مقابلة مطولة وشاملة مع د.فارس سعيد من جريدة المستقبل/حزب الله مسؤول عن انكشاف لبنان الأمني وعن الفراغ على المستويات كافة

257

فارس سعيد لـ«المستقبل»: نرفض مبدأ الأمن الذاتي و«حادثة القاع جرس إنذار بأن ليس هناك طوائف بمنأى عن الإرهاب»
حاوره: يقظان التقي/المستقبل/03 تموز/16

يرى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد أن حادثة القاع جاءت جرس إنذار أن ليس هناك من طوائف لبنانية تحميها تحالفات بمنأى عن الإرهاب، وسقطت معها نظرية المظلة الدولية الحامية لاستقرار لبنان بسبب كتلة النازحين السوريين فيه، رافضاً مبدأ الأمن الذاتي ومحملاً حزب الله مسؤولية انكشاف لبنان أمنياً. ويؤكد في حديث إلى «المستقبل» أن الشراكة الوطنية والتضامن المسيحي – الإسلامي هو الذي يحمي اللبنانيين، مقدراً موقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ومؤكداً الوقوف إلى جانبه بالشراكة الوطنية كتيار لبناني تعددي ومعتدل بامتياز. ويحذر من أن لبنان في عين العاصفة وفي مرحلة دقيقة جداً قد تشهد عودة مسلسل الاغتيالات والتفجيرات، مشيراً إلى أن إيران طرحت الاتفاق على بقاء الأسد في سوريا مقابل الإفراج عن الرئاسة في لبنان. يقرأ سعيد في الاستعراض الإرهابي في القاع، في أهدافه وكيفية الرد عليه أمنياً وسياسياً واجتماعياً ويقول: «إن هذا الاستعراض الإرهابي هو تذكير لجميع اللبنانيين بأنهم جزء من الحدث الوطني ومن اللحظة الإقليمية بكل تعقيداتها الراهنة. بمعنى آخر ظن المسيحيون في مرحلة من المراحل أنهم إذا انسحبوا من الحياة الوطنية وعناوينها الرئيسية واستبدلوا أولوياتهم بأخرى مثل الشعارات والسجالات حول قانون الانتخاب وحول اللامركزية الإدارية أو بعض الأمور التفصيلية المتعلقة بقضايا مناطقية، فإنهم يكونون بمنأى عن العنف الذي بدأ يأخذ أشكالاً جديدة ليس فقط في العالم العربي بل في العالم. جاءت حادثة «القاع» لتكون جرس إنذار، بحيث لا التحالف بين حزب القوات اللبنانية وعون ولا التحالف الثنائي بين التيار الوطني الحر وحزب الله ولا المواضيع الجانبية ولا التخلي عن العناوين الوطنية كفيلة كلها بتأمين ضمانة للمسيحيين. نحن جزء من هذه المنطقة بكل إشكالياتها، وجزء أساسي من لبنان. فرحُنا كمسيحيين من أفراحه، وآلامنا وأحزاننا من أحزانه وليس هناك طوائف بمنأى عن العنف». ويضيف: «كشفت حادثة القاع أننا كلنا بمركب واحد، إما أن ننجو موحدين أو نغرق الواحد تلو الآخر. حادثة القاع أصابت تحديداً المسيحيين بالذهول لأنهم كانوا يعتقدون في مرحلة من المراحل بأن شبكات الأمان الخارجية والداخلية ستحميهم وأنهم تحت سقف مظلة دولية تحمي لبنان نظراً لوجود هذا الحجم الكبير من النازحين السوريين فيه». ويستطرد: «هذه النظرية سقطت وسقطت معها نظرية أن الانسحاب من الحياة الوطنية وتجنب الكلام في المواضيع الشائكة تحمي المسيحيين من العنف، وهنا أريد أن أكون دقيقاً، لقد اتهم الدكتور سمير جعجع بأنه على رأس فريق من اللبنانيين يدعم نضال الثورة السورية وبأنه جزء من فريق قائم في المنطقة وكان هناك ضغط لانسحاب قسم من المسيحيين من العناوين الكبيرة في المنطقة وكمدخل لحماية المسيحيين. وقد جاءت حادثة القاع لتعلن أن كل هذه الهندسة الفكرية قد سقطت، فنحن في قلب العاصفة، وفي قلب دائرة الخطر فعلياً والمسيحيون شأنهم شأن المواطنين اللبنانيين ولا يمكن معالجة الأخطار المحدقة إلا بالتنسيق والتعاون مع سائر الناس».

[ وما هو هدف هذا الاستعراض الإرهابي؟
ـ يجيب: «أحد معاني حادثة القاع الإرهابية أن ليس هناك أمن مسيحي أو شيعي أو سني أو درزي. فأمن المجتمع اللبناني ككل فوق كل اعتبار فئوي أو مذهبي أو طائفي، وأي كلام عن أمن مجتمع مسيحي أو سواه سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى اصطدام بين اللبنانيين، لذلك حادثة القاع ليست بسيطة والإرهاب مرة أخرى يضرب على العصب الطائفي وعلى الجهاز العصبي للمسيحيين».

[ هل هي رسالة للمسيحيين أم للجيش أو للبلد ككل؟
ـ «هي رسالة لكل البلد، إنما الجانب المسيحي فيها هو الأساس، وهي إعادة توعية المسيحيين بأنهم جزء من الحدث واللحظة التاريخية. للحظة معينة كانوا متوهمين بدائرة حمراء أو أخرى حول المناطق التي يقطنونها. وكان هناك تسليم ما بأن ما يحل في المنطقة يعني الافرقاء الآخرين أكثر ولا يعنيهم إلا من باب التضامن العاطفي- الوجداني مع كل حدث يحصل. غاب الهم الوطني عن خطابهم السياسي منذ حوالى سنتين منذ الشغور الرئاسي وعاش البلد على وتيرتين:
ـ وتيرة مسيحية محكومة بهموم انتخابية ومناطقية بشكل عام.
ـ وتيرة إسلامية محكومة بما يجري في سوريا والمحيط وبأمور أمنية أكثر.
وقد جاءت حادثة القاع لتؤكد أن علينا توحيد الوتيرتين، توحيد الإيقاع ويكون هناك إيقاع وطني بناء واحد ليس تقليلاً من أهمية الهم الانتخابي ولكن ليس على أساس التناقض مع الهم الوطني العام والهم الأمني الطارئ.
نعم يجب الوصول إلى نتائج مما حصل، بانتخاب رئيس الجمهورية كجزء من منظومة حماية القاع كما حماية أي منطقة لبنانية أخرى على الجغرافية اللبنانية».

[ ما هو الرد على هذه الهجمات في الأمن، وما هو الرد في السياسة؟
ـ «الأمن هو مسؤولية اللبنانيين كل اللبنانيين على مستوى وعي المواطنين وعلى مستوى الوحدات الإدارية والبلديات وعلى مستوى الدولة اللبنانية وأجهزتها وعلى مستوى الوزارات، وكثيرة هي المسؤوليات.
هناك مسؤولية سياسية ومسؤولية تقنية، المسؤولية السياسية عنوانها واضح التضامن المسيحي – الإسلامي هو الذي يحمي القاع والضاحية الجنوبية والمنية وعكار وبعقلين.. عودة اللبنانيين إلى مربعاتهم الطائفية وابتكار أشكال من الحماية الذاتية يغرق كل طائفة في صراع مع الطائفة الأخرى.
بالتالي على الجميع وعي المخاطر على البلد ككل والعودة للانتساب إلى الحركة الاستقلالية وحركة عابرة للطوائف تحارب الإرهاب والتشدد وتواجهه في خدمة الشرعية الوطنية وشرعية العيش المشترك، وهذه الشرعية الوطنية هي جزء من الشرعية العربية والتي بدورها هي جزء من الشرعية الدولية في مكافحة العنف والإرهاب.
ما حصل في مطار أتاتورك واسطنبول بعد حادثة القاع وتصريح رئيس الوزراء التركي «أن مكافحة الإرهاب يجب أن تمر بالتحالف مع المنظومة الدولية لمحاربة الجماعات الإرهابية مادة في السياسة الواقعية للمقارنة بين موقف تركي لدولة تملك قدرات كبرى ومع ذلك تستعين بالمجتمع الدولي للمساعدة في مواجهة الإرهاب وبالمقابل هنا من يعتقد أنه قادر على مستوى الطائفة أن يقوم بدور مكافحة الإرهاب المقبل، وهذا الإرهاب علينا محاربته جميعاً، تحت راية واحدة وطنية وعربية ودولية.
لا يمكن محاربة الإرهاب بشعارات فئوية لا تأخذ بالاعتبار التعاون مع جميع المسلمين لمواجهة جماعات خارجة عن الإسلام وتتلطى خلفه بشعارات خادعة، وإذا كانت المواجهة الوطنية كبديل حقيقي وناجح عن المواجهات الطائفية والجزئية لا تقنع البعض فلندعهم يجربون حظوظهم».

[ هل الرد بالأمن الذاتي يقود برأيك إلى عسكرة الأقليات؟
ـ «نحن نرفض مبدأ الأمن الذاتي. هذا لا يعني ان لا يكون هناك دور للأهالي في مؤازرة القوى الأمنية، وهو دور يقظة الناس لا سيما في القرى الحدودية وتحسسهم للمخاطر، ولكن على أن يتم كل ذلك كعناصر مؤازرة للقوى الأمنية.

[ لقاء «السحور» بين الرئيس سعد الحريري والدكتور جعجع وكما ورد في البيان الإعلامي أكد رفضه مقولة الأمن الذاتي؟
ـ «اللقاء الذي جرى بين الحريري وجعجع يصب في خانة العودة إلى المربع الوطني من قبل الجميع.
هذا البيان تم التطرق فيه إلى الهجوم الإرهابي على القاع وأكد الوقوف خلف الجيش لمحاربة الإرهاب وأكد البيان المشترك رفض مبدأ الأمن الذاتي وعلى أن يقتصر دور الأهالي على مؤازرة القوى الأمنية. بالتأكيد أشار البيان إلى فتح المجال للتشاور مع القوى الثانية بشأن قانون الانتخابات، والتركيز على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية والاستعداد للنزول إلى البرلمان لإنجاز هذا الاستحقاق..
هذا البيان المشترك عقب الاجتماع الثنائي بداية للعودة إلى المربع الوطني وهو بداية تستحق التوقف أمامها وتشجيعها«.

[ بالموضوع التقني من هو المستفيد من هذا التحول النوعي في حرب الإرهاب ضد لبنان وباستخدام ايديولوجيا عمليات إرهابية تجند لها شباباً بأعمار صغيرة نسبياً؟
ـ «العالم كله يشهد حالة من الجنون المجرم الذي يتلطى خلف الدين، وهو حقيقة يشوه صورة الدين وتطال شظاياه كل أنحاء العالم.
المفاجأة التي حصلت في القاع مع 5 أو 8 انتحاريين شباب لا تقل إجراماً عن العمليات الإرهابية التي حصلت في تونس، أو باريس، أو بروكسل أو اورنالدو.. القاع ليست بعيدة جداً عن الحدث الإجرامي من اورنالدو والإرهاب هو إرهاب كوني وللأسف خطورته أنه حول المواطن في العالم إلى مواطن إرهابي والكل يخضع للرقابة.
تجنيد الإرهابيين ايديولوجياً ليس أمراً بسيطاً، ويختلف عن أساليب الحركات الجهادية التي سبقت داعش ونحن أمام جيل جديد من الإرهابيين أشد خطورة.
إرهابيو القاع لم يأتوا من مشاريع القاع، قدموا من الداخل السوري، والإرهابيون الذين فجروا في أوروبا عاشوا في أوروبا واختبروا الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية فيها، ومع ذلك حين فسح لهم المجال فجروا كل تلك الأحقاد.
علينا أن ننظر إلى موضوع العنف بكليته وليس بجزئيته سواء أتى من مشاريع القاع أو من الداخل السوري، والعالم بأسره من القاع إلى اسطنبول إلى اورنالدو، هذا العالم يعيش حالة من الإرهاب المتفلت والمجنون والحاقد الذي يطيح بكل شيء ويطيح بقيم العائلة والدين والحريات وحقوق الإنسان«.

[ … وكيف يكون الرد بالسياسة في ظل شغور رئاسي والمؤسسات معطلة؟
ـ «المواجهة التقنية متروكة للجيش والقوى الأمنية ككل. ولكن لكي نصل إلى المواجهة التقنية الفعالة علينا كلبنانيين ان نأخذ قراراً وطنياً لبنانياً جامعاً. علينا أن نتخلى عن المواجهة الفئوية. وعلينا العودة إلى المواجهة الوطنية وهذا يتطلب قراراً سياسياً واضحاً.
والقراءة الصحيحة لذلك في إعادة الالتقاء بين الأفرقاء على مساحة وطنية مشتركة. عشنا جميعاً ذهولاً من الساعات الأولى على غزوة القاع. شاهدنا مساحة من الفوضى والحماس. لنؤكد انطباعاً أن هناك من يريد أن يستنفر أشكالاً عصبية/ فئوية. وبعدما هدأت النفوس وتراجع الحماس وبعد مراسم الدفن للشهداء الابرار، بدأ الكلام بضرورة العودة إلى العقل بعيداً عن المزايدات السياسية والعقل يقول علينا مواجهة الإرهاب من موقع وطني وليس من موقع فئوي.

صحيح تراجعت 14 آذار، ما أفقد لبنان الرافعة الوطنية المسيحية ـ الإسلامية وافتقدنا المساحة المشتركة، كما جرى في معالجه قضية الشيخ أحمد عبد الواحد في عكار أو معالجة حصار وادي خالد أو معالجة اتهام أبناء عرسال بالإرهاب، ومثل ذلك معالجة أحداث الضنية ومحاربة الإرهاب في حرب نهر البارد كان هناك إطار سياسي عابر للطوائف مثل 14 آذار. الرافعة الإسلامية ـ المسيحية جاهزة لاستيعاب ما حصل في القاع وتجاوز أشكال المعالجة للأطر الفئوية وكأن هناك معالجة مسيحية لمكافحة الإرهاب تختلف عن المعالجة الإسلامية وأول شيء علينا استدراكه في مواجهة الإرهاب هو العودة إلى المساحة الوطنية المشتركة لمواجهة الإرهاب وهي مواجهة ليس فقط أمنية بل هي مواجهة اجتماعية وسياسية وتنموية ولا جدوى من ابتكار أي معالجة فئوية خارج القرار السياسي الوطني الواحد. أعتقد أننا خارج هذه الدائرة الوطنية، سندخل في عملية مزايدة طائفية ومذهبية ومزايدات داخل كل طائفة من النوع الذي رأينا بعضاً منه والنتيجة سينتصر الإرهاب علينا جميعاً».

[ و«حزب الله« استثناء عن هذه المواجهة؟
ـ «أنا انتقدت الموقف الرسمي لحزب الله، وأنا أحمّله مسؤولية طائفية ولو جزئية عما يحصل من عمليات إرهاب تضرب لبنان. هذا الحزب يقوم بعمليات إرهابية تابعة له داخل الأراضي السورية وشارك النظام السوري في قتل الشعب السوري وتدمير كل شيء. وهذا الحزب يعطي الذريعة لاستجرار العنف إلى لبنان ولردات فعل ممن يعتبرون أنفسهم أنصار الثورة السورية من إسلاميين أو مدنيين أو غيرهم كما من أجهزة مخابراتية ليردوا على هذه المشاركة للحزب بالقتال في سوريا للقتال داخل الأراضي اللبنانية».

[ والطبقة السياسية أليست مسؤولة عن انكشاف لبنان الأمني مع الشغور الرئاسي وتعطل عمل المؤسسات؟
ـ «حزب الله مسؤول عن انكشاف لبنان الأمني وعن هذا الفراغ على المستويات كافة، وعدنا الحزب أنه ذاهب للقتال في سوريا في «القصير» لكي يحمي لبنان، فهجر السوريين في كل اتجاه، وهو يهدد بالقتال في حلب الآن ليحمي الضاحية فإذا بالإرهاب أتى ودخل إلى القاع، والرواية الكاملة للدخول إلى القاع يعرفها حزب الله وهو ليس بمنأى عنها. وماذا يقول لنا حزب الله، دعوني أقاتل من أجل اللبنانيين والتفرد بقرار الحرب في سوريا ولمصالح إقليمية صارت مرئية جداً ومكشوفة النوايا، لصالح إيران الإقليمية، واذهبوا أنتم لمعالجة مسائل جانبية من مثل معالجة مسألة النفايات والحياة والكهرباء. يقول حزب الله لنا أنا أحمي لبنان تارة من العدو الإسرائيلي وطوراً من العدو التكفيري.

هذه العين الساهرة لحزب الله سقطت في القاع، ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة سقطت في القاع والذي يجب أن ينتصر هو شرعية لبنانية في مكافحة الإرهاب من العدو الإسرائيلي ومن التكفيريين وشرعية عربية وشرعية دولية لمكافحة الإرهاب«.

[ لكن عملياً ظهر السلاح الفردي في القاع وكان هناك تدخل لـ»حزب الله« من القاع؟
ـ «ظهور السلاح الفردي لا يحتضن، وأخذ مظهر الحالة الحماسية والعفوية ومظهر الحالة التضامنية من أجل اعطاء المعنويات للناس ولكن الإمرة والسلاح يجب أن تكون بيد القوى الأمنية، وحدها مسؤولة عن تنظيم هذا السلاح العفوي. الأهم من السلاح هو الإمرة عن هذا السلاح وتنظيمه والدولة القانونية مسؤولة وحدها عن ذلك.
يحدث أن الدولة القانونية في لبنان تستخدم وسائل غير قانونية، للأسباب المعروفة، من مثل تدخّل حزب الله من خارج إطار الدولة.
ولكني أجزم هنا أن القوات اللبنانية لن تنتسب إلى سرايا المقاومة، وإذا كان هناك بعض المسيحيين في سرايا المقاومة نتيجة تحالفات ثنائية في صفوف 8 آذار فهذا شأنهم.. ولكن أعتقد وأجزم بأن القوات اللبنانية لن تنتسب إلى سرايا المقاومة، وأتوجه إلى المسيحيين الذين يريدون الانتساب إلى تلك السرايا بما قاله رئيس الوزراء التركي ومثله الرئيس التركي في الانتساب إلى السرايا الدولية والأسرة الدولية لمواجهة الإرهاب. الانتساب إلى سرايا المقاومة والأمن الذاتي الفئوي هو أقصر الطرق إلى التهجير والتحوّل إلى أهداف سهلة لضربات الإرهاب. ومن يربط صورته ووجوده بصورة نظام قاتل في سوريا هو معرّض اليوم وغداً وبعد غد إلى الاستهداف. ممكن للأقليات بعد حادثة القاع أن تزداد درجة يقظتها ودرجة استنفارها، وأنا أدعو الجميع الدروز والشيعة والعلويين والأيزيديين لبذل الجهود معاً وسوا سوا، وأن يتخلوا عن فكرة تحالف الأقليات في مواجهة «الأكثرية السنية« وأن ينتسبوا إلى حالات وطنية، وهذا هو المشروع الوحيد القابل للحياة، أصلاً ليس في المنطقة شيء اسمه أقليات وأكثريات، الأقليات في المنطقة هي أكثريات ويمكنها خوض حروب أهلية لمئة سنة وإلا فلتجرب الأقليات حظوظها، وأنا أصلاً أرفض مقولة الأقليات، ثم أن الأكثرية السنية المعتدلة هي على شراكة وطنية وعريقة معنا«.

[ أحداث مثل القاع ممكن أن تؤدي إلى عسكرة الأقليات؟
ـ يعود سعيد إلى مقولة الأب ميشال حايك: «إذا كانت المارونية حركة بوجه العصبيات فكيف نعتنق المارونية من جهة ونكفر بها إذا تحوّلت إلى عصبية». ويوضح «ما أريد قوله إننا لسنا أقلية مسيحية خائفة، نحن جماعة تتفاعل مع الجميع، ودورنا الحفاظ على العيش المشترك والاستقلال اللبناني ودورنا تجميل هذه البقعة من العالم في دولة تحمي الجميع على مستوى المواطن وإذا تخلينا عن هذا الدور وعدنا إلى مربعنا الطائفي حينها أخاف على المسيحيين من التهجير. بغض النظر عن عنصر الحماس أو خيارات سياسية مثل خيار التيار الوطني الحر، فالسواد الأعظم للمسيحيين هو خيار وطني جامع إسلامي مسيحي يحافظ على استقلال لبنان ويحافظ على نظامه الاقتصادي الحر والليبرالي الضامن للحريات، ولا خوف على المسيحيين.

نحن هنا على هذه الأرض منذ 1400 سنة، مرّ علينا الكثير، صمدنا لأننا نتمتع بهذا الإيمان بالبلد، ونحن لن نهاجر منه، المسيحيون لن يهاجروا من لبنان. ونذكّر الجميع ونحن الموارنة أعطينا للبنان الكثير كما الطوائف الأخرى. الدروز أعطوا الفكرة اللبنانية على يد فخر الدين، وموضوع الوطن اللبناني ارتبط تأسيساً بالموارنة، وقيام الدولة جاء بمساهمتهم، وعدم وجود جدار مع الغرب في المنطقة هو بسبب تحالف المسيحيين مع العالمين العربي والإسلامي في المنطقة. السنّة أعطوا لبنان 1943 استقلاله عن سوريا ومد الجسور مع الخليج والعالم العربي، وأسسوا لآلاف فرص عمل المحامين والمهندسين والإداريين والمبدعين الذين ساهموا في بناء الخليج العربي ومصر بعد العام 1920. والشيعة أعطوا لبنان دماً وتضحيات كبرى من أجل تحريره من العدو الإسرائيلي. هذه العطاءات يجب أن لا نضعها في باب المزايدات الطائفية وفي سياق «مقاصة النفوذ في لبنان». أما فكرة أن حزب الله حمانا من الإسرائيلي ويحمينا من التكفيريين فهذا لا يعطيه مزيداً من النفوذ في لبنان. كلنا ضحينا من أجل لبنان والتاريخ موصول وعلينا أن نتساوى وجوهر العيش المشترك هو العدالة الاجتماعية بين اللبنانيين. جميعنا أعطى لبنان.. لولا فخر الدين ما كانت أصلاً الفكرة اللبنانية. لولا الموارنة والكنيسة المسيحية ما كان الانفتاح على الغرب وعلى الثقافة والسياسة، ولولا حب الموارنة للبنان ما صمد لبنان أصلاً، ولولا السنّة ما كان للبنان تلك القيمة الكبرى داخل الأسرة العربية، ولولا الشيعة بالتأكيد لم ينجز تحرير لبنان.. مع ذلك الخروج من الطوائف و»مقاصة النفوذ» والمتتاليات مدخل لحماية لبنان ولحماية القاع».

[ وهل يمكن أن يكون القرار 1701 هو الرد أو الحل؟
ـ «البنود 11 و12 و14 من القرار الدولي 1701 تفسح المجال أن يطلب لبنان توسيع مهام القوات الدولية وانتشار اليونيفيل على الحدود اللبنانية السورية. ومنعاً لانتقال المسلحين بالاتجاهين. هذا قرار يجب أن تأخذه حكومة لبنان. ولكن بتركيبتها الحالية لن تأخذ مثل هذا القرار لأنه سيواجه برفض من وزراء حزب الله الذي يرفض انتشار قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية تعيق عملياته العسكرية وعبوره بالاتجاهين إلى الداخل السوري والخروج منه. ومن موقعي المتواضع إذا كان حزب الله لا يريد تنفيذ القرار 1701 على الحدود اللبنانية السورية أقول فليقف تنفيذ القرار الدولي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. لا يمكن تجزئة القرار 1701، أن يطبق في الجنوب لحماية حزب الله ولا يطبق في مكان آخر بشكل يحمي اللبنانيين من غزوات النظام المخابراتي السوري على أشكالها المختلفة.
الحزب أما وقد وقّع على القرار 1701 فعليه أن يقبله بكل مندرجاته، وهذا الموضوع لا يمكن أن يبقى رهناً لمشيئة حزب الله ويحرم لبنان من حزام أمن دولي ومن حزام المجموعة الدولية لمكافحة الإرهاب.
وزير الخارجية جبران باسيل وبحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقّع من الدوحة على انضمام لبنان إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وقيادة الجيش وبقيادة الجنرال قهوجي على تنسيق تام مع التحالف الدولي. لماذا لا يكون هناك غرفة عمليات مشتركة من جيوش التحالف الغربي والعربي مع قيادة الجيش الوطني، ولماذا لا يتطور هذا التنسيق أكثر لحماية الحدود، وهناك في منطقة جرود القاع أبراج مراقبة بريطانية. هذا مرتبط بـ«حزب الله« الذي يرفض ولا يريد وضع الحدود اللبنانية السورية تحت المظلة الدولية لأنه يريد إرسال مقاتليه إلى سوريا، وهو يفسح المجال لتحوّل الحدود إلى مكان خرق للمسلحين والإرهابيين بالدخول إلى القاع وغير القاع».

[ بموضوع الرد السياسي، جنبلاط يقول بانتخاب أي رئيس للجمهورية؟
ـ «سأقول كلا لانتخاب أي رئيس، ولدي معلومة وليس تحليلاً تؤكد المعلومة أن إيران طرحت لدى دوائر القرار الخارجية أن يتم الاتفاق على بقاء بشار الأسد في سوريا مقابل الإفراج عن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان. هذه التسوية التي تُدرس على مستوى بعض دوائر القرار الخارجية تعني تحضير حزب الله ومعه لبنان ليكون مواكباً لبقاء الأسد أي بناء جمهورية تتناسب مع إبقاء الأسد، من خلال دولة لبنانية صديقة له، ليس فقط على مستوى رئاسة الجمهورية بل على مستوى كل الجمهورية ومؤسساتها.
أتى الرد على هذا الاقتراح أولاً من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وطرح في باريس بأن على بشار الأسد أن يرحل عاجلاً أم آجلاً عسكرياً أم سياسياً. الاقتراح الإيراني والرفض السعودي سيطيح بسلة الرئيس نبيه بري. كلام جنبلاط من باب الخوف على لبنان، وبأن الأمور ستذهب إلى الأسوأ وعلينا فعل كل شيء ولكن أذكّر أن المقولة قديمة، قالها لبنان لمنظمة التحرير الفلسطينية العام 1969 وارتكز على معادلة جزء من السيادة لنحصل على جزء من الاستقرار. ومنذ العام 1969 فقدنا السيادة ولم نحصل على الاستقرار إلا نسبياً. وسلوك «حزب الله« لا يوحي بهذا الاستقرار، لا جنبلاط ولا بري ولا جعجع ولا الحريري، بإمكانهم ضبط سلوك «حزب الله«، وسلوك الحزب مرتبط بقرار إيراني وحتى لو أبرمت تسوية داخلية وأعطت اللبنانيين بعض الاستقرار ستقود إلى دفع اللبنانيين أثماناً أكثر مما ندفعه اليوم».

[ ألا يمكن أن تكون مبادرة بري أو جنبلاط استباقية خوفاً من نوايا المقترح الإيراني؟
ـ «ربما الاقتراح الإيراني هو لإبقاء الأسد، وإبقاء لبنان دولة صديقة له وللنظام السوري بكل تراتبيتها الدستورية والرئاسية والعسكرية والمالية، وإعادة تكوين ربط المصير والمسار.. هذا هو الجانب الإيراني من السلة. لهذا سلة الرئيس بري خطرة، وتقترح على اللبنانيين تسوية تحت ضغط القاع.. لذلك علينا ألا ننزلق. وليست مسألة التزامن بين السلة المقترحة وما جرى في القاع مسألة عادية!».

[ وهل يمكن أن يفعل الجنرال قهوجي ما لم يفعله الجنرال ميشال سليمان في 7 أيار 2008؟
ـ «لا أرى أي انقلاب عسكري في لبنان، الانقلابات كان لها زمنها في المنطقة العربية، هل يقدم الجنرال قهوجي على مثل هذه الخطوة وهو شخصية عسكرية يقظة وواعية لطبيعة التحديات الشائكة، أو أن يدفع إلى مثل هذا الإجراء مع كم كبير من الأسئلة لا أجوبة عليها.. الجواب عندي لا، لأن قهوجي على رأس مؤسسة وطنية، وتمثل فسيفساء تشبه التركيبة اللبنانية، وهو رجل عاقل وأثبت قدرة على التفاني الوطني بإدارة الملف الأمني، والملف الأمني جزء من منظومة دولية لا تتناسب مع أي مغامرة. وهو يدرك أن أي احتضان وطني جامع لمثل هذه المغامرة ليس موجوداً، لذلك أنا لست مع فكرة وليد جنبلاط، أقدر بقوة خوفه على البلد، كما أقدر خوف الرئيس بري على البلد وبأن نذهب إلى تسوية من باب التراضي أو الخوف من الآتي. ولكن الرد السعودي والعربي واضح، على الأسد أن يرحل، وبالتالي عادل الجبير برأيي أطاح هذه التسوية. والذي يريد بقاء الأسد يعرضنا إلى عدوى انتقال الحرب السورية إلى الداخل ومكافحة الإرهاب من القاع إلى أورلندو تبدأ بالإطاحة ببشار الأسد«.

[ نحن في الوقت الضائع؟
ـ «دخلنا مرحلة شديدة الدقة على المستوى الأمني والعسكري والاجتماعي والمالي والسياسي. قد يكون أول الغيث هو القاع لا سمح الله وسيشهد لبنان موجة من الاغتيالات الجديدة. لا أبالغ في الأمر ولا أريد إخافة الناس..».

[ نحن في مرحلة توازنات جديدة؟
ـ «نحن في ربع الساعة الأخير نعمل على صافرة الحكم والكل يلعب أوراقه الأخيرة».

[ ما من رئيس جمهورية؟
ـ «لأ ما في».

[ ولا ميشال عون؟
ـ «ما في ميشال عون وإذا في بشار الأسد في سوريا في ميشال عون في لبنان. يحاول حزب الله ومن خلفه إيران تسجيل انتصار سياسي قبل تشرين الثاني 2016 موعد الانتخابات الأميركية، يريدونه انتصاراً مزدوجاً في سوريا إبقاء الأسد وفي لبنان قيام جمهورية صديقة للأسد وإيران، والرد السعودي واضح، ودخلنا مرحلة من التعقيدات إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. ربما جنبلاط وبري قلقان ولكن لن يلاقيهما أحد بهذا الاتجاه. لن تلاقي جمهورية صديقة لبشار الأسد. وهذا ضد الثورة السورية ويكشف لبنان».

[ .. و14 آذار؟
ـ «السحور في بيت الوسط وليلة القدر ليلة لإنقاذ 14 آذار، ولكن 14 آذار تتطلب أكثر من اللقاءات العاطفية، وسأعلن أمام الرأي العام ورقة أقول فيها بضرورة قيام تيار استقلالي لبناني عابر للطوائف تحديداً بعد حادثة القاع، لا يجب الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، لا يمكن مواجهة قانون العقوبات الأميركي وكل الأحداث إلا من خلال تيار استقلالي إسلامي مسيحي رافعة لمعالجة كل المواضيع وعلى المستويات كافة. 14 آذار القديمة بنسيجها الأول ليست بصحة جيدة، ويتطلب من أجل استنهاضها أكثر من لقاء تجميلي مع أنه بداية جيدة، وأي خطوة استنهاض لها طبيعة الانتساب إلى حالة لبنانية مستقلة وإلى انتساب إلى الأسرة العربية وجزء من مصلحة النظام الدولي وحاجة اللبنانيين أقوى اليوم إلى مثل هذا التيار الاستقلالي. ومن هنا اقترحت 128 مرشحاً في انتخابات 2017 ليست فقط مجرد وجهة نظر، بل فلسفة العبور من المصالح الفئوية إلى المصلحة الوطنية وهذا مدخله الجو السني العام وفي غالبيته حريص على العيش المشترك وعلى الاعتدال الوطني ومنخرط في مكافحة الإرهاب ولم يعد بحاجة إلى فحص دم ليتأكد انتسابه إلى التجربة اللبنانية، من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى اليوم، وهو يؤكد أنه تيار لبناني بامتياز بقيادة سعد الحريري الذي يؤكد على النهج التعددي والاعتدال والطائف وبأن السنّة بغالبيتهم لا يريدون اللجوء إلى العنف، ونحن نقدر موقف الحريري ونحن إلى جانبه بالشراكة الوطنية. ولكن لا يعني هذا أن تكون نوايا سعد الحريري حسنة، عليه أن يقدم على خطوات حقيقية تساهم في إعادة تكوّن تيار استقلالي مع شركائه من كل الطوائف».

[ الجو مشحون بقضية النازحين السوريين؟
ـ «هذا وجود ثقيل، وقدرة لبنان على تحمّله استنفدت، ولكن بروز كلام عنصري تجاه السوريين ولبنان أمر معيب، إحدى بلديات جبيل طلبت من العمال السوريين العمل بالسخرة من دون دفع أتعاب مما أحدث ردة فعل على مستوى اتحاد بلديات جبيل في التصرف العنصري لرئيس البلدية.. وما صدر عن كتلة الإصلاح والتغيير نحو 30 نائباً بغالبيتهم مسيحيون والكلام عن البيئة التناسلية الإرهابية وكأن الإنسان يخلق بالتناسل إرهابياً وليس بالسلوك والتربية والظروف، وهذا كلام لا يحل مشكلة النزوح وهو كلام عنصري ويدخلنا في مشكل مع الرأي العام الدولي ومع أنفسنا وقيمنا. وطلبت توضيحاً من الوزير باسيل ولم أسمع شيئاً، إنه كلام شبيه بكلام دونالد ترامب وماري لوبن، وكأن الإرهاب هو بالجينات، من دين معيّن، وغير موجود في الدين الآخر، كيف هي هذه القصة ؟