د. ميشال الشمّاعي/يَومِيَّاتٌ بِنْزِيْنيَّةٌ قَصِيْرَةٌ

56

يَومِيَّاتٌ بِنْزِيْنيَّةٌ قَصِيْرَةٌ
د. ميشال الشمّاعي/16 آب/2021

استيقظتُ في صباحِ هذا اليوم «المبورَد» في تمام الساعة الخامسة والنصف. تناولتُ فطوري وشربتُ فنجانَ قهوتي، وامتطيتُ دابّتي الميكانيكيّة (لأنّها مسألة أيّام وستأكل الحشيش) واتّجهتُ صوب القرية المجاورة والتي فيها محطّة بنزين ضخمة، تفوح منها رائحة النعم البنزينية. وإذا بطابور البنزين يطال أذيال القرية الثالثة. فحجزتُ لي مكانًا، ودوّرت راديو الدابّة لأُطرَبَ بفيروزيات الصباح. مضت ساعة ودابّتي حردانة لم تسِر خطوةً واحدة. وما هي الا لحظات حتى توقّف عامل من التابعية السورية، يقود دراجةً ميكانيكية تفوح من عادِمِها الهوائي رائحة البنزين العطِر ليبشّرَنا بأنَّ صاحب المحطّة قد وصل وبدأ العمل.
عندها، صارت دابّتي الميكانيكية تتقدّم مقدار دابّتين كلّ دقيقتين. والصفّ يطول أكثر وأكثر. واحد يطلق العنان لزموره لأنّ الذي أمامه سرقته كبوة بنزينية فغاص فيها حتى أيقظه الزمور. آخر، ترك دابّته تجترّ ما رسخ في خزّانها من قطرات بنزين وراح يتمشى مسجلا عدد الخطوات على جواله. أمّا تلك الصبيّة التي استشقرها الزمن فوقفت ظهرها صوب المحطّة ونتّشت جوالها آخذة صورة السلفي، لتعرضها على صفحتها في موقع إنستغرام، مع شفتين منتفختين مقطّبتين كادتا أن تقفلا شاشة الجوال.
وما هي إلا دقائق حتى وجدت نفسي ودابّتي أمام مدخل المحطّة. فاستوقفني عامل من التابعية السورية ومنعني من الاقتراب، لكأنّ شيء مُريبٌ يُحضّرُ عند خراطيم الحشيش.
وما هي إلا ثوانٍ حتى صرخ أخونا:
« قرّب يا رينو»
واقترب ناحية الخراطيم وسألت العامل من التابعية الهندية عن مقدار الكمية الموعودة لدابّتي، فأجابني بكلّ لؤمٍ:
«كمسين بس مستر.»
فصرخت بطريقة لا شعوريّة بوجه صاحب المحطّة:
« ولو يا زلمي ، اعتبرها دابّة وشبّعها، نازلة وطالعة ع بيروت ما بيكفّوها.»
فاقترَبَ من « راجيف الهندي وهمسَ له:
« فوّلّووووووو.» لكأنّني أسرق حمل حشيشٍ يُطعِمُ دوابَّ الجبل كلّها !
ملأتُ بطنَ دابَتي الميكانيكيّة حتّى الشفة، فاستكانَت واستراحت، واسحنفَرَت مشرئبّةً نحو مربطِها أمام المنزل، لتستعدَّ لمشوار العاصمة بعد قليل. وعند المساء بعد العودةِ، ترتاحُ حتى الصباحِ ليعودَ ويبدأَ مشوارٌ جديدٌ نحو المحطّة في بلدٍ صارت فيه حياتُنا كلّها رهنَ عاملٍ هندي يرتشي بخمسةِ آلاف ليرة ليملأ لك خزان الوقود فتستريح ما بقي لك من حرّ النهار، ليتكرّر المشوار كلّ يوم إلى المحطّة.