علي الحسيني/«عاشوراء حزب الله» أمن ذاتي واستنفار.. على أهل الدار

138

 «عاشوراء حزب الله» أمن ذاتي واستنفار.. على أهل الدار
علي الحسيني/المستقبل/01 تشرين الأول/16

في مثل هذا التوقيت من كل عام، تتحوّل المناطق الخاضعة لسيطرة «حزب الله»، إلى ما يُشبه ثكنات عسكرية أو جبهات حرب يتحضّر عناصرها لساعة الصفر. منذ خمسة اعوام وحتّى اليوم، لم يتبدّل مشهد إحياء ذكرى «عاشوراء» في لبنان. الحرب السوريّة التي ذهب إليها «حزب الله» منذ خمسة اعوام، تُستحضر ضُمن المناطق الشيعيّة اليوم وينعكس الخوف منها ومن إرتداداتها السلبية في وجوه الناس وطريقة عيشهم وتحرّكاتهم اليوميّة ضمن مناطقهم وأحيائهم. والهاجس الأبرز والمُسيطر على العقول، أن تُستعاد حقبة التفجيرات الإنتحارية التي استهدفت مناطق هؤلاء لفترة من الزمن ولاحقتهم في الشوارع واماكن سكنهم.

تحوّلت مناسبة عاشوراء في لبنان، إلى موسم لإنتشار عناصر «حزب الله» في مناطق نفوذهم. سيّارات رباعية الدفع، عناصر مُسلّحة، كلاب بوليسيّة مُدربة وقطع للطرقات والمفارق خارج الأحياء وداخلها. مشاهد تزيد من حالة الإرباك والخوف في نفوس المواطنين. مشاهد توحي بأن الحرب قد بدأت، لكن العدو يبقى مجهولا حيث لا شكل له ولا ملامح حتى. وفي تعبير أدق للحالة التي يعيشها ابناء هذه البقعة، ثمة من يقول «من يدري قد يكون الانتحاري بيننا الآن، يتجول في مناطقنا وينتظر ساعة الصفر ليفجر نفسه بين الجموع«.

حالة من القلق والخوف تعيشها بيئة «حزب الله« ككل، لكن تبقى الضاحية الجنوبية النموذج الأكثر وضوحاً وتفسيراً لهذه البيئة. رحلة الخوف تبدأ من منطقة «المشرفيّة»، «بئر العبد« مروراً بـ «صفير« وأطراف «حارة حريك« فـ»الرويس« باتجاه حي «الأميركان« مروراً بمحاذاة «مُجّمع القائم« وصولاً إلى حي «السُلّم«، و«الكفاءات« وصحراء «الشويفات«. وعوامل الخوف الأبرز لدى الأهالي، تبدأ بمعلومات لا تبدو صحيحة تتحدث عن سيارة مشبوهة هنا، وإشكال مع جهات «غريبة» عن المنطقة هناك، والمُلاحظ في كل هذا، أن ثمة من يُريد أن يخلق حالة من الخوف في النفوس لتبرير حجم الإنكسارات التي يتكبدها في سوريا ولتثبيت وتسويق فكرة، إن الحرب في سوريا، هي حرب «دينيّة» و»عقائدية» و»جهادية»، ترتقي إلى مستوى «القداسة».

جمهور «حزب الله» يعلم جيّداً أن تكلفة إنزلاق الحزب في الحرب السوريّة، سوف تكون مُكلفة جدّاً عليه وأنه سيدفع ثمنها من خوفه واستقراره ومعنويّاته، ولكن يبقى التبرير لدى البعض، العامل الأبرز للهروب من الموت وجدليّة أو فرضية جملة «لولا هذا التدخل«، على الرغم من أن هذا البعض غير راض لا عن الإستنفارات اليوميّة التي تُعوق حركتهم وتُكبّلهم ضمن حدودهم الضيّقة. ويعتبر هؤلاء، أن ذكرى عاشوراء وعلى الرغم من أهميّتها ورمزيّـتها الدينية، إلا أنها تحوّلت إلى مناسبة سنويّة، يستعيد من خلالها الحزب مشهدية «الأمن الذاتي» وتذكير الناس، بأن ذهابه إلى الحرب السوريّة، لا يعني إسقاط المناطق الداخلية من حساباته ولا من مشروعه.

صحيح أن لـ»حزب الله» مؤيدين كُثراً يتعاطفون مع كل حركة يقوم بها خصوصا إذا تعلّقت بـ»أمنهم»، وهؤلاء يرون لا بل يؤكدون أن الاحتياط واجب وأن ما يقوم به الحزب هو من باب حصر الاضرار لا منعها، وبرأيهم أيضاً أن من يريد تفجير نفسه لا يمكن منعه بأي شكل من الاشكال ولا حتى رصده، ولكن تعدد الآراء هذه رغم اختلافها، لا ترفع التهمة عن «حزب الله» بأنه هو من أتى بالدب «التكفيري« إلى كرمه سواء من خلال إنخراطه في حرب هي في الأصل لم تكن له، أو من خلال وقوفه في وجه شعب يُصرّ ويطمح إلى تغيير نظامه، في وقت يقف الحزب كشريك أساسي لنظام يمنع هذا الشعب من تحقيق تطلعاته ويشن حرب إبادة ضده ويرتكب المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ.

لا شك في أن تواجد القوى الامنية الشرعية في العديد من النقاط الواقعة ضمن ما يُعرف بـ»مناطق نفوذ حزب الله« خصوصاً في الضاحية الجنوبية، قد أفقد هذا الاخير بعضاً من بريقه السياسي والأمني داخل عاصمة قراره السياسي والعسكري. ولا شك أن البريق الذي فقد بعضاً منه، يُمكن إستعادته في لحظات من خلال إستغلاله اوجاع الناس واللعب على الغرائز المذهبية و»شيطنة» القريب والبعيد. والحزب في هذا العام كما الأعوام الأخيرة السابقة، يُريد من خلال إحيائه هذه المناسبات ومن خلال عودة سلاحه إلى الظهور العلني، إيصال رسالة مزدوجة وواضحة المعالم أنه ما زال وحده يمتلك مفتاح القرار السياسي والأمني والعسكري في مناطقه وخارجها حتّى، وهذه «الضفادع» البشريّة التي تنكّر بها عناصره في عاشوراء الماضي بالإضافة إلى الإستعراضات من خلال طريقة إنتشارها، تؤكد أن لهذا السلاح، غايات أبعد من مُجرّد حماية المقامات الدينية أو الإلتحاق بـ»الواجب الجهادي»، فهو متصل بشكل مُباشر بقرار «ولاية الفقيه» ومشروعها في المنطقة. قبل يومين على موعد الذكرى، ثمة من بدأ يتحدث عن اقتراب عذابات السير على الأقدام داخل الضاحية الجنوبية وعن ازدياد عدد الحواجز الامنية بشكل تدريجي وعدم التساهل معهم كمواطنين على حواجز التفتيش. كل هذه الامور سوف تُضاف إلى تعقيدات حياة المواطن الذي سيخرج من منزله صباحاً على امل العودة الى عائلته سالماً في المساء. سينظر بحسرة الى الحالة الشاذة التي تُرافقه في هذا التوقيت من كل عام منذ خمسة اعوام، ليعود ويقول في سرّه «لولا تدخل حزب الله في سوريا».