أحمد عياش: الأرض تهتزّ تحت 4 عواصم عربية تحكمها إيران

114

الأرض تهتزّ تحت 4 عواصم عربية تحكمها إيران

أحمد عياش/أساس ميديا/الجمعة 12 تشرين الثاني 2021

هناك شيء تغيّر في مناطق نفوذ إيران خارج حدودها. فهي تباهت قبل نحو 7 أعوام بأنّها تسيطر على أربع عواصم عربية، هي صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت. أفلا تزال هذه السيطرة الإيرانيّة على هذه العواصم على حالها؟

لا يحتاج المرء إلى بذل جهد للإجابة على هذا السؤال بعد محاولة استهداف منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بثلاث طائرات مسيّرة قبل أيام. ولم تكن مسارعة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بعد هذه المحاولة، سوى تعبير عن القلق الذي يساور طهران ممّا يجري في إحدى هذه العواصم الأربع، لا بل العاصمة الأهمّ في ما سُمِّي “الهلال الإيراني”. وعادة ما كان يجول قاآني على هذه العواصم من دون إعلان بحكم وظيفته، إلا أنّه شاء هذه المرّة الكشف عن جولته. ووفق ما جاء في نبأ لوكالة “مهر” الإيرانية من بغداد، فقد دعا المسؤول الأمني الإيراني إلى “الابتعاد عن أيّ عمل يهدّد أمن العراق”، وإلى تلبية “مطالب الشعب والمعترضين (على نتائج الانتخابات الأخيرة) بشكل قانوني”.

لكنّ مسارعة الجنرال قاآني إلى بغداد، وفي صورة علنيّة، أتت بعد انكشاف تورّط الفصائل العراقية المسلّحة التابعة لإيران في المحاولة الفاشلة لاستهداف رئيس الوزراء العراقي.

ووفق وكالة رويترز، قال أحد المسؤولين الأمنيّين العراقيّين إنّ الطائرات المسيّرة التي اُستُخدمت في الهجوم هي من نوع الطائرات المسيّرة الإيرانية الصنع، والمتفجّرات هي نفسها تلك التي اُستُخدمت هذا العام في هجمات على القوات الأميركية في العراق. ووفق الوكالة أيضاً، بالاستناد إلى مصادر ومحلّلين مستقلّين، فإنّه “من غير المرجّح أن تكون الجمهورية الإسلامية قد وافقت على الهجوم، مع حرص طهران على تجنّب تصاعد العنف على حدودها الغربية”.

هل هذا يعني أنّ هناك تفلّتاً لجماعات إيران في الإقليم؟
لا يبدو هذا مقنعاً، نظراً إلى عمق الارتباط بين هذه الجماعات وبين مرجعيّتها الإيرانية. لكنّ ذلك لا يقلّل من حجم الخسارة التي مُنِي بها الذراع العراقي في الانتخابات الأخيرة، فيما برز رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر كأكبر فائز على حساب الأحزاب المدعومة من إيران التي خسرت مقاعدها. ويُنظَر إلى السيد الصدر، الذي حارب مقاتلوه القوات الأميركية خلال احتلالها العراق، على أنّه قوميّ عراقيّ له علاقة غير مستقرّة مع إيران.

في موازاة ذلك، كان أحد الأهداف الرئيسية للرئيس الكاظمي كبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران. فبعد عام 2014، أُنشِئ العديد منها لمحاربة داعش، ودُمِج بعض أكبر الميليشيات في قوات الأمن الرسميّة في العراق. ومع ذلك، لا تستجيب قوات الميليشيات هذه إلا اسميّاً للحكومة العراقية، ويُلام بعضها على استمرارها في تنفيذ هجمات ضدّ المصالح الأميركية.

ماذا عن صنعاء؟
صنعاء هي العاصمة العربية الثانية التي تتباهى طهران بنفوذها فيها. وقد كتبت سحر غانم في صحيفة “المشهد الدولي” اليمنيّة، في 2 أيار الماضي، أنّ “إصرار الحوثيّين حاليّاً على السيطرة عسكريّاً على محافظة مأرب، صار يمثّل حجر عثرة كبيراً في وجه كلّ الجهود العربية والدولية لإنهاء حرب أتت على الأخضر واليابس، وأصبحت تهدّد أمن الإقليم والعالم”. وبعد سلسلة أنباء عن تقدّم الحوثيين على جبهات مأرب، التي أصبحت موضع آمال طهران وأذرعها، بدأ المشهد يتغيّر فجأة. ففي الساعات الماضية لم تعد أنباء هذه المعارك تتصدّر وسائل الإعلام الإيرانية. وفي المقابل، برزت الأنباء التي تتحدّث عن تقدّم ملموس لقوات التحالف التي تقودها السعودية. وترافق هذا التحوّل مع الأنباء التي أشارت إلى قيام إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بإبلاغ الكونغرس بعقد صفقة أسلحة جديدة مع السعودية بلغت قيمتها 650 مليون دولار، بحسب متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية. مسارعة الجنرال قاآني إلى بغداد، وفي صورة علنيّة، أتت بعد انكشاف تورّط الفصائل العراقية المسلّحة التابعة لإيران في المحاولة الفاشلة لاستهداف رئيس الوزراء العراقي

نصل إلى دمشق
دمشق هي العاصمة العربية الثالثة في الهلال الإيراني. ومنذ اللقاء الأخير الذي جمع في نهاية الشهر الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، تواترت تحليلات تتحدّث عن “تفهّم” موسكو للعمليات العسكرية التي تنفّذها إسرائيل بسلاح الجوّ ضدّ الأهداف الإيرانية في سوريا. وبالفعل، شنّت طائرات حربية إسرائيلية مساء الإثنين الفائت غاراتٍ استهدفت، وفق أنباء إعلامية غير رسمية، مقارّ لقوّات “حزب الله” جنوب مدينة حمص. واستهدفت أيضاً نظام دفاع جوّيّ إيرانيّ الصنع تابع لـ”حزب الله” كان في طريقه من طرطوس (شمال غرب سوريا) إلى لبنان، بحسب مصادر غير رسمية.

وصولاً إلى بيروت
وأخيراً بيروت: العاصمة العربية الرابعة التي وُصِفَت بـ”درّة تاج” النفوذ الإيراني في المنطقة بفضل قوّة “حزب الله”. مراقبون يرون أنّ هذا الوصف لبيروت تعرّض لاختبارات لم تكن في مصلحة الحزب ونالت من هيبته داخليّاً وخارجيّاً. وقد حدثت هذه الاختبارات في الشهور الماضية في خلدة (العرب السنّة) وشويّا (الدروز) وعين الرمّانة (المسيحيون). وعندما نشأت الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين لبنان والمملكة العربية السعودية على خلفيّة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، بدا واضحاً أنّ إصرار “حزب الله” على بقاء الوزير قرداحي في منصبه محاولة يائسة لعدم تقديم تنازل على حساب الوزير الذي قدّم نفسه صوتاً فوق العادة لمصلحة النفوذ الإيراني في اليمن. وبدا نائب الحزب حسن فضل الله متوتّراً وهو يبرّر تمسّك حزبه ببقاء قرداحي في منصبه مع الكلفة الباهظة التي يتحمّلها لبنان بسبب عدم إنهاء هذه الأزمة، بحسب المعلومات التي رشحت عن المحادثات التي أجراها أخيراً في بيروت مساعد الأمين العامّ لجامعة الدول العربية حسام زكي.

اغتيالات في لبنان؟
وقد كان لافتاً أيضاً ما جاء في تحليل على موقع “العهد” الإلكتروني التابع لـ”حزب الله” من أنّه “في العراق حدثت عملية الاغتيال الفاشلة بعد الانتخابات، فيما بدأ محلّلون يحذّرون من عمليّات مشابهة في لبنان قبل أو بعد الانتخابات!”.

الدكتور فارس سعيْد يقول لـ”أساس” إنّ المنطقة الآن تقف فوق حبل مشدود، لافتاً إلى أنّ قدرة إمساك طهران بمناطق نفوذها في الإقليم قد تضعضعت بعد اغتيال الولايات المتحدة قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني. وتخوّف من أن يمتدّ التوتّر الإيراني من العراق إلى لبنان، داعياً إلى الحذر ممّا قد يتهدّد لبنان.

لنعد بالذاكرة إلى أيلول 2014، حين اعتبر مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرّب من المرشد الإيراني علي خامنئي، أنّ “العاصمة اليمنيّة صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كلٍّ من بيروت ودمشق وبغداد”، مبيّناً أنّ “ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينيّة”.

ويوم الإثنين الماضي سُئل المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب، خلال مؤتمره الصحافي اليوميّ، عن انسحاب القوات الإيرانية على الحدود العراقية السورية بعد الهجوم على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فأجاب: “نحن لا نردّ على بعض الأخبار غير المؤكّدة في وسائل الإعلام”.

هل من مبالغة بعد ذلك في القول إنّ الأرض تهتزّ في العواصم العربية الخاضعة لنفوذ إيران؟