الياس الزغبي: الرئاسة الرهينة

156

الرئاسة الرهينة
الياس الزغبي/لبنان الآن/04 أيلول/16

لم تكن الذكرى الـ38 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه مناسبة لكشف حقيقة تغييبهم ضمن مثلّث برمودا الزعماء الثلاثة، معمّر القذّافي وآية الله الخميني وحافظ الأسد، بل لكشف حقيقة تغييب رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة وخطفها. وإذا كان القذّافي قد شكّل آنذاك الأداة التنفيذيّة لقرار اتّخذه الخميني والأسد الأب بهدف التخلّص من الإمام الصدر، فإنّ “حزب الله” وواجهته الرئيس نبيه برّي يشكّلان الآن أداة تنفيذيّة لقرار اتّخذه وريثا الخميني وحافظ، خامنئي وبشّار، باسترهان الرئاسة اللبنانيّة وعدم الإفراج عنها، إلاّ حين يقدّران الثمن ويقبضانه في سوريّا والعراق واليمن… ولبنان.

في هذه المعادلة، يكون الثنائي “حزب الله” وبرّي قد قام بدور القذّافي في عمليّة الخطف والإخفاء والتغييب لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، على أمل ألاّ يكون مصيرهما كمصيره. لقد كان برّي صريحاً ومباشراً وفجّاً في خطابه الذي ألقاه في صور، فأعلن بالفم الملآن استمرار خلوّ سدّة الرئاسة إلى أن يتمّ الاتفاق على “سلّته” الشهيرة. ووضَع المعادلة السافرة: لا رئاسة بدون “سلّة”! أمام هذه الحقيقة العارية، لا يمكن لأيّ فريق سياسي أن يبحث في الزواريب الضيّقة عن حلول وحقوق وتعيين وتمديد وشراكة وميثاق. رأس المشكلة هو هنا في استرهان الرئاسة، وكلّ ما عدا ذلك تفاصيل، على أهميّته.

وعبثاً يبحثون عن إلهاءات هنا وهناك، تارةً في ميثاقيّة قرارات مجلس الوزراء وأصول التعيين وحقوق الطوائف وتمثيليّة قانون الانتخاب، وتارةً أُخرى في رمي المشكلة على عاتق آخرين وتحييدها عن مكانها الصحيح. وحتّى قضيّة المشاعات والعقارات في جرود جبل لبنان، على أهميتها وخطورتها الجغرافيّة والديمغرافيّة، لا ترقى إلى خطورة الرهينة الرئاسيّة. فكلّ العُقَد قابلة للحلّ حين تكتمل شرعيّة الدولة بدءاً برئاستها.  وما الإصرار على تغييب رئيس الجمهوريّة سوى دليل على استباحة الحقوق. وليست مسألة مسح الأراضي سوى نموذج صارخ للصيد في الفراغ. وفي هذا المأزق لا مجال للقراءة في النوايا. فالكلام القاطع الصادر عن نبيه برّي في الرئاسة، غير قابل للتفسير بحسن النيّات، وبإرادة الخروج من الأزمة. لقد قال للجميع: لا رئيس لكم إذا لم توافقوا على شروطنا، وشروطنا تفاجئكم في “السلّة”.

ورغم هذا الوضوح والحسم في موقف برّي – “حزب الله”، ينبري من “جماعة سبت الرابيه” مَن يبرّر لبرّي موقفه، بل يرى فيه دعماً لبلوغ قصر بعبدا. ويذهب بعيداً في التفسير فيجد أنّ شارع برّي و”حزب الله” سيلاقي شارع الطامع بالرئاسة لتحقيق الهدف، ولن يكون في مواجهته!
في الواقع، إنّ مثل هذا الأداء في الوسط المسيحي يشكّل أفضل وصفة للقضاء على الحقوق، وعلى الميثاقيّة التي يدّعون إنقاذها. إنّهم يصفّقون لمن يرهن رئاسة الجمهوريّة بأطماع في السلطة والنفوذ، ولا يُفرج عن رهينة بعبدا إلاّ بشروطه، ويكيلون التهم لمن رفع شعار الرئاسة أوّلاً ولبنان أوّلاً.
لقد آن لرافعي راية الحقوق والشراكة والميثاقيّة أن يدركوا أين يكمن الخلل، وقد كشفه برّي بالصوت والصورة، وحدّد ثمنه في “السلّة”، فهل يُمعنون في البحث عن “الكنز” في غير مكانه، ويحمّلون الوزر لغير مسبّبه؟

تحت شعار الاتفاق الاستراتيجي، يفعل محور برّي – “حزب الله” ما يشاء في الحكومة وخارجها، ولا يُقيم وزناً لمطالب “الحليف”، ولا يقف على خاطره في مسائل تقع ما دون الاستراتيجيا. ويقول بوضوح: تُعطينا وتغطّينا في القرار الاستراتيجي والسلاح والحرب في لبنان وخارجه، ولا نُعطيك ولا نغطّيك، لا في الإدارة ولا في السياسة ولا في الرئاسة. ألم تبقَ لهذا “الحليف” الأحاديّ الرؤية بقيّة من عزّة النفس والجرأة كي يرفع الصوت بالحق، ويقول كفى لمستغلّيه ومصّاصيّ حيويته؟ بئس هذا الزمن الذي يوزّعون فيه اللعنات يُمنةً ويُسرة، ويستثنون الجهة التي تستحقّ فعلاً لعنة الرئاسة الخاوية، ولعنة لبنان والتاريخ.