قداس عن راحة أنفس الشهيد أنطوان غانم ورفيقيه في ذكراهم التاسعة/علي الحسيني: الشهيد أنطوان غانم.. كتب وصيته ورحل

253

قداس عن راحة أنفس الشهيد أنطوان غانم ورفيقيه في ذكراهم التاسعة
الأحد 18 أيلول 2016 /وطنية

 أقيم قداس عن راحة انفس النائب الشهيد انطوان غانم ورفيقيه نهاد غريب وطوني ضو، بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة لاستشهادهم، بعد ظهر اليوم في كنيسة القلب الأقدس في بدارو، بدعوة من حزب “الكتائب” وعائلة الشهيد. حضر القداس الرئيس أمين الجميل وعقيلته جويس، رئيس اقليم بعبدا الكتائبي رمزي بو خالد، اعضاء المكتب السياسي الكتائبي وعائلة الشهيد غانم: نجله توفيق وبناته مونيا، رانيا وفيفيان وشقيقيه ريمون وكمال، وأفراد عائلتي ضو وغريب وحشد من الحزبيين. ترأس الذبيحة الإلهية المونسنيور أنطوان سيف، الذي ألقى بعد تلاوة الإنجيل المقدس عظة تحدث فيها عن معاني هذه المناسبة وقال: “جرت العادة كل سنة، ان نلتقي مع العائلة لنصلي سويا، ونتذكر انطوان ورفاقه. انطوان ترك ذكريات كثيرة في المنطقة، كان العين الساهرة باندفاع، وبقلب محب وروح شفافة عالية، مما اهله ان ينتخبه الشعب نائبا. كان يتميز بصفات انسانية وقيم روحية ادبية. نشأ في عائلة مسيحية صالحة تمرس على واجباته الدينية، كان ايمانه ثابتا وعمل بكلام السيد المسيح القائل: من اراد ان يكون منكم اولا يكون خادما. عاش هذه المبادئ بكل ابعادها، فكان حاضرا دائما للجميع، يستقبل الجميع بابتسامة وبقلب كبير. كان قريبا للناس لم يكن لديه روح الكبرياء. استغل مركزه وسلطته لخدمة الشعب، ولهذا قدره الناس في هذه المنطقة. هو بذل نفسه عن احبائه، كانت يداه مفتوحة لجيمع ابناء وطنه، يؤمن بالحوار بين كل الفئات، كان ساعيا للتلاقي والحوار والوحدة الوطنية، كان يؤمن بالعيش المشترك، وبأن الوطن هو للجميع، وهذه كانت من احد الأسباب التي اوصلت الى استشهاده.
كلمة العائلة
والقت ابنة الراحل رانيا كلمة العائلة، فرحبت بداية، بالرئيس الجميل وعقيلته وقالت: “من خلال تجربتكما وصمودكما، كأب وأم شهيد، الشهيد الشيخ بيارالجميل، نستمد القوة”. أضافت “نجتمع اليوم، في الذكرى التاسعة لإستشهاد والدي الحبيب الشهيد أنطوان غانم ورفيقيه طوني ضو ونهاد غريب والمواطنين الأبرياء شارل شيخاني، عين الحياة دندش وساميا بارودي، لنستذكر شهداءنا”. وتابعت “ما زلت اؤمن بعد تسع سنوات من رحيلهم، ان دماءهم لم تذهب هدرا، فكل تضحية يومية نعيشها ويعيشها كل لبناني مصر، ان يبقى في هذا البلد ليست بهباء. اننا مصرون ان نبقى ونضحي ونحافظ على الحرية، التي استشهد شهداؤنا من اجلها. نحن شعب لا يخاف الموت على مثال السيد المسيح، أول شهيد من اجل حرية الإنسان، ومن اجل ان يحررنا من الخطيئة”. وأردفت “الحرية كلفتنا الكثير، من الشهيد بشير الجميل الى الشيخ بيار الجميل وانطوان غانم، الى اكثر من 6000 شهيد ضحوا بحياتهم والتضحيات لا تزال مستمرة”، وسألت “من المسؤول ان يحافظ على الحرية؟ لقد وصلنا اليوم وصلنا الى الفراغ الرئاسي الذي ادى لشلل حكومي، ولخلل على كافة الملفات والمستويات، والى المجلس النيابي يمدد لنفسه رغم ارادة الشعب. ان هذا الخلل الدستوري الميثاقي والعرفي حذر منه أنطوان غانم منذ سنوات واستشهد من اجل تفادي الوضع، الذي وصلنا اليه اليوم”. وختمت “رسالتي اليوم اوجهها لكل نائب يقاطع جلسات انتخاب الرئيس، لمنافع أضيق من الوطن ان يتحمل المسؤولية يقوم بدوره، فدور النائب هو الحفاظ على الحرية، وعلى ما بقي من الجمهورية، الحرية هي أثمن ما في الوجود، وما زلنا ندفع ثمنها غاليا، ولن نقبل لأي كان، ان يفرط بها ولن نسمح ان يغتال شهداؤنا مرتين”.

الشهيد أنطوان غانم.. كتب وصيته ورحل
علي الحسيني/المستقبل/19 أيلول/16

في يوم وداع الوزير الشهيد بيار الجميل، خاطب النائب أنطوان غانم الجموع قائلاً: «قسماً بأن دماء بيار لن تذهب هدراً«، ليعود ويُردد بيتاً من شعر يقول مطلعه «إن الوطن تُميته الدموع وتحييه الدماء«. يومها لم يكن يُدرك النائب عن حزب «الكتائب» أنه سيُكمل درب الشهادة التي سارت عليها من قبله، كوكبة من شهداء ثورة الأرز، في طليعتهم الرئيس رفيق الحريري، الوزير باسل فليحان، الصحافي سمير قصير، القيادي اليساري جورج حاوي، النائب جبران تويني، النائب بيار الجميل والنائب وليد عيدو. التاسع عشر من شهر ايلول 2007، كان النائب أنطوان غانم على موعد هذه المرّة مع الإغتيال بعدما حجز لنفسه مكاناً بين قافلة من الشهداء الذين سبقوه. فالرجل الذي مارس حياته بالشكل الذي أحب واعتاد، كان نظام الظلم له بالمرصاد. نظام مُبدع في الإجرام، اختاره هدفاً له من خلال عبوة تزن أربعين كيلوغراماً من مادة الـ «تي ان تي»، ذهب ضحيتها إلى جانب غانم، ستة شهداء وخمسة وستون جريحاً.
اغتيال غانم صُنّف بأنه خوف المُعطلين من إنتخاب رئيس للبلاد وخوف ظالمين من عدالة محكمة دولية خاصة ببلد تمكّن من إخراجهم أذلاّء وهم يجرّون وراءهم أذيال خيبتهم. خوف من رجل كان ينتمي إلى فئة تُمثّل أكثر من نصف اللبنانيين، إلى فئة لاحقها الموت وحدها دون البقيّة، من مكان إلى آخر في وقت كانت تسرح فيه فئات أخرى وتمرح مع شبيحتها وتحتل الأحياء وتزرع الرعب في كل مكان. هو خوف نظام مُجرم لم يشبع حتّى اليوم من شرب الدماء، فاختار هذه المرّة شعبه ليروي ظمأه الإجرامي.
كثيرًا ما غُرست في الأذهان مفاهيم من قبيل أن الوطن يُسقى بدماء شهدائه، وتمت التربية على فكرة النصر أو الشهادة، لكن تبقى للموت رهبة في النفوس خصوصاً عندما يكون المُستهدف رُكناً أساسيأً في وطن يُصرّ أبناؤه على النضال للخروج من شرنقة موت يُحاصرهم ويُكبّل حياتهم. الى هذا الرعيل ينتمي الشهيد النائب غانم الذي سيظل صوته يصدح في ساحات الأحرار وتحديداً في ساحة الحريّة التي كان جزءاً من ناسها وأحد ابرز صانعيها. لكن في ذلك اليوم، لم تكن تُدرك الساحات، أن أحد أبرز خطبائها، سيرحل شهيداً على طريق لم تكن على لائحة تحركاته اليومية العادية، ولا هي تؤدي حتّى إلى منزله الشتوي في فرن الشباك ولا الصيفي في القليعات، ما يؤكد أن الشهيد كان وضع على لائحة موت أعدها نظام مشهود له بخنقه للحرية وقتل كل مؤمن ببناء دولته حتّى لو كان طفلاً سوريّاً. يذكر أصدقاء غانم في حزب «الكتائب» يوم طلب في اجتماع المكتب السياسي الكلام ليشكر كل مَن سأل عنه عندما سرت شائعات عن وفاته وذلك قبل يوم من رحيله، مستفسراً عن ظروف الشائعة وعمّا إذا كان أحد على علم بمَن فبركها. ثم قال: «أنا هنا في المكتب السياسي لأقول مهما كانت الظروف المحيطة بالاستحقاق الرئاسي ومهما كانت مواقف الكتل النيابية، فإنني ألتزم قرار المكتب السياسي الكتائبي بحذافيره في الاستحقاق الرئاسي وما قبله وما بعده«. في تلك الحقبة وعند وقوع أي انفجار، كان اللبنانيون يعلمون أن النظام السوري وعملاءه في لبنان، قد اصطادوا سياسياً من قوى 14 آذار، لكن وزير «الدعاية» السوري حينها، أو ما يُسمّى بوزير الإعلام السوري محسن بلال، ارتأى كما نظامه، أن من اغتال الشهيد غانم ورفاقه ممن سبقوه، هو العدو الذي يريد شراً بلبنان وسوريا ويعمل على مزيد من الانقسامات بين البلدين. لكن في الحقيقة أن النظام السوري نفسه يُدرك كما الشعب اللبناني والعالم كله، بأنه لم يكن يوفّر فرصة وبسبل متنوعة للقضاء على الحركة الاستقلالية وإنهائها عبر مجموعة كبيرة من الضربات المتتالية للقضاء على من أخرج لبنان من الوصاية بعد ثلاثين عاماً من حكم ظالم وقاتل ومستبد. المفارقة، أنه وقبل مجيء النائب غانم إلى لبنان، كان طلب من ابنته التي كانت تزوره في المنفى الاجباري أن تكتب وصيته، وصيّة حدد فيها كل شيء، من مراسم دفنه إلى ما يجب القيام به بعد الوفاة. يقول أفراد من عائلته، إنه كان يعلم أن عودته الى لبنان من أجل انتخاب رئيس للجمهورية هي دخول إلى الموت.