المطران الياس عوده: صلاتنا أن يلهم الرب رئيسنا ليكون الحاكم الصارم والأب المحب لأننا بحاجة إلى ديكتاتور عادل

97

المطران الياس عوده: صلاتنا أن يلهم الرب رئيسنا ليكون الحاكم الصارم والأب المحب لأننا بحاجة إلى ديكتاتور عادل
الأحد 01 كانون الثاني 2017/وطنية

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة، بمناسبة ذكرى ختانة ربنا يسوع المسيح بالجسد وتذكار أبينا الجليل في القديسين باسيليوس الكبير ورأس السنة، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى عوده عظة قال فيها: “في هذا اليوم الأول من شهر كانون الثاني تحتفل كنيستنا المقدسة بذكرى ختانة ربنا يسوع المسيح بالجسد، بحسب الشريعة السائدة آنذاك، بعد تجسده وولادته من العذراء كما بشرها الملاك. كذلك نعيد لأبينا الجليل في القديسين باسيليوس الكبير، رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية وأحد الأقمار الثلاثة. أما العالم فيحتفل اليوم ببدء السنة الجديدة التي نسأل الله أن يجعلها مباركة بحضوره فيها، وأن تكون سنة خير وسلام واستقرار”.

اضاف: “هذا اليوم الأول من السنة لا يختلف بالنسبة للمسيحي عن أي يوم آخر، إذ يعتبره عطية إضافية من الله من أجل التوبة والرجوع عن الخطايا وتنقية النفس من أثقال ما اقترفته، والإرتقاء درجة إضافية في سلم الفضائل التي يصبو إلى اكتسابها ليكون من المؤهلين دخول الملكوت السماوي.
ربنا المنزه عن الخطيئة قبل الخضوع للشريعة واقتبل الختان ليعلمنا التواضع والطاعة. الختان في العهد القديم كان علامة طاعة الله والإنتماء إلى الشعب الذي قطع بإبراهيم عهدا مع الله: “هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يختن منكم كل ذكر، إبن ثمانية أيام يختن، فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا” (تك 17: 9-13).

وتابع عوده: “مع تجسد المسيح الذي أكمل الناموس ليصل بنا إلى النعمة، لم يعد الختان ختان الجسد بل ختان القلب من كل خطيئة وختان اللسان من كل ما يسيء إلى الإنسان. لم يعد الختان هو الشريعة بل المحبة.
نحن بالنعمة مخلصون، وخلاصنا يكون برمي الإنسان القديم فينا وصلب طبيعتنا الشريرة وتنقيتها من كل شوائب الخطيئة. خلاصنا بصلب الأنا الخاطئة الحاقدة والميول المؤذية التي تؤدي بنا إلى الهلاك، واتباع خطى الرب يسوع الذي صلب عنا وقدم ذاته ذبيحة من أجلنا.
هذا ما فعله قديسنا الكبير باسيليوس. فبعد أن درس على كبار معلمي عصره وبرع في الهندسة وعلم الفلك والتاريخ والمنطق والبيان والبلاغة وغيرها من العلوم، ذاع صيته وغزت سمعته الآفاق فانتفخ وتكبر. عندها، خشيت عليه أخته الحكيمة القديسة مكرينا واتهمته بالغرور والإستكبار، فتأثر بكلامها وبالصدمة التي أخرجته من غروره إذ توفي أخوه نكراتيوس وكان أصغر منه، لكنه كان الأجمل في العائلة والأشد ذكاء. أدرك باسيليوس أن المجد الأرضي باطل وزائل وليس باقيا إلا مجد الله، فانصرف إلى النسك والصلاة وتأمل كلمة الله. ولم يكن يملك إلا رداء واحدا، وكان يأكل القليل من الطعام وينام على الأرض ويصلي بلا انقطاع إلى أن سيم شماسا فكاهنا. وقد عرف بمحبته للفقراء ومساعدته الضعفاء، وبعمل الرحمة تجاه القريب حتى إنه باع ما تركه له والده من أملاك ليطعم الجياع والمحتاجين”.

وقال: “هذا القديس العظيم مثال المسيحي الحق، الملتزم تعاليم الرب يسوع، الذي لم يخجل من إعلان إيمانه ولم يتورع من القول لمودستس موفد الإمبراطور الهرطوقي والنس: “أنت حاكم وأحد البارزين، لكنني لا أكرمك أكثر مما أكرم الله”. وعندما هدده مودستس بالتعذيب والنفي أجاب: “لست أبالي. لا يمكنك أن تصادر ممتلكاتي لأني لا أملك شيئا، إلا إذا كنت تريد ثوبي العتيق أو الكتب القليلة التي في مكتبتي. أما النفي فبم يضيرني؟ حيثما حللت في أرض الله هناك يكون منزلي. لا يمكنك أن تنفيني من نعمة الله. والتعذيب لا ينال مني لأنه ليس لي بعد جسد يحتمل التعذيب. ضربة واحدة ويأتيني الموت. أما الموت فمرحى به لأنه يأتي بي سريعا إلى حضرة الله المباركة. وإنني لأحسب نفسي ميتا وأتعجل الوصول إلى القبر”.

واردف: “كان باسيليوس ضعيف الجسم لكنه كان قوي الإيمان بالله، وكانت حياته تعبيرا عن الفضائل السماوية. كانت عطاء بلا حدود ومحبة بلا رياء. أقرن القول بالفعل وكان مثالا يحتذى. هكذا يجب أن يكون المسيحي الحق في مجتمعه. أنتم نور العالم قال الرب لتلاميذه. وأوصاهم أن يكونوا خميرة صالحة وملحا لا يفسد. المسيحي الحقيقي يقدس العالم بوجوده لأنه على صورة ربه الذي هو الطريق والحق والحياة، يستلهم تعاليمه ويعمل بوصاياه ويشهد له. المسيحي الحقيقي قدوة في المحبة والعفة والخدمة والتواضع والتفاني وقبول الآخر واحترامه، والترفع عن الأرضيات”.

وقال: “صلاتنا في هذا اليوم المبارك أن يتمثل أبناء بلدي، والمسيحيون منهم بشكل خاص، بالقديس باسيليوس الكبير وأن يحبوا بعضهم بعضا ويحترموا بعضهم بعضا ويحافظ كل منهم على الآخر ويصون حريته وكرامته، فلا تعود الأنانية هي الحاكمة بل المحبة والأخوة والعدالة والمساواة.
نحن شعب واحد ننتمي إلى وطن واحد وتجمعنا حياة واحدة على أرض واحدة. فلنعمل من أجل أن تكون هذه الحياة كريمة للجميع، تسودها العدالة التي تسري على الجميع ويحكمها القانون الذي يطبق على الجميع”.

واشار الى ان “لبنان نعمة من الله أعطي لنا لنصونه ونعيش فيه إخوة تجمعنا المحبة والمواطنة والمصير المشترك. فلنحمه كما نحمي أرزاقنا ولنصل من أجل أن يوفق الله حكامنا في إدارة هذا البلد الإدارة الفضلى وإعادة المؤسسات إلى العمل الطبيعي وملء الشواغر فيها بالعناصر الشابة التي تتحلى بالكفاءة والعلم والمعرفة والخبرة وخاصة النزاهة، ليساهموا في نهضة الوطن، فلا يعين موظف بسبب انتمائه السياسي أو الحزبي أو الطائفي بل بسبب جدارته. كما نأمل أن يعملوا على تحصين القضاء ليطمئن المواطنون إلى العدالة”.

وتابع: “صلاتنا أن يلهم الرب الإله رئيسنا ليكون الحاكم الصارم والأب المحب، لأننا بحاجة إلى ديكتاتور عادل لا يتهاون مع كل من يسيء إلى الوطن والدستور والمؤسسات، لكنه يطبق القوانين على الجميع، ويعامل الجميع بالتساوي. فالمذنب إلى أية جهة انتمى مذنب والمخطئ مخطئ والمرتكب مرتكب، والسارق سارق، ويحاسبون بعدالة. أملنا أن يعمل جاهدا مع كافة المسؤولين من أجل حماية الإعتدال في هذا الوطن والحفاظ على هذا النموذج التعددي الغني الذي يمثله لبنان، وتحصين الدولة من التعصب والتطرف والإنغلاق. الوطن أهم من الأفراد وانتماءاتهم ومصالحهم ومتى شعر الجميع أن القانون فوق الجميع وأن ميزان العدالة لا تشوبه شائبة ولا يميز بين المواطنين، وأن لا منافع لفئة على حساب أخرى، سوف يضطر الجميع إلى الإنضواء تحت كنف الدولة ولن يعود هاجس أحد استغلال الدولة بل الحفاظ عليها ليحافظ على نفسه”.
وأمل “أن ينصرف المسؤولون إلى العمل الجاد، ولو كانت مدتهم قصيرة وأولويتهم قانون الإنتخاب. فدورة الحياة لا يمكن أن تتوقف، وأمور الناس لا يمكن أن تهمل. فإلى جانب الإنصباب على صوغ قانون انتخاب عادل لا يحتاج إلى تغيير عند انتهاء كل دورة، يجب العمل على إعطاء الناس أبسط حقوقهم وتسهيل حياتهم كحل أزمة الكهرباء المستعصية على الحل منذ عقود، وأزمة شح المياه رغم الأمطار الغزيرة، وأزمة النفايات، وأزمة السير التي تضغط على أعصاب الناس، وتهدر وقتهم وتلوث البيئة وتودي بحياة الأبرياء”.

وختم عوده: “في بداية هذه السنة نسأل الرب الإله أن يجعلها سنة خير وبركة واستقرار وأن يحفظ حكامنا ويساندهم في كل عمل صالح يقومون به، فلا نعود ننتظر وقوع المشكلة أو الكارثة لنعالجها لأن الحكم الصائب يكون في استباق الأمور واستشرافها، ونحن على الرجاء أن يكونوا من الحكام المستنيرين، كما نرجو أن يحفظ جيشنا وكافة قوانا الأمنية وأن يمنحنا أن نشهد لبنان يتقدم خطوات إلى الأمام وأبناءه يفتخرون بانتمائهم إليه.
حفظكم الرب الإله وجعل سنتكم مباركة وحياتكم مقدسة وقلوبكم مفعمة بمحبته ومستنيرة بإشراق نوره”.