها السيّارة في الأجواء اللبنانية، وإلا يوقف العمل بـ”قواعد الاشتباك” السارية، ويُسقط الطائرات، وليكن ما يكون. والأرجح أن من وصم الحكومة اللبنانية بالعمالة والخيانة في أيام تموز/آب السود تلك، وسماها “حكومة فيلتمان” (السفير الأميركي في لبنان آنذاك)، نسي ما قاله وردّده خلفه جمهوره ومريدوه. أما في حال عدم نسيانه “عمالة حكومة فؤاد السنيورة وخيانتها” في “حرب الوعد الصادق”، فلا بد أن يكون اليوم مطمئن إلى نصيره العماد الرئيس، وصهره ووزير خارجيته الذي يملك الثلث المعطل في حكومة الرئيس سعد الحريري الضعيف والمكبل بما يُسمى “الاتفاق الرئاسي” الذي نصّب عون رئيساً في قصر بعبدا. لكن في الحالات جميعاً ليست الحكومات ورئاسة الجمهورية في عرف خطيب الجيش السري ومذهبه السياسي – العسكري، سوى أقنعة يستعملها وولاة أمره ساعة يشاؤون، وحسب حاجاتهم في حروبهم الإقليمية والدولية الخلاصية.

خطيئة الاقتصاد الريعي
بترت حادثة الضاحية، إذاً، بهجة الرئيس ووفوده التي زارته في قصر بيت الدين. فـ”بيّ الكل”، حسب زائره السبت، النائب فريد البستاني، هو “الحضن الدافئ لكل أبنائه، والحصن المنيع لكل أبناء الوطن”. و”شاهد” البستاني على ذلك “استمرار الحكم الوطني من زمن الإمارة إلى عهد الجمهورية في هذا القصر (الذي) أصبح معكم وبوجودكم فيه يمثل الحلم الذي راودنا جميعاً واستطعتم تجسيده خير تجسيد كرئيس قوي”. وما ينتظره النائب البستاني من الرئيس القوي، هو “إنماء السياحة ورعاية الزراعة والصناعة وتعزيز التعليم والصحة، ووضع حدّ لمشاكل الكهرباء والمياه والنفايات (…) ليعود الجبل منارة للوطن”. وجاء رد الرئيس على زائره ليؤكد أقواله، ويضيف إليها لازمته الرؤيوية للاقتصاد اللبناني: الانتقال بلبنان من “الاقتصاد الريعي (الحريري المشؤوم)، إلى الاقتصاد (العوني) المنتج”. لكن كيف يكون ذلك في بلاد يتترّسُ فيها جيش سريّ لَجِبٍ، يستقوي على أهلها بماله وسلاحه الآتي من خارج الحدود، ولا يمتلك رئيس اقتصادها المنتج ولا حكومتها أي معرفة بما تقرره قيادة هذا الجيش في حروبها داخل لبنان وخارجه؟! الجواب على هذا السؤال ليس من اختصاص الرئيس المتفرّغ مع الحكومة للاجتهادات الاقتصادية والمالية والمعيشية، والتسلّي بترداد الكلام الخشبي الفولكلوري الذي دار بعضه في قصر بيت الدين نهار السبت الفائت.

ومن نماذج ذلك الكلام ما قاله النائب جورج عدوان في زيارته القصر: “حضور رئيس الجمهورية إلى الشوف، يعيد إلى الجبل معنوياته وعنفوانه وكرامته”. أما رئيس تيار “صرخة وطن” السيد جهاد ذبيان، فقال في حضرة الرئيس: “أتينا إلى هذا المكان التاريخي الذي تزيدون على تاريخه إشراقا مضيئاً. وحيث تسكنون يسكن التاريخ ولا يستكين”. وها هو ذا النائب العوني عن قضاء عاليه، سيزار أبي خليل ، يقول للرئيس: “وجودكم في الجبل يعيد إلينا الإطمئنان”. ثم ألقى أحد الشيوخ قصيدة شعرية أشادت بالرئيس عون وحكمته ومواقفه. ومن ما أجاب به عون وفد “تياره” القادم من عاليه أنه سعيد بوجوده بين أبناء منطقة الشوف التي باتت تسود فيها أجواء الطمأنينة، و”علينا أن نزيل الخوف من قلوب الجميع”.

يا لسعادة الشوف
يا لسعادة الشوف برئيس يصطاف في قصر إمارة الجبل الذي يُسمى تارة جبل كمال جنبلاط ووريثه، وطوراً قلب لبنان التاريخي، ويريد زوار الرئيس أن يُسمى جبل المخلص ميشال عون، ويتحسر النائب طلال أرسلان على عدم تسميته جبل الأمير مجيد أرسلان، فيما يردّد الوزير جبران باسيل: عائدون إلى الجبل، مهما كثرت علينا الصعاب. وكانت كتيبة من الجيش السري قد غزت الجبل من جهة البقاع الغربي في 7 أيار 2008، لتأديب زعيمه وليد جنبلاط على مواقفه اللبنانية الاستقلالية منذ 2005، بعد تأديبها بيروت التي انتفض أهلها على الاحتلال السوري بعد اغتيال رفيق الحريري. أما العماد ميشال عون، فمنذ عودته إلى لبنان في 2005، انقلب على تياره الاستقلالي والسيادي، ليصير نصيراً للجيش السري… وصولاً إلى رئاسة الجمهورية. فيا لسعادة الشوف ولبنان كله بعماده الرئيس المخلص المصطاف في بيت الدين، فيما الجيش السري يقود لبنان إلى خلاصه – هلاكه القيامي