ايلي الحاج/شهية مفتوحة ومفاجئة على تلزيم البلوكات النفطية لا يبررها أي مسح يثبت اتصالها بخزانات إسرائيل

131

شهية مفتوحة ومفاجئة على تلزيم البلوكات النفطية لا يبررها أي مسح يثبت اتصالها بخزانات إسرائيل
 ايلي الحاج/النهار/24 حزيران 2016

لم تسقط حكومة “المصلحة الوطنية” بخروج حزب الكتائب منها. ما سقط هو تجربة رئاسة جماعية للجمهورية من خلال حكومة كان المطلوب منها أن تعيش مدة قصيرة لسد الفراغ إلى حين انتخاب الرئيس، لكن عمرها طال فوق ما تتحمل، ووقعت في الفشل والعجز باعتراف رئيسها ولا تزال تكابر.

بعد نحو سنتين ونصف السنة على تأليف الحكومة وتأكد أفرقائها أنها في حال أقرب إلى “موت سريري”، تحولت وزاراتها بغالبيتها وليس كلها، أبواب رزق يجيّر كل طرف مداخيلها لتقوية نفوذه في جماعته أو لنفسه، ومصادر بديلة مما كانت تقيمه الميليشيات المسلحة خلال حروب لبنان من رسوم وضرائب كي تموّل نفسها وتكمل. وتنبّه بعض الأطراف فيها إلى ارتباط القوة السياسية، والشعبية تالياً، في لبنان بعد الحرب بتوافر قوة مالية ضخمة في حوزته، كي يستطيع الإستمرار وضمان نفوذه في المستقبل، فأخذ يسعى إليه مفتشاً “بالسراج والفتيلة” عن كوة ينفذ منها إلى خزينة الدولة المستباحة.

ولعلّ أكثر السياسيين صراحة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، كان يضع الإصبع على الجرح عندما قال خلال مقابلة تلفزيونية في 5 حزيران الجاري، إن رقابة كانت تُمارس على المشاريع من خلال دائرة المناقصات في أحلك ظروف لبنان، وفي ظل أسوأ الحروب والمعارك خلال عهد الرئيس أمين الجميّل. وكان هناك أناس جديون يمسكون بأيديهم الملفات ويفرضون حداً أدنى من الشفافية في العقود التي تبرمها الدولة. ليس مثل هذه الأيام بعدما تعطلت دائرة المناقصات وكل يفتح على حسابه.

هذا كله بات يدركه اللبنانيون، لا سيما ذوو الدخل المحدود الذين يعيشون أقسى أزمة معيشية يمرون بها منذ زمن بعيد، ولا من يبالي أو يتوقف عند معاناتهم، فما عادوا يعجبون لأخبار الفساد والإهدار الحكومية والتي باتت “على المكشوف”، على قاعدة أن المشاركة والمقاصصة تحول دون التقاء “مكوّنين” في داخل الحكومة على رفض تمرير المشاريع المشبوهة، والمسخّرة لمصالح شخصيات وأحزاب وفئات معيّنة في أسلوب موصوف بسوء استخدام السلطة. آخرها قد يكون السعي إلى تلزيم البلوكات النفطية في المياه اللبنانية رغم أن أي مسح لم يحصل بعد للتأكد أنها تحوي نفطاً يستحق التنقيب عنه واستخراجه. وبدت لافتة حماسة وزير الخارجية والمغتربين بدل وزير النفط لهذا الموضوع ومبادرته بعد انتهاء جلسة الحوار في عين التينة الثلثاء الماضي إلى التوجه بالكلام لرئيس مجلس النواب نبيه بري قائلاً إن إسرائيل غير قادرة اليوم على سحب كميات النفط اللبناني لخوفها من سلاح “المقاومة” ، لكنها قد تفكر مستقبلاً في سرقة هذه الثروة اللبنانية، ولذلك يجب التعجيل في إقرار مراسيم التلزيم . فلاقاه الرئيس بري متحمساً للفكرة مستعجلاً تحويلها واقعاً. يعني تلزيم البلوكات النفطية بالطبع عشرات ملايين الدولارات الفائضة وربما أكثر، وفي ظل هبوط أسعار البترول عالمياً تستلزم العملية دراسات للتأكد من توافر كميات كبيرة منه ويمكن استخراجها بأثمان معقولة كي ترد أرباحاً، وواقع الأمر أن الذريعة التي رفعها الوزير باسيل تنقصها معطيات أساسية كي تصبح مقنعة. فليس هناك إطلاقاً ما يشير أو يؤكد أن الخزانات النفطية الواقعة تحت المياه اللبنانية متصلة بالخزانات الواقعة خلف الحدود المائية مع إسرائيل، في غياب أي مسح لتلك البقعة باعتبارها منطقة أمنية. كما أن السلطات الإسرائيلية المعنية تعمل وفق المعلومات المنشورة على البلوكات البعيدة عن الحدود مع لبنان، في ضوء نتائج أعمال مسح أشارت إلى أن الخزانات القريبة من مياهه تحوي كميات ضئيلة من الغاز.

والأغرب أن “أوركسترا” إعلامية – سياسية انطلقت فور الحديث عن تلزيم أعمال المسح والتنقيب عن النفط بدواعي ضرورة استخراج هذه الثروة في أسرع وقت، رغم واقع “الفشل والعجز” الذي وصم به الرئيس سلام الحكومة التي يترأسها وتأكد الأقربين والأبعدين أنها غيرمؤهلة، كفاءة ونزاهة، مع استثناء بعض الوزراء، للخوض في تنفيذ مشاريع بعد كل ما ظهر منها. يتوجب هنا التذكير أقله بطريقة معالجتها أزمة النفايات التي شهدت فصولاً راعبة من محاولات النهب والإحتيال والخروج على أدنى الأعراف ، لا سيما ممن جعلوا اللبنانيين ينتظرون شهوراً رفع النفايات من طرقهم وأمام منازلهم على أساس ترحيلها إلى بلدان أخرى ، ليتبين أنهم أمام عمليات نصب وتزوير لا أول لها ولا آخر. وبالطبع لم يعرف أحد من كان هؤلاء المحتالون، ومن حماهم ويحميهم. ومن النفايات وسدّ جنّة المثير للجدل، والتحديد غير المتناسق لسقف تغطية وزارة الصحة للمستشفيات الخاصة ، إلى صرف مخصصات وزارة الأشغال العامة على مناطق دون أخرى ، يبدو لبنان أمام أفواه جائعة ، تخترع أزمات كي تستفيد من محاولات معالجتها وتنبش ملفاً كلما انتهت من ملف. وهذه الأيام تذكرت النفط على قاعدة أن الفرصة سانحة وقد لا تتكرر، فلماذا لا نستفيد ونقول إننا نقفل ثغرة أمام العدو الخائف اليوم من “سلاح المقاومة” وقد لا يعود خائفاً منه في المستقبل، من يدري؟