سام منسى: رصد الرياح الدبلوماسية من الخليج إلى المتوسط/بات الصراع راهناً هو الصراع على إسرائيل أي على استمالتها

71

رصد الرياح الدبلوماسية من الخليج إلى المتوسط
سام منسى/الشرق الأوسط/06 تشرين الثاني/18

على الرغم من محاولات التخفيف من أهمية الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لسلطنة عمان، بالقول إنها ليست الأولى لمسؤول إسرائيلي، إذ سبقتها زيارتان لإسحق رابين وشمعون بيريز عامي 1994 و1996،
وعلى الرغم من أن المنطق السليم يدفع إلى فهم هذه الزيارة في إطار الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خصوصاً أنها جاءت بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للسلطنة بأيام قليلة، وتلتها بعد يوم واحد كلمة ألقاها وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في مؤتمر حوار المنامة الـ14 للأمن الإقليمي، وتحدث فيها صراحةً عن دور للسلطنة في «تقريب وجهات النظر بين الطرفين»، وزيارته للرئيس عباس في رام الله حاملاً رسالة من السلطان قابوس بن سعيد…
لا يمكننا تجاهل أن هذه الزيارة تأتي في ظل متغيرات كبيرة تشهدها المنطقة لا سيما لجهة ارتفاع منسوب التجاذب الخليجي الإيراني، والضغوط الأميركية المتصاعدة على إيران، ودخول العقوبات الجديدة على طهران اليوم حيز التنفيذ.
ولا يمكننا أيضاً تجاهل الدور القديم الجديد للسلطنة كوسيط لحل النزاعات بين إيران وخصومها، آخر ثماره كانت استضافة اجتماعات مجموعة 5+1 التي مهدت لإبرام الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015.
المشهد الإقليمي عامةً والسوري خاصةً، يدفعنا إلى توجيه بوصلة أهداف هذه الزيارة باتجاه إيران أكثر منه باتجاه القضية الفلسطينية. فتدخُّل إيران في الحرب السورية بالمستوى الذي جرى عليه، ووصول ميليشياتها إلى الحدود السورية الإيرانية، ومحاولاتها استنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني في سوريا، أوصلت التوتر في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية إلى الذروة ودفعت بإسرائيل منذ منتصف عام 2017 حتى سبتمبر (أيلول) الماضي إلى شن أكثر من 200 غارة جوية استهدفت مواقع عسكرية تعود في معظمها إلى «الحرس الثوري» الإيراني، ما أدى في نهاية المطاف إلى إسقاط الطائرة الروسية وتسليم روسيا منظومة صواريخ «إس 300» للنظام السوري.
هذا الأمر حدّ من حرية الطيران الإسرائيلي فوق سوريا وقدرته على تقليص شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا ولبنان، وتزويدها «حزب الله» بأسلحة متطورة ودقيقة.
كل هذه التطورات زادت من منسوب القلق الإسرائيلي من الوجود الإيراني العسكري والاستخباراتي في سوريا، إضافة إلى القلق القديم المتجدد من «حزب الله» الذي بات جيشاً شبه نظامي.
إلى هذا، لا نستطيع إغفال الأداء الروسي في هذا السياق والذي من جهة يتحالف مع إيران والنظام السوري ويحاول من جهة ثانية إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية، واحتواء ما يشكله وجودها في سوريا من تهديد للأمن الإسرائيلي.
ولا بد من التسليم أيضاً بأن الوقائع على الأرض السورية جراء الحرب الدائرة منذ سبع سنوات وما قد ترسو عليه نتائجها، خلقت لدى إسرائيل أسباباً جديدة للقلق من اهتزاز الأمن والاستقرار الذي اعتادته على حدودها طوال حكم آل الأسد لسوريا منذ سبعينات القرن الماضي.
مقابل القلق الإسرائيلي، لا يمكن أيضاً غض النظر عن تصاعد حدة التوتر العربي الإيراني عامةً والخليجي الإيراني خاصةً، جراء تزايد التدخلات الإيرانية في أكثر من قضية في الإقليم، وتصميمها المعلن على الإمعان في هذه السياسة، والإصرار على المواجهة، وتحدي العقوبات الأميركية بالمزيد من التشدد.
ولا نستبعد أن يكون آخر مظاهر هذا التدخل تعثُّر تشكيل الحكومة اللبنانية لأكثر من خمسة أشهر، ومحاولات إيران الخروج بتشكيلة يكون فيها «حزب الله» ممسكاً بالقرار الحكومي بشكل مطلق. فبعد أن حصل الحزب وحلفاؤه على الوزارات التي يريدون، عدداً وحقائب، خرج بمطلب قديم بات شرطاً جديداً وهو توزير سنّي من حلفائه.
صحيح أن القضية الفلسطينية استعادت بعضاً من الاهتمام، إلا أن القضية الكبرى اليوم في المنطقة والتي تطال شظاياها العالم هي الدور الإيراني المتجسد في طموحات إيران وممارساتها التي وصلت إلى حد تفكيك الدول الوطنية في الإقليم، ولا يجوز استبعاد هذا البعد عن زيارة نتنياهو لسلطنة عمان.
لا نبالغ اليوم إذ نقول إنه بعد أن كان الصراع الأول في المنطقة هو الصراع ضد إسرائيل بات الصراع راهناً هو الصراع على إسرائيل أي على استمالتها، وهذا ما قد تكون إيران تحاول القيام به، ونفهم حينها خفوت الانتقاد الإيراني الذي يكاد لا يُسمع واستياءً فلسطينياً سرعان ما تبدد.
هذه الأصوات لم تنبس ببنت شفة عندما قال بن علوي في المنامة إن «إسرائيل دولة موجودة في المنطقة ونحن جميعاً ندرك هذا، والعالم أيضاً يدرك هذه الحقيقة».
وكان لافتاً استقبال السلطان قابوس بنفسه نتنياهو وزوجته سارة، والوفد الرفيع المستوى، وهو النادر بإطلالاته الإعلامية، ولم يغب عن المشهد تزامُن هذه الزيارة مع زيارة وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، لأبوظبي للمشاركة في مباريات «غراند سلام» للجودو، وجاءت مظاهر علنية زيارتها لافتةً إنْ لجهة عزف النشيد الوطني الإسرائيلي عند افتتاح المباريات أو لجهة تغطية الجولة التي قامت بها لمسجد الشيخ زايد بن سلطان.
إن لقاء القمة العماني الإسرائيلي وزيارة الوزيرة ريغيف لأبوظبي يتطلبان وقفة جدية بانتظار ما ستكشفه الأيام والأسابيع المقبلة لجهة نتائج هذا الحراك وعلاقته بالملف الإيراني.
إنما في الوقت نفسه، لا نستطيع تجاهل أن التقارب العربي الإسرائيلي من البوابة الخليجية قد يساعد على إدراج مبادرة السلام العربية في قمة بيروت سنة 2000 في إطار هذه الصفقة التي يبدو أنها تنفَّذ قطعة قطعة، بعد أن أُجهضت من قِبل سوريا وإيران وتقاطع مصالحهما يومها مع إسرائيل.
خلاصة الكلام، أن التقارب مع إسرائيل الحاصل في مسقط وأبوظبي يؤشر إلى أن ساحة الصراع انتقلت إلى باب المندب ومضيق هرمز، فيما يبدو أن المعلن هي التسوية الإسرائيلية الفلسطينية.
إن الصراع انتقل إلى الخليج وممراته المائية وثرواته والحروب الدائرة فيه وحوله في اليمن وغيرها.
هذا الصراع يحفّز الدبلوماسية العمانية على التقريب بين أطراف النزاع في المنطقة، لا سيما أن أبواب واشنطن مفتوحة أمامها، ما يجعلها أكثر قدرة على تسويق مشاريع الحلول، هذا إذا صدقت النيات الحسنة.