الـيـاس الزغـبـي: احتواء مزدوج

115

 احتواء مزدوج
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/10 كانون الأول/16

لا تُخفي “جبهة الممانعة والمقاومة” إحساسها بـ”الانتصار” في ميادينها الموحّدة على امتداد الساحات العربيّة، وتحديداً من مذابح حلب إلى مطامح لبنان. لا يكتم بشّار الأسد وحسن نصرالله نشوتهما، لا أمس ولا اليوم، ولا قبلهما وبعدهما، كما لا يتردّدان في توظيف ما حدث لحلب في الداخلَين السوري واللبناني.

وإذا كان من الصعب الآن التكهّن بارتدادات حلب على مصير سوريّا، وخطر دخولها في مرحلة أشدّ صعوبة خلافاً للقائلين بالحسم الشامل، فإنّ من السهل رصد استعجال “الثنائي الممانع” تثمير نتائج حرب حلب في لبنان. لم يتأخّر الأسد في رفض سياسة النأي بالنفس التي ينتهجها لبنان، بل سارع إلى وصفها بـ”اللاسياسة”، موجّهاً انتقاده اللاذع إلى العهد الجديد على خلفيّة إعلانه تكراراً التزامها، ولو غلّف موقفه السافر هذا بكلام معسول عن الرئيس الجديد و”انتصار” سوريّا به. المعلوم أنّ لبنان – الدولة يلتزم رسميّاً النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، ولاسيّما الأزمة السوريّة، منذ سنوات، أقلّه منذ اندلاع الحرب في سوريّا مع تشكيل الحكومة الانقلابيّة برئاسة ميقاتي سنة 2011، و”إعلان بعبدا” سنة 2012.

ولم يصدر عن الرئيس السوري، منذ ذلك الحين، موقف واضح يرفض سياسة النأي بالنفس اللبنانيّة، فلماذا يستنكرها الآن وينعتها بـ”اللاسياسة”؟ لا شكّ في أنّ توقيت موقفه ينسجم مع “انتصاره” في حلب من جهة، ومع سعيه، من جهة ثانية، إلى احتواء العهد اللبناني الجديد بعد خطوات الانفتاح داخل لبنان وخارجه. ولا يمكن إخفاء انزعاج الأسد ومريديه في لبنان، من التفاهمات التي نسجها الرئيس اللبناني الجديد مع “القوّات اللبنانيّة” و”تيّار المستقبل”، ومن نهج استقلالي يجب أن يلتزمه أيّ رئيس عملاً بالدستور والتزامات لبنان العربيّة والدوليّة.

وبذلك، يكون كلام الأسد موجّهاً إلى رئيس الدولة اللبنانيّة بالدرجة الأُولى، خصوصاً بعد إيفاده مفتي نظامه إلى مرجعيّتي بعبدا وبكركي حصراً، مع تصريحات إملائيّة تذكّر بعهد الوصاية السوريّة في ذروتها. وهذا النهج هو نفسه، يشبه إلى حدّ بعيد سعي النظام لضرب مصالحة الجبل سنة 2001 على أثر نداء بكركي التاريخي، وضرب الوحدة المسيحيّة الإسلاميّة باغتيال رفيق الحريري سنة 2005. فما كان يُغيظه آنذاك من تلاقي اللبنانيّين يُغيظه اليوم من اتساع التلاقي المسيحي- المسيحي والاسلامي- المسيحي. ولا يختلف موقف “حزب الله” عن شريكه السوري. فنشوته بمأساة حلب جعلته يمارس وصاية داخليّة من موقع المنتصر، فيُصدر “التكليفات الشرعيّة” في تشكيل الحكومة، ويرسم الخطوط الحمراء للعهد، ويُمنّن بفضل الاستحقاق الرئاسي، ويُقيم المتاريس السياسيّة داخل الطوائف الأُخرى، وينبّه إلى التزامات “تفاهم 6 شباط”، ويوجّه بوصلة السياسة الخارجيّة اللبنانيّة بما يلائم “المشروع الأُم” الإيراني.

ومثل شريكه السوري، تُغيظه تفاهمات مسيحيّة مسيحيّة ومسيحيّة إسلاميّة، ويضع “فيتوات” على فريق وشروطاً على آخر، ويقتل اندفاعة العهد نحو استكمال الشرعيّة وإعادة بناء المؤسّسات. يسمح لنفسه بالتدخّل في تمثيل الطوائف الأُخرى وتوزيع الحقائب داخلها، ويمنع إبداء الرأي في التوزيع داخل طائفته، بما في ذلك وزير لرئيس الجمهوريّة. حقّه مقدّس وحقّ سواه مدنّس. سياستان متكاملتان تهدفان إلى تطويق الحكم اللبناني الجديد برئيس جمهوريّته ورئيس حكومته المكلّف، وكلّ الحيويّات السياسيّة الداعمة لهما.

احتواء مزدوج يؤدّي حُكماً إلى استعادة الوصاية بصورة أكثر تطوّراً، وصاية ثنائيّة بدلاً من الأحاديّة. واختبار قوي أمام العهد، بجميع مستوياته الرسميّة والحزبيّة والسياسيّة والشعبيّة، لإثبات قدرته على تثبيت استقلال لبنان، والتزام ثوابت خطاب القسم. ولا يُمكن فكّ طوق الاحتواء إلاّ بتحصين القرار الوطني اللبناني المستقلّ، والإصرار على نهج الانفتاح اللبناني والعربي والدولي.