عبد الوهاب بدرخان/البلد المستباح… بين مشهدين

243

البلد المستباح… بين مشهدين
عبد الوهاب بدرخان/النهار

20 تشرين الثاني 2014

يوم الاثنين، أول من أمس، توزّع لبنان بين تداعيات جريمتين، كما لو أنه يحتاج الى تأكيد مجدّد بأنه مستباح. الأولى لا تزال وقائعها جارية وممضّة مع استمرار محنة العسكريين المخطوفين. والاخرى بلغت لحظة بالغة الحساسية بحثاً عن الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. وبين سوريا – النظام وسوريا – “جبهة النصرة” و”داعش” يبقى لبنان منكوباً بهذه الاستباحات، وعندما لا تأتي من هذه الجهات فإن حلفاء النظام، الذين أصبحوا أعداء “النصرة” و”داعش”، يتكفّلون بالاستباحة داخلياً.

باتصال هاتفي مقتضب يستطيع خاطفو العسكريين أن يشلّوا البلد ويحوّلوا شوارعه ساحات هلع وغضب وتوتّر. لا يحتجزون الأبناء والأزواج والإخوة في جرود القلمون فحسب بل الأمهات والآباء والأنسباء في مختلف المناطق (والطوائف) اللبنانية أيضاً. لا يستخدمون رهائنهم لبث التهديدات والابتزازات والرسائل السياسية فقط بل يمتهنون كرامة أهلهم اذ يحدّدون لهم تحركاتهم، فيفرضون عليهم الاعتصام ليلاً ونهاراً ويدفعونهم الى قطع الطرق. ليس أمام الأهل المألومين أي خيارات اخرى. ولا تبدو الحكومة أفضل حالاً فهي كانت أسيرة اللاخيارات، بسبب التجاذبات السياسية داخلها، وأصبحت أسيرة شروط “النصرة” و”داعش” اللذين لم يعودا متعجّلين لإنهاء هذه الأزمة، فالوقائع التي استجدّت خلالها أغرتهم بـ”فضائل” الإطالة لاستدامة الابتزاز وبإجبار “حزب الله” على مراجعة حساباته لأي معركة يخطط لها في القلمون.

أما في لاهاي فما أن ظهر مروان حمادة شاهداً أمام المحكمة الدولية الخاصة حتى عادت جريمة الاغتيال الى مربع الاتهام الأول والوحيد: القاتل الحقيقي هو النظام السوري. أما الأسماء الواردة في القرار الاتهامي فهي للمكلّفين بالتنفيذ. ستظهر أسماء آخرين وتتوضّح الأدوار، فالجريمة السياسية لا تتمّ إلا بأوامر سياسية، واذا كان عناصر من “حزب الله” تورّطوا فيها فإن الجهة التي ورّطتهم هي نفسها الجهة التي عادت فزجّت بـ”الحزب” في القتال داخل سوريا، يتساوى في ذلك أن يكون امتثل للأوامر الايرانية – السورية مكرهاً أو راغباً ومقتنعاً.

لم يرد المستفيدون من نظام بشار الاسد يوماً البحث عن الحقيقة. لأنهم عرفوا مثل بقية اللبنانيين من اغتال رفيق الحريري. بل يعلمون أن المحاكمة لن تقتصرعلى الجريمة في ذاتها وستشمل مجمل الجرائم في “عهد الوصاية”، أي أنها ستطاولهم في ضمائرهم، في ما دفعوا به لدحض الحقيقة، وفي ما قالوا وكتبوا. وإذ ربط مروان حمادة الاغتيال بنص القرار الدولي الذي طلب الانسحاب السوري من لبنان، فإنه أشار تلقائياً الى “عهد الوصاية” الآخر الذي نشأ بعد الانسحاب مستنسخاً معظم أساليب العهد البائد ومستكملاً مسلسل الاغتيالات، وصولاً الى وسام الحسن ورفاقه من الشهود، وإلى محمد شطح لإبلاغ سعد الحريري ورفاقه بأنهم أيضاً مستهدفون.