د. توفيق الهندي/ملاحظات حول زيارة لودريان

142

ملاحظات حول زيارة لودريان
د. توفيق الهندي/09 أيار/2021

La plus belle femme au monde ne peut donner que ce qu’elle a
ترجمة هذا المثل الفرنسي هي: أجمل إمرأة في العالم لا يمكنها أن تعطي أكثر مما لديها.
بإختصار، هذا تعليقي على زيارة وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان.

نشكر فرنسا على المساعدات التي وفرتها للبنانيين، وعواطفها الجياشة للبنان الكيان المميز التي ساعدت على إنبعاثه منذ 100 سنة. غير أن فرنسا لها أيضا” مصالحها كما تراها هي في المنطقة وفي لبنان. وهي باتت دولة متوسطة الحجم والتأثير. كما أنها لا يسعها التحرك إلا بالتناغم مع واشنطن التي تذهب سريعا” على طريق تهدئة خواطر الجمهورية الإسلامية في إيران بعودتها إلى الإتفاق النووي المشؤوم بنسخته الأصلية. لن أورد في هذا المقال ما تسنى لكم الإطلاع عليه في وسائل الإعلام من معلومات وردات فعل وتقييمات وأكتفي ببعض الملاحظات:

1) إلتقى لودريان بشكل عابر بالرؤساء الثلاثة وبشكل مطول ببعض أطراف المعارضة وبعض ما يمكن تسميته قوى المجتمع المدني. يمكن التساؤل إذا كان هذا التصرف يهدف إلى الضغط على الطبقة السياسية المارقة لدفعها إلى تشكيل حكومة أو إلى الإنحياز فعلا” إلى من يعارضها أو إلى الأثنين معا”. والأرجح أن يكون هدفه الأساس هو الإسراع بتشكيل حكومة الممكن لوضع لبنان في العناية الفائقة قبل أن يتدحرج الوضع فيه بسرعة نحو جهنم ويتحول إلى كرة نار تضع المنطقة على كف عفريت وتصيب بالصميم مصالح الدول، مما قد يحتم حينذاك على المجتمع الدولي والدول الإقليمية الوازنة التدخل الجدي والمكلف.

2) تحدث لودريان عن قلة مسؤولية الطبقة السياسية وفسادها بشكل عام مع وعد بمعاقبة بعض أفرادها بمنعهم من دخول الأراضي الفرنسية والتلويح بعقوبات أوروبية أقصى. والهدف غير المعلن هو حثهم أيضا” وأيضا” إلى تشكيل الحكومة. والحقيقة أن هؤلاء لا يأبهون بهكذا عقوبات ولا بأقصى منها: فلا ضمير لهم ولا حياء وهمهم الوحيد هو فتات السلطة والمال على جثث اللبنانيين.

3) الملاحظ أن لودريان تجاهل عن قصد أن المعرقل الفعلي لتشكيل الحكومة هو حزب الله كونه هو الممسك الفعلي بزمام السلطة وأن مكونات الطبقة السياسية المارقة والمجرمة كافة تعمل تحت سطوته، وإن عارضته شكليا” بعض مكوناتها. لماذا عن قصد؟ لأن هذا الأمر يتعارض مع هرولة أميركا-بايدن والغرب عموما” لكسب ود طهران لتحقيق مصالح شركاتهم العملاقة والمتعددة الجنسيات.

4) أما كلام لودريان عن ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية بموعدها الدستوري عام 2022 وبالعمل مع شركاء فرنسا الدوليين للضغط لتحقيق هذه الغاية، فالجواب عليه بسيط: عينهم بصيرة ويدهم قصيرة. فسياسة تهدئة خواطر طهران تحول دون تحقيق هذا الهدف: فهذه السياسة لا ولن تقابل إلا بالتجّبر الإيراني في المنطقة حيث علة وجود النظام في إيران تحتم عليه تصدير ثورته الإسلامية (وليست الشيعية حصرا”، كما يوصفها خطأ” البعض) إلى أصقاع العالم إنطلاقا” من المنطقة وبدأ” بالبلدان حيث التواجد الشيعي. وبالتالي، كون حزب الله هو قاطرة فيلق القدس وكون السيد نصر الله هو قائده غير المعلن بعد مقتل قاسم سليماني كما قائد ما يسمى بمحور المقاومة، وبما أن فيلق القدس يشكل الأداة العسكرية-الأمنية للتمدد الإيراني في المنطقة، من الصعب التقدير أن الضغوط السياسية الدولية يمكن أن تؤثر على موقف حزب الله من الإنتخابات النيابية، إذا أبقى على سلاحه وإمساكه بمفاصل الدولة وبالطبقة السياسية.
فما حقيقة موقفه من الإنتخابات النيابية؟ لن يخاطر الحزب بخسارته الأغلبية النيابية، ولا سيما على بعد ما يقارب ستة أشهر من الإنتخابات الرئاسية، إن ظل ممسكا” بسلاحه. وليس من الأسهل له إختلاق الأسباب الموجبة للتمديد للمجلس الحالي من أمنية أو مالية (كلفة الإنتخابات) أو عدم الإتفاق على القانون الإنتخابي أو… فهو يخشى أن يفقد بأي إنتخابات مقبلة الأغلبية نتيجة الضعف النسبي الذي إنتاب حليفه المسيحي، أي التيار الوطني الحر. ولن يتمكن حينذاك من المجيء بجبران باسيل، وهو مرشحه الفعلي، رئيسا” لجمهورية لبنانية باتت شكلية.
أما إذا إفترضنا ما هو غير مرجح إن لم نقل مستحيلا”، بأن يقبل حزب الله بإجراء إنتخابات نيابية وفق أي قانون إنتخابي كان وتحت ضغط الخارج، فلن يكون التغيير ذات شأن من حيث تمثيل الثورة، ولو وحدت صفوفها أو بعضها وحصّلت هذه الأخيرة بعض النجاحات المحدودة.
فلا يزال حزب الله والطبقة السياسية المارقة المجرمة بمكوناتها كافة تمتلك عناصر القوة التالية: السلاح، المال، التنظيم، الخبرة بالإنتخابات، الماكينات الإنتخابية، الدولة العميقة وأخيرا” غباء بعض الحالات الشعبية الغنمية التي تؤلّه “زعيمها” الفاسد الذي “بياكل وبتطعمي”.
وبالإضافة، تكون هذه الطبقة السياسية بما فيها حزب الله قد جددت شباب “شرعيتها الدستورية”. كما يجب الإتعاظ من تجارب الماضي القريب بأن الأغلبية النيابية لفريق 14 آذار في ال 2005 وال 2009 لم يحل دون تحكم حزب الله بالسلطة الفعلية وقلب طاولة المؤسسات الدستورية إنطلاقا” من سلاحه وصولا” إلى الإمساك بكافة مفاصل الدولة.

5) لم يزور لودريان غبطة البطريرك الراعي لأنه لا يريد حاضرا” سماع ما يعاكس توجهات الجمهورية الفرنسية من حياد ناشط وإيجابي إلى مؤتمر دولي مرورا” بتطبيق القرارات الدولية، ولا سيما ال 1559 وال 1701. فضّل التحدث عن خرافة النئي بالنفس.

ولكن التقدم بعملية “صوملة” لبنان، وهي وشيكة، سيؤدي حتماً إلى تقوية حزب الله وبالتالي زيادة فعاليته في زعزعة الاستقرار في المنطقة، في ظل سياسة إيرانية صدامية تستند إلى هرولة أميركية للعودة إلى الإتفاق النووي، مما سوف يؤدي إلى تهديد مصالح الدول في الإقليم والعالم. كما من المرجح أن توقظ هذه “الصوملة” الخلايا النائمة الجهادية في المخيمات السورية والفلسطينية وبعض الأوساط اللبنانية وتعزز الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا على وجه الخصوص. حينها سيضطر المجتمع الدولي والقوى الإقليمية عامة والعالم العربي خاصة إلى التدخل الجدي لنزع فتائل التفجير.