الكولونيل شربل بركات/ماذا وراء تحرك “الأهالي” في منطقة عمل القوات الدولية؟

173

ماذا وراء تحرك “الأهالي” في منطقة عمل القوات الدولية؟
الكولونيل شربل بركات/21 نيسان/2021

بات الكل في لبنان يعرف أن حزبلا يلجأ دوما إلى فصيل “الأهالي” لمواجهة أي تحرك تقوم به قوات الأمم المتحدة في الجنوب من أجل ضبط تحركاته أو تنفيذ مهماتها المتعلقة بمراقبة الحدود لمنع اي تعد قد يجر إلى الفوضى. والكل يعرف ايضا لجوء هذا الحزب إلى أمور تتعلق بالوضع على الحدود كلما انحشر في الداخل وزاد تململ الناس من تصرفاته وسلاحه الغير مقبول على المواطنين. من هنا قامت فصائل “الأهالي” بحسب جريدة الأخبار التابعة للحزب امس بالاعتراض على تركيب عناصر الأمم المتحدة لكاميرات مراقبة على الحدود. ومن قراءة المقال يفهم المراقب حاجة هذا الحزب لخلق نوع من الالهاء وتحويل الأنظار عن تصرفاته الغير مقبولة على الصعيد السياسي والتي تجر كل يوم إلى زيادة تركيز المواطنين على تسليم سلاحه وتنفيذ كل القرارات الدولية المتعلقة بلبنان والتي يمنع وجوده وسيطرته تنفيذها، وذلك كجزء اساسي ومهم لحل مشاكل لبنان يؤدي إلى عودة الاستقرار شيئا فشيئا وصولا إلى رفع العقوبات والتخلص من سياسة المحاور التي زج بها البلد فأفقدته رصيده بين الأصدقاء والمستثمرين.

حزبلا هذا يلتجئ دوما لاسرائيل كلما وقع في مشكل لتكون حبل خلاصه. فكثيرون يعتقدون بأنها سمحت له منذ البدء بالقيام بعمليات التدريب على مواقع الجيش الجنوبي شرط عدم تعرضه لمواقع جيش الدفاع، فكان أول الغيث في ظهوره كمقاومة وحيدة لا شريك لها. ومن ثم قبلت التفاوض معه بعد العمليات التي جرت في تسعينات القرن الماضي، خاصة “عملية الحساب” و”عناقيد الغضب” والتي أدت إلى ما سمي “تفاهم نيسان”، حيث تخلى الرئيس الحريري، الأب يومها، عن دور لبنان في الصراع على حدوده، وأبعد الدولة عن مسؤولياتها في أمن تلك المنطقة، وجييرها لهؤلاء الذين يتبعون مباشرة لسوريا وإيران. وقد بدا ذلك مشابها بعض الشيء لمفاوضات أوسلو مع عرفات والتي كانت جرت في 1993 وأدت إلى اعترافه باسرائيل وقبوله بوقف العمل المسلح. وقد تدرج “التعاون” بين الحزب واسرائيل إلى انسحاب سنة 2000 الذي تم بنفس طريقة التفاوض المباشرة ولكن السري هذه المرة وبدون علم الدولة، ما أعطاه تلك القيمة للظهور بمظهر القادر على قيادة المجابهة والمفاوضات. ويوم قام قائد الحرس الثوري سليماني بقيادة عملية اختطاف الجنود الاسرائيليين من داخل الحدود سنة 2006 قامت اسرائيل يومها بالرد الذي لا بد منه. ولكنه لم يكن يهدف إلى انهاء هذا الحزب لأنه تركز على الهجمات الجوية وبعض المهمات البرية التي قامت بها فرقة من الاحتياط، للدلالة على عدم جدية اسرائيل بالاحتلال. ما أعطاه القدرة على المناورة والاستمرار بالتحرك على الأرض، والتي فسرها، بالرغم من كل الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية، بأنها “انتصار الآهي” على الآلة العسكرية الاسرائيلية.

والكل يذكر كيف أن شارون نفسه كان أهدى هذا الحزب كل الأسرى في سجون اسرائيل دفعة واحدة في مقابل ثلاث جثث لعسكريين اسرائيليين، وبدون أي معلومات عن الطيار الاسرائيلي رون أراد مثلا، أو حتى جثث الجنود الذين كانوا قتلوا في السلطان يعقوب في 1982 وكان يمكن المطالبة بهم بالنسبة لعدد الأسرى السبعمئة الذين أخلي سبيلهم يومها، ومنهم من قام بعمليات ذهب ضحيتها مدنيين اسرائيليين مثل سمير القنطار وغيره، وهي نقطة شديدة الحساسية في دولة اسرائيل.

وكلما خف وهج هذا الحزب في الداخل يطلق أحد القادة الاسرائيليين تهديدا أو تصدر إحدى الصحف دراسة عن “قدرة” حزبلا هذا وقلق اسرائيل من قيامه بأعمال عسكرية. وكان آخرها عملية تدمير الانفاق التي كانت معدة لاجتياز الحدود ما أعطى السيد حسن تلك الصورة المتجددة التي “ترهب” اسرائيل وقد شرحها على قناة الجزيرة يومها بنظرية “الشاكوش” أو المطرقة التي تخيف مواطني اسرائيل وتجعلهم يدخلون إلى الملاجئ.

والسيد وحزبه يريدون بالطبع مفاوضة اسرائيل حول الحدود، ولما لا فهم من حرر الوطن، وهذه الأرض ملكهم وحدهم ولهم الحق ببخششتها أو القتال في سبيلها، ولو أن للولي الفقيه الكلام الأخير في اي قرار يتخذ. من هنا فإن قيام فرق “الأهالي” بالتصدي لجيش “الاحتلال الدولي” ليست من أجل محاربة اسرائيل، ولا خوفا من التجسس على ابناء الجنوب، الذين لا يخافون من أحد، لأن لا مصلحة لهم بالقيام باي مشكل يؤدي إلى تهجيرهم ومنعهم من السكن المطمئن في بيوتهم والاستفادة من العملة الصعبة التي يغدقها جنود “الاحتلال الدولي” هؤلاء. ولكن القصة هي قصة سلاح وسلطة وهيمنة الحزب على البلد ككل. فكيف يقوم بعض المتظاهرين بالمطالبة بتسليم سلاحهم، وتنفيد القرارات الدولية، وانهاء الساحة المفتوحة؟ وكيف يطالب البعض بالحياد والتخلي عن تنفيذ أوامر الاستعداء الصادرة عن الولي الفقيه؟ وكيف يمنع تهريب المواد المدعومة إلى سوريا لتعويم النظام؟ ولماذا نهادن الدول العربية ونجدد علاقاتنا الطبيعية بها والتي تؤثر على استعادة عافية الاقتصاد، طالما لم تحل أمور طهران مع دول الخليج ولم تنتهِ بعد الصراعات؟ فمن سيهدد ومن سيطلق الصيحات من على شاشات الاعلام ومن سيتوعد بالاقتصاص من زعماء العرب؟

التحاليل التي يطلقها صحافيو الأخبار أو جهابذة المحللين العسكريين من أمثال الماريشال والجنرال والتي ملأت المحطات الاعلامية أمس تبدو مقززة لأنها لا تمت للواقع بصلة، وهى تعرف مخاوف ابناء الحنوب بالرغم من محاولة الحزب شرائهم مرة أخرى بتوزيعه بطاقات التموين وفتحه للأسواق “الشعبية”.

فالناس تعرف من وراء كل مصائبها، وهي تصلي في مخادعها أن يمن الله على لبنان بالفرج والتخلص من بؤر الشر والفساد ومن المفسدين في الأرض والمدعين الدفاع عنهم وأعوانهم من المرتزقة والمطبلين.