الدكتورة رندا ماروني: الهوية التاريخية والتلوث السياسي

413

الهوية التاريخية والتلوث السياسي
الدكتورة رندا ماروني/25 تشرين الثاني/18

لقد أتت ذكرى استقلال لبنان الخامسة والسبعون في ظل غياب حكومة العهد الأولى كما أراد أب العهد أن يسميها، والتى طال إنتظارها وتعثرت ولادتها بسبب عقدة أطلق عليها إسم العقدة السنية فيما الحقيقة بأنها عقدة حزب الله المفتعلة في اللحظات الأخيرة مع إقتراب عملية الولادة.

كما رافقت هذه الذكرى إضافة الى العقدة المفتعلة، سيناريو مؤدلج مبرمج يهدف الى ضرب كل معاني وعبر هذا اليوم المجيد في تاريخ لبنان، بل وأيضا أبلسة وتشويه الاعمال النضالية التاريخية القديمة منها والقريبة العهد في سبيل الحرية والكرامة والدفاع عن النفس وحق الوجود. أبواق في كل مكان إحتلت المنابر الإعلامية ووجهت طاقاتها وألسنتها الناسفة لزعزعة كل مفاهيم العيد وتشويه التاريخ النضالي في حجة التصويب، تصويب يلائم مؤامرة تم حبكها عبر إجراءات وترتيبات عسكرية وإرهابية وسياسية وإيديولوجية وغيرها من ضروب التعسف.

إجراءات تظللت أهدافها الحقيقية تحت عباءة الدفاع عن الوطن في وجه الخطر الاسرائيلي، قافزة فوق الحدود مشكلة قوى عبر وطنية ذو أهداف خارجية مفروضة على الداخل وملقنة له أسسا وتعاريف جديدة للدولة والدستور والقانون والتاريخ والحاضر والمستقبل.

أبواق فتحت أثيرها لتشكك بالكيان ولتنسف وجوده وتاريخه ولتهزىء من حكايا أبطال الاستقلال الأول مكملة سفاهاتها الحاقدة تسلسلا عبر التاريخ لتنزع صفة الشهادة عن أبطال كثر دافعوا عن الكيان اللبناني في وجه أطماع إحتلال النظام السوري للبنان وعلى رأسهم الشهيد الرئيس بشير الجميل.

هذا الحقد الأعمى على الإستقلال ورجالاته والإستقلالين ورموزهم الأبطال يغدق فيضا لوفرة القوة والاستقواء بسلاح غير شرعي فرض على لبنان واللبنانيين محاولا تغيير المسار والمصير والتاريخ والذكريات وتشويه الرموز والمقدسات وتجميد الحاضر وزيادة الإنتهاكات وتعتيم المستقبل وكل ما هو تقدم آت.

عتمة حالكة هدفها الأول وضع لبنان على شفير الهاوية تمهيدا للسيطرة الكلية الكاملة دون منازع ولا شريك، هذا الوطن النهائي لجميع أبناءه كما نص عليه دستور الطائف برضى جميع الأطراف اللبنانية المشاركة دون إستثناء وعلى رأسهم دعاة القوميات العابرة للحدود، الذين إرتضوا بنهائية الكيان اللبناني الجامع لأبناءه تحت رآية الدستور والقانون حيث لا سلاح خارج إطار الدولة الشرعية.

لا شك في أنهم أرادوا حسم هذا الموضوع وإعطاءه مرتبة دستورية للدلالة على قوة الاختيار من جهة وعلى استخلاص التجربة من جهة ثانية، حيث لا تجزئة ولا تقسيم بل دولة موحدة في وطن واحد.

وبما انه نتيجة لذلك لا يمكن للبنان ان يكون جزءا من اي اتحاد او وحدة، وتاليا لا يمكنه الا ان يكون نهائيا، ولا يمكن لاي مشروع ان ينتقص من سيادته واستقلاله، هكذا فرضت مقتضيات تكوينه وتاريخه وحروبه، فلا بد من النأي به عن اي مشروع يتجاوز حدوده.

هكذا قضى الخيار وقت وضع الحل، لذا لم يعد في لبنان مكان بارز لكل الطروحات العقائدية والصراعات المرافقة لها وأي طرح يتجاوز الكيان القائم والحدود القائمة لم يعد له شأن في الحياة السياسية في لبنان بعد إتفاق الطائف حيث سلم أبناء الطوائف بأن لبنان وطنهم النهائي، هذا ما يعني أن لبنان ليس للبعض أكثر مما هو لغيرهم، فلا إستئثار ولا غبن ولا خوف فالجميع هم أبناؤه إلى طائفة أي إنتموا وهو وطنهم النهائي.

هذا الوطن النهائي لجميع أبناءه يريده البعض اليوم مفصلا على قياسه الخاص، صيغته غالب ومغلوب مسترجعا كل الخلافات العقائدية دون وجه منطق حيث لم يكن بالأساس موجود على الساحة ولا طرفا فيها.

القوميات عادت من الحرب وصاغت الطائف، فيما حزب الله اليوم ذاهب إليها مرتديا عباءة القومية، شاهرا أسلحتها القديمة، قافزا فوق الحدود وفوق الدستور، مبقيا على سلاحه غير الشرعي في الدولة إلى جانب سلاح الجيش، واضعا نفسه فوق الجميع، فارضا خياراته على الكل، مبرهنا أن مخلفات الاحتلال السوري للبنان لم تنتهي بعد ليشكل قوة احتلالية تربط لبنان بسوريا بإيران وتتحكم بمصيره ومصير أبناءه.

لقد عادت ذكرى الاستقلال، وعادت ذكرى رجالات عظام حاكت الهوية التاريخية النضالية للبنان، هذه الهوية لن يستطيع أن يزعزها تلوث سياسي من هنا أو لسان سفيه من هناك ولا أدلجة حاقدة متآمرة من هنالك مهما علا شأنها والتاريخ شاهد على ذلك.

التاريخ شاهد
على ذلك
أدمغة متآمرة
تتهالك
وتلوث سياسي
يندحر
وأيادي أبطال
تتشابك
لترسم علامة
النصر
أبدا الدهر
وتقصي طامعين
وممالك
ظنوا أنهم
غلبوا
أريج البخور
ورائحة الريحان
والمسائك
صعاليك صغار
أقل وصفهم
لا يدرون ما يفعلون
وما هو المصكوك
المتاح المباح
لدى العلي
وموانع المسالك
تلوث تآمر
سرقات سمسرات
أياد ممدودة
تتجاوز الحدود
كل ما يصاغ
سواد حالك
زاد الله سواد
وجوهكم
وادخلكم جحيم
النار
وبلاكم في الهوالك
وأحكم في
رمي شباكه
وأخلدكم
في المشابك
فالتاريخ شاهد
على ذلك
أدمغة متآمرة
تتهالك
وتلوث سياسي
يندحر
كل ما صاغه
سواد حالك.