فيديو/بالصوت وبالنص/مقابلة د.فارس سعيد من ال بي سي/قراءة واقعية في الخلفيات الحقيقية للحوار الذي دعى إليه بري وفي أخطار حزب الله الكيانية وفي منهجية تفكيكه للدولة وفي ضياع أحزاب 14 آذار للبوصلة وفي إيرانية ميشال عون

705

 بالصوت/فورماتMP3/مقابلة د.فارس سعيد مع ال بي سي/قراءة واقعية في الخلفيات الحقيقية للحوار الذي دعى إليه بري وفي أخطار حزب الله الكيانية وفي منهجية تفكيكه للدولة وفي ضياع أحزاب 14 آذار للبوصلة وفي إيرانية ميشال عون/31 تموز/16

في أعلى مقابلة فارس سعيد مع ال بي سي بالصوت/فورمات/MP3

بالصوت/فورماتWMA/مقابلة د.فارس سعيد مع ال بي سي/ قراءة واقعية في الخلفيات الحقيقية للحوار الذي دعى إليه بري وفي أخطار حزب الله الكيانية وفي منهجية تفكيكه للدولة وفي ضياع أحزاب 14 آذار للبوصلة وفي إيرانية ميشال عون/31 تموز/16

فيديو/مقابلة د.فارس سعيد من تلفزيون ال بي سي/ قراءة واقعية في الخلفيات الحقيقية للحوار الذي دعى إليه بري وفي أخطار حزب الله الكيانية وفي منهجية تفكيكه للدولة وفي ضياع أحزاب 14 آذار للبوصلة وفي إيرانية ميشال عون/31 تموز/16/اضغط هنا

فارس سعيد: هوية “حزب الله” الإيرانية تفوق بدرجات هويته اللبنانية
موقع القوات اللبنانية/30 تموز/16
إعتبر منسق الأمانة العامة لقوى “14 آذار” الدكتور فارس سعيد أن “14 آذار” انتصر يوم توحّد المسلمين والاسلاميين وأخرجوا السوري من لبنان.
وأضاف في حديث للـ lbci أن الطوائف في لبنان أصبحت كـ”حزب الله” وبدأت التفتيش عن حليف إقليمي، مشيراً الى ان هوية “حزب الله” الايرانية تفوق بدرجات هويته اللبنانية. وقال: “نحن كلبنانيين مؤتمنين على البلد وعلى الدستور اللبناني والطائف لا يسمح أن يكون هناك جيشين في لبنان. عندما يقول أحد الفرقاء “نحن ايران في لبنان” يحاول أن يقنعنا أنه منتصر في لبنان والمنطقة ويرفع إصبعه بوجه الجميع وأولهم السعودية”.
وتابع: “ندعو جميع الأطراف وفريقنا أن يتنبهوا من الحالة التي وصلنا اليها من دون انتخاب رئيس مشروع، خصوصاً أن حسن نصرالله يقول أنه “غلبة على اللبنانيين”، فما من أحد استطاع أن يكون غلبةً علينا ولن يستطيع نصرالله ذلك. المشكلة اللبنانية هي مشكلة نظام وليست مشكلة سلاح فالنظام لا يُطبق. لن نرضى كمسيحيين بعد كل ما ضحينا به أن ندخل في المجهول وتُفتح بوجهنا علبة “باندورا”. وليس صحيحاً أن الدولة ليست مسخرة لـ”حزب الله””.
وقال سعيد: “اتفاق الطائف لا يمكن تطبيقه على قاعدة موازين القوى انما على قوة التوازن. التصعيد تجاه السعودية من قبل نصرالله قد يعرقل وصول عون للرئاسة”، معتبراً أن الحريري أخطأ عندما رشح فرنجية وبالمقابل اخطأ جعجع عندما ردّ بترشيح عون.
أضاف: “بخطابه حاول نصرالله أن يؤكد أن السعودية تتفق مع اسرائيل وهو يدافع عن الفلسطنيين منها غاضاً النظر عن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران الذي لم ينشأ الا على قاعدة أن تؤمن أميركا ظهير اسرائيل”.
وختم: “أنا مع المصالحة بين “التيار” و”القوات” ولكني لست مع ترشيح عون. تربطني بالدكتور جعجع علاقة صداقة متينة ولا شيء يفصلني عن “القوات اللبنانية”. الدكتور جعجع واجه بالسجن النظام السوري وبشار الأسد ولم تُمَسّ مصداقيته. وندعو اللبنانيين التمسك بلبنان وليس بالأشخاص من أجل عيش مشترك والا سننزلق في حسابات خاطئة. وأتمنى للعماد عون الصحة والثبات والشجاعة وأن يخرج من تفاهم “مار ميخايل” وأعلن أنني سأكون الى جانبه بماكينته الانتخابية ليصل حتى يكون رئيساً للجمهورية ولكن شرط ألا يكون حليف “حزب الله”.

مقتطفات من تغريات فارس سعيد لشهر تموز2016
*سنعلن عن عريضة وطنية تحمل تواقيع شخصيات سياسية و قادة رأي تحذر من انزلاق محتمل نحو مؤتمر تأسيسي و سنتمسك بالطائف نموذجا للبنان و المنطقة
*ارجو التوقيع على النداء-التحذير قبل حوار ٢ آب حفاظا على الدستور و اتفاق الطائف
*تسقط الاحزاب اللبنانية تباعا بسبب اقفال أبواب الديمقراطية داخلها اولا و بسبب عدم وضوح تمويلها ثانيا و بسبب فقدانها مشروع سياسي ثالثا
*مزايدة حزب الله في “الدفاع”عن فلسطين سقطت بعد تفاهم ايران مع أميركا لان بند حماية اسرائيل و أمنها جزء من هذا التفاهم
*بقدر ما يؤكد حزب الله التزامه وثيقة الوفاق الوطني و الدستور بقدر ما أخاف الإطاحة بالاثنين
*لا يستطيع حزب الله حكم لبنان مهما حاول لان لبنان اكبر منه و اقوىً من كل ادعاء سياسي او مذهبي او حتى إقليمي
*من مهمات العقلاء توحيد قيمة دماء شعوب العالم حتى يصبح ذبح مسيحي او مسلم في الشرق او في الغرب جريمة واحدة ضد إنسان واحد
*نحذر من انزلاق خطير نحو مؤتمر تأسيسي ينسف الطائف على قاعدة”تبدل موازين القوى”و حكم لبنان على قاعدة موازين القوى يفسد الشراكة
*يرى الجمهور العوني في حزب الله رافعة لايصال العماد عون و لا ينظرون الى كلفتها على لبنان و لا الى قبضتها و لا على خطر تحكم ميليشيا بالدولة
*من يرضخ لرغبة ايران في إيصال عون الى الرئاسة بحجة الحفاظ على الاستقرار لماذا لم يرضخ من قبل لأبو عمار و بعده لحافظ الاسد ووفر علينا حروب؟؟
*الخوف الوحيد المبرر لدينا كمسيحيين هو الخوف من أنفسنا لأننا في أوقات محددة نضيع البوصلة التي وضعها اجدادنا لنا:لبنان العيش المشترك
*التعاطي مع اتفاق الطائف على قاعدة موازين القوى مرفوض …يرتكز الطائف على قوة التوازن
*تسقط ادانة حزب الله ذبح كاهن في فرنسا عند ذبحه ابرياء مثل الأب هامل في سوريا
*لا علاقة للرئيس سنيورة بالعريضة الوطنية التي يتم توقيعها دعما للدستور و الطائف كما ورد في ” الاخبار” … مبادرة أطلقتها الى جانب سمير فرنجية
*ولا تزال روسيا توهِم العالم أجمع أنّها تُساهم لإيجاد “حلّ سياسي” عبر “مرحلة إنتقاليّة” في #سوريا…
ويبقى لبنان وطن مميز تصل جذوره الى اعماق الحياة و علينا مسؤولية الحفاظ على عيشه المشترك الاسلامي المسيحي في رموش العيون
*لا حل أمني او عسكري يكفي وحده في وجه الاٍرهاب و المطلوب حلول سياسية بدأ بالإطاحة بالاسد
*نعيش حالةً فقدان توازن كوني
*تحفظ لبنان اعتبار حزب الله منظمة ارهابية يؤكد انه بلد أسير
*احداث اوروبا الدموية و المرفوضة تؤكد ان اقتصار وسائل قتال داعش على العمل العسكري بمعزل عن حلول سياسية بدأ بالإطاحة بالاسد غير مجدية
*يضع المسيحيين في خطر من يدافع عن ضرورةً انتخاب العماد عون بوصفه الممثل الأكبر للمسيحيين لانه يصور المسيحيين داعمين لحزب الله وهو غير صحيح
*الدفاع عن حزب الله في القمة العربية من قبل حكومة لبنان تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار الداخلي هو تأكيد ان لبنان بلد أسير و مسلوب الارادة
*من يطالب “بتسوية سياسية تؤدي الى انتخاب رئيس”يتناسى ان التسوية حصلت في العام ١٩٨٩ و اسمها وثيقة الوفاق الوطني-الطائف و هي دستور
*يتعرض الانسان للخطأ في تقديره للآمور و من الشجاعة ان يعتذر و على كل حر ان يحافظ على حرية الاختلاف
*الشيخ ابراهيم أمين السيد يقول”نحن ايران في لبنان”و  نحن لبنان في لبنان …لبنان اولا
*عندما نفقد قدرتنا على التضامن مع شعب يخوض معركة كرامته منذ ٥ سنوات نفقد شيء من كرامتنا
*الى الذين “يعرفون كل شيء” لبنان اكبر من اي بلد آخر لانه رسالة حضارية للعالم فلا أرجحية عددية و لا استقواء بالخارج…لبنان اولا و عكس ذالك موت
*الفراغ الرئاسي في لبنان يخفي داخلياً في طياته محاولة ل “انقلاب ناعم” من “حزب الله” وحلفائه على الطائف لمصلحة المؤتمر التأسيسي
*اي انزلاق خارج اتفاق الطائف بحجةً إيجاد حلول لازمة الرئاسة هو انقلاب موصوف على الدستور و مغامرة يدفع ثمنها لبنان …احذروا السلة
*هذه هي لحظة كل الذين يريدون دولة مدنية فعلا لا قولا و التحية لمن جعل من الدستور اللبناني الإطار الناظم للعلاقات اللبنانية اللبنانية
*حداث المنطقة السريعة و احداث العالم تفرض علينا كلبنانيين و عرب ان نقود مبادرات وطنية نحو قيام دول مدنية تحترم الانسان بوصفه إنسان
*ادعو جميع قادة الرأي في لبنان و بشكل خاص الاحزاب المسيحية اعلان تأييدهم الكامل لقيام دولة مدنية وفقا للدستور اللبناني و رفض الحقد و التطرّف
*اي انزلاق مسيحي لبناني او عربي باتجاه تأييد تيارات متطرفة اسلامية او مسيحية جنون نحن عرب و لسنا مسلمين و نطالب بدولة مدنية وليس مسيحية
*انا ماروني لبناني عربي لا ادعم قيام دولة اسلامية او مسيحية و أطالب بدولة مدنية في لبنان و اطالب بعالم عربي حديث،انساني متصالح مع العصر
*أقف الى جانب إرادة الشعوب حتى لو لم يقنعني مواقفها لان الشعب مصدر السلطات وليس موازين القوى و اتمسك بالديمقراطية في كل مكان
*عندما تسقط ضمانة الدولة من الطبيعي ان يبحث الناس عن ضمانات رديفة حادثة عمشيت ليس الا باكورة مشاكل الامن الذاتي و قد تكون عمشيت أفضل من غيرها
*لبنان بحاجة الى رافعة سياسية وطنية عابرة للطوائف تضع في أولويتها لبنان لا اولوية اقليميةً و لا اولوية طائفية…لبنان اولا
*القرار ١٧٠١ أمن لحزب الله ضمانة دولية في وجه اسرائيل فأطلقت يديه و نقل اتجاه بندقيته اولا الى بيروت و بعدها نحو دمشق…هل ال١٧٠١ ما زال مفيدا؟
*انتهت حرب تموز بتدويل الجنوب و جعله منطقة آمنة للاستثمار و السياحة مما أعطى حزب الله المجال للارتداد على الداخل وصولا الى داخل سوريا
*غالبية المسيحيين يبرزون طلاقا مع خيار لبنان العيش المشترك و غالبية المسلمين يفضلون الانتساب الى هوية اقليميةً على حساب لبنان..لبنان اولا!!
*يستخدم د جعجع كل احترام الاخرين له من اجل إيصال العماد عون الى بعبدا و أعلن دعمي للحكيم  بكل شيء ما عدا السعي لصالح عون و…. لن ينجح
*يحاول حزب الله فك عزلته الدولية من خلال فتح قنوات حوار من طبيعة ثقافيةً دينيةً مع بعض دوائر غربية
*تجري اتصالات إيرانية إسرائيلية تمهيدا لمفاوضات بين الجانبين من شأنها تطبيع العلاقات بعد الاتفاق النووي مع أميركا و تزامنا مع نفط لبنان
*استثمار النفط و جلب الرساميل يستوجب استقرار و المطلوب ١٧٠١ مائي مع اسرائيل الىً حين إنضاج السلام وفقا لمعايير مبادرة السلام العربية
*عندما تكون استقامة الفرد في حياته مرتبطة بمصلحة ما تفقد من قيمتها الاخلاقية
*يجب ان تكون الاستقامة قناعة و ليس مصلحة
*لا يمكن ان نتخلى عن لبنان المتنوع دينيا و ثقافيا لانه مصدر غنى استثنائي و ظروف اليوم الصعبة تريدنا قناعة اننا”مسؤولون عن بَعضُنَا امام الله”
*يؤكد الخبراء ان أزمة حزب الله الناتجة عن قانون العقوبات الأميريكية معقدة و خطيرة و ستحرج مصرف لبنان و القطاع المصرفي اللبناني..الله يستر
*معركتنا في ١٤ اذار كانت و لا تزال ربط احلامنا بدولة مدنية حديثة بالواقع
*مشاركة حزب الله في حكومة ما بعد انتخاب رئيس موضوع نقاش بعد ان ادرج مجلس التعاون الخليجي و الجامعة العربية حزب الله على لائحة الاٍرهاب و…
*بضمن حرية الفرد دولة وقانون واذا قبلنا ان يحمينا احدهم خارج الدولة علينا ان نقبل بحكمه بعد حمايته لنا و انا من الرافضين
*من يمهد لطرح فكرة انشاء حرس شعبي للحدود لمساعدة الجيش يتحول تدريجيا الى إطار رديف للقوى الأمنية و تكون ماليته للدولة اما الآمرة على سلاحه؟
*يرضى الموارنة بالحرية مع الفوضى و لا يرضخون لغيرها مع النظام
*يرتكز كلام السيد نصرالله على فكرة ان داعش يقتل و حزب الله يحمي المسيحيين “برموش العيون”و نرفض الحمايات المشبوهة الا حماية الجيش و الدولة

من أرشيف د.فارس سعيد
الحلّ الضروري لأزمة مزدوجة!
فارس سعيد/الجمهورية/09 تموز/16
لم ينجح المسلمون حتى الساعة، ورغم الجهود المبذولة، في فصل صورة الإسلام عن الإرهاب والعنف. ولم ينجح الغرب ومعه المسيحيون حتى الساعة أيضاً، ورغم الجهود المبذولة، في عدم الخلط بين الدين الإسلامي، بما يمثّل من رسالة حضارية، والإرهاب.
إنّ هذه الأزمة المزدوجة تختزل اليوم مشكلة كبرى يعيشها العالم، وتدفعه نحو العنف والتباعد والغضب وسوء الفهم المتبادل الذي بات يتحكّم بالعلاقات الإنسانية على وسع الكرة الأرضية.
وفي تقديرنا، أنّ هذا الإرهاب المجرم يُعطي المسيحيين والمسلمين كما الشرق والغرب إشارات يومية من شأنها، إذا أحسنّا التقاطها وتوفّر العزم لدى المعنيين، أن تحملنا على اعتبار الحضارة الإنسانية، بشرقها وغربها وجميع أديانها في خندقٍ واحد لمواجهة التخلّف والجنون.
ونلاحظ أيضاً، أنه خلال شهر رمضان المبارك ضرب الإرهاب اسطنبول ودكّا وبغداد والمدينة المنوّرة، كما طاولت مخالبه أورلاندو وغيرها من المناطق في العالم.
وهنا أعتبر أنّ التقصير الإعلامي والثقافي لدى العالم العربي والإسلامي غير مسبوق!
فبدلاً من تظهير صورة الإسلام الحقيقية والتي أصبحت مشوّهة بسبب تخلّف الإرهابيّين، وبدلاً من تنظيم تظاهرة مليونية في القاهرة أو بيروت أو في أيّ عاصمة أخرى تقودها وجوه سياسية عربية وإسلامية وثقافية وقادة رأي في وجه الإرهاب، اكتفت الحكومات المعنيّة بمعالجة الأوضاع بطريقة أمنية تقنية، وكان الإعتداء على المدينة المنوَّرة مثلاً يخلو من المعاني السياسية والثقافية ويقتصر على خرقٍ أمنيّ يشبه الخروق الأمنية في مدنٍ وعواصم أخرى.
كما أن التقصير الغربي، وبنتيجة سوء التفاهم التاريخي، كان واضحاً. إذ لم ترفع أيّ عاصمة غربية علم العراق أو تركيا أو بنغلادش أو اليمن أو المملكة العربية تضامناً مع هذه البلاد الجريحة، ولم يرتدِ برج إيفل ألوان تركيا أو العراق مثلاً، بعد الإعتداءات التي حصدت مئات الضحايا.
إن هذه الأزمة المزدوجة مرشّحة للإستمرار، كما أنّ الإعتداءات مرشّحة ايضاً للتكرار. وفي غياب ارتقاء المجتمعات السياسية إلى مستوى خطورة الأحداث، هل هناك دورٌ ما لكنيسة العرب؟ وهل هناك دورٌ ما للمرجعيات الروحية الإسلامية المتنوّرة؟
إننا كلبنانيين مدعوّون مرةً جديدة إلى ابتكار أطر تواصل بين الطرفين، من أجل ردم الهوّة الكبيرة التي تتّسع يوماً بعد يوم وتهدّد المجتمعات المتنوّعة وتقود العالم إلى اصطفافٍ مدمّر لمستقبل أولادنا.
هذا هو مقامنا في صراع الحضارات وهذا هو الدور المعروض علينا.
وإنّ استبدال أولويات أخرى، على أهميّتها مثل قانون الانتخاب أو حتى انتخاب رئيس، بهذه الأولوية لا يعفينا من مسؤوليات كبرى – المساهمة في الحوار الإنساني بين مختلفين!

 

مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ
بيروت – iloubnan.info – الأحد ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٦ , ٤٢ : ٢١
فارس سعيد
منذ جنحت أحداثُ ما سُمّي “الربيع العربي” إلى العنف المسلّح، انتاب مسيحيي الشرق قلقٌ عام وفي العمق، عبّرت عنه خطابات مسؤوليهم الروحيين والزمنيين، فضلاً عما يلاحظه أيُّ مراقب في أوساطهم الأهلية على اختلاف البلدان. وبمقدار ما كان هذا العنف يتصاعد وينتشر في المنطقة ليتجاوزها إلى أوروبا، بمقدار ما كان شعورهم يتحوّل إلى “قلق وجوديّ”، الأمر الذي استدعى صُراخاً على هذا المستوى من الخطر والجدّية (مؤتمرات للمطالبة بحماية دولية …)… ونقول ذلك مع علمنا بأن العنف الإرهابي لم يطاول المسيحيين وحدهم، بل طاول كلّ من وقع في دائرة نشاطه، بصرف النظر عن انتمائه الديني والمذهبي والعرقي، كما أن استهدافَ المسيحيين لم يكن في الأعمّ الأغلب لكونهم مسيحيين. ومع ذلك فنحن نُقارب هذه المسألة من زاويةِ عنايتنا الخاصة بوجود المسيحيين ومصيرهم في الشرق. هذا من دون ايّةِ نزعةٍ تنصُّلية من بيئتنا الثقافية والإنسانية في المنطقة. ذلك أننا كمسيحيين “نشكل جزءاً من ثقافة المسلمين وهويتهم في المنطقة، مثلما يشكل المسلمون جزءاً من ثقافتنا وهويتنا.. لذا نحن وإياهم مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ”، على ما جاء في نداء بطاركة الشرق الكاثوليك قبل سنوات.
بصرف النظر عن طبيعة المجموعات المُمارِسة للعنف الإرهابي، وعن مرجعيّاتها السياسية والتمويلية والتسليحية، وكذلك عن مزاعم بعض الجهات بأنها تحارب الإرهاب فيما هي تشجّعه بطرق مختلفة، إلا أنّ ما يتقاطع عنده الانطباع العام هو أن هذا العنف إسلامي (بزعم فاعليه) أو يتلطّى بالإسلام (برأي معارضيه من المسلمين). النتيجة الواقعية واحدة: وهي أن ما يجري يشكّل تحدّياً غير مسبوق، أخلاقياً وإنسانياً وسياسياً، لجميع قوى الاعتدال والعيش معاً بسلام في المنطقة والعالم. يرتبط بهذه النتيجة ملاحظةٌ واقعيةٌ أخرى، وهي أن قوى التطرُّف العنفيّ متقاطعة عملياً، حتى لتبدو وكأنها متفاهمة، رغم تبايناتها وتناقضاتها وعداوات ما بينها. هي متفاهمة عملياً على إنتاج العنف، وإعادة إنتاجه، وتسويقه وتعميمه… هذا فيما تبدو قوى الاعتدال متفرّقة متباعدة، أو أنها على تواصل لا يرقى إلى مستوى التحدّي الذي لا يوفّر أحداً على ضفة الاعتدال. مثلُ هذا التحدّي لا يتطلّب من المعتدلين مجرّد إعلان النيّات والتبرّؤ مما يحدث، بل يتطلّب تواصلاً وتعادضاً وتضامناً وتكافلاً، أي نوعاً من السينودسيّة (السّير معاً)، بما يرقى إلى مستوى “نحن مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ”.
ما تقدّم لا يعبّر فقط عن ملاحظاتي وقناعاتي الشخصية، بل يعبّر أيضاً عن ملاحظات وقناعات الكثيرين من المسيحيين في لبنان والمنطقة. ومما زادني إيماناً بما أقول أني وجدتُ في حاضرة الفاتيكان أذناً صاغية وقلباً مفتوحاً لمثل هذه الهواجس والرؤى، لا بل وجدتُ اهتماماً رسولياً فعلياً بأحوال المنطقة وأوضاع مسيحييها على نحو خاص وبطبيعة الحال. وذلك عندما تشرّفتُ مؤخراً بلقاء إثنين من كبار المعنيّين بالشرق الأوسط في الفاتيكان، على مدى ثلاث ساعات، وبتوسّط كريم من قبل سعادة السفير البابوي في لبنان. وقد شدّ انتباهي أن اهتمام الفاتيكان لا يتركز فقط على “وجود المسيحيين”، مجرّد وجودهم، بل يتركز أيضاً وخصوصاً على “حضورهم” الفاعل من خلال قيامهم بدور مفيد لهم ولمجمل أبناء المنطقة؛ وذلك عملاً بتعاليم الكنيسة المتواترة (الإرشاد الرسولي الخاص بلبنان 1997؛ نصوص المجمع البطريركي الماروني 2006؛ الإرشاد الرسولي الخاص بسلام الشرق الأوسط 2012… إلخ). كذلك وجدتُ اهتماماً خاصاً بما للبنان من دور متقدّم في هذا المجال، نظراً لتجربته الفريدة (“كنيسة خبيرة بالعيش المشترك، مثلما الكنيسة الرسولية الجامعة خبيرة بالسلام العالمي” – المجمع البطريركي الماروني 2006).
أعتقد أن للكنيسة الكاثوليكية في العالم، والكنيسة المارونية في لبنان، دوراً اساسياً في التصدّي لظاهرة الإرهاب، أخلاقياً ومعنوياً وثقافياً وإيمانياً. وهذا الدور يستند إلى تاريخ طويل من الانفتاح على قضايا الإنسان في الشرق الأوسط، ولا سيما في العالم العربي:
المجمع الفاتيكاني الثاني 1965، والذي قدّم مراجعة غير مسبوقة في تاريخ المسيحية، بخصوص النظر إلى الأديان الأخرى، ولا سيما الإسلام، كما بخصوص المصالحة بين الشرق والغرب.
المجامع الفاتيكانية الخاصة بلبنان أو بأزمة الشرق الأوسط (1995، 2010)، بالإضافة إلى المجمع البطريركي الماروني 2006.
الحوار الدائم مع المسلمين (منذ الفاتيكان الثاني)، والانفتاح على المرجعيات الإسلامية الدينية والزمنية (زيارة الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى الفاتيكيان 2007؛ زيارة شيخ الأزهر إلى الفاتيكان 2016)، بالإضافة إلى زيارة البابا فرنسيس إلى القدس 2016 ودعوته إلى جعل مدينة القدس مفتوحة لكل الديانات الإبراهيمية… إلخ.
إن “لقاء سيدة الجبل” الذي قام على أساس الالتزام بتعاليم الكنيسة المارونية في المجال الوطني اللبناني، كما واكب منذ العام 2000 جميع النضالات الرامية إلى تعزيز دور لبنان بوصفه “رسالةً في محيطه والعالم”، بالإضافة إلى تواصله مع العالم العربي من خلال منظمات المجتمع المدني ذات الاهتمام المشترك. يتقدّم اليوم لأن يكون عضواً فاعلاً في ورشة الاعتدال العربي، كما في مساعي التضامن بين الاعتدالين العربي والأوروبي. هذا فضلاً عن سعيه الدائم إلى الإرتقاء بالنشاط السياسي اللبناني إلى المعنى النبيل للسياسة، بوصفها عملاً لخدمة الكائن الإنساني والمواطنية الحقّة، دونما تمييز.

فارس سعيد للعربية.نت: هذه حقيقة خلافات تحالف “14 آذار”
الأربعاء 7 جمادي الثاني 1437هـ – 16 مارس 2016م
بيروت – حسن فحص
عندما تولى مسؤولية منسق الأمانة العامة لتحالف قوى 14 آذار عام 2005 في لبنان، كانت الطموحات لا تقف عند إعادة بناء الدولة اللبنانية واستعادة مؤسساتها من قبضة القوى التي تسعى للسيطرة عليها، واليوم وبعد مرور عقد وسنة على عمر اللحظة التاريخية التي أسست لتشكل هذا التحالف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والزخم الشعبي، الذي حظيت به والذي رفع الصوت مطالبا بخروج الجيش السوري من لبنان وإنقاذ لبنان من النظام الأمني المشترك الذي حكمه وتحكم به، ها هو اليوم يواجه عواصف التشرذم بين قوى هذا التحالف وحيدا، يرفض أن يلعب دوراً ترميمياً بين مكوناتها، على الرغم من كل محاولاته لتقريب وجهات النظر والحد من تداعيات الخلافات بين أبزر أقطاب هذا التحالف، لكنه أعلن صراحة للعربية.نت التي حاورته حول ما آلت إليه أوضاع هذا التحالف في الذكرى الحادية عشرة لتأسيسه بأنه يستقيل من دور المرمم ويعلن استعداده للعب دور مع الآخرين في إنقاذ لبنان من الانهيار.
• ما بين 14 آذار 2005 و14 آذار 2016، اختلف المشهد، ما الذي حصل؟
الذي حصل أنه في عام 2005 كنا في أوضح وأجمل صور الوحدة الداخلية، في 2016 نحن في أسوء صور الاستقطاب المذهبي والطائفي في لبنان
• لماذا وصلت قوى 14 آذار إلى هذه الأزمة التي يمكن القول إن الآخر أوصلها إليها، وهي الذهاب إلى الاستقطاب الطائفي؟
لأنه منذ لحظة 2005، كان هناك حزب يتفرد بكلامه الطائفي والمذهبي على حساب الكلام الوطني الذي رفعته قوى 14 آذار، صمدت هذه القوى بوجه هذه المحاولة من قبل حزب الله من خلال استخدام وسائل عديدة. فمن لحظة 2005 اعتبرنا أن خروج الجيش السوري من لبنان قد يشكل “قلقا” لدى هذا الحزب فذهبنا إليه، وتكلمنا معه وقلنا بأننا نريد تبريد العلاقات معه واستمرار المواجهات مع النظام السوري، وكانت هذه هي خلفية التحالف الرباعي الذي دفعنا ثمنه جميعاً على قاعدة محاولة “لبننة” هذا الحزب. وقمنا بمقايضة معه مقابل ان يقوم بالافراج عن استحقاق الانتخابات البرلمانية ونعطيه (اي هذا الحزب) امكانية العودة إلى السلطة من الباب العريض.
أخذ هذا المكسب (حزب الله) ودخل إلى حكومة فؤاد السنيورة ومن ثم ارتد على الوحدة الداخلية التي شكلتها 14 آذار. واستمر الأمر على هذا المنوال، خلال 11 عاما، كل مرة كان يشكل (الحزب) حالة من الضغط المعنوي أو العسكري أو الأمني أو السياسي على لبنان، كانت تحالف 14 آذار يرضخ أمام هذا الضغط ويقوم بعملية مقايضة، يعطي على قاعدة السيادة من أجل أن يحصل على استقرار، أعطينا في السيادة ولم نحصل على الاستقرار.
حزب الله وضع يده على الجمهورية
• هنا ألا تتحمل قوى 14 آذار مسؤولية التراجع أمام هذه الضغوط، فهي طالبت بالخروج السوري بتأييد دولي لهذا المطلب وحققته، لكن على المستوى الداخلي اللبناني ألم يكن الصمود أمام ضغوط حزب الله سيجبره على التراجع؟
لا شك، لكن هناك هاجسا سنيا – شيعيا في البلد، وأنا أفهمه تماماً، هناك محاولة للقول بأن هذا الاصطدام السني – الشيعي إذا حصل – وهذا كلام حق – سينهار البلد على الجميع وسيدخل لبنان مجدداً في عملية تجديد الحرب الأهلية. وبالتالي هذا الفريق وتحديدا الفريق السني يقول للحزب (حزب الله) كما قال غيره سابقا مع منظمة التحرير (الفلسطينية) عام 1969 ومن ثم مع السلاح السوري “خذ في السيادة وعطي في الاستقرار”، وبالتالي يعطي السلطة للحزب مقابل تبريد الأجواء السنية الشيعية.
وهناك فريق مسيحي لسوء الحظ، يدخل في مقايضة مع حزب الله على قاعدة الحصول على كراسي ومقاعد مقابل السلطة لحزب الله، وبالتالي في العام 2016 يبدو المشهد أن الجمهورية اللبنانية وليس 14 آذار فقط، سلمت نفسها إلى القرار الذي يمتلكه حزب الله حتى حدود أن ليس هناك من حد فاصل بين الجمهورية اللبنانية وحزب الله، أي أن هذا الحزب يضع يده بالكامل على دوائر القرار داخل الجمهورية اللبنانية. وزراء هذه الحكومة، أكانوا وزراء 8 أو 14 آذار، يقومون ببعض الأعمال أو ببعض التصريحات أو ببعض المواقف التي تصب في خانة حزب الله تحت عنوان الاستقرار والسلم الاهلي في لبنان. الحزب يضع يده على دوائر القرار الكبيرة في داخل الجمهورية اللبنانية، وبالتالي الوضع وصل إلى حد أن هناك حالة من شبه الاستسلام الوطني اللبناني لقدرة حزب الله على ان تكون سطلته تفوق سلطة الدولة اللبنانية.
مربعات الممانعة أو المقاومة السياسية لهذا النفوذ أصبحت ضعيفة، وقد اطلقت بالأمس كلاما بهذا الاتجاه، وجهته أولا لقوى 14 آذار، لأنها لا تزال موجودة شعبيا وهي قادرة على الاستنهاض في حال قررت قياداتها هذا الاستنهاض، إنما خارج 14 آذار هناك شرائح واسعة من اللبنانيين الذين لا يريدون بأي شكل من الأشكال أن يكون القرار اللبناني في يد حزب الله.
الخوف من حرب سنية شيعية
• لا خلاف أن الجمهور اللبناني المطالب بالدولة وعودة المؤسسات لا يرضى أن يكون القرار في يد حزب الله، ولكن كيف يمكن استنهاض القوى التي تشكلت منها 14 آذار بعد عودتها إلى مربعاتها الطائفية؟
تكلمنا عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى الخروج من المساحة الوطنية إلى المربعات الطائفية، إنما هناك أسباب خارجية شجعت هذا الموضوع، الأحداث السورية وانعكاساتها على لبنان وقراءة الطوائف كل على حدة للأحداث السورية. فهناك من يقرأ “فدرالية في سوريا” وهناك من يقرأ “تقسيم في سوريا”، وهناك من يقرأ “حرب سنية شيعية ” في سوريا وهو يخاف أن تنتقل إلى لبنان، وبالتالي الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ذهاب اللبنانيين إلى مربعاتهم الطائفية متعددة. فهناك أسباب لها علاقة بسوء الادارة ولها علاقة أيضاً بالوضع الداخلي اللبناني وبقدرة حزب الله ونفوذه، إنما عدم الكلام عن الأسباب الخارجية التي شجعت اللبنانيين على العودة إلى المربعات الطائفية فيه شيء من التبسيط. فعندما اندلعت الثورة السورية حصل الفرز أيضا بين 14 و8. فـ14 كانت داعمة بكل تلاوينها للثورة السورية، حيث وقف سمير جعجع عام 2012 في البيال وربط المقاومة في عين الرمانة مع جسر الشغور، عندما تعسكرت الثورة في سوريا وتعثرت وانتقلت من مرحلة الثورة المدنية السلمية الديمقراطية إلى حرب أهلية، هذا الانتقال شكل حالة من الخوف لدى الطوائف في لبنان، وأدى إلى دفع كل طائفة بأنه يجب عليها ان تأخذ على عاتقها تدبير طائفي ما بمعزل عن التدبير العام في لبنان.
• هذا في العام وفي المؤثرات التي أدت إلى ما وصلنا اليه، لكن في المباشر، شكلت أزمة الشغور الرئاسي الشعرة التي قصمت ظهر البعير؟
لكنها تبقى نتيجة، الخلافات أو إذا أردت التباين في النظرة حول الأحداث الداخلية والاقليمية ليس جديداً وبدأت منذ زمن. فعلى الرغم من أنه في موضوع الخيارات مع سمير جعجع على سبيل المثال لا يوجد أي مشكل، مثل اتفاق الطائف أو الخيار العربي أو الثورة السورية، هذه ثوابت وهذه خيارات على تفاهم مع سمير جعجع حولها، لكن تختلف معه على إدارة الشأن الداخلي في 14 آذار والخارجي في لبنان وموضوع الحصص، لكن الخلافات حول نظرة كل 14 آذار للأحداث الاقليمية والدولية هي كبيرة وسبقت موضوع رئاسة الجمهورية.
فمقاربة رئاسة الجمهورية لدى الطرف المسيحي، من 8 و14 آذار بدأت منذ سنتين، فهم ذهبوا إلى خيار أن هذا الموضوع من اختصاص المسيحيين، وقالوا إنهم سيجتمعون ويقررون وتحدثوا عن دفتر شروط لوضع مواصفات للرئيس القوي وبعد التوصل إلى القرار نرسل النتيجة عبر “الليبون بوست” إلى المسلمين حتى ينفذوا قرارنا، وهذا كان خطأ ارتكبه زعماء مسيحيون في 14 آذار. قابله خطأ آخر قام به زعماء مسلمون في 14 آذار، الذين قالوا إنهم وخلال فترة الانتظار هذه، سنقوم بتشكيل حكومة مصلحة وطنية وسنمدد لمجلس النواب وأنتم أيها المسيحيون خذوا الوقت الذي تريدونه للاتفاق على الرئيس القوي وعندما تتفقوا قولوا لنا.
وعندما يتقدم أحد الأطراف، كما فعل سعد الحريري مثلاً على طرح اسم سليمان فرنجية للرئاسة، وهو قرار يرتبط بقراءة لا علاقة لها بالوضع الداخلي اللبناني، وربما كان مرتبطا بقراءة لها علاقة بالوضع السوري والمرحلة الانتقالية التي تفرض نفسها في سوريا وكيف يمكن أن نواكب هذه المرحلة الانتقالية من خلال بناء الدولة، هل حزب الله بحاجة إلى ضمانات معينة من قبل الدولة؟ هل الولايات المتحدة بعد الاتفاق مع إيران ستتسامح مع حزب الله من خلال انشاء دولة صديقة “على مستوى رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش” حتى يعود حزب الله من سوريا إلى جانب احتضان من قبل دولة صديقة، كل هذه الأمور تشعبت وتداخلت مع بعضها البعض وأدت إلى أن وصلنا إلى مرحلة عدم وجود قراءة سياسية واحدة في 14 آذار.
تحالف الأقليات والحرب الباردة
• الكتلة الأكبر المسيحية داخل 14 آذار- أي القوات اللبنانية – ذهبت إلى التحالف مع التيار الوطني الحر، وفي خلفية أي مسوغ قدمته القوات لهذا التحالف هناك مؤشرات على هاجس حماية الاقليات، لماذا لم تسطع قوى 14 آذار توفير هذه الطمأنينة للأقليات؟
أولا الضمانة الوحيدة لدى اللبنانيين هي الدولة اللبنانية وليس هناك من ضمانات رديفة ولا ضمانات مذهبية ولا ضمانات طائفية، وليس هناك ضمانة شيعية لخوف الشيعة في مواجهة الغالبية السنية، كما يدعي حزب الله. وليس هناك ضمانة سنية تدعي بأنها ستحارب الارهاب أو التطرف بداخلها من خلال موقعها السني، كما ليس هناك من ضمانة مسيحية لمستقبل المسيحيين. الضمانة الوحيدة هي ضمانة وطنية، ولقد علمتنا تجربة الحرب الأهلية في لبنان وما بعد الحرب الأهلية إنه إذا انكسرت الوحدة الداخلية الإسلامية المسيحية، سينسحب التشرذم إلى داخل كل طائفة حتى لو شكلت هذه الطوائف مرجعيات سياسية لها.
ما يحكى عن الأقليات في المنطقة هو كلام جديد، بدأ مع أحداث المنطقة والأحداث السورية، بدأنا نتكلم عن الإيزيديين والعلويين والدروز والمسيحيين والشيعة، وهناك من يعرض على المسيحيين إقامة “تحالف الأقليات”.
تحالف الأقليات هو عرض يدخل هذه الأقليات أولا في حرب باردة مع بعضها البعض حتى تتحول في وقت من الأوقات إلى حروب ساخنة، وثانيا تعرضهم أيضا إلى مواجهة الغالبية السنية في المنطقة. وهناك من ذهب بعيدا. ففي صيف سنة 2014 ذهبت 7 كنائس مع البطاركة إلى واشنطن للبحث مع الولايات المتحدة حول إمكانية حماية الأقليات من خلال إرسال قواعد عسكرية لحماية المسيحيين في نينوى أو المسيحيين في مكان آخر.
نحن من مدرسة تؤمن بأن حماية اللبنانيين هي حماية الدولة اللبنانية وليس هناك من حمايات أخرى، 14 آذار حملت مشروع العبور إلى الدولة وليس حماية المسيحيين أو الدروز أو السنة، لأننا ندرك ونعرف بالتجربة اللبنانية بأن ليس هناك من حمايات طائفية، لسببين، الأول بأنه إذا ادعى حزب أو حزبين بحماية طائفة عندما يربح يربح لوحدة، إنما إذا خسر تخسر الطائفة معه. وثانياً عندما يدعي بأنه يحمي هذه الطائفة فإنه يدخل هذه الطائفة فوراً في حرب باردة مع الطوائف الأخرى.
ثوابت 14 آذار
• ما هي آلية الخروج وما هي المبادرة المطلوبة؟
العودة إلى ثوابت 14 آذار
1 – التأكيد على أن الوحدة الداخلية هي المرادف الموضوعي للسيادة والاستقلال وإذا انكسرت تنسحب على جميع الطوائف، وبالتالي حث الدكتور سمير جعجع والرئيس سعد الحريري وكل أطراف 14 آذار لتغليب الأولوية الوطنية على الخصوصيات المذهبية مهما كانت محقة، فأنا لا أقول إنه ليس هناك حق للرئيس سعد الحريري بأن يتكلم مع وليد جنبلاط ونبيه بري من أجل تبريد الأجواء السنية الشيعية، فهذا حق ونحن نطالب به. أنا لا أقول إنه ليس هناك هواجس مسيحية على سمير جعجع أن يبحثها، فتغليب الأولوية الطائفية على الأولوية الوطنية مرفوض.
2- موضوع اتفاق الطائف، إذا كان هناك من يريد الكلام عن مؤتمر تأسيسي في لبنان، نحن علينا أن نتمسك باتفاق الطائف وأن يطبق هذا الاتفاق على قاعدة التوازن وليس على قاعدة موازين القوى، لأن التوازن ينتج استقرارا وموازين القوى رجراجة فيوماً تكون لمصلحة فريق وفي يوم آخر لمصلحة فريق آخر.
3 – الانتساب إلى نظام المصلحة العربية في مواجهة القوى الإقليمية غير العربية التي تريد تحولينا إلى ضاحية سياسية واقتصادية لها.
4 – التمسك بقرارات الشرعية الدولية بدأ بالقرار 1559 و1680 المتعلق برسم الحدود مع سوريا و1757 اي العدالة الدولية والمحكمة والقرار 1701 اي تجريد كل الميليشيات اللبنانية من سلاحها.

اذا عدنا إلى هذه الثوابت وحملتها 14 آذار كقوى سياسية فإننا بذلك ننقذ 14 آذار وننقذ لبنان. اما اذا جزأنا المطالب، بين قانون انتخاب وانتخابات بلدية ومن سيكون نائبا في هذه الدائرة ومن سيكون مديرا عاما فإننا عندها لن ننقذ لا 14 آذار ولا لبنان.
عن الثنائية المسيحية و”العصفورية”
• إذا سلمنا جدلاً بوجود ثنائية شيعية وثنائية درزية إلى حد ما وتعددية سنية، هل تعتقد أن المسيحيين ذاهبون إلى ثنائيات أخرى؟
هم يحاولون تشكيل ثنائية، لكنني أقول إنه إذا دخلت كل الطوائف إلى “العصفورية – مستشفى المجانين” على الموارنة أن لا يدخلوا إلى هذه “العصفورية”، أي عليهم أن يحافظوا على عقلهم وعلى إيمانهم بهذا البلد وإيمانهم بالعيش المشترك لأنهم هم والمسلمين تاريخهم واحد وحاضرهم واحد ومستقبلهم واحد. وبالتالي نحن مسؤولون عن بعضنا البعض أمام الله وامام التاريخ. وإذا ظن الموارنة أنهم من خلال تشكيل مرجعيات سياسية، خاصة بهم مثل الآخرين على قاعدة التماثل السياسي، أي عشيرة مقابل عشيرة ومرجعية مقابل مرجعية، فهذه أقصر طريق للدخول في حرب باردة مع الآخرين قد تتطور في أي لحظة إلى حرب ساخنة ونحن من جيل عرفنا السيارات المفخخة والقتل على الهوية قبل غيرنا. وربما كموارنة قد دخلنا في عملية تنقية ذاكرة قبل غيرنا عندما قالت الكنيسة المارونية “لقد شهدت الكنيسة المارونية أولادها يَقتلون ويُقتلون ويتقاتلون” لا نريد أن نقتل أو نُقتل أو نتقاتل، ما نريده هو السلم الأهلي من خلال دولة جامعة مبنية على اتفاق الطائف ومرتكزة على العيش المشترك.
• هذا الكلام يطرح دور المسيحيين في إنقاذ الآخرين، هل الكتلة المسيحية في لبنان على استعداد أن تلعب دورا إنقاذيا للآخرين وبالتالي للبنان؟
هذا هو دورها التاريخي وأعتقد أن هذه هي أمانتها، الآن علينا اليوم أن لا نطلب الكثير من الذي لا يمتلك شيئا. المسيحيون مثل الطوائف الأخرى، يخافون مما يحصل في المنطقة، ينظرون إلى أحداث المنطقة بعين القلق، علينا أن نطالب النخب المسيحية وليس المسيحيين كطائفة، أقصد بالنخب المسيحية أولا الكنيسة التي تتحمل المسؤولية الغياب الثقافي والاجتماعي والسياسي والوطني عن الساحة وعن المشهد الوطني، وكأنها تهتم فقط بهموم المسيحيين ولا تهتم بهموم لبنان، في حين يقال في لبنان بأن “مجد لبنان أعطي له” أي لم يعط له مجد الموارنة ولم يعط مجد المسيحيين، لقد أعطي لبكركي وللبطرك الماروني مجد لبنان حتى يكون مؤتمنا كما كان أسلافه على التركيبة اللبنانية والعيش المشترك في لبنان وما نشهده وشهدنا هو العكس، من خلال محاولة ترتيب البيت الداخلي الماروني الماروني، نظراً للانقسامات التي كانت موجودة بدلاً من التوجه إلى اللبنانيين بالدور الذي يجب أن يكون، والدور هو أن على الموارنة وعلى المسيحيين بشكل عام أن يمنعوا الحرب السنية الشيعية. كيف وهل هم قادرون؟!، أقول نعم هم قادرون على منع هذه الحرب من خلال إبقاء الضمانة الوحيدة التي هي الدولة اللبنانية.
كلام لأول مرة!
• بصراحة هل انتهت 14 آذار، وهل من الممكن التفريق بين الأمانة العامة وبين قوى 14 آذار؟
أنا واضح وسأقول هذا الكلام لأول مرة في الاعلام معك، أنا لست متحمساً لأن ألعب دورا تلفيقياً تنسيقياً بالمسكنات والترميم داخل 14 آذار وبهذا المعنى أنا مستقيل من هذا الدور، أما الدور الوطني الذي هو الائتمان على الوحدة الداخلية لـ 14 آذار بين المسلمين والمسيحيين وعلى الوحدة الداخلية في لبنان بين المسلمين والمسيحيين، على إعادة استنهاض 14 آذار على قاعدة العودة إلى الثوابت التي سبق وذكرتها، نعم أنا سأتحمل مسؤولياتي إلى آخر لحظة. وبالتالي إذا طلب مني أن اقوم بدور ترميمي أرفض، وإذا طلب مني أن أساهم مع آخرين في اعادة استنقاذ 14 آذار الوطنية السياسية فأنا على أتم الجهوزية لتحمل المسؤولية.

 

كيف نعبر اليوم ؟
فارس سعيد/الجمهورية/04 تشرين الثاني/2015
في العام 2005 على أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذي شكّل حدثاً تأسيسياً لانتفاضة شعبية غير مسبوقة أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان، واكبنا تلك الإنتفاضة المبارَكة من خلال إطار سياسيّ تمثّل بـ»لقاء البريستول» الذي ضمّ إضافة إلى لقاء «قرنة شهوان» (الذي أطلق مع نداء المطارنة الموارنة عام 2000 مطلبَ خروج الجيش السوري)، «المنبر الديموقراطي» والحزب التقدمي الاشتراكي ومشاركة الرئيس الحريري.
أخذ «لقاء البريستول» على عاتقه متابعة الأحداث لحظةً بلحظة، وتواصل مع الناس والقوى السياسية الفاعلة، وشكّل مرجعية الإنتفاضة لدى دوائر القرار الوطنية والإقليمية والدولية.
واجهت «الإنتفاضة» ومعها «لقاء البريستول» معضلة إنتقال الدولة من مرحلة الوصاية واحتلال الأرض والمؤسسات إلى تحريرها، بما في ذلك وعلى رأسه إعادة تكوين السلطة. هذا في ظلّ تمسّكٍ واضح من «حزب الله» وفريق ما سمّي فيما بعد «8 آذار» بإبقاء الوضع على ما كان رغم خروج «السوري».
كانت المصلحة الوطنية – من وجهة نظرنا – تقضي بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، أيْ في ربيع – صيف الـ 2005 وفقاً للدستور. ومن أجل إجراء هذه الإنتخابات كان لا بدّ من التفاهم مع الأطراف المعطّلة، وعلى رأسها «حزب الله» و«أمل» والرئيس اميل لحود، التي سعت إلى أعادة تكليف الرئيس عمر كرامي رغم إسقاطه في الشارع في 28 شباط 2005، في خطوة كانت تهدف إلى إضاعة الوقت ونسف الإنتخابات بحجة عدم القدرة على تأليف حكومة.
لا ننكر المكاسب الإنتخابية التي حققها بعض أطراف المعارضة في بعض أقضية جبل لبنان، إنما في الجوهر دخلنا في تفاهم سياسي مع «حزب الله» و«أمل» بُنِيَ على نقطتين مترابطتين:
1- التبريد السياسي مع «حزب الله» و»حركة أمل» من أجل تأمين الإستقرار الداخلي رغم الزلزال الذي أصاب لبنان في 14 شباط 2005 وما أعقبه من انسحاب سوري في أواخر نيسان.
2- إجراء الإنتخابات في موعدها على اساس قانون الـ 2000.
هذا التفاهم – الذي سُمّي خطأً وتضليلاً «التحالف الرباعي الإسلامي في وجه المسيحيين»، والذي لم يكن «تحالفاً» بأيّ معنى سياسي – كانت الغايةُ منه في تفكيرنا واضحةً جداً، وهي إرسال إشارة قوية إلى الطائفة الشيعية مفادُها أنّ الفريق الذي اعتُبر، أو اعتبَرَ نفسه، منتصراً بخروج جيش الوصاية السورية لا ينوي التصرُّف بذهنية ثأرية في الداخل اللبناني، على غرار الانقلابات البعثية السيّئة الصيت والسمعة في المنطقة العربية، خصوصاً وأنّ صراع الطائفيات السياسية في لبنان غالباً ما كان يخلط بين الطائفة كمكوّن أهلي ميثاقي هو من لزوميات العيش المشترك، وبين الحزب السياسي المتسيّد على هذه الطائفة والذي يدّعي تمثيلها الحصريّ.
بنى العماد ميشال عون شرعيته الإنتخابية على قاعدة رفضه ما سمّي «التحالف الرباعي»، باعتبار أنّ قانون الإنتخابات هو «قانون غازي كنعان» (رغم خلافه مع البريستول على الحصة وليس على المبدأ)، وتضامنت معه مجموعة محترمة من رجال الفكر والسياسة الشيعة، اعتبروا أنّ تفاهم المعارضة مع «حزب الله» على التبريد وعلى الإنتخابات، هو ضربة في خاصرة الذين شاركوا من الشيعة في «انتفاضة 14 آذار». دون أن ننسى أنّ البطريرك مار نصرالله بطرس صفير (وقد أُعذر مَن أَنذر)، الذي كان أب «الإنتفاضة»، اعتبر أنّ قانون الـ2000 خالف توجّهات الكنيسة.
قد أكون الوحيد في الوسط المسيحي الذي دافع عن وظيفة ما سمّي «التحالف الرباعي»، رغم أنّي دفعت الثمن الأغلى إلى جانب شخصيات أخرى، ولم يكن دفاعي من منطلق مصلحة إنتخابية أو شخصية، إنما اندرج في سياق ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان في مراحل الإنتقال والأحداث الكبرى.
وإذا كان للتفاهم الرباعي سيئات فهناك أيضاً مكاسب عدّة:
1- نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى دون عنف ودم؛
2- تأمين أكثرية نيابية لمصلحة فريق 14 آذار؛
3- تأمين خروج الدكتور سمير جعجع من السجن رغم رفض البعض خروجه قبل انتخابات الـ2005؛
4- تأليف حكومة برئاسة النائب فؤاد السنيورة؛
5- عودة حزب الكتائب إلى شرعيته السياسية؛
6- تأمين الظروف السياسية والقانونية لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؛
7- تشكيل توازن سياسي في وجه سلاح «حزب الله» حتى أيار الـ2008.
هذه أحداثٌ مرّ عليها الزمن وذهبت إلى أدراج التاريخ، وهي برسم الأجيال المقبلة التي ستتولّى الحكم عليها سلباً أو إيجاباً.
اليوم، يواجه لبنان مرحلة إنتقالية أكثر صعوبة من الماضي وأكثر تعقيداً، خصوصاً أنها تتزامن مع مرحلة إنتقالية في سوريا وربما في العالم العربي، بين نظام قديم يتهاوى ويسقط وجديد نتلمّس معالمه.
السؤال المطروح: ما العمل من أجل تجنيب لبنان العنف والعودة إلى الإقتتال الداخلي؟
هل نعود إلى التسوية مع «حزب الله» بوصفه الفريق المعطّل لإجراء الانتخابات الرئاسية اليوم، بعد ما كان معطَلاً لإجراء الانتخابات النيابية قبل عشر سنوات؟
هل القوى المسيحية «الوازنة» سترضى بتسوية مع الحزب على حساب «رئيسها القويّ»؟ وإذا رفضت، فهل تتحمّل مسؤولية تعطيل الحلّ؟ أم أنها ستستمرّ تحت عنوان «البراغماتية السياسية» في «تحالف رباعي» يدوم منذ أن أُبرِم في الـ 2005؟
فـ«الدوحة» تحالف رباعي، ولم أسمع صوتاً مسيحياً ضدّه لا بل قيل لنا إنّ «القطار على السكّة الصحيحة». وانتخابات الـ2009 تحالف رباعي، ولم أسمع صوتاً مسيحياً ضدّها لا بل قيل لنا إنّ الحقوق عادت بفضل الصوت الشيعي في جبيل وبعبدا وجزين.
وحكومة الرئيس سعد الحريري تحالف رباعي. وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحالف رباعي بمشاركة سورية. وحكومة الرئيس تمام سلام تحالف رباعي ولا اعتراض لا بل توزيع حصص مسيحية. والتمديد للمجلس النيابي مرتين تحالف رباعي. والتجديد للعماد جان قهوجي تحالف رباعي أيضاً.
يبدو هذا «التحالف الرباعي»: مثل «دينة الجرّة» بين يدَيّ «الفاخوري»: إذا جنى منه البعض مكسباً يكون جيداً ولا يكون مجحفاً بحقّ المسيحيين!
ما زلت مدافعاً عن مبدأ الإستقرار والسلم الأهلي، وأرجو أن يغلّب قادتنا دائماً المصلحة الوطنية على المصالح الانتخابية الضيّقة، لكني فقدت الثقة بالذين يربطون مصير لبنان بمصيرهم الشخصي!
وقديماً قال الإمام علي بن أبي طالب «إنما يُعرف الرجالُ بالحقّ، ولا يُعرف الحقُّ بالرجال!»
ونسأل زعماءنا اليوم… كيف نعبر؟

 

سعيد: خيار 2015.. بين “الخلافة” و”الولاية” فكرة لبنان هي الرائدة في أنحاء العالم للمجتمعات المتنوعة
فارس سعيد/الجمهورية/24 كانون الأول/2014
تفرض الأحداث نفسها علينا جميعاً، ما يدعونا كلبنانيين للتفكير في خيارٍ يجعل من لبنان بلداً قابلاً للحياة، لا بل أكثر من ذلك، بلداً نموذجاً لبلدان المنطقة.
تتلخّص المتغيرات الكبرى اليوم بالنقاط التالية:
– بلورة نظام عالمي جديد بزعامة الولايات المتحدة، يرتكز على نظام اقتصادي ومالي وسياسي وعسكري وقضائي في إطار عولمةٍ متسارعة. كما يعيش العالم اليوم ثورة اتصالات وتواصل غير مسبوقة تجعل منه قرية صغيرة على شبكات التواصل الإجتماعي.
– إنهيار النظام العربي القديم الذي أعقب مرحلة الإنتدابات الغربية، ثم نشوء دولة اسرائيل، والذي “تميّز” بقيام أنظمة إستبدادية عسكرية.
– بروز تيارات إسلامية متطرفة، تتراوح ما بين دعوتَيْ دولة ولاية الفقيه ودولة الخلافة، ما ساهم في بروز تيار معادٍ للإسلام في الغرب أو ما يسمى بـ”الإسلاموفوبيا”، وبروز تيار آخر تكلّم عنه البابا فرنسيس، “الكريستيانوفوبيا”- وهو تيار معادٍ للمسيحية بزعمه أنها حاضنة للنظام العالمي المعادي لقضايا العرب والمسلمين العادلة، مثل قضية فلسطين وقضية الشعب السوري.
– دخول الإسلام كمكوّن إجتماعي وسياسي وانتخابي إلى أوروبا، وهو عاملٌ مؤثّر في ديموقراطيات الغرب. وقد بدأت معالمه تبرز مع الإعتراف المتواتر بدولة فلسطين من البرلمانات الأوروبية بهدف تبريد العلاقات مع مسلمي أوروبا.
– بروز تيار مدني تجلّى في تونس ومصر وسيبرز في سوريا والعراق وبلدانٍ أخرى.
– محاولة قوى إقليمية غير عربية التحكّم بقرار المنطقة: إسرائيل، تركيا وإيران.
– محاولة روسيا الدخول إلى المنطقة من باب الكنيسة الأورثودكسية، التي تحاول التمايز عن كنيسة الغرب بوصفها مشرقية وقادرة على التفاعل مع الإسلام ومدافعة عن الأقليات في المنطقة.
– محاولة المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي الحفاظ على نظام المصلحة العربية بحيث لا يتحول العالم العربي الى ضواحي قوى اقليمية غير عربية.
– عودة الكلام على مسألة الأقليات في المنطقة. من مسيحيين ويهود وإيزيديين وعلويين ودروز وشيعة وغيرهم، والذين بغالبيتهم ينظرون إلى أحداث المنطقة بعين القلق، ويبحثون عن أشكالٍ مختلفة من الحماية. فهناك مَن يطرح “تحالفَ الأقليات” وهناك مَن حاول استجداء حماياتٍ أجنبية.
– “داعش” وتوابعها، التي أسقطت الحدود المرسومة بين الدول وفرضت معادلة العنف مقابل العنف و”الخلافة” في مواجهة “الولاية والدولة” معاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه لدى اللبنانيين: ما هو الخيار الذي ينبغي اعتماده والدفاع عنه؟ لأنّ المتغيرات الكبرى لا تهادن المجتمعات المترددة والكيانات المفككة.
لقد صمدت “التجربة اللبنانية” المرتكزة إلى العيش المشترك، أمام عوامل داخلية وخارجية عمِلت ضدّها وحاولت إبراز لبنان “بلداً ممسوكاً وليس متماسكاً”- كما كان يسمّيه النظام السوري.
في العوامل الداخلية وبعد انتفاضة الاستقلال التي جمعت غالبية اللبنانيين حول حدثٍ من طبيعة وطنية تمثّل باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حاول “حزب الله” فرز اللبنانيين طوائفَ ومذاهب من خلال الخطوات التالية:
– التفرُّد بدعم الجيش السوري في لبنان في لحظة اتهامه من الغالبية الساحقة من اللبنانيين باغتيال زعيمٍ وطني، وإطلاقهم ثورة ديموقراطية سلمية طالبت بانسحابه الفوري من لبنان.
– الوقوف ضدّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي شكّلت لدى غالبية اللبنانيين الفرصة لوضع حدّ نهائي لمنطق التفلّت من العقاب وإنهاء الإغتيال السياسي.
– العمل على تغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية من خلال التمسّك بجيشٍ حزبي وغير شرعي يأتمر بإيران.
– محاولة إبراز قدرة الحزب على أنها أكبر من قدرة الدولة. فهو مَن يقرّر السلم والحرب، ومن يحقّ له التفاوض للإفراج عن معتقليه، ويستخدم سلاحه في الداخل…
– محاولة إقناع طائفته أنها من دونه ستكون عرضة لمحاسبة شرسة وغير عادلة من قبل الطوائف الأخرى.
– محاولة إقناع اللبنانيين بأنه يمثّل النموذج الناجح في لبنان، وتشجيع الطوائف الأخرى لتحذوَ حذوه عوضاً عن التمسّك بالدولة والقانون والدستور.
أما في العوامل الخارجية فنذكر:
– الثورة السورية التي تحوّلت بحكم سلوك بشار الأسد إلى ثورة مسلّحة، ما أدّى إلى بروز تيارات متطرّفة أخافت اللبنانيين، فبدأوا ينظرون إليها من مربعاتهم الطائفية بدلاً من مواجهة الأحداث من مساحة وطنية مشترَكة.
– نفوذ إيران الذي تمدّد بواسطة المجموعات العسكرية من اليمن حتى المتوسط.
– تخاذل الغرب في وضع حدّ لمأساة الشعب السوري.
لا شكّ أن هذه العوامل الداخلية المتمثّلة بسلوكيات “حزب الله”، والخارجية الممتمثّلة بالأحداث الإقليمية قد هزّت أركان الإجتماع اللبناني، إنما من دون أن تنسف الأسس الحقيقية التي اجتمع حولها اللبنانيون.
وإذا كان في داخل الجسم اللبناني مَن يراهن على تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية صافية أو على استمرار الحرب إلى ما لا نهاية أو على بروز تيارات إسلامية عنفية، فهناك أيضاً مَن يعتبر أنّ لبنان الموحّد والمرتكز على استخلاص الدروس من تجربة الحرب الأهلية وما بعدها يشكّل الجواب الشافي لهذه القراءات الخيالية أو الرهانات.
إنّ مواجهة الأحداث لا يمكن أن تكون من مربعات طائفية، كما أنه لا توجد حلول لأزمات الطوائف بمعزلٍ عن حلّ وطني للجميع. وليس هناك من خلاصٍ للسنّة وآخر للشيعة أو للمسيحيين والدروز، فإمّا أن ننجوَ جميعاً وإما نغرق منفردين.
لذا علينا أن نجعل من سنة 2015 سنة التفكير في إنشاء إطارٍ وطني يشارك فيه الجميع حول فكرة لبنان. إنّ هذه التجربة أصبحت رائدة اليوم في كلّ أنحاء العالم الذي يبحث عن سبل العيش بسلام في مجتمعاتٍ متنوّعة.