المخرج يوسف ي. الخوري: أيّها الموارنة: كنتم الحضارة، فَجَعلوا مِنكم للانتخابات صحَّارة… أُمُرُونُيِ: مدِينُيُوتُا وَيْتون، وعبدُوُخون قُوفيناِ لـﭼُوبُياِ

608

أيّها الموارنة: كنتم الحضارة، فَجَعلوا مِنكم للانتخابات صحَّارة…“أُمُرُونُيِ: مدِينُيُوتُا وَيْتون، وعبدُوُخون قُوفيناِ لـﭼُوبُياِ”
بقلم المخرج يوسف ي. الخوري/05 شباط/2022

إخواننا في الطوائف الأخرى لا تُكثروا الشماتة بنا، يكفيكم أن تنظروا إلى مصائبكم لتُدركوا أنّ أزماتكم لا تقلّ خطورة عن أزمات الموارنة، فادعوا للموارنة لكي يعودوا إلى اللا انتظام الحقيقي، فيصطلحون ويعودون إلى لبنان وكلنا نعود.

***
اِجتمع مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية الحالية مع مجموعة دعم لبنانية – أميركية، فدار النقاش بين الطرفين حول ما قاله وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن”، في مؤتمر التغيير المناخي – “غلاسكو” عن أنّ الانتخابات النيابية المقبلة “على” لبنان “يجب أن تكون حرّة وعادلة”. وبطبيعة الموقف، من البديهي أن تسأل مجموعة الدعم:

  • “كيف تكون الانتخابات حرّة وعادلة في بلد فاقد السيادة ويُهَيمن على قراره حزب إسلامي متطرّف مصنّف إرهابي !؟”

  • (المسؤول الأميركي يُجيب).

  • “كيف تكون الانتخابات حرّة وعادلة بينما القانون الانتخابي مفصّل، وبتواطؤ بين كلّ الزناديق في السلطة، لكي يضمن أكثريّة برلمانيّة لمحور حزب الله المصنّف إرهابي!؟”

  • (المسؤول الأميركي يُجيب).

  • “تحضّنا على التغيير بالانتخابات مع العلم أنّ الأكثريّة البرلمانية لا تؤثّر في ظلّ هيمنة سلاح غير شرعي على قرار الدولة، والبرهان، كانت الأكثريّة البرلمانية ضدّ حزب الله وخطه منذ العام 2005 ولغاية 2018، ماذا غيّرت أو فعلت غير الاستسلام والخنوع؟”

  • (المسؤول الأميركي يُجيب).

هنا يهمس أحد أعضاء مجموعة الدعم في أُذُن صديقه:

  • “أكنّا مضطرّين إلى المجيء إلى واشنطن لنسمع هذه الأجوبة؟ الجميع في لبنان، تيار وقوّات وكتائب…الخ.. يردّدونها نفسها في صالوناتهم الانتخابية.”

  • (ممازحًا) “هنا في واشنطن النكهة مختلفة! ألا تلمس أهميّة أن يأتيك الجواب مباشرةً من مصدره: “هذا ما يُريده المجتمع الدولي”. (يضحكان سرًّا)

يحتدم النقاش في الناحية الأخرى:

  • أحد أعضاء الوفد (للمسؤول الأميركي): “إذا كانت واشنطن محتلّة ودعت الإدارة الأميركية إلى انتخابات في ظلّ الاحتلال، هل تشاركون فيها؟”

  • المسؤول الأميركي: “بالتأكيد لا نشارك”.

  • “لماذا؟ لأنّ بلدكم سيكون محتلًا؟”

  • “لا بل أكثر، لأن الدعوة إلى الانتخابات لن تكون صادرة عن الإدارة، بل عن إرادة المحتلّ”.

  • “ولماذا تدفعوننا إلى المكان الذي لا تقبلونه على أنفسكم كوطنيين أميركيين؟!”

  • (المسؤول الأميركي يُجيب).

  • “سعادتكم، قبل سنة ونصف كان حزب الله من المحرّمات، أمّا اليوم فأكثر من ثلثي الشعب يهتف بأنّه محتلّ إيراني. لا أظنّ أنّه يخفى عليكم أنّ الانتخابات ستُعيد الحزب أقوى إلى البرلمان وستعطيه شرعيّة شعبيّة ودستوريّة، وسيظهر للعالم وكأنّ اللبنانيين راضون عن محتلّهم وهم انتخبوه. وأنتم ستكونون مضطّرين، قبل غيركم، للاعتراف به، لأنكّم حرّضتم على انتخابات تحت السلاح وضغط الاحتلال”.

  • المسؤول الأميركي (Poker face): “مَن نحن؟”

  • عضو مجموعة الدعم: “المجتمع الدولي، والأمم المتّحدة، والأوروبيون وكل مَن يحرّض على المشاركة في هذه الانتخابات…”

  • المسؤول الأميركي: “بما أنّكم تكبدّتم كلّ هذا العناء لمقابلتنا في واشنطن، كان عليكم أن تدرسوا ملفّكم أكثر: الانتخابات هي مطلب “قياداتكم” المسيحيّة قبل أيّ أحد غيرها. والتمسّك بالقانون الانتخابي الحالي الذي يُعطي الغلبة لحزب الله، هو خط أحمر عند زعمائكم المسيحيين وليس عند أحد آخر غيرهم!”

هَمْسٌ مرّة جديدة بين أعضاء مجموعة الدعم:

  • “أتعتقد أنّ سيّدنا البطريرك الراعي يعلم أنّنا نحن مَن يُدير المجتمع الدولي وليس العكس؟”

حين يقول المسؤول الأميركي “قياداتكم” المسيحيّة، فهذا يعني تحديدًا “القيادات” المارونيّة، لأنّه صودف أنّهم “موارنة” هؤلاء المدّعين تمثيل المسيحيين، أو المدافعين عنهم وعن حقوقهم، وطبعًا خلف كلّ منهم شرائح مسيحيّة من طوائف أخرى.

وقبل أن يأتيني أحد غيارى الدين منتفضًا لكرامة الموارنة، أو مدافعًا، مثلًا، عن ميشال عون وسمير جعجع لكونهما مارونيّين، ويضطرّني أن أجيبه “بالكبيري”، أفصح، دون خوف ولا وجل، عن أنّ ما سأدلي به يُصيب الزعامات السياسيّة المارونيّة العائليّة والحزبيّة، كما يُصيب مَن يُصوّرون أنفسهم، أو يُصوّرونهم لنا، نخبًا مثقفة (أنتليجنسيا) مارونيّة.

دلوي يفيض بمنسوب الغباء العالي لدى سياسيي وأنتلجينسيا الموارنة، وعيناي تفيضان حين أرى إلى اين انحدروا بالموارنة وبالمسيحيين وبلبنان، وكي لا تفيضُ روحي قهرًا على أمّة “دمُرونُيِ”، سيفيض صدري بما يختزن من خساسة وذلّ وهَوان النميمة لدى “هُلِن”، و”هُلِن” كلمة سريانية تعني هؤلاء.

أَبِعشرين من الكراسي البرلمانية تبيعون “دْبِتْ مُرُون”، و1600 سنة من تاريخ “دمُرُونُيِ”، وتبيعون خلفهما الفكرة اللبنانيّة!!؟ لبنان في خطر وسياسيو الموارنة يتلهّون بانتخابات أقصى أمل منها أكثريّة لحزب الله تكفيه لتحويل لبنان إلى جمهوريّة إسلاميّة؟!! أمِن شيم سياسيي الموارنة، مِمّن يدّعون تمثيل كلّ المسيحيين، ويزايدون في لبنانيّتهم، أن يلهثوا خلف برلمان سيتحتّم عليهم مجالسة المحتلّ فيه، في حين هم يُزايدون على بعضهم البعض في أنّ معركتهم سياديّة وتركّز على التخلّص من هذا المحتلّ!!؟ أتُدركون يا “هُلِن” السياسيين، أنّ مجالسة المحتلّ في نفس البرلمان لها تفسيران لا ثالث لهما: إمّا المحتلّ ليس محتلًّا وهو فعلًا من النسيج اللبناني. وإمّا أنتم عملاء للمحتلّ لتقبلوا بمجالسته. وكم بتّ أتمنّى أن يتواضع السيّد حسن نصرالله “ويبيعنا اِيّاها ويقبل إنّو هوّي لبناني”، كي لا يوصم تاريخ “دمُورُنُيِ” بابن صبحا جديد، متمثّلًا بسياسيي الكراسي الموارنة “هُلِن”، الزاحفين إلى الموت في انتخابات الـ2022!

حيف عليكم، وعلى أدائكم، وعلى خطابكم الذي من خلاله تسمحون لأنفسكم بتضليل الشعب من أجل كرسيّ نيابيّ، والشعب يجوع يا كفرة! ألا تخجلون من أنفسكم حين تكذبون على الشعب وتَعِدونه بأنّكم ستغيّرون من الداخل وأنتم أعجز من أن تقفوا حُجّاب على باب البرلمان في ظلّ الاحتلال!!؟ ما هي المشاريع التي ستغيّرون من خلالها والتي على أساسها سينتخبكم الشعب؟ واحدكم مشروعه “جرّبونا”. نجرّبكم!!؟ “وبركي فوّتونا بالحيط”!؟ واحد آخر مشروعه نزع الغطاء عن حزب الله من خلال إضعاف حليفه المسيحي! نزعنا الغطاء. ومن قال إنّ المحتلّ يحتاج هذا الغطاء ليمرّر مشاريعه؟؟ وثالث ينحدر بترويجه للانتخابات إلى اعتقاده بأنّه يغري الناس بوعده بأنّ سعر صرف الدولار سينخفض بمجرّد أن ينتخب الناس جماعته بعد أربعة أشهر، فيأتيه المحتلّ في اليوم التالي ليقول له “كفى هرطقة”، وبإشارة و”قبّة باط” يُخفّض المحتلّ الدولار في يوم واحد 10,000 ليرة، ولا أعرف إذا فهم هذا “الماروني” بأنّ المحتلّ، بتخفيضه الدولار، يقول له: “انتظم، أنا مَن يأمر هنا!”

ويأتيك قُمّة التفاني من أجل المسيحيين، حليف حزب الله “الماروني”! مشروعه المشرقي يقضي على آخر نفس مسيحي حرّ في هذا الشرق وليس في لبنان فقط؛ وتمسّكه بطموحاته الرئاسيّة وبموقعه على رأس شريحة وازنة من المسيحيين، بعدما صدرت بحقّه عقوبات دوليّة، لا أستطيع ترجمته إلّا بِنوع من “المكيافيليّة” العمياء الراضيّة بالتضحية بشعبها للوصول إلى مآربها الشخصيّة.

ما بالك بالسياسيين الموارنة أمام أصحاب الطموحات السياسية من التجّار “الموارنة”، ومن اليسار الماروني الزنديق! وما بالك بالسياسيين الموارنة أمام الأنتليجنسيا المارونيّة العاجزة حتّى عن تحديد هويّة “دْبِتْ مُورُن” قبل أن نقول أنّها عاجزة عن تحديد الهويّة اللبنانية. يأتيك تاجر طامح إلى شراء كرسي نيابي بماله الوفير، فـَ “بيفقعنا” نظريّة النور والظلام من القرون الوسطى ليُغري الناخبين بالقول أنّه يريد أن يضع لبنان في القسم المُضاء من العالم الجديد. ويأتيك تاجر طموح آخر يحدّد أنّ المعركة الانتخابية النيابية هي التي ستحدّد هويّة لبنان!!! “يا ربّي دخلك”، يا جماعة هذا العبقري وضع الهويّة اللبنانية في صندوق الاقتراع والكلّ يعرف أنّ الانتخابات سيفوز بها حزب الله. “ولك باعنا بقشرة بصلي!!” وتأتيك جماعة الأنتليجنسيا، جماعة الهَبَل والهبَل الآخر، عرب، عروبة، عَوْربة، قوميّة عربية في وجه قوميّة فارسيّة، وأنّ الانتخابات النيابية هي استحقاق لا يجب تفويته، والشعب يجوع يا كفّار يا تجّار!!!

ثلاثون سنة مرّت على لبنان ولم يُحترم أيّ استحقاق، ليأتيك اليوم “نخبويّ” قائلًا بما معناه: “فَليأخذ البلد حزب الله، لكن حذارِ تطيير الانتخابات”.

هذا الشح في التفكير بين نخب الموارنة، وضعني منذ يومين في قلق عميق، حتّى اتّصلت بأحد الأصدقاء لأسأله ما إذا كان العقل يتوقّف عن النمو وقبول التطوّر في عمر معيّن. والحمد لله أن لا!

“مُورُنُيِ لُو مْطَكْسينْ” (أيّ “الموارنة لا ينتظمون”)، هكذا كان يصفهم أعداؤهم عبر العصور. لا ينتظمون، لكنّهم استمرّوا لأنّهم كانوا يعرفون متى يتعالون على الجراح ولو على مضض، ولأنّ كنيستهم ورهبانهم بقوا ساهرين على لمّ شملهم وجمعهم. اليوم، “موارنة” الكراسي لا يجمعهم غير الحقد والدناءة، ولن يتعالوا على الجراح ولو كان ذلك سيكلّف دمار لبنان وخروج الموارنة من الشرق إلى غير رجعة. كنيستنا تتطلّع إلى إنقاذ لبنان، وهي تعجز عن جمع “دْبِتْ مُورُن”. رهباننا، صمّام أمان الموارنة، لم أعد أعرف عنهم شيئًا ولا أراهم.

رحيل تبكي على أبنائها وأنا أبكي على “ﭼفِتُا دمُورُنُيِ” (كرمة مارون). وما يكسر وجداني أنّ موارنة الكراسي يدمّرون الموارنة ولبنان في صراعاتهم الظاهرة، أمّا في الباطن، فهم مَمسوكون من مايسترو واحد يتلاعب بهم.

إخواننا في الطوائف الأخرى لا تُكثروا الشماتة بنا، يكفيكم أن تنظروا إلى مصائبكم لتُدركوا أنّ أزماتكم لا تقلّ خطورة عن أزمات الموارنة، فادعوا للموارنة لكي يعودوا إلى اللا انتظام الحقيقي، فيصطلحون ويعودون إلى لبنان وكلنا نعود.