محمد مشموشي: هل يستطيع خامنئي ونصرالله النوم أيضاً/عبدالله ناصر العتيبي: حزب الله في ميزان لبنان والعراق والجزائر/خالد الخير: لبنان بين رفض سياسة المحاور وسياسة النأي بالنفس

233

هل يستطيع خامنئي ونصرالله النوم أيضاً؟
محمد مشموشي/الحياة/16 آذار/16

عندما وجه صحافي ألماني، من منطلق إنساني وربما آدمي فقط، سؤاله إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد: «هل تستطيع أن تنام؟!»، لم يكن يخطر في باله ولو للحظة واحدة أن يأتيه جواب الأسد بهذا الشكل: «أنا أبحث عن ساعات للعمل، وليس للنوم». كانت في ذهن الصحافي، وهو يوجه سؤاله، صور الآلاف من النساء والأطفال السوريين يغرقون في البحر وهم يهربون من بلدهم أملا في بلوغ شواطئ أوروبا، وعشرات آلاف الذين يقيمون في العراء على الحدود المقفلة أمامهم، وأكثر من ثلاثمئة ألف قتيل وضعفهم من الجرحى والمعوقين، وملايين المشردين داخل بلدهم وفي جواره القريب والبعيد. كانت في ذهنه أيضاً المسؤولية التي يتحملها الحاكم عندما يستخدم السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة ضد شعبه، وإمكان (مجرد إمكان) أن يؤثر ذلك نفسياً فيه كإنسان قبل أي شيء، وتالياً على عدد ساعات نومه أو نوعه… عميقاً مثلاً، أو قلقاً، أو متقطعاً، أو غير ذلك. وليس خافياً أن الأسد لم يكن موجوداً قبالة صاحب السؤال، لا كحاكم مسؤول عن مصير بلد وحياة شعب، ولا كإنسان أو ككيان بشري خصوصاً، لهذا جاء جوابه على الشكل الذي جاء عليه: التفتيش عن المزيد من الوقت لإنزال المزيد من التدمير بالبلد والبطش بالشعب السوري. هذه الصورة تبدو الأبشع، ليس فقط لدى الصحافي الذي أجرى المقابلة مع الأسد، وقد لمّح إلى هذا بصراحة، بل كذلك في عيون كل من قرأها أو اطلع عليها، عشية انتهاء خمسة أعوام كاملة من ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد في 15 آذار (مارس) الحالي. ذلك أن رئيس بلد يرى بعينيه (هل يرى فعلاً؟!) قرابة نصف الشعب الذي يحكمه (10 ملايين من أصل 23) وقد تشرد في أنحاء المعمورة كلها، وسقط منه مئات الألوف قتلى وجرحى ومعوقين، كما دمر الكثير من مدنه وقراه وبناه التحتية بصورة كاملة أو جزئية، ثم لا يهتز له جفن أو ضمير نتيجة ذلك، بل يفتش، كما صرح، عن المزيد من الشيء ذاته، إنما يستدعي من الكراهية والحقد والتمرد ما لا تملك عبارة الإحاطة به، ليس لشخصه وقواه العقلية فحسب إنما قبله لمبتدع أسطورة «سورية الأسد» الأول، حافظ الأسد الذي صاغ أسطورته هذه بدماء السوريين، ثم أورثها عملياً، مع الأرض والشعب والدولة، إلى ابنه بشار قبل أن يغادر الدنيا في 2000. إذ لا يمكن تصور أن تحل بسورية الكارثة الأسوأ في العصر (الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تقول الأمم المتحدة)، ويبقى رئيس النظام فيها يعيش حياته كأن لا شيء يعنيه. بل أكثر، أن يتوهم أن في إمكانه أن يواصل الحكم فيها بعدما فقد السيطرة على أكثر من ثلثي الأرض واستدعى ميليشيات وجيوشاً من الخارج للمحافظة على الثلث الباقي… وحتى أن يظن، كما نقل عنه أخيراً، أن في قدرته الدعوة ثم إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعيده وفريقه إلى الوضع السابق من دون تبديل أو تغيير. كما لا يمكن تخيل أن يعمد هذا «الرئيس»، فيما تحاصر قواته والميليشيات التي استدعاها من الخارج مئات الألوف من السوريين وتمنع عنهم الغذاء والدواء، إلى شن حملة لا تتوقف على دول ومنظمات أممية وإنسانية خاصة تحاول تقديم العون للمحاصرين، وحتى أن يظهر كمن يمنّ عليها عندما يقرر فك الحصار موقتاً للسماح بمرور المساعدات. بل أبعد، أن يتهم الدول والمنظمات هذه بالتآمر على سورية وبأنها تلعب دوراً مخابراتياً وعسكرياً ضدها، بينما يعرف القاصي والداني أن أحداً من حلفائه هو (روسيا وإيران والعراق) لم يقدم حبة دواء أو سلة غذاء واحدة للمحاصرين هؤلاء… ولو إلى جانب أطنان القذائف التي يمطرونهم بها منذ سنوات! مع ذلك كله، فهذا «الرئيس» الاستثنائي جداً، والذي يسمع الأوصاف التي تطلقها عليه غالبية زعماء العالم من أنه فاقد الشرعية وقاتل شعبه، لا يرى لزوماً بعدما مرّ به منذ بدء الثورة ضده، لا للأرق في النوم (وما قد يؤدي إليه من عزوف أو استقالة) على خلفية ما يعانيه شعب بلده من تشريد وجوع ومرض وبرد في العراء، ولا حتى للاعتراف بالحقائق السياسية الجديدة في هذا البلد بعد 5 سنوات كاملة من القتل والتدمير على يديه وأيدي حلفائه. لماذا؟ هناك من يجزم بأن الأسد لم يعد يملك ما يمكن أن يقوم به، حتى لجهة الأرق في النوم أو الاستغراق فيه إذا ما كانت له حاجة به. وأنه، بعد مراهناته الكثيرة على قوة نظامه وقوة حلفائه من جهة وعلى تعب الثوار بما يؤدي إلى استسلامهم من جهة أخرى، بات رهينة من دون أي قرار في أيدي هؤلاء الحلفاء. هكذا، لم يعد يوجد في سورية الآن رئيس، وتحديداً هذا «الرئيس» الاستثنائي وغير الطبيعي الذي توجه إليه الصحافي الألماني بسؤاله: «هل تستطيع النوم؟». فهذا السؤال، يرتفع عملياً في وجه كل من المرشد الإيراني السيد علي خامنئي والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله… من دون أن ننسى طبعاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

«حزب الله» في ميزان لبنان والعراق والجزائر
عبدالله ناصر العتيبي/الحياة/16 آذار/16

استكملت جامعة الدول العربية ما بدأه مجلس التعاون الخليجي باعتبار «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، مع رفض من لبنان والعراق وتحفظ من الجزائر. الدول العربية كلها ما عدا ثلاثاً اتفقت على أن الحزب الذي يمثل إيران سياسياً وعسكرياً في لبنان مكونٌ غير مرحبٍ به في المنطقة وخارجٌ عن القانون! لكن مهلاً… أي قانون؟ كيف يمكن أن يكون خارجاً عن القانون والخط الأول في مواجهته، وأعني الحكومة اللبنانية، تعترف به وتزكّي ممثليه في مجلس الوزراء، بل تدافع عنه في الملتقيات العربية والدولية! تسمية «حزب الله» تنظيماً إرهابياً أمر معقد بعض الشيء. الدول العربية تقول عنه أنه إرهابي، لكنها في الوقت نفسه لا تقول عن ممثليه في مجلس الوزراء اللبناني أنهم إرهابيون. لا تقول ذلك لأنها إن فعلت، فستتحول الحكومة اللبنانية كلها إلى جماعة إرهابية من مبدأ ما أسكر قليله فكثيره حرام! وما بني على «وزراء باطلين» فهو باطل! هو إرهابي من حيث المبدأ، لكنه ليس إرهابياً في التفاصيل. هو إرهابي في النظرية، لكنه على مستوى التطبيق خاضع لحسابات معينة! من هو خارج الحكومة من كوادره كحسن نصرالله ونعيم قاسم هم إرهابيون بهذا التوجه العربي، لكن كوادر الحزب في الحكومة اللبنانية مثل وزير الصناعة حسين الحاج حسن، أو وزير شؤون مجلس النواب محمد فنيش ليسا إرهابيين! أية ربكة هذه، وما أضيق عنق الزجاجة هذه المرة!

جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي يعرفان أن لبنان يعيش وضعاً خاصاً لا بد من أخذه في الاعتبار عند التعامل مع الأحداث في هذا البلد الصغير. لبنان منذ استقلاله وهو يتعافى بالمسكنات، ويعيش على الأدوية الموقتة، لأن ديموقراطيته المزعومة غير قادرة على التعامل مباشرة مع مواطنيّة اللبنانيين بلا وسيط، وإنما تحتاج إلى جسر عبور يوصلها إلى المفرد اللبناني. تركب الديموقراطية الجسر مرغمة باستخدام عربة ذات ألوان مفروضة غصباً على الواقع اللبناني، ثم تصيح عندما تصل اللبناني في ضيعته أو مدينته: مرحى للكرامة والعدالة والمساواة وحرية التعبير! هناك ديموقراطية خاصة بالسنّة، وديموقراطية خاصة بالشيعة، وديموقراطية خاصة بالدروز، وديموقراطية خاصة بالمسيحيين، وديموقراطية خاصة بالعاملات الآسيويات في البيوت، وعشرات الديموقراطيات الأخريات، وجمع هذه الديموقراطيات في عقيدة سياسية واحدة أو مذهب مدني واحد ينتج مكوناً مرتبكاً غير قادر على المضي قدماً، وغير قادر على العودة إلى لحظة الاستقلال. ينتج: لبنان! لهذا، فإن توصية جامعة الدول العربية وقرار مجلس التعاون الخليجي في شأن خروج «حزب الله» عن القانون، جاءا في هذا السياق: عبور لجسر معين ووصول إلى منطقة معينة، ثم صيحات وهتافات: مرحى مرحى للحزم والموقف المتشدد! هو خروج عن قانون جزئي في لبنان وكلي في هذه البلاد العربية، وهذا أضعف الإيمان.

هذا بالنسبة إلى لبنان، فماذا عن العراق والجزائر؟ العراق ذو النخبة الطائفية الحاكمة لم ينجح في تمرير «التبعية الإيرانية» باستخدام الديموقراطية والانتخابات الحرة والآمال العظام والوعود الكبيرة، فلجأ في النهاية إلى الحشد الشعبي المسلح ليقوم بالمهمة! في البدء أوهم الطائفيون العراقيين والعالم بأن الديموقراطية هي من جاءت بهم. تكررت كلمة الديموقراطية في وسائل إعلامهم ملايين المرات، كأنها إحدى المنجزات التاريخية لعراق ما بعد صدام حسين، وما فعلوا ذلك إلا من أجل تخدير الناس وتعميتهم، لكن عندما بدأت الديموقراطية المزعومة تتكشف للشعب العراقي عن سلطوية دينية، قالوا إن لنا ديموقراطيتنا الخاصة التي تختلف عن بقية ديموقراطيات العالم فاصبروا علينا. ثم حاولوا إيهام الشعب أن التعددية هي في المحاصصة، لكن مع بقاء السلطة التنفيذية (رئاسة مجلس الوزراء) في يدهم. وعندما لم تنطل كل هذه الخدعات على الشعب لجأوا إلى الخيار الأخير: الطريقة الحزبلّاهية، فأنشأوا الحشد الشعبي وسلّحوه وأطلقوه في المدن والبلدات العراقية، ليتبنى تثبيت التبعية الإيرانية بالقوة! عراق جديد كهذا، كيف يستطيع اعتبار «حزب الله» تنظيماً إرهابياً؟ لو انضم وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لإخوته وزراء الخارجية العرب وأسقط «حزب الله»، فسيسقط الحشد الشعبي أوتوماتيكياً، بتشابه الظروف، وفي هذا سقوط للحكومة العراقية الحالية المشرعنة بفتاوى مرجعيات الحشد، وسيسقط في النهاية إبراهيم الجعفري نفسه كوزير للخارجية! أما الجزائر، فقد خبرناها منذ زمن، فهي لا تتدخل في القضايا التي تهم الخليجيين بحجة النأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها في المقابل على استعداد للتدخل في ما سواها تحت ذرائع شتى! الجزائر لها موقف ثابت من دول الخليج لا يكاد يتغير، ولعل في موقفها الشهير من استباحة جيوش صدام حسين الكويت قبل نحو 25 عاماً، ومعارضتها المتشددة لحرب التحرير، ما يعضد هذا القول. الجزائر تنأى بالنفس دائماً بصمت عن قضايا وجودية خليجية، وأخشى من اليوم الذي تنأى فيه دول الخليج عن دعم مواقف الجزائر بحجة عدم الانجرار للتورط في شؤون الجزائر الداخلية، كما فعلت هذه الدول أخيراً في القاهرة مع لبنان عندما نأت بنفسها عن دعمها في البند المتعلق بالتضامن معها، والمدرج في شكل دائم في أجندات اللقاءات العربية بمستوياتها كافة. 19 دولة من أصل 22 جرّمت تنظيم «حزب الله»، فما التالي؟ وهل يكفي فقط أن يُشهر قرار التجريم على العلن ثم تعود كل دولة لتقوّم الأمر بطريقتها الخاصة؟ قطعت الدول العربية ربع الطريق بإعلان «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، وبقي أن تبدأ الدول الـ19 في الإعلان تباعاً تحت مظلة الجامعة العربية، عن تسمية الأحزاب الإرهابية في الوطن العربي، ابتداءً بالحشد الشعبي في العراق، مروراً بحملة السلاح ضد الدولة في ليبيا وتونس، وانتهاءً بجبهة البوليساريو في الصحراء المغربية. على جامعة الدول العربية ألا تكون منصة ردود أفعال فقط، عليها أن تبدأ بالفعل في جمع كل الأحزاب المسلحة من غير تفويض رسمي في الدول العربية في زاوية واحدة ومواجهتها سياسياً وقانونياً وعسكرياً إن لزم الأمر، وعزلها إقليمياً ودولياً، وتجفيف منابع تمويلها حتى تجف وتتساقط! التجريم والتسمية بالإرهاب ليستا سوى مبتدأ الحملة، ما هو مهم هو ما سيلي من إجراءات، لأن ذلك هو ما سيبيّن جدية المشاركين من عدمها! ولأن ذلك هو ما سيقطع أذرع الاختراقات الإقليمية لأمن الوطن العربي الكبير وسلمه!

لبنان بين رفض سياسة المحاور وسياسة النأي بالنفس
الدكتور خالد الخير/النهار/16 آذار 2016

مرة أخرى يعود لبنان ساحة يدار فوقها الصراع العربي _ الإقليمي والدولي، وما يحدث فيه على مستوى الحكم يرتبط بمجمله بما يدور في المنطقة، والخطير في الأمر أنّ بعض من يقود هذه الصراعات يعمل على تحقيق أهداف لا تأتلف مطلقاً وصيغة النظام السياسي في لبنان. والمقلق في المشهد السياسي على الساحة الوطنية أنّ الصراع في سبيل ذلك متواصل ومتعدّد الأشكال، وهو يتصاعد أكثر فأكثر تبعاً لتصاعد التطورات والأحداث في لبنان والمنطقة منذ عام 2005، مروراً بحالات الفوضى المتلاحقة في الدول العربية، وصولاً الى حالات التأزم المتصاعدة بين دول عربية عربية، وعربية إقليمية ودولية.

ولبنان منذ استقلاله لم يقوَ على تجنّب التجاذبات العربية والإقليمية والدولية التي تستخدمه من أجل مصالحها، فيتعرض للخطر بين هذه القوى ونفوذها لعلة ارتباط مكوناته مع دول محورية بعلاقات عضوية ومتجذرة ذات طابع مادي وثقافي وسياسي ومذهبي، وأحياناً عسكري، كما أنّ أخطر الأزمات التي هدّدت لبنان الدولة، كانت بسبب ارتباط مكوّناته السياسية والطائفية بهذه الدولة أو تلك، والشواهد على ذلك كثيرة، وأهمها ما حدث في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون الذي قرّر الانضمام الى حلف بغداد مع العراق ضد السياسة المصرية الناصرية، وقبول لبنان مشروع إيزنهاور، وكانت النتائج إرهاصات خطيرة هدّدت الدولة تمثلت بثورة 1958، وكذلك اتفاق القاهرة عام 1969 وما أنتج من انقسامات بين المكونات اللبنانية بين مؤيّدٍ ومعارضٍ، وكادت حرب 1975 أن تؤدي إلى زوال لبنان الدولة والكيان، والتي استمرت لعام 1989 وتوقفت مع اتفاق الطائف الذي شكّل خطوة أولية بخروج لبنان من نفق الاقتتال ودخوله رحاب السلام، وكانت هذه الحرب الطويلة حرب الآخرين على أرض لبنان، وعلى أثر اندلاع أحداث سوريا بداية عام 2011، برزت من جديد على الساحة اللبنانية الانقسامات بين مكوّناته السياسية والطائفية والمذهبية، فأحدثت خلافات خطيرة وانقسامات عمودية. وإذا كانت النتيجة الظاهرة لغاية الآن تأزّم وضع الحكم الحالي إلى حدّ انشغاله بنفسه انشغالاً أدى الى شلل سياسي، فإنّ النتيجة المتوقعة لهذا الصراع قد تكون أخطر وأشمل من النتيجة الحالية، بسبب ارتفاع منسوب الصراع، لأنّ الوضع الحالي يجد صعوبة فائقة في الإمساك بالخيوط الضرورية لجوانب الصراعات على الساحة السورية، مما يهدّد باندلاع أحداث داخلية، وربما فتنة مذهبية في لبنان.

في ظلّ الأخطار المحدقة بلبنان، على أهل الحكم أن ينجوا ببلدهم وشعبهم باختيارهم حسن التقويم بين هذه القوى وحسن التوقيت المناسب لإعلان مواقفهم منها. ولتحقيق ذلك لا بد من تبنّي ما أرساه كل من الرئيس المرحوم رياض الصلح والرئيس نجيب ميقاتي اللذين أحسنا التقويم والتوقيت للمواءمة بين مصلحة لبنان وعلاقاته الخارجية العربية والإقليمية، فالأول ووفقاً لمضمون الميثاق الوطني عام 1943، أعلن رفض لبنان سياسة المحاور والمحافظة على التوازن في علاقات لبنان الخارجية، وأن لا يميل مع فريق ضد آخر، وشكّلت هذه السياسة إزاء الخلافات العربية العربية، إحدى أهم قواعد السياسة الخارجية اللبنانية، والتي أرست استقراراً جنّب لبنان الأزمات وحقّق الوحدة بين مكوناته السياسية والطائفية حول الدولة ومؤسساتها. والثاني الرئيس ميقاتي إبّان ترؤسه الحكومة عام 2011، أي بداية الأحداث في سوريا، والتي اتخذت شعارات متعدّدة وبرزت بسببها من جديد على الساحة اللبنانية انقسامات عمودية خطيرة بين مكوناته السياسية من جهة، ومع التدخل الإقليمي والتدخل المتعدد الجوانب المباشر في الساحة السورية من جهة ثانية، برزت انقسامات طائفية أحدثت خلافات خطيرة. هذا الوضع المتأزم أدخل لبنان في نفق مظلم ووضعه في عنق الزجاجة وأظهر خوفاً كبيراً من اندلاع حرب داخلية وفتنة مذهبية. أمام هذا الوضع السياسي والطائفي الخطير في لبنان الذي هدّد الصيغة اللبنانية، بادر الرئيس ميقاتي إلى إعلان مضمون سياسة حكومته الخارجية “النأي بالنفس وبلبنان” عمّا يدور في الخارج العربي، وخصوصاً في سوريا، للمحافظة على وحدة لبنان الداخلية وإبعاد نتائج الحروب السورية عن الساحة الداخلية والوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

وتجنيب الوطن الصغير من الحروب الكبرى لا يكون إلاّ بتبنّي ما أطلقه الرئيسان الصلح وميقاتي، فننهي حروبنا الداخلية الصغرى، وإلاّ ستتلاحق التطورات الخطيرة ويكون بعدها كل شيء جديداً من الجميع وعلى الجميع.