الياس الزغبي: ثنائيّة رائدة بدلاً من “ثلاثيّة” بائدة

112

ثنائيّة رائدة بدلاً من “ثلاثيّة” بائدة
الياس الزغبي/لبنان الآن/02 تموز/16

حين وصف الرئيس ميشال سليمان ثلاثيّة “حزب الله”، (جيش وشعب ومقاومة)، بـ”الخشبيّة”، كان يُطلق توصيفاً للواقع، ورؤية للآتي: واقع “الثلاثيّة” آنذاك، 2014، كان مركّباً تركيباً اصطناعيّاً، ومستقبلها كان محكوماً بمشروع غير لبناني.

الواقع الاصطناعي لـ”الثلاثيّة” كامن في عدم تماثل وانسجام أضلاعها الثلاثة. ففي حين أنّ الشعب والجيش متنوّعان ومتشكّلان من جميع الأطياف اللبنانيّة والمناطق والمذاهب والانتماءات، تتشكّل “المقاومة” من فريق واحد ومذهب واحد وانتماء واحد ومناطق محصورة محدّدة.

فكيف ينسجم جسم مغاير مع جسمين متناسقين، وكيف يُمكن الخلط بين أضداد؟

وقد ثبت بالممارسة والملموس أنّ “الضلع الثالث” مكلّف “تكليفاً شرعيّاً” مهمّات ووظائف خارج لبنان وأبعد من أهدافه ومصالحه، وليس واقعيّاً الجمع بين السيادة الوطنيّة التي يتولاّها الجيش والشعب، وبين “توحيد الميادين” الذي حدّده حسن نصرالله كوسيلة وغاية لحزبه ومحوره العابر الحدود.

وعبارة “توحيد الميادين” ليست سوى نقيض للسيادة الوطنيّة اللبنانيّة، لأنّها تعني بكلّ وضوح خرق الحدود وخلطها وتوحيد ساحات القتال بين لبنان وسوريّا والعراق والخليج وإيران و… إلى ما شاء مشروع “ولاية الفقيه”.

وحين يفتح “حزب الله” حدوده على كلّ هذه الساحات، لا يستطيع الانضباط ضمن حدود “الجيش والشعب”، ويكون تالياً قد أخرج نفسه تلقائيّاً من “الثلاثيّة”، فتبقى الثنائيّة الصحيحة والسليمة والفاعلة، ثنائيّة الجيش والناس.

وحين نقول “الجيش” نعني الدولة بمؤسّساتها وأجهزتها وإداراتها التي تحتوي حكماً الناس، أي اللبنانيّين بكلّ تنوّعهم وتفاعلهم ضمن المؤسّسات.

وقد كانت تجربة بلدة القاع، غداة مأساتها، نموذجاً لهذه الثنائيّة الخلاّقة، خلافاً لما تمّ الترويج الخبيث له عن المليشيات و”الأمن الذاتي”.

فالحقيقة أنّ المطلوب في لبنان هو “الأمن الذاتي” فعلاً لا قولاً. أمن ذاتي شرعي لبناني لا يخالطه أيّ “أمن” آخر، سواء تحت إسم “مقاومة” أو “سرايا” أو “أهالي”…

وما جرى في القاع هو هذا الأمن اللبناني الصافي بالتحديد، حين اندفع الناس بعفويّتهم الصادقة إلى امتشاق السلاح الفردي لمساندة الجيش والقوى الأمنيّة، والدفاع عن النفس بإمرة الدولة وشرعيّتها وليس بالخروج عليها.

ولو اكتفى “حزب الله” بهذا الدور لحماية الناس في القرى الحدوديّة، تحت رعاية الجيش اللبناني وإمرته، لكان لبنان وفّر على نفسه هذه الانزلاقات الخطيرة وهذه المآسي في الأطراف والداخل. لكنّ الوظيفة الإقليميّة والدوليّة التي كُلّف بها وضعته خارج الإطار اللبناني الشرعي، ولم يعد له الحقّ في تلك “الثلاثيّة”، ولا في انتقاد الناس المدافعين عن أنفسهم في ظلّ المؤسّسات الشرعيّة.

وقد كان لمأساة القاع، وبرغم الدماء والدموع، نتيجة إيجابيّة في كشف زيف “الثلاثيّة”، والغياب الواقعي ل”حزب الله”، وانكسار شعاراته التي ملأها “انتصارات إلهيّة” منذ تورّطه في الحرب السوريّة قبل 4 سنوات ونيّف.

يكفي أن يُلغي مهرجانه التقليدي في “يوم القدس” كي يتّضح مدى الانتصارات الواهية التي حقّقها، من القصير إلى القلمون وجرود عرسال وريف دمشق والسيّدة زينب، امتداداً إلى أرياف الجولان ودرعا وحمص وإدلب واللاذقيّة، وصحارى الدماء في حلب.

لطالما تباهى بأنّه ذهب إلى سوريّا لاستباق الخطر على لبنان، فإذ به يستدرج الخطر والموت والارهاب إلى البلدات الحدوديّة، بل إلى عقر الدار، ويُضطرّ إلى إلغاء احتفالاته الشعبيّة في ضاحيته نفسها، خوفاً من ارتدادات ما ارتكبت يداه.

ولو بقي عنده شيء من الواقعيّة وشجاعة الاعتراف، لبادر إلى إعلان موت “ثلاثيّته” على أعتاب القاع والضاحية وسائر لبنان، ولَبايع التجربة الرائدة بين الناس والجيش، ولأَقدم على سحب ميلشياه من سوريّا (إذا سمح الفقيه)، وحلّ تشكيلاته وسراياه في لبنان، ونسج على منوال أهل القاع، واسترجع لبنانيّته المفقودة.

وبالتأكيد، سيُنقذ نفسه وبيئته، حين يعترف بسقوط “ثلاثيتّه” البائدة أمام ثنائيّة القاع الرائدة.