الدكتور عماد شمعون: ردًا على كلام يُضاس المسيحيّين الوزير جبران باسيل

178

ردًا على كلام يُضاس المسيحيّين الوزير جبران باسيل

الدكتور عماد شمعون/04 كانون الثاني/2022

ظهر معالي الوزير الأسبق المهندس جبران باسيل في أوّل إطلالة متلفزة له هذا العام بتاريخ الأحد/2/كانون الثاني، ليطلق مواقف عدّة في أكثر مِن اتجاه، وقد شئنا الردّ على أبرز ما جاء في حديثه مِن نقاط مثيرة للجدل، مع تسجيل تقديرنا لقيادات القوّات اللبنانيّة التي آثرت الصمت وعدم الردّ.

قال الوزير باسيل إن شعار “كلن يعني كلن” مرفوض مِن جانبه لأنه مع شعار “كلّن إلّا نحنا”. ونحن نردّ عليه انه بديماغوجيّته هذه ضلّل عناصر التيار الوطنيّ الحرّ وأضاع علينا الوطن.

ثم تكلّم على الهجمة الكونيّة التي تستهدفه وتيّاره، لنردّ عليه موضحين أنه وبسبب عوارض مرض جنون العظمة Folie De La Grandeur والخفّة في منح الذات أوزانًا لا تتمتّع بها، وصلنا إلى ما نحن عليه مِن جحيم جهنميّ، وهي التجربة عينها التي عشناها مع الرئيس ميشال عون يوم تكلّم على مؤامرة كونيّة تستهدفه أدّت بنتيجتها إلى هزّ مسمار القصر الجمهوريّ وتدميره وتخريب لبنان.

وقد استغرب الوزير باسيل عدم التجاوب مع توجيهه الدعوة لعقد طاولة حوار وطنيّ، متناسيًا أن مُطلق الدعوة بات محجوب الصفة والثقة.

أمّا تكلّمه على كون المشرقيّة انفتاح وتعايش بديل للتقسيم، لهو كلام مبهم ومفتعل لمشرقيّة لم نفهم منه مكنوناتها. ولعلّه أراد بمصطلح “مشرقيّة” إيجاد تسمية جديدة وبديلة لتسمية “سوريا الكبرى”. ولم يفتنا كيفيّة تبرير الوزير باسيل زيارته لسوريّة تمهيدًا لتجديد البيعة له على حسابنا وحساب الوطن. الوزير باسيل تاجر الوطنيّة والسيادة.

تكلّم متألِّمًا مِن عمليّة سطو المنظومة الحاكمة على أموال المودعين، في حين أن هذه المنظومة الحاكمة هي هُم وحلفائهم.

واشتكى مِن أهوال أفعال حاكم مصرف لبنان الذي ساهموا هم بالتجديد له. وكأنه فات الوزير باسيل أن الحاكم الذي لم يشتكوا منه بداية، هو الحاكم الذي فرضوا عليه بأن يفرض على المصارف – وبقوّة بعض التفجيرات التي طالت بعض المصارف – بأن يُقرضوا الدولة المفلسة بـ100 مليار دولار مِن أموال المودعين ليستروا بها على عهدٍ مفلس في دولة مِن دون مداخيل. وها هم اليوم يشتكون من الحاكم بعد أن أبلغهم بعدم قدرته التصرّف بما تبقّى مِن أموال المودعين التي هبطت كتلتها النقديّة مِن 120 مليار دولار إلى ما يقلّ عن 14 مليار دولار.

كيف للوزير باسيل أن يبدي حرصه على أموال المودِعين وهو شريك في سرقة تلك الأموال؟ كيف لا وهو مَن قام بتذييل توقيعه بالأمس القريب للموافقة على شراء شحنة مِن “الفيول أويل” مِن أموال المودِعين اللبنانيّين لبواخر انتاج الكهرباء، وهو ما رفضت القوّات اللبنانيّة التوقيع عليه رفضًا منها لتمادي السلطة في سرقة أموال اللبنانيّين؟

وأشار الوزير إلى أن اتفاقية مار مخايل قامت على أساس منطق تبادل الدعم، ونحن نقول له إن اتفاقيّة مار مخايل هي اتفاقيّة شكليّة لم تُلزِم حزب الله بشيء، بل أفقدت التيار الوطنيّ الحرّ أرضيّته ومصداقيّته، كونها اتفاقيّة عُقِدَت بين فيل ونملة، بين حزبٍ عميلٍ لإيران يبحث عن غطاء داخلي محلّي تبرّع له به التيّار مقابل وصوله إلى رئاسة جمهوريّة مقيَّدة. ولو أنها اتفاقيّة رادعة لما حصلت غزوة الطيّونة-عين الرمانة.

وقد ادّعى الوزير باسيل أن فكّ ارتباطه مع حزب الله سيؤدّي بالبلد إلى حرب أهليّة، وهذا ما جعله يختار إيران وليس أميركا بالرغم مِن تهديدات “فيلتمان” له. إلّا اننا نقول له إن خياركم هو الذي أسقط لبنان بدل أن يحميه لأنكم فضَّلتم جهنم على الحضارة.

ثمّ يستفيض الوزير باسيل لتخصيص حيّز كبير مِن كلامه للتهجّم على الثنائي الشيعي لتحميله مسؤوليّة ممارسة الغبن بحقّ المسيحيّين، في محاولة منه لتصوير نفسه القائد الأمين على استرجاع حقوق المسيحيّين، وذلك عبر ذرّ سلسلة مِن هجومات طائفيّة مسيحيّة مقابل أهوال مِن الممارسات الطائفيّة الإسلاميّة الشيعيّة التي خاضها الرئيس برّي بالتكافل والتضامن مع وزيره في الوزارة وهو وزير المال “علي حسن خليل”، الذي:

  • لم يقبل بتمويل إعمار محطة كهرباء “دير عمار” لأنها تقع في منطقة مسيحيّة. وأن وزير المال الشيعي المعاقَب دوليًّا والمطلوب للعدالة عونيًّا، قد تسبَّب بتمنّعه هذا بتغريم خزينة الدولة بـ150 مليون يورو لأنه نقض عقدًا دوليًّا تمّ التوقيع عليه بين الدولة اللبنانية وشركة عالميّة.

  • ويتابع الوزير باسيل في تجيشه للمسيحيّين ضد المسلمين الشيعة قائلًا: لم يوافق وزير المال الشيعيّ التوقيع على مرسوم ترقية ظبّاط دورة الـ1994 لأن غالبيّة الأسماء الواردة فيه هي أسماء لظبّاط مسيحيّين، فيما يوافق الوزير الشيعيّ التوقيع على مرسوم ترقية ظبّاط دورة الـ1995 لأن غالبيّة الأسماء الواردة فيه هي أسماء لظبّاط مسلمين.

  • ويستكمل في حملة تحريض المسيحيّين ضد المسلمين الشيعة، قائلًا: أراد الرئيس برّي الشيعيّ تعبئة 2200 مُياومٍ شيعيّ في ملاك شركة كهرباء لبنان بقوّة التظاهر والتكسير والتخريب وتسكير أبواب الوزارة التي لا يستوعب ملاكها أصلًا لأكثر مِن 700 موظّف.

  • وأن الرئيس برّي ووزيره في وزارة المال يصرّان على توظيف 30 حارسٍ شيعيّ للأحراج في مركز واحد، مقابل ترك المراكز الأُخرى شاغرة لمجرّد كونها مراكز تابعة لمناطق حرجيّة في مناطق مسيحيّة.

  • وأنه بات مشمئزًا مِن ممارسة الثنائي الشيعيّ بحق المسيحيّين سياسة التنكّر والتكبّر.

  • وأن المسيحيّ هو مَن يدفع الضرائب فيما الفريق الشيعيّ يمتنع عن دفعها.

فيا لغيرة الدين البرتقاليّة هذه، ويا لهذه الصحوة المسيحيّة الفجائيّة، الصحوة الموسميّة التي لا تستيقظ إلا استنسابيًّا، ولا تُستَنهض إلّا مرّة كلّ أربع سنوات وفق توقيت انتخابات لبنان النيابيّة.

يا لهذه الصحوة التي لم تأتِ إلّا مِن بعد الوصول بلبنان إلى حضيض جهنّم.

لقد فات الوزير باسيل أنه وبإسلوبه الطائفيّ التحريضيّ للمسيحيّين ضد الشيعة قد وضع المسيحيّين في خانة العنصريّين الطائفيّين كمجتمع لا يتحرّك انتخابيًّا لصالح زعيمه ما لم يتم استفزازه إسلاميًّا.

إن الوزير باسيل وبتجيشه الطائفيّ للمسيحيّين بعد سرده لكلّ تلك الممارسات الشيعيّة المجحفة بحقّ المسيحيّين، يكون قد دفع بالمسيحيّين باتجاه اختيار الفدراليّة حلًّا خلاصيًّا لهم، إلّا أنه ينتهي متناقدًا مع ذاته في قوله إنه ضد الفدراليّة، ثم يعود ويناقض نفسه الرافضة للفدراليّة برفعه مطلبًا فدراليًّا وهو اعتماد اللامركزيّة الإدارية والماليّة الموسَّعة، وهو ما يستوجب تعديل الدستور مِن أجل تحقيق ذلك، لعدم ذكر دستور الطائف للامركزيّة ماليّة في الأساس.

وقد رغب الوزير باللامركزيّة الماليّة هذه للإجهاز على مركزيّة المال بواسطة مقاربة فدراليّة شاءها أيضًا استنسابيّة؛ لأنه لا يريد مِن الفدراليّة إلّا ما هو عاشقًا له، وهو ميله للمال، وليس ميله لتحصيل الحقوق السياسيّة والثقافيّة والقوميّة الحضاريّة التي يمكن للفدراليّة أن تحقّقها لصالح شعبه.

لقد كرّر الوزير باسيل اعترافه بمقولة “ما خلّونا”، ليستطرد قائلًا إنهم هم أيضًا كتيّار مارسوا سياسة “ما خليناهن” في الكثير مِن المسائل. ونحن نقول: هذه هي سياسة التعطيل المتبادَل التي لا حلّ لها في ظلّ نظام مركزيّ ووحدويّ، بل في ظلّ نظام فدراليّ لم يجرؤ الوزير القويّ على تبنّيه إلّا مواربة.

ثم يحدِّثك معاليه عن قناعته بقيام دولة مركزيّة مدنيّة وعلمانيّة، بالرغم مِن كونه حليفًا لحزب طائفيّ ومذهبيّ أصوليّ، لحزبٍ تابعٍ لحكم ولاية الفقيه في إيران. غريب أمر الوزير باسيل الذي يريد العلمنة للبنان، العلمنة لبلد بات شبه جمهوريّة إسلاميّة شيعيّة بسبب عمالة الوزير لحزب الله، لحزبٍ هو عميل بدوره لإيران.

لقد عقد الوزير باسيل مؤتمرًا صحفيًّا لمعاتبة حزب الله الذي تمادى في تفضيل الرئيس برّي عليه شخصيًّا.

عقد الوزير باسيل مؤتمرًا صحفيًّا ليعبِّر عن حجم مكانة السيّد حَسَن في قلبه وعقله، وهي مكانة لا يُدرك حجمها الكبير إلّا الله.

وبمقابل حبّ الوزير للسيّد حسن، تراه يقوم بتحريض حزب الله على الدكتور سمير جعجع وهنا الطامة الكبرى.

إن الوزير باسيل، وبعد اتهامه د. جعجع بالعمالة لإسرائيل، يكون قد حرَّض حزب الله على قتل الدكتور سمير جعجع. ويكون قد ورَّط حزب الله في آن بوضعه في صورة نمطيّة وهي أن الحزب قاتل مأجور Serial Killer.

أوبهكذا تمنيات دمويّة ينسحب فَهم الوزير باسيل لوصيّة “إوعا خيَّك”!؟

إن قصّة يوضاس في المسيحيّة باتت رمزًا لكلّ مَن يسلِّم أخيه للقتل. وهذا ما دفعنا إلى أن ننعت الوزير باسيل بيوضاس المسيحيّين؛ لأنه وعلى ما يبدو لم يعد لحقده مِن حدود.

وفي قول الوزير إنه اختار الوقوف إلى جانب تفاهم التيّار مع حزب الله بدل الوقوف إلى جانب أهالي عين الرمّانة والطيّونة، يكون في نظرنا قد أعلن تشيّعه، وإن لم يكن دينيًّا فأقلّه على مستوى التجنيد السياسيًّ.

وعن أورشليم المسيحيّة الكنعانيّة الأصل، قال الوزير باسيل إنها قدسٌ عربيّة، وهو ابن حائط البترون الفينيقيّ. والقدس تسمية إسلاميّة بديلة للاسم التوراتيّ والإنجيليّ لأورشليم التي استبدل اسمها المسلمون باسم القدس بعد فتحهم واحتلالهم لها.

وقد قال الوزير قبل ختام كلامه، إنه مثلما نجح بتحرير لبنان واستعادة سيادته واستقلاله، سينجح بتحرير لبنان اقتصاديًّا وماليًّا. ونحن نسأل معاليه، عن أيّ تحرير يتكلّم ولبنان رازح تحت الاحتلال الإيرانيّ؟

إنه، وفي عدم ذكره ما لإيران مِن دورٍ احتلاليّ وتدميريّ للبنان، يكون قد منح نفسه لقب العميل الصارخ لإيران.

أمّا عن الثورة فقد تكلّم الوزير باسيل متّهمًا إيّاها بثورة السفارات، وكأنه ليس في لبنان سفارة لإيران حيث له فيها مقرًّا لمحجّته ولتلقّي توجيهاته. ولو أنّ للثورة سفارات تدعمها لانتصرت في تحقيق غاياتها التحريريّة.

إن مؤتمر الوزير باسيل، يستحقّ في مضامينه لقب “الميغا سنتر ستور”، لكثرة ما يمكن للمرئ أن يجد فيه ما طاب وأراد مِن المواقف المتناقضة التي لها أن تُرضي جميع الأذواق السياسيّة.

ولسنا ننكر بالمقابل على الوزير باسيل تناوله العديد مِن الأفكار الصادقة والجيّدة في كلمته المتلفزة، إلّا أننا لن نقوم بتقريظه على ما هو واجب عليه.

وفي ختام ردِّنا على الكلمة المتلفزة لرئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” معالي الوزير جبران باسيل، نسأله حائرين: كيف لفريق سياسيّ كالتيّار الوطنيّ الحرّ، وبعد أن فشل في كلّ شيئ، في كلّ ما وعَدَ بتحقيقه، أن يظلّ متمسّكًا بالسلطة التي خانها بدل أن يرحل الأمس قبل اليوم رحمة بالعباد والبلاد، أو في أقلّ تقديرٍ رأفة بذاته للتخفيف مِن خسائره وهزائمه؟

وإلى عناصر التيّار الوطنيّ الحرّ الذين نحترم، نتوجّه إليهم متمنّين عليهم مساءلة قياداتهم، ليَبقوا لاسمهم مستحقّين وهو “التيّار الوطنيّ الحرّ”.

*الدكتور عماد شمعون/عضو الجبهة السياديّة