راشد فايد: تعلم الفساد بلا معلم

136

تعلم الفساد بلا معلم!
راشد فايد/النهار/12 تموز 2016

حرّك “الفساد ومجده الآتي باسم النفط” اهتمام القراء، حتى أن قارئا صديقا أراد أن يساهم في الإضاءة على “الفساد الوطني” بالنص الآتي، المنقول عن صفحات التواصل الاجتماعي، وبتواقيع عدة، بحسب الصفحة: خلال سطو عصابة على مصرف في كوانغتشو، في الصين، صرخ لص موجها كلامه الى الموجودين: لا تتحركوا. المال ملك للدولة وحياتكم ملك لكم”.

استلقى الجميع على الارض بهدوء. وهذا ما يسمى “مفهوم تغيير التفكير”، أي تحوير الطريقة التقليدية في التفكير. وعندما استلقت امرأة على طاولة بشكل استفزازي، صرخ اللص في وجهها: رجاء كوني متحضرة… هذه سرقة وليست اغتصابا!” وهذا ما يسمى “احتراف التركيز على الهدف”. عندما عاد اللصوص الى مقرهم، قال اللص الأصغر عمرا (والذي يدرس إدارة الأعمال) لزعيم اللصوص، وهو أكبرهم سنا، وبالكاد أنهى 6 سنوات تعليم في المدرسة الابتدائية: يا زعيم، دعنا نحصِ كم من الأموال سرقنا. فنهره الزعيم قائلا: أنت غبي جدا! هذه كمية كبيرة من الأموال، وستأخذ منا وقتا طويلا لعدها… الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا! … وهذا ما يسمى “الخبرة”.

وفي هذه الأيام، الخبرة أكثر أهمية من المؤهلات! في الجهة الأخرى، وبعدما غادر اللصوص المصرف، قال مدير الفرع لأمين الصندوق: اتصل بالشرطة بسرعة. لكن أمين الصندوق رد: انتظر. دعنا نأخذ 10 ملايين دولار لأنفسنا، ونضيفها الى الـ 70 مليون دولار التي قمنا باختلاسها سابقا. وهذا ما يسمى “السباحة مع التيار”، أي استغلال وضع غير موات لمصلحتك! قال مدير الفرع: سيكون الأمر رائعا إذا كان هناك سرقة كل شهر.

وهذا ما يسمى تبسيط المخاوف. في اليوم التالي، ذكرت وكالات الأخبار ان 100 مليون دولار تمت سرقتها من المصرف. قام اللصوص بعد النقود المرة تلو المرة، وفي كل مرة كانوا يجدون ان المبلغ هو 20 مليون دولار فقط. غضبوا كثيرا وقالوا نحن خاطرنا بحياتنا من أجل 20 مليون دولار، ومدير المصرف حصل على 80 مليون دولار من دون أن تتسخ ملابسه.

هذا يفيد أن العلم والمكانة، المهنية والاجتماعية، كفيلان بأن تكون “لصا راقيا” وفوق الشبهات. وهذا ما يسمى “المعرفة تساوي قيمتها ذهبا!” في المقابل، كان مدير المصرف يبتسم لأن خسائره في سوق الأسهم تمت تغطيتها بهذه السرقة. هذا ما يسمى “اقتناص الفرصة”، أو “الجرأة على المخاطرة”!فاللصوص الحقيقيون غالباً ممن هم فوق، كالوزراء والنواب والمديرون العامون، وغيرهم كثير، لكنهم لصوص بشهادات، وبينهم أغنياء لا يتنبه المواطن إلى فسادهم، لأن ثروتهم الموروثة تموّه ارتكاباتهم، وكثير منها يكون بتطويع القوانين لمصلحتهم، وإيهام الرأي العام بأن كل ما يقدمون عليه هو لخدمته.