اميل خوري: متى يقتنع الأسد بأن لبنان دولة مستقلّة وهي التي تقرّر سياستها وفقاً لمصالحها؟

78

 متى يقتنع الأسد بأن لبنان دولة مستقلّة وهي التي تقرّر سياستها وفقاً لمصالحها؟
اميل خوري/النهار/13 كانون الأول 2016

متى يقتنع النظام في سوريا بأن جاره لبنان هو دولة سيّدة حرّة مستقلّة والسلطات فيه هي التي تقرّر سياسته وطبيعة علاقاته مع كل دولة ومع من يكون له مصلحة في تلازم قضاياه مع قضايا دولة أخرى أو العكس.

عندما كان لبنان يخوض معركة الاستقلال عام 1943، أصرّ النظام السوري في حينه على أن تكون المعركة واحدة بحيث لا ينال لبنان الاستقلال قبل سوريا، ولا يعقد اتفاقاً للنقد مع فرنسا لتغطية الليرة اللبنانية إلّا وسوريا معه. وعندما عقد لبنان الاتفاق وحده مع فرنسا قامت في سوريا حملة على أهل الحكم في لبنان اتهمتهم بالحنين الى الانتداب الفرنسي والقبول باستقلال غير تام وغير ناجز. وعندما حاول لبنان في مجلس الأمن الدولي فصل موضوع جنوبه المحتل من اسرائيل عن وضع الجولان المحتل منها أيضاً، قامت قيامة النظام في سوريا وأصرّ على ربط حل الوضع في الجولان بحل الوضع في الجنوب اللبناني على أساس تلازم المسارين اللبناني والسوري، لا بل المصير أيضاً. وعلى رغم أن مجلس الأمن الدولي أصدر القرار 425 وهو يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من كل الأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان بدون قيد أو شرط، في حين أن القرار المتعلّق بالجولان أخضع الانسحاب منه لمفاوضات، فاستطاع لبنان بالوسائل السياسيّة حيناً والعسكريّة حيناً آخر تحرير جزء من أراضيه المحتلة في الجنوب، بينما لم تستطع سوريا تحرير شبر واحد من أرض الجولان.

وانتهج لبنان سياسة الاقتصاد الحر فنجح، في حين أن سوريا انتهجت سياسة الاقتصاد الموجّه ففشلت. وتمسّك لبنان بكيانه المستقل وتصدّى لمحاولات تذويبه في كيانات أخرى، بينما قبلت سوريا بإذابة كيانها المستقل بوحدة مع مصر ما لبثت أن انفكّت بحصول أول انقلاب عسكري فيها، وتبعته انقلابات عدّة جعلت سوريا دولة غير مستقرّة خلافاً للوضع المستقر في لبنان. واستطاع لبنان تحييد نفسه عن حرب تشرين مع اسرائيل ولم يشترك فيها كما فعلت سوريا وذلك بفضل موقف الرئيس جمال عبد الناصر الذي أراد أن يكون لبنان دولة صمود لا دولة تصدٍّ، فأفاد ذلك أوضاعه الاقتصاديّة والماليّة والمصرفيّة، وهو ما أثار غيرة سوريا الدائمة منه إن لم يكن حقدها عليه، فسهّلت دخول أول دفعة من المسلّحين الفلسطينيّين إلى منطقة العرقوب في لبنان ومنها الى سائر المناطق فكان ذلك سبباً لحرب السنتين الفلسطينيّة – اللبنانيّة، وعندما حاول الرئيس سليمان فرنجية إنهاء هذا الوجود مستخدماً الطائرات الحربية، هدّدت سوريا ومعها دول عربية بإغلاق حدودها مع لبنان إذا استمرّ ضرب المخيّمات، وكان ذلك بداية تحضير لبنان لقبول وصاية سوريّة عليه تُنهي الحرب المدمّرة فيه. وكان حكم الوصاية السورية على لبنان مدة 30 عاماً كافياً لجعل الشعب اللبناني ينتفض عليها ويرفع يدها عنه بإخراج قوّاتها من كل أراضيه. لكن سوريا ظلّت عينها على لبنان بعد خروجها منه وتعمل على عرقلة قيام دولة قوية فيه كي لا يتوصّل الى أن يحكم نفسه بنفسه وذلك من خلال ما تبقى من موالين لها في لبنان.

وقد استفادت من تحالفها مع إيران ومن وجود سلاح “حزب الله” لجعله وسيلة لعرقلة سير عجلة الدولة وذلك بفرض بدعة “الديموقراطيّة التوافقيّة” بحيث لا ينتخب رئيس للجمهوريّة إلّا بالتوافق، ولا تؤلّف حكومة إلّا بالتوافق، ولا قانون انتخاب يتم إقراره إلّا بالتوافق وبعد جمع الأضداد والمتخاصمين في السلطة بحيث لا يتّفقون على أي أمر مهم. فمرّ عهد الرئيس ميشال سليمان كسائر العهود من دون أن يتمكّن من إقامة الدولة القويّة السيّدة الحرّة، وحصلت شبه معجزة عندما تمّ التوصّل إلى جعل أقطاب الحوار يتوافقون بالاجماع على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، وهو ما أزعج سوريا وإيران معاً لأنهما كانتا في حاجة إلى تدخّل سلاح “حزب الله” في الحرب السوريّة دعماً للنظام، وكأن هذا أهم بكثير من لبنان، وهو ما جعل بشار الأسد يصف سياسة “النأي بالنفس” التي قرّرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي انتهاجها بسياسة “اللعي بالنفس”، وها هو يقول اليوم: “إن لبنان لا يمكن أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنّى ما سُمّيت سياسة النأي بالنفس”…

هل فات الرئيس الأسد أن غالبيّة القوى السياسيّة الأساسيّة في لبنان اتفقت على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة كي تقوم في لبنان الدولة القويّة القادرة العادلة التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، دولة تحيّد نفسها عن صراعات المحاور القريبة والبعيدة لكي تحافظ على توازناتها الداخليّة الدقيقة والحسّاسة وعلى التوازن في علاقاتها مع الدول فتتجنّب الانحياز الى أي منها وهي في صراع، وتحاول ممارسة دور الموفّق وهو دور لا تستطيع أن تقوم به دولة مُنحازة بل دولة مُحايدة، وهو ما دعت إليه السعوديّة، وهي دعوة مؤيّدة عربيّاً ودوليّاً وتجعل عهد الرئيس عون مختلفاً عن عهود سابقة.