شارل الياس شرتوني: التدويل ومواجهة حزب الله هما المدخل لكسر هذه الحلقة الجهنمية

177

التدويل ومواجهة حزب الله هما المدخل لكسر هذه الحلقة الجهنمية

شارل الياس شرتوني/03 حزيران/2021

تندرج مهزلة تشكيل الحكومة على خط تقاطع النزاعات الاوليغارشية بين سعد الحريري وميشال عون وجبران باسيل وسلطة الوصاية الفعلية التي يظللها حزب الله، في خانة الاستحالات التي لم يعد بالامكان التأقلم مع املاءاتها ومؤدياتها الفعلية، التي ترمي تحويل لبنان الى قاعدة لقيادة السياسة الانقلابية الشيعية التي تديرها ايران في منطقة الشرق الأدنى وامتداداتها الإستراتيجية. السؤال الأول الذي يتبادر الى الذهن هو حيثية استقالة سعد الحريري في ٢٩ تشرين الاول ٢٠١٩ ومسوغ عودته في ال ٢٠٢١، بعد الفشل الذريع لحكومة الظل التي شكلها حزب الله ووضع على رأسها رجل قاصر أرفقه بفريق من القاصرين، الذين لا يمتلكون الخبرة والقوام المعنوي الذي يمكنهم من أداء عملهم بالاستقلال عن الشروط التي أتت بهم. يأتينا سعد الحريري من باب تضليلي بامتياز، هو استعادة حقوق السنة في ظل وصاية مبرحة لسياسات النفوذ الشيعية، وادعاءات إصلاحية تندرج في سياق المفكرة التي أوصت بها الوساطة الفرنسية، ولكن دون أي برنامج ينبئنا عن فائدة وصدقية عودته النافلة الى السلطة، في حين أنه لعب دورا محوريا منذ ٢٠٠٥ في المنظومة الاوليغارشية التي تابعت نهب لبنان على قاعدة السياسات الريعية والوصايات المتعاقبة، منذ بدايات جمهورية الطائف حتى يومنا هذا. أما ميشال عون وصهره جبران باسيل فقد انتهت مسيرتهم المتعرجة ملحقات ذيلية، لا دور لها سوى تأمين التغطية لسياسة النفوذ الشيعية، في وقت سقطت فيه صفتهم التمثيلية في الاوساط المسيحية، وأصبحوا كومپارسات مضحكة في عملية الاطباق على مفاصل القرار السياسي في البلاد، من خلال تحويل المؤسسات الدستورية الى مسرح ظلال، وأدوات مستخدمة في مجال تخريج سياسة وضع اليد على مقدراتها وقرارها السيادي.

لا خروج من اقفالات هذه اللعبة السيئة والحلقة الجهنمية التي دخلناها منذ سنة ونيف ما لم نبادر الى اعلان المواجهة مع حزب الله وأدواته، وإعلان سقوط الكيان المعنوي والدستوري للدولة اللبنانية لحساب سياسة النفوذ الشيعية، وتغطية عملية تغيير الديناميكيات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمدنية التي تتلازم مع السياسة الانقلابية الآخذة بالتمدد في كل الاتجاهات. على المعارضات ان ترسي عملها باتجاه إسقاط شرعية الرئاسات الثلاث، والمطالبة باستقالة كل من ميشال عون وحسان دياب ونبيه بري، والمطالبة بتطبيق القرارات الدولية (١٩٥٩،١٦٨٠،١٧٠١) ونزع سلاح حزب الله، والالتزام بهدنة ١٩٤٩، كمقدمة لاجراء الانتخابات النيابية وقيام مجلس تأسيسي، يعيد صياغة العقود السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، على قاعدة الحقوق التأسيسية للشرعة العميمة لحقوق الانسان وتطبيقاتها العينية. لا خروج من هذه الحلقة الجهنمية دون قرار المواجهة مع حزب الله، بدءا بسياساته الارهابية والاجرامية واستثماراتها في مجال تطويع اللعبة السياسية، وترسيخ الخوف كما ظهرته العملية الارهابية في مرفأ بيروت وتداعياتها ومدلولاتها الخطيرة على كل المستويات. علينا ان نكسر سياسة الإرهاب التي اعتمدها مدخلا منذ بداياته عبر تسميتها، ورفض قواعد اللعبة التي أرستها، والعمل على تقويضها داخليا ودوليا من خلال شبكة تحالفات عريضة، وائتلافات سياسية متحركة، ومواجهة فعلية على كل المحاور السياسية والعامة. هذا العمل يفترض، بادىء ذي بدء، الخروج عن العزلة الدولية والعربية التي فرضها على البلاد من خلال سياسات الارهاب، والاطباق على المؤسسات الدستورية، والاحتباس داخل سواتر سياسة النفوذ الايرانية واملاءاتها. لا بد من التفكير العملي باطلاق ائتلاف حكومي مضاد، وعمل دپلوماسي مضاد، ورفض إقفالات اللعبة الحاضرة على مختلف مندرجاتها، من خلال تدويل النزاع وإدخاله ضمن آلية الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة التي تحول دون التهديدات الوجودية التي تدفع باتجاهها سياسات حزب الله.

إن الانهيار المالي والاقتصادي المبرمج الذي يتمظهر بشكل فاقع مع التلاعب باسعار صرف الدولار، ولعبة المنصات المتنقلة، واستعمال القضاء في عملية تغطية سياسات النهب، والدعم المنهوب من قبل أطراف الفاشيات الشيعية والنظام السوري، وتطبيع اقتصاد الجريمة المنظمة على حساب الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي السوي، من خلال سياسات تبييض الاموال، والتهريب، وانتاج وتجارة المخدرات، وتمويل العمل الارهابي، والتجارات غير المشروعة، وتزوير الدولارات وتهريبها والمتاجرة بها من خلال السوق السوداء، والسطو على الاستثمارات القطاعية، ونهب الموارد العامة، والحؤول دون سياسات التحقيق الجنائي المالي كمقدمة للمقاضاة واسترداد الأموال المنهوبة، ووضع حد لواقع الريوع والحيازات والزبائنيات التي حولت الدولة الى مرتع للاوليغارشيات تستخدمه في مجال صيانة محسوبياتها واستثماراتها، وتغطية عمليات النهب المستديمة. هذه اللعبة لن تتوقف ما لم يصار الى تجفيف مصادر هذه القوة المالية، ومصادرة التوظيفات المالية والاستثمارات الدولية المبيضة من خلال العمل الاقتصادي السوي في الاقتصاديات الغربية. اذن، كما في السياسة كذلك في الاقتصاد، التدويل هو المدخل الصحيح من أجل انهاء واقع تطبيع الاستثناءات الجرمية الملازمة لمداخلات الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية، المالية والاقتصادية، في لبنان ومن خلاله. لا بد من حركة متوازية على المستويين الأوروپي والاميركي (الاتحاد الأوروپي، دول الإتحاد منفردة، مقرر ماجنتسكي) من أجل محاصرة المبادرة الاستثمارية ووضع اليد على مصادرها وشبكاتها المرصودة من قبل أجهزة المخابرات في الدول الغربية…).

من ثم لا بد من وضع حد لسياسة التفرد بالقرار المالي بين أطراف الاوليغارشيات ومستخدميها في القطاعين المصرفي والعام، وإيجاد آلية تحكيمية تجمع بين المودعين، وجمعيات مكافحة الفساد المحلية والدولية، والهيئات الأهلية، وجمعية المصارف والبنك المركزي، ووزارة المالية، ولجنة المال النيابية، من أجل إقرار سياسات التثبيت المالي الظرفية وإدارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الأوروپي للإنماء، والدفع بالتحقيق المالي الجنائي، ووضع أصول إعادة هيكلة النظام المصرفي، وتقسيم العمل على مستوى المصارف والبنك المركزي على خط التواصل بين الاصلاح المالي والقضائي والقانوني والإداري، والاقتصاد الفعلي على تنوع قطاعاته، والتداخل مع التدريب الجامعي والمراكز البحثية والحاضنات التكنولوجية. إن مهزلة المقاربة الحالية القائمة على تطبيع واقع الانهيارات المالية والاقتصادية، وإشاحة النظر عن أولوية إعادة اطلاق الديناميكيات الاقتصادية وتفعيل المناخات الاستثمارية، من خلال التضافر بين الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي واعادة تفعيل سوق العمل، لحساب سياسات الدعم المشبوهة، وبطاقات التموين، كأفضل سبيل لتثبيت السياسات الزبائنية، والابقاء على الاقفالات الاوليغارشية، واستهداف استقلالية المقاولين والقطاعات المنتجة، لحساب الاوليغارشيات الريعية وأنماطها الادائية. هذه ليست بسياسات الأمان الاجتماعي، هذه سياسات لتأمين سيطرة الاوليغارشيات وتمديد إقفالاتها.

لا بد من سياسة قطع الجسور مع هذه المنظومة المجرمة التي تختبىء وراء إرهاب الفاشية الشيعية لكسر حاجز الخوف الذي تستثمره هذه المجموعات الارهابية والمافيوية، التي لا تختلف في توجهاتها عن داعش والقاعدة كحركات توتاليتارية، سواء لجهة أدائها ام أهدافها ومناخاتها الايديولوجية. المواجهة تبدأ برفض سياسة المحاور التي تمليها، ومواجهتها في كل المحافل الدولية والاقليمية، ورفض جداولها الزمنية كضوابط وقيود للحركة الدپلوماسية، وأسس ومحاور التعامل الدپلوماسي. إن اطلاق دپلوماسية مضادة أساس في هذه المرحلة، حيث النظام الايراني يسعى الى استعادة بلفه المعهود في مجال المفاوضات النووية، على أساس الفصل بين سياسة النفوذ الايرانية واستعادة الأموال المحجوزة وفك الحصار وإزالة العقوبات المالية، والابقاء على سياسات التوسع والتوتر اقليميا، والمضي قدما في استراتيجيات التسلح الباليستي والنووي. هذا التوجه برز مع الأحداث الأخيرة في لبنان والأراضي الفلسطينية وغزة والعراق وعلى التخوم السعودية واليمنية…،. حزب الله يسعى الى تحويل لبنان الى أرض مجابهات بديلة، كما خبرنا سابقا مع سياسة التحالف اليساري-الفلسطيني الذي لخصته مقولة “بيروت هانوي العرب”، وهذا ما فسرته استراتيجية الخرق العقاري المنهجية التي اعتمدتها سياسات التمدد الشيعية في ضواحي بيروت الجنوبية ومداخل الجنوب والشوف الغربي والاوسط والأعلى، وعملية المرفأ الارهابية التي توخت تبديل الديناميكيات المدينية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية عبر اعتماد سياسة التدمير الشامل من خلال الانفجار الپروتو نووي. إن الابقاء على النظرة الساذجة القائمة على مشاهد النزاع بين أركان هذه الاوليغارشيات المنحطة يعبر عن قصور في فهم الديناميكيات الانقلابية التي سوف تحول لبنان، خلافا لتوقعات حزب الله، الى أرض محروقة تتماثل مع هذا المدى العربي الذي تتآكله الصراعات والنهيليات على تنوع تصريفاتها.