نديم قطيش/إسرائيل هزمت لبنان بيد الحزب

104

إسرائيل هزمت لبنان بيد الحزب
لا حزب الله “يقاوم” لتحرير ما يعتبره محتلّاً، ولا إسرائيل تعتبر أنّ مشكلتها مع حزب الله ذات ارتباط لبناني، بل جزء من الصراع الأعمّ في المنطقة مع إيران، والممتدّة ساحته من جنوب لبنان إلى شمال إيران، مروراً ببحر عُمان.

نديم قطيش/أساس ميديا/الإثنين 09 آب 2021

توقّف قليلاً عزيزي القارئ، وفكّر في الأرقام:
رابع أكبر انفجار غير نووي في التاريخ.
ثالث أشرس أزمة اقتصادية في تاريخ البشرية منذ قرن ونصف.
هذه أرقام صنعها “نظام حزب الله” لا إسرائيل..

الغرق في سرديّة “قواعد الاشتباك” بعد الجولة الحربية الأخيرة، عن بعد، بين حزب الله وإسرائيل، هو ما تريده دعاية حزب الله بالضبط.

لا يبتغي هذا السطر الافتتاحي التقليل من أهميّة الترسانة العسكرية لحزب الله، وقدرتها على إيذاء إسرائيل في أيّ مواجهة مستقبلية، ولا أن يتجاهل الهمّ الذي يحتلّه حزب الله وسلاحه في أولويّات إسرائيل ومجتمعها الاستخباري أو العسكري.

بيد أنّ قواعد الاشتباك عبارة مضلّلة حين تُستخدَم للتعبير عن التوازن بين منظمة عسكرية يقوم سبب وجودها على “المقاومة لتحرير الأرض”، وبين دولة محتلّة لهذه الأرض، أقلّه بحسب تصوّر المنظمة العسكرية. قد تصحّ عبارة “قواعد الاشتباك” لو أنّ حزب الله منخرط في عمل مقاوم محصور في البقعة التي يعتبرها محتلّة، وتردّ عليه إسرائيل في تلك البقعة أو ضد العناصر التي تشكّل عصب جهوده في تلك البقعة، كمخازن وقواعد تدريب أو مراكز اتصال. هذه هي قواعد الاشتباك التي يمكن، بعد الكثير من التواطؤ، اعتبارها القواعد التي تعني اللبنانيين. لكن لا شيء من ذلك حاصل على الأرض. فلا حزب الله “يقاوم” لتحرير ما يعتبره محتلّاً، ولا إسرائيل تعتبر أنّ مشكلتها مع حزب الله ذات ارتباط لبناني، بل جزء من الصراع الأعمّ في المنطقة مع إيران، والممتدّة ساحته من جنوب لبنان إلى شمال إيران، مروراً ببحر عُمان.

في حين يصارع لبنان لاستقطاب فتات المساعدات الدولية تبرز إسرائيل كواحدة من واحات استقطاب الاستثمارات الأجنبية في العالم.

في جزئيّة قواعد الاشتباك اللبنانية، لا توازن ولا مَن يحزنون. بل انتصار ساحق ماحق لإسرائيل على لبنان، تحقّقه بيد حزب الله لا بيد غيره. إسرائيل منتصرة على لبنان بما لا يترك مجالاً لذرّة شكّ واحدة، ومنتصرة على لبنان بمعونة حزب الله نفسه.

لقد دمّر “نظام حزب الله” في لبنان، أي ميليشيا حزب الله وكامل الطبقة السياسية التي يُخضِعها الحزب، ما لا تقوى عشرون إسرائيل على تدميره. لطالما هدّدت إسرائيل بضرب البنية التحتية اللبنانية، لكن في أوج قسوتها على لبنان في حرب تموز 2006، لم تفجّر مرفأ بيروت كما فجّره “نظام حزب الله”، ولا دمّرت الاقتصاد كما دمّره “نظام حزب الله”، ولا راكمت الأسباب المؤدّية إلى انهيار العملة وتبديد القدرة الاقتصادية حتى على شراء ما يكفي من المحروقات لتسيير الكهرباء والإنترنت وغيرهما من الخدمات البديهية في القرن الواحد والعشرين، كما فعل “نظام حزب الله”. لطالما هدّدت إسرائيل بإعادة لبنان عشرات السنوات إلى الوراء، لكن ما فعله “نظام حزب الله” هو إعادتنا قروناً إلى هذا الوراء، كما يشهد لذلك تصريح لوزير الطاقة اللبناني كاد فيه أن ينصح اللبنانيين بركوب الدواب للتنقّل.

أرقام جمهورية حزب الله هي أرقام تحقّقت بفعل سياسات الميليشيا والطبقة السياسية المستتبَعة لها، لا بفعل إسرائيل، التي كانت تحقّق بالتوازي، وفي ظلّ سردية قواعد الاشتباك التافهة، آيات من النجاح، آخرها الإعلان عن افتتاح مرفأ حيفا، كأحد أهم المرافئ في الشرق الأوسط.. مرفأ ما بعد بعد حيفا مقابل مرفأ بيروت الذي دمّرته عنتريات “ما بعد بعد حيفا”.

بحسب البنك الدولي، يحتاج لبنان، إنْ أحسن منذ أمس البدء بتنفيذ خطة التعافي، إلى ما بين 12 و19 سنة للتعافي من أزمته الاقتصادية، التي هي، بحسب أرقام مريعة أخرى، واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ 150 عاماً.
لقد دمّر “نظام حزب الله” في لبنان، أي ميليشيا حزب الله وكامل الطبقة السياسية التي يُخضِعها الحزب، ما لا تقوى عشرون إسرائيل على تدميره. لطالما هدّدت إسرائيل بضرب البنية التحتية اللبنانية، لكن في أوج قسوتها على لبنان في حرب تموز 2006، لم تفجّر مرفأ بيروت كما فجّره “نظام حزب الله”.

توقّف قليلاً عزيزي القارئ، وفكّر في الأرقام:
رابع أكبر انفجار غير نووي في التاريخ.
ثالث أشرس أزمة اقتصادية في تاريخ البشرية منذ قرن ونصف.
هذه أرقام صنعها “نظام حزب الله” لا إسرائيل..

مؤدّى ذلك أن تذهب قواعد الاشتباك إلى الجحيم، ويذهب معها كلّ اللغو عن الانتصارات الإلاهيّة وغير الإلاهيّة.
توقّف عزيز القارئ، وفكّر في أرقام أخرى الآن: في حين يصارع لبنان لاستقطاب فتات المساعدات الدولية تبرز إسرائيل كواحدة من واحات استقطاب الاستثمارات الأجنبية في العالم.

قبل أسابيع قليلة، أعلن وزير الخزانة السابق ستيف منوشين، والسفير لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، افتتاح مكتبهما الاستثماري في تل أبيب. بعدهما أعلن “سوفت بنك”، الذي حقّق العام الفائت، وهو أكثر الأعوام نجاحاً في تاريخ الأعمال التجارية العالمية، أرباحاً صافية قاربت 46 مليار دولار، عن تعيين رئيس الموساد السابق يوسي كوهين ممثّلاً له في إسرائيل.

مؤدّى ذلك، مرّة أخرى، أن تذهب قواعد الاشتباك إلى الجحيم، ويذهب معها كلّ اللغو عن الانتصارات الإلاهيّة وغير الإلاهيّة.