الـيـاس الزغـبي: حرب الأوراق الخمس

133

حرب الأوراق الخمس
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/12 تشرين الثاني/16

لا يشكّل الـ”فيتو” الذي يضعه “حزب الله” على تسلُّم “القوّات اللبنانيّة” وزارة سياديّة من الوزارات الأربع المصنّفة تحت هذا التوصيف، سوى رأس جبل الجليد من أساس الأزمة الاستراتيجيّة التي تواجه لبنان في العهد الجديد. ففي الأصل، هناك حرب غير معلنة، منذ قرابة 11 سنة، بين “القوّات اللبنانيّة” ووراءها “14 آذار”، وبين “التحالف الوجودي” الذي شكّلته ورقة “تفاهم مار مخايل” الموقّعة بين السيّد حسن نصرالله والعماد ميشال عون. وتجلّت هذه الحرب في جولات كثيرة، كان أبرزها في الاعتصام المديد الذي نفّذه طرفا الورقة وسائر قوى “8 آذار”، ثمّ في غزوة بيروت و”إعادة الأُمور إلى نصابها”، وبعدها تجويف ثنائيّة الـ”س – س” وإسقاط حكومة الحريري بـ”القمصان السود”. وبعد فشل هذه الجولات “الميدانيّة”، سَجّلت هذه المواجهة خرقاً سياسيّاً نوعيّاً تَجسّد بمفاوضات بين “القوّات اللبنانيّة” و”التيّار الوطني الحرّ”، وتوّجته ورقة “إعلان النيّات”، وكرّسته “ورقة معراب” التي وضعت أسس ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهوريّة.

وليس خافياً مدى التناقض بين ورقتي مار مخايل ومعراب، خصوصاً لجهة تكريس سلاح “حزب الله” كـ”وسيلة مقدّسة” في الأُولى، وتكريس سلاح الشرعيّة اللبنانيّة في الثانية، إضافةً إلى “السياسة الخارجيّة المستقلّة” والتزام المواثيق العربيّة والدوليّة.

هذه النقلة النوعيّة في “ورقة معراب” أسّست للورقة غير المعلنة في “بيت الوسط”، والتي كشف الرئيس سعد الحريري بنودها، وأبرزها بناء الدولة على أساس الطائف وتحييد لبنان عن الصراعات الخارجيّة. وكان هذا التطوّر في موقف المرشّح عون كافياً لدعمه في الوصول إلى الرئاسة. وهذا ما تحقّق فعلاً.

وقد جاءت الورقة الرابعة، وهي خطاب القسم، كترجمة طبيعيّة لورقتي معراب وبيت الوسط، خصوصاً لجهة حماية نظام الطائف وتحييد لبنان وتكريس دور الجيش، بينما نالت الورقة الأُولى (تفاهم مار مخايل) إشارات خجولة قابلة للاجتهاد في التفسير، مثل عبارة “مقاومة” (ضدّ إسرائيل حصراً)، و”حرب استباقيّة” ضدّ الإرهاب، و”المادّة 8″ من ميثاق الجامعة العربيّة.

أمّا الورقة الخامسة المعلّقة في قصر بعبدا، وهي المعروفة باسم “إعلان بعبدا”، فهي الشاهد الحيّ على مضامين أوراق معراب وبيت الوسط وخطاب القسَم، وتشكّل نقيضاً للورقة الأقدم، أي “ورقة مار مخايل”. وأهميّة هذا الإعلان أنّه صار جزءاً من الخطاب الدولي تجاه لبنان، وتمّ تكريسه عربيّاً وفي الأمم المتّحدة، ولا تستطيع أيّ شرعيّة لبنانية تجاهله أو القفز فوقه. فإذا قارنّا بين الأوراق الخمس، نجد أنّ الأربع الأخيرة منها تتقاطع عند ثوابت وطنيّة كالسيادة، وأولويّة الجيش، والتحييد عن صراعات الخارج، والسياسة الخارجيّة المستقلّة، وعدم الارتهان لأيّ دولة، وعدم الدخول في مَحاور. ويظهر لنا أنّ الورقة الأُولى (زمنيّاً)، “ورقة التفاهم”، باتت معزولة عن الأوراق التي وُضعت بعدها، خصوصاً لجهة تكريسها السلاح غير الشرعي، وإغفالها دور الجيش واتفاق الطائف والمواثيق العربيّة والدوليّة وقرارات مجلس الأمن الدولي.

وكلّ ما يجري الآن، تحت عنوان تشكيل الحكومة، وبَعده البيان الوزاري، يُضمر فكّ عزلة هذه الورقة. والواضح أنّ “حزب الله” يضع الفيتو السيادي على “القوّات اللبنانيّة” كردّ على الخرق الذي أحدثته، وأنتج خروقاً أُخرى أدّت إلى النتيجة المعروفة في الانتخابات الرئاسيّة. وقد أكّد أهل أوراق معراب وبيت الوسط والقسَم وإعلان بعبدا، أنّهم يؤيّدون تحويل خطاب القسَم إلى بيان وزاري. والمطبّ المنتظر سيكون في مغالاة “حزب الله” في تأويل العبارات الثلاث، كي ينفد منها إلى ما يشبه ثلاثيّته “المقدّسة”. في الواقع، ليست الحرب بين أوراق خمس، بل بين الأوراق الأربع ذات الطابع السيادي المرتكز في عمقه على خطاب “ثورة الأرز” من جهة، وبين “ورقة التفاهم” التي يستخدمها “حزب الله” ويبحث عن فلولها في الخطاب الرئاسي بعبارة هنا أو هناك، من جهة ثانية. والحقيقة أنّ لبنان محكوم بشرعيّته الدستوريّة، وبالشرعيّتين العربيّة والدوليّة، وبوثيقة الوفاق الوطني التي عادت تشكّل ملاذاً للذين حمَلوا عليها، ثمّ حكَموا باسمها، وباتوا من أشرس حماة نظامها. فروما من فوق غير روما من تحت. هذا يصحّ في لبنان، كما يصحّ في روما العصر وقيصرها الجديد، دونالد ترامب.