الديمقراطيون في أميركا يقيّمون خطر حزب الله بنصف الحقيقة والخبراء يؤكدون أن الرواتب المتأخرة وسياسة التقشف وصناديق التبرعات لا تقلل من خطر الذراع الإيرانية الأبرز

67

الديمقراطيون في أميركا يقيّمون خطر حزب الله بنصف الحقيقة والخبراء يؤكدون أن الرواتب المتأخرة وسياسة التقشف وصناديق التبرعات لا تقلل من خطر الذراع الإيرانية الأبرز
العرب/29 أيار/2019

صناديق التبرعات لا تعكس كل الحقيقة
يعتبر مرشحون ديمقراطيون للرئاسة الأميركية ومعارضون للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن هذا الأخير وإدارته يبالغان في الحديث عن تهديدات إيران وأذرعها وتحديدا حزب الله. وفيما يقر الديمقراطيون أن الأزمة المالية الضاغطة التي يمر بها الحزب تضعف من قدرته على التحرك، وتقلص من تهديداته للمصالح الأميركية، إلا أن المنتقدين يردون بأن هذه الرؤية قصيرة المدى وتفتقر إلى العمق، فمصادر تمويل حزب الله لا تقف عند الدعم الإيراني.

واشنطن – ألقت العقوبات الأميركية على إيران بظلالها على أذرع طهران في المنطقة. وكان لها أثر واضح على حزب الله، الذي يواجه تضييقا متعدد الأبعاد: تأثير العقوبات، وتأثير وطأة مشاركته في الحرب في سوريا، كما الضغط الداخلي، وتصنيفه على قائمة التنظيمات الإرهابية.

لكن، هذا التراجع لا يعكس انخفاض مستوى التهديد الذي يمثله حزب الله وإيران، بل بالعكس قد يدفعهما نحو سياسة الهروب إلى الإمام بالتصعيد في الخارج وقد يتطور الأمر إلى قلب الأوراق القديمة وتفعيل سياسة التفجيرات كما حدث من قبل في الأرجنتين في تسعينات القرن الماضي.

يتصاعد هذا الجدل حول تأثير العقوبات على إيران وحزب الله على ما يمثلانه من تهديد في واشنطن بين الديمقراطيين والإدارة الأميركية. يسعى الديمقراطيون إلى توظيف ضعف حزب الله المادي في سياق تصفية الحسابات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبرين أن التخويف من حزب الله ليس في محله وأنه على وشك الإفلاس بعد أقل من سنة من العقوبات على إيران، في حين تكشف الإدارة الأميركية عن النصف الآخر من الكأس مؤكدة أنه حتى لو كان حزب الله يعاني بسبب أزمة السيولة لا يمكن أن نقول إن هذه هي نهايته؛ كما أن ارتخاء القبضة الأميركية في أي وقت لاحق على المدى الطويل قد تفتح له أبواب القوة من جديد.

ويذهب في ذات السياق خبير الأمن القومي الأميركي، تود بنسمان، بقوله “باعتبار المجموعة أداة إيران العالمية للانتقام والقسر والإكراه، وخبيرة حرب بعد سنوات من القتال في سوريا، فإنها تبقى تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وحلفائها”.

ويأتي تعليق بنسمان ضمن تحليل نشرته مجلة ذو فيديراليست الأميركية حلل فيه ما اعتبره عدم التعمق “في المعلومات المهمة وسياقها”، ويقصد تقارير عن تراجع قوة حزب الله المالية تحدثت عنها صحف أميركية مثل واشنطن بوست ونيوروك تايمز، واعتمدها الديمقراطيون كدليل على “تهويل” ترامب من خطر الذراع الإيرانية الأبرز.

المرحلة الأصعب
تود بنسمان: أزمة إيران المالية لا تؤثر في مخططات حزب الله
لا شك في أن حزب الله يمر بواحدة من أصعب الفترات في تاريخه. وقالت واشنطن بوست ونيويورك تايمز إن الحزب يعاني من ضائقة مالية شديدة لدرجة أنه لم يعد قادرا على توفير الأدوية والمواد الغذائية مجانا للمقاتلين والموظفين وعائلاتهم.

وتشير التقارير إلى الأوقات العصيبة التي يعيشها الحزب نتيجة للعقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على ممولته الرئيسية إيران التي اضطرت إلى خفض دعمها له.

وأجبرت هذه التخفيضات مقاتلي حزب الله على الانسحاب التدريجي من سوريا، وإلغاء بعض البرامج التي كانت تبث على شاشة المنار وتسريح العشرات من موظفيها، وتخفيض أجور العاملين، ونشر صناديق التبرع في جميع أنحاء لبنان.

واستند إلى هذه التقارير عدد من مرشحي الرئاسة الديمقراطيين ومؤيديهم لرسم عدم كفاءة إدارة ترامب والإشارة إلى تضليلها في إعادة نشر حاملة الطائرات أبراهام لينكولن وقاذفات قنابل في الشرق الأوسط.

وينقل بنسمان عن بعض الروايات أن “الرئيس ترامب وشعبه يبالغان في تقدير تهديد إيران وحزب الله كذريعة لشن حرب أخرى وتكرار سيناريو غزو العراق”، مشيرا إلى أن ما قدمته الصحف لا يعكس كل الحقائق، وأن نيويورك تايمز وواشنطن بوست لم تذكرا أن لدى الحزب مصادر دخل أخرى أغلبها غير شرعي كتبييض الأموال وتجارة المخدرات.

العديد من الأسباب والتجارب الماضية الكثيرة تؤكد صحة ما يذهب إليه بنسمان والإدارة الأميركية في التحذير من عدم التهوين من التهديدات الإيرانية وخطر حزب الله على المدى الطويل.

ليس التمويل المتقلب وغير المستقل جديدا على حزب الله. وامتد نشاط الحزب إلى أميركا اللاتينية لاعتماد الدعم المالي الإيراني على أسعار النفط أو شدة العقوبات المختلفة التي فرضت على طهران عبر السنين.

مصادر تمويل أخرى
حزب الله يضاعف قوة إيران
حقق حزب الله أرباحا طائلة من تهريب المخدرات، تجاوزت هذه الأرباح ما قدمته له إيران في السنوات الأخيرة. ويقول دوغ ليفرمور، الكاتب في مجلة “الحروب الصغيرة” الإلكترونية، “إن حزب الله شق طريقه إلى تجارة المخدرات في أميركا الوسطى والجنوبية، وأمّن الوصول إلى هذه المواد المحظورة، وطوّر عمليات تهريب عبر شبكة توزيع تطال شمال أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط”.

تمكن حزب الله من جمع مبالغ ضخمة من المال بسبب تجارة المخدرات، واستخدم البنوك وشركات تحويل الأموال وشراء السلع (مثل السيارات) لغسل الأموال العائدة إلى لبنان.

ويشير ليفرمور إلى تقارير إدارة مكافحة المخدرات الأميركية ووزارة الخزانة التي تفيد بأن حلقة تهريب واحدة في أميركا الوسطى تولد أكثر من 200 مليون دولار شهريا، وهو ما يتجاوز تمويل إيران السنوي.

وكشف مشروع كاسندرا، التابع لإدارة مكافحة المخدرات في الفترة الممتدة من 2008 إلى 2016، جمع أدلة عن أن حزب الله حوّل نفسه من منظمة عسكرية وسياسية مركزة في الشرق الأوسط إلى مافيا ناشطة في مجال الجريمة الدولية.مشيرا إلى أن ذراع حزب الله الخارجية تجمع مليار دولار سنويا من غسيل الأموال والأنشطة الإجرامية مثل تجارة المخدرات والأسلحة.

حزب الله يعاني من ضائقة مالية شديدة
وطوال ولايتي أوباما وولاية ترامب، شارك حزب الله عصابات المخدرات في أميركا الجنوبية في شحن الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى غرب أفريقيا وإلى أوروبا والشرق الأوسط، والبعض الآخر عن طريق فنزويلا والمكسيك إلى الولايات المتحدة.

ويشير مراقبون إلى أن علاقات حزب الله بمافيا المخدرات والتهريب، خصوصا في المنطقة اللاتينية، قوية، وهي تعود إلى تسعينات القرن الماضي. وساهمت هذه العلاقة في أوقات سابقة في إنقاذ حزب الله من أزماته المالية، ويمكن أن يتكرر الأمر في أي وقت.

ويقول إيمانويل أوتولينغي، زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، “في الوقت الذي تتركز فيه قوى حزب الله العسكرية في لبنان وسوريا، تبقى أميركا اللاتينية مسرحا لتنظيم العمليات غير الشرعية التي تولد جل إيرادات حزب الله”، ما يعني أنه على الرغم من التقارير التي تشير إلى انتشار صناديق التبرعات في لبنان، يبقى حزب الله تهديدا كبيرا للولايات المتحدة.

الخطر مستمر
حقق حزب الله أرباحا طائلة من تهريب المخدرات
ينتقد معارضون رؤية الديمقراطيين، معتبرين أن سياستهم تجاه إيران وحزب الله اليوم، لا تختلف عن سياسة إدارة أوباما، التي أعطت رخصة مجانية لحزب الله لممارسة عمليات تهريب المخدرات وغسيل الأموال، مثلما ساعدت إيران على توسيع تهديدها، لضمان أن تبقى الاتفاقية النووية الإيرانية على المسار الصحيح.

واليوم، وفيما تسعى إدارة ترامب إلى إرجاع إيران إلى حدود ما قبل توقيع الاتفاق النووي، يسير الديمقراطيون في الاتجاه المعاكس، متناسين أن حزب الله ينشر عملاءه المتمكنين من تقنيات المتفجرات والأسلحة في جميع أنحاء العالم وأنه يبقى، رغم الضائقة المالية قادر ومستعد لتنفيذ تفجيرات انتحارية واسعة النطاق، مثل الهجمات التي شنها ضد أهداف يهودية في بنما والأرجنتين في أوائل التسعينات، وعمليات الاغتيال الأصغر عند الحاجة، كما حدث في تايلاند وبلغاريا.

ويقول جوزيف هومير، الخبير في شؤون الأمن والإرهاب في أميركا اللاتينية، إن “مؤامرات حزب الله وأنشطته ازدادت في جميع أنحاء المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية”، مؤكدا أنه “سيواصل النمو مع العقوبات وأزمة السيولة”. ويضيف أن “الجماعة قد تبدو مزعزعة لكن ذلك لا يعني ضعفها بل زيادة خطورتها، فالعقوبات لا تجعلها عادة أقل عدوانية، بل تزيد في خطورتها لأنها ترى إحدى نوافذها تغلق”.

ويذهب في ذات السياق، الباحث في معهد بروكينغز جيفري فيلتمان، الذي قال إن حزب الله يضاعف قوة إيران. قد تشير الرواتب المتأخرة والتقشف المالي إلى أن العقوبات الأميركية تسببت في خسائر مادية، لكن الحزب يبقى “تصدير إيران الأكثر نجاحا” وأحد أسلحتها الأساسية على المستويين الإقليمي والدولي.