عباس صالح: على جعجع المبادرة بخطوات للحوار مع حزب الله

175

 على جعجع المبادرة بخطوات للحوار مع حزب الله
عباس صالح/الديار/28 كانون الأول 2016

لا يفوت حزب «القوات اللبنانية» فرصة من الفرص الا وينتهزها في بعث رسائل وإشارات إلى «حزب الله» بهدف الوصول الى فتح قنوات حوار ثنائية تمهد للوصول إلى تفاهم وتقارب سياسي على غرار التفاهمات السياسية القائمة بين الحزب وعدد من القوى السياسية اللبنانية.

هذا ما قاله رئيس القوات يوما في حوار تلفزيوني مباشر معه، عندما سئل عن الامر من دون ان يكشف عن طبيعة الموانع التي تحول دون ابرام التفاهم المنشود في هذا الصدد، أو عن سبب عدم استعداد الحزب للحوار مع القوات ودفع القائمين بكل هذه المبادرات الى تأجيل مساعيهم في هذا الاطار الى اوقات لاحقة، وهو ما يعني ان الحزب لم يوصد الابواب نهائيا في وجه مثل هذه المحاولات الا انه ينتظر من سمير جعجع القيام بخطوات عملانية ملموسة توحي بجديته في قرار التقارب معه، بعيدا عن التنظير السياسي والتمنيات ومحاولات الاستثمار الفارغة في الاجواء الايجابية التي تحتم على الحزب التعاطي بمرونة فائقة الدقة خلال المحطات السياسية الكبيرة كما حصل خلال تشكيل الحكومة الحالية التي تجمع الفريقين على طاولة سلطة تنفيذية واحدة.

 في هذا الاطار تلاحظ مصادر سياسية متابعة ان المحطة الاخيرة في تلك العلاقة الجدلية ومحاولات القوات الحثيثة لتسجيل خرق على جبهتها تمثل بالاعتراض الشكلي من قبل وزرائها على الفقرة المتعلقة بحق اللبنانيين في مقاومة العدو الاسرائيلي، التي وردت كعبارة ملزمة لكل الاطراف في البيان الوزاري، من دون الذهاب الى ما هو أبعد من ذلك من اجراءات كان يفترض ان يتخذها سمير جعجع تماشيا مع ما بات يعرف عن طبيعة تفكيره وتعاطيه مع الازمات المماثلة، لو لم يكن بصدد تعبيد الطريق الصعبة للوصول الى تفاهم سياسي مع الحزب الذي بات يملك كل مفاتيح اللعبة السياسية اقليميا ودوليا، وبات التفاهم معه ضرورة حتمية للبقاء على الخارطة السياسية في تشكيلة قوى النفوذ السياسي في لبنان.

من هذا المنطلق يرى العارفون بخبايا الامور ان جعجع الذي سلك سبيل محاولات ايجاد اي خرق في جدار العلاقة مع «حزب الله» منذ مدة طويلة تعود الى فترة ما عرف بالتحالف الرباعي في العام 2005، وآثر استئنافه بقوة بعيد ابرام التفاهم بين الحزب والتيار الوطني الحر في العام 2006 لكنه دائما ما كان يصطدم بالرفض القاطع من كل مسؤولي الحزب وعلى كل المستويات لهذا النوع من التفاهمات، وتتم إحالته الى ضرورة التفاهم أولا مع الحليف الاول للحزب على الساحة المسيحية وهو التيار العوني كخطوة أولى، ثم بعد ذلك يتم الحديث عن البنود المتبقية لانطلاق هذا الحوار الذي سيفضي بلا شك الى ابرام نوع من العلاقة العلنية بين الطرفين.

 منذ ذلك الحين بدأت فكرة التفاهم مع العدو الاول للقوات على الساحة المسيحية تراود سمير جعجع بقوة لمحاولة اجتياز تلك العقدة الصعبة على طريق فتح كوة في الجدار المسدود مع الحزب في نهاية المطاف، من دون التغاضي عن أهمية ما يطرحه الحزب كشرط أولي لفتح الحوار، وهو التفاهم مع التيار العوني وما يعنيه ذلك من انجاز كبير بحد ذاته مهم جدا على كافة المستويات.

 وتأسيساً على ذلك بدأت رحلة الحوار الجدي بين القوات والتيار والتي افضت في نهايتها الى ابرام الاتفاق التاريخي بين الفريقين، والذي اراد جعجع من خلاله النفاذ الى ابرام اتفاق مماثل مع الحزب لكنه ووجه بفرملة اندفاعته من جديد بعد ابلاغه رسميا من قبل وسطائه ومبعوثيه وحملة رسائله الى الحزب، بأن اتفاقه مع التيار في هذا الصدد ينظر اليه الحزب بارتياح كبير وعلى انه انجاز مهم لكنه ما يزال خطوة اولى يجب ان تتبعها خطوات ليس أقلها توضيح موقفه بشكل معلن وواضح من العدو الوجودي للبنان بكل أطيافه وشرائحه الشعبية وهو العدو الاسرائيلي، وتوضيح علاقته الملتبسة بالكيان الصهيوني بشكل حاسم ونهائي لا يحمل اي وجه من أوجه المراوغة والالتباسات التي يمكن الاختباء وراءها، والاقلاع عن التمسك بأدبيات المرحلة الماضية وتداعياتها ولا سيما الامنية منها، حيث عليه ان يكشف بوضوح مصير الدبلوماسيين الايرانيين الاربعة الذين خطفتهم قواته عن حاجز امني لها في المنطقة التي كانت خاضعة لنفوذه ابان الحرب الاهلية اللبنانية، باعتبار ان ذلك مسؤولية لبنانية رسمية وفقا لكل مندرجات المعاهدات الدولية المتعلقة بحماية البعثات الدبلوماسية عبر العالم، وحيث تشير كل المعلومات المتوافرة الى ان جعجع سلم هؤلاء الدبلوماسيين الايرانيين في نهاية الحرب الاهلية اللبنانية الى السلطات الامنية الاسرائيلية في سياق صفقة قضت بتسليم كل المعتقلين في سجونه الى اسرائيل في حينه، وثمة عدد منهم تم الافراج عنهم في سياق صفقات التبادل التي ابرمها حزب الله لتبادل الاسرى مع اسرائيل عبر الوسطاء الالمان وغيرهم في اوقات لاحقة.

 وفي هذا الاطار يقول مصدر مطلع ان تمسك جعجع بإنكار واقعة تسليم الدبلوماسيين الايرانيين الاسرى لديه الى اسرائيل يدرأ عن سلطات الدولة العبرية تهمة احتجاز دبلوماسيين اربعة من دون وجه حق ويبرئ ساحتها امام المجتمع الدولي من عدوان محقق وغير مبرر في هذه النقطة، وهو ما يدل على ان جعجع ما يزال متمسكا بالعلاقة مع هذا الكيان المغتصب والمعادي، وهي نقطة تشكل جدار استحالة في أي علاقة ممكنة مع حزب الله القائم على فكرة العداء لاسرائيل واعتبارها الشر المطلق.

 ولكن مع كل ذلك، ومع ان الخطوات المطلوبة من جعجع في إطار اي تفاهم مفترض كبيرة جدا وتتعلق بتاريخ الرجل وتحولاته السياسية واعلان ذلك بما لا يقبل الالتباس فان «حزب الله» لم يوصد الباب امامها بشكل نهائي بل أبقى امكانية ان يسري التفاهم بين الطرفين في اي لحظة بعد توضيح جعجع لهذه النقاط الاساسية التي يؤسس عليها، ولذلك فان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ذكر حزب القوات بايجابية لافتة في احد خطاباته الاخيرة حين وصفه بأنه قوة أساسية سياسية، وذلك بهدف تشجيع القوات على المضي في نهجها التصالحي الجديد مع كل القوى ، وللدلالة على ان ما فعلته حتى الان جيد ولكنه غير كافٍ.