خيرالله خيرالله: بين وطني دائما على حق ولبنان أولا/ألين فرح: تحرّكات رئاسية تُبقي التواصل قائماً من دون تغيير حزب الله لم يُفرج بعد عن الرئاسة/طارق الحميد: قتل القنطار ما رأي إيران الآن

323

بين ‘وطني دائما على حق’… و’لبنان أولا’
خيرالله خيرالله/العرب/21 كانون الأول/15
مهّد سليمان فرنجية الجدّ لوصوله إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 1970 بمقال نُشر له في الصفحة الأولى من جريدة “النهار” تحت عنوان “وطني دائما على حقّ”. ي السنة 2015، التي تشارف على نهايتها تحدّث سليمان فرنجية الحفيد عن “لبنان أوّلا” ووضعه مصلحة البلد وأبنائه “فوق كلّ مصلحة أخرى”. استهدف سليمان الحفيد، عبر الحديث التلفزيوني الذي أدلى به إلى الزميل مرسيل غانم تأكيد أنّه صار مرشّحا جديّا، وأنّ على “حزب الله” إيجاد طريقة لسحب النائب ميشال عون من سباق الرئاسة، وذلك عن طريق إقناعه بأن لا أمل له بتحقيق حلمه الذي كلّف لبنان واللبنانيين الكثير وذلك منذ العام 1988. في النهاية ليس ميشال عون سوى أداة مسيحية استخدمها الحزب من أجل تحقيق أغراض معيّنة مستغلا نقاط الضعف في شخصية قائد الجيش السابق. على رأس هذه النقاط جهله بطبيعة “حزب الله” والسياسة الإيرانية في المنطقة من جهة، وهوسه الدائم برئاسة الجمهورية من جهة أخرى. ي ضوء الحديث التلفزيوني لسليمان الحفيد، الذي حاول من خلاله طمأنة اللبنانيين على أنّه سيكون “رئيسا للجميع”، صار الخيار الذي يواجه المواطن العادي هذه الأيّام في غاية الصعوبة. إنّه خيار بين الوثوق بسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية وتصديق ما قاله في الحديث التلفزيوني، وبين البقاء من دون رئيس للجمهورية مع ما يمثله ذلك من تهديد لمستقبل البلد. طرح هذا الخيار نفسه في وقت تمرّ فيه المنطقة بمرحلة انتقالية. هناك دولتان مهددتان بالزوال، أو التقسيم في أحسن الأحوال، هما العراق وسوريا. هناك، بكل بساطة، إعادة نظر في حدود العراق وبالكيان نفسه، كما ليس معروفا ما الذي سيحل بسوريا وهل يبقى شيء منها في ظل التجاذب الرباعي الإيراني ـ التركي ـ الروسي ـ الإسرائيلي.
تبقى شخصية سليمان فرنجية الحفيد موضع أخذ ورد طويليْن. توجد نقاط لمصلحة الرجل، ظهرت من خلال المقابلة التلفزيونية الأخيرة. كان سليمان فرنجية في غاية الصراحة. لم يتنكر لماضيه ولكونه “صديقا” لبشّار الأسد ولعلاقته بـ”حزب الله”.
قال الأشياء كما هي واعدا بأن يكون “رئيسا لجميع اللبنانيين” مركّزا على عبارة “لبنان أوّلا” المحببة لدى جمهور “الرابع عشر من آذار” الذي أخرج القوات السورية من لبنان، لكنّه اضطر، لاحقا، إلى العيش تحت التهديد اليومي لسلاح “حزب الله” الإيراني. هل يكفي الكلام الجميل لمواجهة الواقع الذي يعيش في ظلّه لبنان، بما في ذلك انخراط “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري بكلّ فئاته من منطلق مذهبي صرف؟ رج الجيش السوري من لبنان في السادس والعشرين من نيسان ـ أبريل 2005 بعد احتلال استمرّ نحو ثلاثة عقود، ليحل مكانه سلاح “حزب الله” الذي سارع إلى دخول الحكومة اللبنانية، بحياء وخفر في البداية، تمهيدا لممارسة دور معطّل لكل مؤسسات الدولة اللبنانية. قبل خروج الجيش السوري من لبنان، كان “حزب الله” مطمئنا إلى الوصاية التي تمارسها دمشق على لبنان واللبنانيين وعلى مؤسسات الدولة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية. في عهد إميل لحود بين 1998 و2007، لم يعد رئيس الجمهورية اللبنانية أكثر من موظّف برتبة مدير عام في رئاسة الجمهورية السورية! ي ظلّ المستجدات السورية، حيث لم يعد بشّار الأسد سوى أداة تجاذب بين الروسي والإيراني، هناك لغز يواجه اللبنانيين. كيف سيتعامل سليمان فرنجية مع “حزب الله”؟ هل يستطيع لعب دور في التخفيف من وطأة تلك الميليشيا المذهبية التي عطّلت الحياة السياسية والعمل الحكومي، كما عزلت لبنان عن محيطه العربي وجعلت أهل الخليج ينأون بأنفسهم عن لبنان؟
لم يخدم عهد سليمان الجدّ لبنان واللبنانيين، كما وعد في مقاله “وطني دائما على حق”. في عهده بدأت الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان. كان ذلك في العام 1975. في أساس فشل سليمان الجدّ ثقافته السياسية المتواضعة وعدم معرفته بالتوازنات الإقليمية والدولية، فضلا عن إحاطة نفسه بعدد لا بأس به من المستشارين الفاشلين من أشباه المثقّفين. فضلا عن ذلك، لم يكن يدرك المعنى الحقيقي لوصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا واحتكاره لها وأطماعه في لبنان. كان الرئيس السوري الراحل الذي نفّذ انقلابه في تشرين الثاني – نوفمبر 1970، أي بعد أقل من شهرين من دخول سليمان فرنجية الجدّ قصر بعبدا، يعتبر الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل، وكان يستخدم الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان لتأكيد أنّه يمتلك الورقة الفلسطينية. رفع شعار “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”. دفع لبنان ثمنا غاليا نتيجة رفعه هذا الشعار.
لا شكّ أن صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية في 2015 تختلف تماما عن تلك التي كان يمتلكها المقيم في قصر بعبدا في 1970. هناك فارق 45 عاما بين انتخاب الجدّ رئيسا، بفارق صوت واحد في مجلس النوّاب، واحتمال وصول الحفيد إلى هذا الموقع، بفضل تفاهم مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
في أيام الجدّ، لم يكن أي طرف يمتلك القدرة على تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. في أيّام الحفيد، ليس واردا انتخاب رئيس دون ضوء أخضر من إيران. لم يحسن الجدّ التعاطي مع النظام السوري. هل يحسن الحفيد التعاطي مع إيران ممثلة بحزبها المذهبي المسلّح الذي أقام دويلته على حساب الدولة اللبنانية، ووضع يده على المؤسسات الرسمية، واستباح الحدود بين لبنان وسوريا جاعلا الرابط المذهبي يعلو على كلّ ما عداه، بما في ذلك السيادة اللبنانية، أو ما بقي منها؟ من حسنات سليمان الحفيد أنّه لم يكذب على أحد في المقابلة التلفزيونية. قال الأشياء كما هي من دون مواربة. كشف حتّى الحجم المتواضع لمعرفته بما يدور حول لبنان. هل يُعتبر ذلك كافيا للوصول إلى قناعة بأن ليس أمام لبنانيين كثيرين غير الرهان عليه، على الرغم من أن رفع إيران الفيتو الذي تمارسه على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ليس مضمونا مئة في المئة بعد؟
الخيار أمام اللبنانيين صعب، بل صعب جدا. لم يكن خيارهم على سليمان الجدّ في محلّه بأي شكل. لم ينفّذ أي كلمة من تلك التي وردت في مقال “وطني دائما على حق”. بدو خيار سليمان الحفيد خيارا إجباريا، على الرغم من أنّ في الإمكان إيجاد من يتمتّع بمواصفات تليق برئيس للجمهورية اللبنانية القادر على استيعاب المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية بشكل أفضل. يبقى في نهاية المطاف هل يعتبر الفراغ الرئاسي خيارا… حتّى في وقت لا وجود سوى لضمانة وحيدة هي أن سليمان الحفيد أفضل بمراحل من شخص مثل ميشال عون جعله هوسه برئاسة الجمهورية يتحوّل إلى “جندي لدى الوليّ الفقيه”، بعدما قبل في الماضي أن يكون “جنديا صغيرا في جيش حافظ الأسد”.

“تحرّكات” رئاسية تُبقي التواصل قائماً من دون تغيير “حزب الله” لم يُفرج بعد عن الرئاسة
ألين فرح/النهار/21 كانون الأول 2015
لا شيء جديدا على الساحة الرئاسية، وكل التحركات اليوم ليست تغييرية، بل هي لإبقاء التواصل قائماً، أو حتى للملمة ذيول التصدعات على خطي 8 و14 آذار على السواء. فالضرر وقع على الجميع، وكل طرف بقي على موقفه بعد الكلام الأخير للنائب سليمان فرنجيه. يجمع كل الاطراف على أن المبادرة الرئاسية لن يعاد تحريكها إلا بعد عطلة الأعياد، رغم الزخم الذي أريد مدّها به جراء المقابلة التلفزيونية. يقول مصدر في 14 آذار ان فرنجيه لم يعط ضمانات ولا طمأنة لـ 14 آذار، وهو لم يربح اطرافاً إضافية، فمن معه بقي معه ومن هو ضده بقي كذلك. لكنه تسبب بإشكالات مع فريقه ٨ آذار، إذ اتهم “حزب الله” بأنه على علم بالمبادرة، وأحرجه، وفتح النار على العماد ميشال عون، وهذا كاف لإظهار التصدعات داخل هذا الفريق. كما تبين ان حسابات فرنجيه تختلف عن حسابات “حزب الله” وعن حسابات عون، حتى لو كانوا في الخط الاستراتيجي عينه، فالخيار واحد، لكن التكتيك والاهداف مختلفة، تماماً كما حسابات “المستقبل” والكتائب و”القوات اللبنانية” التي تختلف في ما بينها. صمت الرابية لم يتغير، علماً أنها ارتاحت اكثر بعد المقابلة، باعتبار أن “العماد عون مرشح اكثر من اي وقت مضى”، وفريقها ايضاً يلتزم الصمت، الا اذا قررت تغيير قواعد الصمت بردود لبعض نوابها وكوادرها في الأيام المقبلة. كما أن صمت “حزب الله” اصبح ثقيلاً اكثر بعد انحسار الترشيحات الرئاسية بفريقه، وهو بالطبع سيعالج هذه التصدعات بصمت ايضاً، حفاظاً على الخط الاستراتيجي الذي ينتمي اليه. فهل يتطرق السيد نصرالله الى المبادرة الرئاسية في خطابه اليوم؟ أما معراب التي زارها السفير السعودي السبت الفائت ولم يرشح شيء عن المحادثات فيها، فهي ايضاً على صمتها وموقفها. لكن تكفي تغريدة النائب فادي كرم عبر “تويتر” قائلاً: “اذا كانت الرئاسة الاولى تتجه حصراً نحو فريق 8 آذار، فمنطق الامور يقضي بأن تكون للعماد عون”، للتأكيد ان سمير جعجع لم يغير موقفه من المبادرة. واذا كان الكلام الصادر سابقاً عن امكان ترشيح جعجع للعماد عون في حال رست الترشيحات الرئاسية بين الاخير وفرنجيه كان من ضمن التحليلات، فإن مصادر مواكبة تشير الى انه عبر تغريدة كرم تكون المرة الاولى يصدر موقف علني لمسؤول في “القوات اللبنانية” مفضلاً عون على فرنجيه. كأن “القوات” تستعيد المبادرة لتذكّر بموقف جعجع في 15 كانون الثاني 1986 حين أسقط منفرداً الاتفاق الثلاثي، وبأنه لا يبصم لأحد اذا كان غير مقتنع. وكأن تغريدة كرم تشير ضمناً الى انه هكذا تكون الواقعية السياسية، مناقضاً بذلك كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق حين قال عن مقابلة فرنجيه: “رشح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة”. وفي رأي المصادر عينها، فإن عون كان اول من اعتمد سياسة الانفتاح على المملكة العربية السعودية وعلى سعد الحريري، وهو أعلن “النيات” مع “أعداء” الأمس، اي “القوات” وهم صقور 14 آذار، ومن وضع يده بيد “القوات” فهو يستطيع أن يمد يده الى بقية الاطراف، وبذلك تقضي الواقعية السياسية بأن يكون عون رئيساً والحريري رئيساً للحكومة. ماذا بعد هذه المواقف؟ يجيب مصدر في 14 آذار بأن الامور غير ناضجة بعد لانتخاب رئيس، فقبل اتضاح حقيقة التطورات في العراق وسوريا واليمن، وقبل ظهور المعالم النهائية للحل في سوريا، وما سيكون دور ايران تحديداً بعد التدخل الروسي فيها، وبعد قيام التحالف الاسلامي لمواجهة الاٍرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، لن يفرج “حزب الله” عن الرئاسة في لبنان.

قتل القنطار.. ما رأي إيران الآن؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/21 كانون الأول/15
في الوقت الذي كشفت فيه وكالة «رويترز» نقلاً عن مسؤولين إيرانيين، عن أن طهران قررت تعزيز تنسيقها مع روسيا حول سوريا؛ وذلك بعد اجتماع الرئيس الروسي بالمرشد الإيراني الشهر الماضي، أعلن حزب الله، أمس، عن مقتل سمير القنطار في دمشق نتيجة غارة إسرائيلية. القنطار الذي يلقّبه حزب الله بعميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، تم الإفراج عنه عام 2008 في إطار صفقة تبادل للسجناء بين إسرائيل والحزب، والآن تمت تصفيته في دمشق. والسؤال هنا ليس عمّا كان يفعله القنطار في دمشق؛ فالأمور واضحة بهذا الخصوص، وإنما السؤال هو: ما رأي إيران، ومعها حزب الله، والقنطار يُصفّى في دمشق من قبل إسرائيل، بينما الجميع يعرف أن دمشق تحت الوصاية الروسية الآن، وهذا ليس كل شيء، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين قال الأسبوع الماضي، وبلغة تحدٍّ واستفزاز للأتراك: «روسيا ليست دولة ضعيفة. لقد عززنا وجودنا العسكري، وزدنا عدد طائراتنا الحربية، وإذا كان الأتراك يحلّقون هناك، وينتهكون المجال الجوي السوري فدعهم يجربوا الآن التحليق هناك»؟! الواقع هو أن الإسرائيليين هم من حلّق في سماء دمشق، وقاموا بتصفية القنطار الذي يصفه حزب الله بـ«المقاوم والمجاهد»، وفي الوقت الذي تعلن فيه إيران عن «وفاق كامل بشأن سوريا» مع روسيا، وبمباركة من المرشد علي خامنئي، فما رأي إيران الآن؟ وما رأي حزب الله؟ وهل تصفية القنطار في دمشق من قبل إسرائيل توافق الرؤية الإيرانية – الروسية المشتركة حول سوريا؟ وما رأي الرئيس بوتين الذي يهدد تركيا بأن تتجرأ بإرسال طائراتها إلى المجال الجوي السوري؟ أم أن المجال الجوي السوري يعتبر مفتوحًا لإسرائيل؛ وذلك نتيجة غرفة العمليات المشتركة الروسية – الإسرائيلية المعنية بتنسيق الأوضاع في سوريا بعد التدخل الروسي هناك؟ أم أن لدى الإسرائيليين مقدرة على دخول الأجواء السورية دون أن يشعر الروس، وهو ما يناقض حديث الرئيس بوتين، وتباهيه أمام الأتراك، عن قوة موسكو؟ الأكيد أن الإيرانيين، ومعهم حزب الله، ومثلهم الروس، في ورطة الآن، بعد اغتيال سمير القنطار في غارة إسرائيلية، كما هو معلن، فكيف تبرر إيران إعلانها توافق المواقف مع الروس في سوريا، بينما الروس ينسقون مع إسرائيل التي قامت بتصفية القنطار الذي يصفه حزب الله بـ«المقاوم والمجاهد»؟ وما الذي سيقوله حزب الله لأنصاره في لبنان بعد مقتل القنطار الذي استقبله حسن نصر الله في عام 2008 ببيروت استقبال الأبطال؟ وأين هي القوة الروسية التي تباهى بها بوتين أمام الأتراك؟ ملخص القول هو أن سوريا باتت بمثابة الورطة لكل من يحاول مناصرة مجرم دمشق بشار الأسد، وإيران، وحلفائها هناك، ومعهم الروس، هم في حفرة، وكل يوم يمضي يعني أنهم يواصلون الحفر، صحيح أن الثمن مكلف، ومحزن، بالنسبة للسوريين، لكنها ورطة حقيقية للإيرانيين، وحزب الله، والروس، وهذا ما تثبته الأحداث يوميًا.