الياس الزغبي/حكومة بلا جناحَين عسكري وسياسي… أو الطوفان

94

حكومة بلا جناحَين عسكري وسياسي… أو الطوفان!
الياس الزغبي/07 كانون الأول/2020

لم يعُد سرّاً أن السلطة الحاكمة ب”ثنائية الفساد والسلاح” تراهن على تعب الناس في الداخل، وتراخي الضغط الخارجي مع اقتراب الانتقال في الإدارة الأميركية من حال إلى حال.

ولا تتورّع هذه السلطة عن استخدام أي وسيلة لتمديد بقائها وتطويل نفَسها، بما في ذلك الاجراءات غير الدستورية، كتفعيل الحكومة المستقيلة، وتحويل المجلس الأعلى للدفاع سلطةً تنفيذية بديلة خلافاً للدستور، وكذلك الابقاء على الدعم تحت خدعة “ترشيده” خشية انفلات غضب الجياع، ولو أدّى ذلك إلى استنزاف ما تبقّى من قروش المودعين البيضاء لإطالة عمر السلطة السوداء.

وإلى ذلك، تملأ فراغها في توظيف وسائطها القضائية للانتقام من معارضيها، ظنّاً منها أن القمع خير وسيلة للمنع.

لكنّ الراقصين على حبلَي تعب الداخل وتراخي الخارج، يجعلهم استرخاؤهم غافلين عن ضغط مزدوج يتقاطع بين الداخل والخارج، وقد بدأ يقضّ مضاجعهم:
فالداخل يغلي، وثورة اللبنانيين لم تخبُ كما تتوهّم هذه السلطة، والقوى السياسية السيادية الحيّة تفتح عيونها وتتأهب للحظة الانقضاض السياسي والشعبي، وأصوات الكنيسة الحرة تصدح، وتوبّخ المسؤولين وتؤنّبهم، وتكشفهم في عراء الحقيقة.

أمّا الخارج فهو في حال استنفار، خصوصاً على المستوى الأوروبي المدعوم أميركياً.

والواضح أن الرئيس ماكرون لم يبقَ وحده في المبادرة لإنقاذ الوضع اللبناني، فوراءه الاتحاد الأوروبي مع تطوير للمبادرة بتصوّر ألماني بريطاني بلجيكي ليست واشنطن بعيدة عنه.

وهذا التطوّر النوعي في المبادرة يسدّ الثغرة التي تسبّبت في عدم نجاحها حتى الآن، وهي تجاهل خطورة سلاح “حزب اللّه” في منع تشكيل حكومة مستقلّة من أهل الخبرة والاختصاص.

وقد تبيّن للاتحاد الأوروبي أن التساهل في تمثيل “الحزب” في حكومة المهمة الانقاذية جعله يتحكّم بشروط تشكيلها عبر الوقوف وراء حليفه ميشال عون في فرض الشروط، بحجّة أو بدون حجّة.

كما تبيّن للمجتمع الدولي، ولأوروبا بالذات، أن نظرية الفصل بين جناحين ل”الحزب” سياسي وعسكري ليس واقعياً وغير قابل للتسييل.

لذلك، ستكون مهمّة ماكرون في زيارته الثالثة المرتقبة لبيروت بعد أسبوعين، مزودة بنظرة مختلفة إلى الحكومة العتيدة، على قاعدة ألّا تتضمن أي وزير يُشتبه بانتمائه أو قربه من “حزب اللّه”، أسوةً بسائر الوزراء المتحررين من الأحزاب والتيارات الأخرى. ولا يمكن التسليم بتميّزه في تسمية وزرائه، وربما وزراء سواه، بحجّة الرد على العقوبات الأميركية.

ولن تأخذ المبادرة المطوّرة بمقولة إرضاء الكتل النيابية بحجّة الحاجة إليها لمنح الثقة للحكومة الجديدة، فالثقة الفعلية هي ثقة الناس والعالم، بعد تآكل الثقة في مجلس النواب وأكثريته، بعد سنتين ونصف على انتخابه.

وليس لدى “حزب اللّه” حيلة لرفض الصيغة الجديدة ومنعها من إبصار النور سوى التلطّي وراء توقيع رئيس الجمهورية،
وهنا الحرج الأكبر.

فهل يظلّ على ارتباطه الضرير ب”الحزب”، ويكرّر شعاره الخاوي قبل ٣٠ سنة “يسحقني العالم ولا يأخذ توقيعي”؟! ثمّ… وقّع بعد ٣ عقود، وسلّم ب”اتفاق الطائف” كي يبلغ سدّة الرئاسة.

التحدّي هو هنا خلال الأسبوعين المقبلين:
يرضخ الجميع لحكومة فرنسية أوروبية دولية بلا جناح سياسي ولا عسكري؟… أو الطوفان؟!