هشام ملحم: أي شرق أوسط بعد النووي الإيراني/إيلـي فــواز: هل قررت إيران إشعال الخليج/زهير قصيباتي: شرق أوسط بلا عرب؟

495

أي شرق أوسط بعد النووي الإيراني؟
هشام ملحم/النهار/10 أيلول 2015

أصبح الاتفاق النووي مع ايران حقيقة جيو – استراتيجية، بعدما حصّن الرئيس اوباما نفسه ضد أي محاولات ممكنة من معارضي الاتفاق بعد ان اعلن 41 عضوا في مجلس الشيوخ موافقتهم على الاتفاق الامر الذي يعطيهم القدرة على استخدام الاجراءات البرلمانية لمنع تصويت المجلس (يتطلب تعليق الاجراءات البرلمانية 60 صوتا وهذا لم يعد متوفرا) وبذلك لن يضطر اوباما الى استخدام حق النقض ضد القرار. مجلس النواب باكثريته الجمهورية سيصوت ضد الاتفاق هذا الاسبوع، ولكن هذا لا يعني شيئا من دون مجلس الشيوخ. هذا الاسبوع، هيلاري كلينتون ايدت الاتفاق، كما جدد بعض المرشحين الجمهوريين هجماتهم عليه، لكن الاتفاق سوف يصير ساري المفعول قبل نهاية الشهر الجاري. السؤال الان هو: كيف ستتغير موازين القوى في الشرق الاوسط بعد الاتفاق؟ هذا الاتفاق يأتي على خلفية توتر سني – شيعي، وسعودي – ايراني غير مسبوق، وهو توتر ينعكس على نزاعات المنطقة من اليمن الى العراق، الى سوريا الى لبنان. دول مجلس التعاون الخليجي “باركت” الاتفاق على مضض ولم تدخل في نزاع مع الرئيس اوباما عكس اسرائيل، على أمل ان تحصل من واشنطن على دعم عسكري واستخباري نوعي. وقد تزامن ذلك مع رغبة سعودية في فتح الاسواق السعودية لاستثمارات اميركية في مختلف القطاعات كي لا يبقى التعاون الثنائي مرتبطا بقطاع النفط في الدرجة الاولى، نظرا الى القلق من “تحول” الولايات المتحدة تدريجا من منطقة الخليج الى شرق آسيا. والاتفاق النووي عزز مكانة ايران الاقليمية والدولية. ورأينا سباقا بين المسؤولين السياسيين والاقتصاديين في الغرب لزيارة طهران وتوقيع صفقات معها. وتستطيع ايران ان تقول لشعبها وجيرانها ان الغرب يعترف بدورها الكبير في المنطقة ويتفاوض معها بطريقة تعكس ذلك. ومن شأن الاموال الايرانية التي سيفرج عنها بعد الغاء العقوبات – على الاقل 60 مليار دولار – أن تنعش اقتصاد ايران وتعزز من قدرتها على مساعدة حلفائها من حزب الله في لبنان (بعدما خفضت طهران مساعداتها له هذه السنة) الى الحوثيين في اليمن.
ويبدو ان التفاهم الاميركي – التركي الاخير على سوريا، قد ساهم، اضافة الى عوامل أخرى، تبديد أي آمال اميركية في تعاون اميركي – روسي يشمل اقناع موسكو ايران بتسوية تحفظ بعض نفوذها في سوريا، ولكنها تشمل رحيل
الاسد. هذه الامال تبخرت في ضوء التعزيزات العسكرية الروسية التي صاحبها تجديد الالتزام الايراني ببقاء الاسد في السلطة. الاتفاق النووي سوف يدفع مختلف القوى في المنطقة الى اعادة النظر في أولوياتها بعد تحسن مكانة ايران، على رغم التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجهها في المنطقة.

هل قررت إيران إشعال الخليج؟
إيلـي فــواز/لبنان الآن/09 أيلول/15

الجميع يعرف أن قرار الاستقرار، أو بالأحرى قرار تنظيم الفوضى اللبنانية ومنعها من الانزلاق إلى حرب، هو قرار ايراني سعودي ضمني، وطبعًا برضى ورغبة أميركية. وهذا القرار، حتى لحظة اعتقال خلية حزب الله في الكويت واكتشاف علاقتها بدبلوماسيين ايرانيين، ومن قبلها اعتقال المغسل في لبنان المتهم في التخطيط لتفجير الخبر الذي أودى بحياة 19 جندياً أميركياً، كان قائماً لمبررات منطقية للأطراف الراعية لهذا الاستقرار المصطنع. فعند المملكة العربية السعودية وإدارتها الجديدة بقيادة الملك سلمان تقدمت اولويات اليمن وسوريا حيث المواجهات الكبرى، على لبنان، وتلك القيادة تريد ان يبقى لبنان ضمن اطار مستقر، خاصة وأن تأثيره محدود على تلك المواجهات. إيران من جهتها لا ترغب ان تنغمس في جبهة جديدة، ستكون من دون أي شك مكلفة عليها من الناحية المالية او حتى اللوجستية وستشتت قواها التي تواجه مصاعب في كل من سوريا والعراق واليمن. ايران مطمئنة لإمساك الجيش اللبناني وحزب الله بزمام الأمور الأمنية وإبقائهما الوضع تحت السيطرة. أما الولايات المتحدة فمن جهتها تفضل مسايرة شريكها الإيراني الجديد في توجهاته في المنطقة. ادارة الرئيس باراك اوباما ترى ان نفوذاً ايرانياً في لبنان كما سوريا او العراق هو في اساس تلك النظرية الغريبة القائمة على خلق توازن بين “السنّة” و”الشيعة” يفضي الى تنافس بينهما، على حسب تعبير الرئيس نفسه وفي اكثر من مناسبة.
لكن تلك الاعتقالات الاخيرة، تكشف توجّهاً لدى الإيرانيين للتصعيد في الخليج، رداً ربما على أحداث اليمن حيث هناك نجاح ملموس لعاصفة الحزم، او في سوريا حيث هناك صعوبات لحلف الممانعة في استرداد نقاط استراتيجية كالزبداني مثلاً، او حتى في العراق حيث الحراك الشعبي بات ينتفض على الهيمنة الإيرانية على البلد. خسارة ايران المواجهات العسكرية في المنطقة بعدما خرجت منتصرة من المفاوضات النووية سينعكس سلباً من دون ادنى شك على الداخل، وقد يطلق مجدداً شرارة انتفاضة لم تنطفئ أصلاً منذ ايام الثورة الخضراء، تتطالب برحيل نظام الملالي. لذا قد يكون لجوء إيران الى الاٍرهاب مجدداً هدفه ارغام المملكة العربية السعودية على الجلوس الى طاولة حوار في مسقط، حيث يصار الى تثبيت الأمر الواقع في مناطق الصراع، وبالتالي الاعتراف والتنازل عن مواقع نفوذ في المنطقة لصالح قاسم سليماني.
اذا كان هذا هو التوجه الايراني، فالأمور ستتغير في اكثر من منطقة ولن يعود الاستقرار في لبنان خط أحمر او متوافق عليه، وسيتحول البلد الى خط مواجهة إضافي لإضعاف إيران وحزب الله في المنطقة. ولمن يراقب تدهور الوضع اللبناني يقتنع انه قد يكون من السهل الاستثمار في تلك الفوضى و دفع الأمور إلى الهاوية. وقد يطل هذا الاستثمار عبر غضب الشعب.
هذا لا يعني بتاتاً أن الشعب على خطأ.
فتلك الفوضى التي يحاول الأفرقاء اللبنانيون السيطرة عليها هي نتيجة أمور كثيرة منها داخلي له علاقة بانهيار الدولة أمام منظومة حزب الله الإقليمية وفضائح الفساد في ظل انسداد الأفق الاقتصادي، ومنه مرتبط بالمحيط لاسيما الصراع المذهبي السنّي الشيعي.
هذه الفوضى تشي بضعف التركيبة القائمة اليوم أمنياً واقتصاديًا وسياسياً. ولبنان بفضل انغماس حزب الله في حروب المنطقة أصبح جزءاً من الصراع، ولو كان هذا الصراع حتى يومنا ممنوع من الصرف في البلد.
ولكن إذا ما قررت ايران العبث بأمن الخليج ومهاجمتهما مباشرة، فقد تقرر ساعتئذ دول الخليج الردّ في الأماكن التي توجع ايران، ولبنان سيكون ضمنها.

 شرق أوسط بلا عرب؟
زهير قصيباتي/الحياة/10 أيلول/15

نحن شعوب الخِيَم وقوارب الموت، لمَنْ نترك الشرق الأوسط «الجديد»؟ هل يعرف الجواب باراك أوباما المنشغل بحفلات البيت الأبيض، بعد اطمئنانه إلى كسر معارضة «المشاغبين» في الكونغرس الاتفاق النووي مع إيران؟ هل يدرك الجواب فلاديمير بوتين النائم على حرير الانتقام من عقوبات الغرب، الشامت بالأوروبيين القلقين من طوفان اللاجئين السوريين؟ شرق أوسط بلا عرب؟ هل يكون نهاية للحرب العالمية التي يخوضها الروس والإيرانيون والأتراك والأميركيون و«الأطلسيون» و«داعش» وأبناء «القاعدة»… كل على طريقته وبوسائله؟
بعد ربع مليون قتيل في سورية، يصرّ الكرملين على إعادة تأهيل آلة الحرب الوحشية في يد نظام ما زال مقتنعاً بإنقاذ نفسه، ولو بيعت سورية للروس والإيرانيين. هم يكفلون الترويج لبقائه وتعويمه شريكاً في الحل… رغم كل المجازر. مع ذلك، يوهمنا الإيرانيون بأنهم لا يريدون إلا السلام، وهو لوقف القتل يفرض- في معزوفة علنية- شراكة وطيدة مع القاتل، ما دامت الأولوية وقف بطش «داعش» وفظائعه. مَنْ يقرأ تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني ونصائحه للأوروبيين، لا يستخلص سوى السخرية من كل التضحيات التي قدّمها الشعب السوري ثمناً لحريته. في الظاهر، يرأف به، فيما يجدد شرايين القاتل. للقاتل وجهان معروفان، وأي ترف يريده السوريون الآن في البحث عن الديموقراطية؟ ألم يتعلّموا درس البراميل؟ الأولوية الآن لوقف القتل، يقول روحاني ويتجاهل ان إيران وليست جزر القمر هي التي زوّدت النظام السوري كل ما يلزم ليواصل حرب الدمار الشامل. وإذ يشير إلى انفتاح على التعاون مع الأوروبيين لإيجاد حلٍّ منتهزاً ضغط طوفان اللاجئين على القارة «العجوز»، يكمل المرشد علي خامنئي ان لا تفاوض مع الأميركي في الملفات الإقليمية.
شرق أوسط بلا عرب؟… من ليبيا إلى سورية والعراق، مشرّدون ونازحون ولاجئون، أدركوا أن المتناحرين على السلطة والمتصارعين على النفوذ، لا يطيقون رؤية الخِيَم. فيها احتمالات البطش كثيرة. في الشرق الأوسط «الجديد» كتل بشرية لن تبقى في مناطقها وأقاليمها، لذلك لا تتوقف رحلات المشرّدين عبر البحر المتوسط. حلم السوري والليبي والعراقي التائه بين الحدود الضائعة وبحور مهرّبي البشر، هو الخروج من جحيم الوطن … في حرب عالمية- عربية كل شيء فيها مباح. مِنْ صورها البائسة ان يجعل أوباما الأولوية لقتال «داعش»، فيما يترك السوريين لمصيرهم وغارات البراميل المتفجّرة. ولكن، ما العلاقة بين قتل بالذبح والتفجير، وآخر بالإبادة؟ ومن قذارة الحرب أن يضع بوتين قواته في حال تأهب متحدّياً الحلف الأطلسي بجسر جوي مصغّر، لإنقاذ النظام السوري بقاعدة عسكرية في اللاذقية. ولكن، هل من الديبلوماسية أن يستغل الكرملين انشغال الرئيس الأميركي برحلاته واحتفالاته، ليفتح الأجواء السورية لطائراته؟ لعله لا يدرك ما وراء انزعاج واشنطن، وأنها فقط تخشى «مواجهة» مع الروس الذين يصرّون على أولوية مكافحة الإرهاب، كما يكافحه النظام في دمشق.
كلهم يقاتلون «داعش»، لكن غالبية الضحايا مدنيون، ضحايا للتنظيم والنظام ولحلفائه. المفارقة أن يجد بعض الساسة في طوفان اللاجئين واستمراره المرجّح، ما يقرّب «داعش» من الانتصار. صحيح ان تفريغ الأرض في الشرق الأوسط «الجديد»، سيتيح للتنظيم قدرة أكبر على ابتلاعها، لكن الصحيح أيضاً أن الاتحاد الأوروبي لم يجد في بداية الحرب على الشعب السوري، سبيلاً للحل سوى ممالأة الأميركي ومواجهة النظام بالبيانات والأسى… والانتظار. واضح أن إدارة أوباما ليست في وارد خوض مواجهة عسكرية مع موسكو بسبب تعزيز ترسانة النظام السوري وإنقاذه، بالتالي لا رادع لروسيا في استكمال انتزاعها ورقة «تسوية» ما في سورية، بعد تعديلها ميزان القوى على الأرض. وإلى أن تعدل الوقائع، تفريغ المدن والقرى مستمر، ومعه الطوفان العراقي- السوري- الليبي- الـ…شعوب بلا دول ولا خِيَم؟ إنه جحيم الشرق الأوسط.