فارس خشان/محمّد رعد بدور المدّعي العام في أحدث أفلام حزب الله

204

محمّد رعد بدور “المدّعي العام” في أحدث أفلام “حزب الله”
فارس خشان/النهار العربي/29 حزيران/2021

تظن، لوهلة، وأنت تقرأ كلمة رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد، أمس، أنّك أمام مداخلة جديدة لوزير الخارجية الفرنسي جان لوي لودريان ضد القيادات السياسية في لبنان “العاجزة عن مواجهة أصغر تحدّ”.

مذهل ما ورد في مداخلة هذا المسؤول النيابي في “حزب الله”، حتى يحسَبَنّ الذين يقرأون أو الذين يسمعون أنّه خارج لتوّه من لوائح “الثوّار” المنتصرة في انتخابات نقابة المهندسين ضد لوائح السلطة، ويتحدث بلسان المهندس بول نجّار والد الطفلة التي استشهدت بانفجار نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وليس ممثّلاً لما يسميه بعض الغرب، خبثاً، “الجناح السياسي لحزب الله”، والمتحكّم بمفاصل القرار اللبناني، والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بأجندة يضعها “الحرس الثوري في إيران”، والمسيء الأساس لعلاقات لبنان التاريخية مع الأقربين.

قال رعد لما سمّاه “جمهور المقاومة” عن “المتخاصمين” الذين يحولون دون تشكيل حكومة في لبنان: “هؤلاء يتآمرون عليكم حين لا يتنازلون لبعضهم البعض”.

قد يكون هذا الكلام صحيحاً بالمطلق، ولكن أن يصدر عن النائب محمد رعد، فهناك مشكلة منطقية وسياسية كبيرة فيه، لأنّ هذا النوع من الكلام يقود المراقب الى طرح سؤال بديهي: ما الصلة التي تربط “المدّعي العام” بالمتّهمين؟

لا يحتاج الجواب الى عناء كبير، فالمتّهمون موزعون على طرفين: رئيس الجمهورية ميشال عون وجميع من يدعمونه، من جهة، والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري وجميع من يدعمونه، من جهة أخرى.

في ما يختص بـ”المتّهم” عون، فإنّ “حزب الله”، وبحجة إيصاله الى رئاسة الجمهورية، قاد فراغاً دام أكثر من سنتين ونصف سنة، فعطّل المجلس النيابي، وكبّد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة، ودفع بالقوى السياسية الى عقد صفقات سياسية أنتجت نهباً للبلاد، وتقاسماً للدولة، وتهميشاً لقواها الحيّة.
ولم يجد عون مدافعاً عن “شطحاته” الدستورية أقوى من “حزب الله”، كما لم يجد صهر عون النائب جبران باسيل ملجأً أفضل من الأمين العام للحزب حسن نصرالله، الذي خصّص جزءاً من خطابه الأخير، ليدافع عن باسيل. وفي عزّ قوة “ثورة” 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) وقف “حزب الله”، بكل إمكاناته الطائفية والشارعية والأمنية، ليدافع عن ضرورة استمرار “المتآمرين” في مناصبهم، وفي أداء الأدوار المعهودة إليهم.

وفي مسار عرقلة تشكيل الحكومة، يعرف القاصي والداني أنّ “حزب الله” يلعب “لعبة الفراغ”، من خلال حرصه على إيجاد نوع من توازن قوى بين المتّهمين بالتعطيل، فهو يعهد الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي مهمة “إقناع” الرئيس سعد الحريري بمواصلة الوقوف في وجه “التطلعات المخالفة للدستور” لدى الرئيس ميشال عون، وهو يتولّى مهمة دعم عون في مواجهة حرص الحريري على تشكيل حكومة يعتبرها “جاذبة” للمجتمعين العربي والدولي.

إنّ “حزب الله”، بلسان محمد رعد، يتّهم بالتآمر في المسألة الحكومية، من لا يملكون ما يكفي من حيل للوقوف في وجه ما يريد.

“حزب الله” الذي يعدّد مآسي البلاد الراهنة، كان، ولمّا تكن كل هذه المآسي جاثمة بَعد على صدر البلاد والعباد، كلّما وجد مصلحة في تشكيل حكومة يحسم المسألة: كان ذلك في الحكومة الثانية التي ترأسها نجيب ميقاتي، وفي حكومة حسّان دياب، وبينهما في إيجاد التوازن الذي أتاح تشكيل حكومة تمّام سلام.
فعلاً هناك من يتآمر على اللبنانيين، في المسألة الحكومية وغيرها، ولكن الموضوعية تقتضي التأكيد أن “حزب الله” يمسك بخيط هذه المؤامرة.

وبعد هذه التهمة، ينتقل رعد الى توصيف الحكومة المطلوبة، فيشير الى وجوب “أن تستعيد بناء الدولة ونظامها الاقتصادي والمصرفي، وقدرتها على إثبات الوجود والوقوف في وجه التحديات، وعلى أن تقول رأيها الصريح، وتضحّي من أجل هذا الرأي في علاقاتها الدولية وخصوماتها ومواجهتها عدوّها الوحيد في المنطقة، ألا وهو الكيان الصهيوني الغاصب”.

وهذا التوصيف الذي يعطيه محمد رعد للحكومة المطلوبة، وبغض النظر عن الملف الإسرائيلي، يعني أنّ حزبه يريد حكومة تحت سقف الموقف الإيراني، حيث لا بد، والحالة هذه، من “التضحية في علاقاتها الدولية وتحالفاتها”.

وهذا التوصيف “الملعوب” يعود بالمراقبين الى الموقف الواضح لرعد من الحكومة التي يطمح اليها والنظام الذي يتطلّع الى إرسائه في لبنان، حين قال، في كلمة له في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، بالحرف إنّ “الوجه الطبيعي للبنان هو الوجه المقاوم. كان لبنان مكان عقد صفقات وكان ساحة للملاهي الليلية وللسمسرات، لكنّنا الآن نريد أن نخلق لبنان الجديد الذي ينسجم مع وجود مقاومة”.

ولم يصل لبنان الى المآسي التي وصل اليها، إلّا عندما استطاع “حزب الله” أن يأخذ لبنان في الاتجاه الذي سبق أن حدّده رعد. ولعلّ يقين الداخل والخارج بهذه الحقيقة هو الذي دفع بالقوى التي انتفضت في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ومن ثم بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى المطالبة بحكومة اختصاصيين غير معنية بتطلعات القوى السياسية الداخلية والخارجية، تتولّى مهمة إخراج لبنان من مأزقه الوجودي، وتحاول بناء دولة لجميع اللبنانيين وليس لـ”المقاومة الإسلامية” التي تلعب أدواراً خطرة في “المقامرة الإقليمية”.

ويدرك اللبنانيون أنّ رأس المؤامرة التي سقطوا تحت نيرانها بدأ بالانقلاب على هذا البند التأسيسي الوارد في المبادرة الفرنسية.

وأكمل محمد رعد، في كلمته التي هي موضوع هذه المقالة، استخفافه بهذه النوعية من الحكومة التي طالب بها اللبنانيون قبل الفرنسيين، حين قال: “لا أحد يتوقع في لبنان أن تتشكّل حكومة ملائكية، فنحن نعرف النوعية القادمة في أيّ حكومة ستشكل. وهي لن تستطيع أن تشيل الزير من البير، وإذا لم تكن الحكومة معقد آمال أحد من الناس، فعلى ماذا تتخاصمون؟”.

وهذا الكلام يعيد المراقبين الى الموقف الأساس لـ”حزب الله” الذي طالما نادى بوجوب تشكيل حكومة تكنو-سياسية، مشكّلة على قاعدة الحكومة التي استقالت، على وقع انتفاضة الشارع في تشرين الأول (اكتوبر) 2019.

وهذه النوعية من الحكومات هي، في اعتقاد الداخل والخارج، واحدة من مسبّبات الكارثة اللبنانية الحالية، لأنّها تخدم تطلّعات “حزب الله” من جهة و”أنانيات” المشاركين فيها، من جهة أخرى.
ولم تخلُ كلمة رعد من الاستخفاف باستحقاقين دستوريين: الانتخابات النيابية والرئاسية.

وهذا الاستخفاف يصب في إطار الخشية التي تكبر من توجّه لمنع حصول هذين الاستحقاقين، بحيث يتم التمديد للمجلس النيابي الحالي الذي يملك الأغلبية المطلوبة لتمديد ولاية عون تحت طائلة إدخال البلاد في فراغين: حكومي ورئاسي.

المقصود بذلك، أنّه، إذا لم تشكّل حكومة جديدة تبقى الأمور مرهونة بحكومة تصريف الأعمال، وإذا تمّ تشكيل حكومة جديدة بثلث معطّل لعون، فحينها يقيل هذا الثلث الحكومة، إذا لم يحقق فريق عون مراده التمديدي.

صحيح أنّ عون و”حزب الله” سوف يحظيان، مهما كان شكل الحكومة، بالثلث المعطل، ولكنّ نهج “حزب الله” الجديد، في ضوء الوقائع الداخلية والإقليمية والدولية، يقوم على قاعدة المثل الفارسي: “اليد الليّنة تقود الفيل بشعرة”.

وهذا يعني أنّ “حزب الله” يقود غيره للقيام بالمهمات التي يطمح اليها، فلا يجد نفسه مضطراً لدفع ثمنها، بل يمكنه، في كل لحظة، أن يقف وقفة محمد رعد، في كلمته الأخيرة، ويتبرّأ من كل الويلات التي تعصف بالبلاد والعباد، على اعتبار أنّها من نتاج أعمال غيره، وهي من المؤامرات التي تستهدفه و”جمهور المقاومة”.

وقبل أن ينهي محمد رعد كلمته، لم ينس أن يذكّر الجميع بمعادلة تصب لمصلحة “حزب الله”، ولو أنّه صاغها بطريقة الحريص على تشكيل حكومة.

قال: “إذا فُقدت السلطة وضعُفت مركزيتها، استقوى الضعيف عليها، فيصبح زعيم المافيا أكثر أهمية من رئيس الجمهورية ويصبح قبضاي الشارع اكثر أهمية من قائد الجيش (…)”.

وهذا الكلام دقيق للغاية، ولكنّه يتجاوز أنّ السلطة ضعفت مركزيتها، في تلك اللحظة التي تكرّس فيها سلاح “حزب الله”، تحت عنوان “المقاومة”، فوق السلاح الشرعي، وحين تعهّدت الدولة بالنأي بالنفس عن صراعات المحاور وحروب الإقليم، فكسر “حزب الله” هذا التعهّد فانخرط في حروب المنطقة وفي صراعات الإقليم، من دون نسيان معاني وأبعاد توفير “حزب الله”، وخلافاً لالتزامات الدولة، الحماية والرعاية لمتهمين بعدد من الاغتيالات، وفي مقدمها اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ويعرف اللبنانيون أنّ في لبنان، وأمام موقع “حزب الله”، لم تعد ثمة أهمية جوهرية لا لسلطة ولا لرئيس جمهورية ولا لقائد جيش.

إنّ كلمة النائب محمد رعد ممتازة، لو أنّ من ألقاها هو معارض لهذه القيادات السياسية اللبنانية وليس صانعاً لها أو حليفاً لها أو متلاعباً بها.

ولكن، في لبنان ليس ثمّة ما هو أسهل من إنتاج أفلام…البراءة!