أحمد عدنان: تفجير المصارف ردا على خنق حزب الله

226

تفجير المصارف ردا على خنق حزب الله
أحمد عدنان/العرب/ 18 حزيران/16

يوم الأحد الماضي، عادت سلسلة التفجيرات إلى لبنان عقب انفجار في منطقة فردان ببيروت، استهدف فرع بنك لبنان والمهجر. وكان الانفجار مدروسا بحق، إذ تم ساعة الإفطار في يوم عطلة، ليكون رسالة إلى المصرف وإلى غيره من المصارف التي تطبق العقوبات أو الضوابط الأميركية المالية على القطاع المصرفي اللبناني وعلى حزب الله، وسبق الانفجار بساعات وأيام سجال حاد بين الحزب الإلهي وأتباعه، وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتهجم أتباع الحزب إلكترونيا وإعلاميا على مصارف بعينها تَصدّرها البنك الذي استهدف لاحقا، بنك لبنان والمهجر، وأصدرت الكتلة النيابية التابعة للحزب الإلهي بيانا حادا ضد المصارف وحاكمها. ولقراءة الصورة بوضوح لا بد من العودة إلى أصل القضية، الضوابط التي وضعتها الولايات المتحدة على القطاع المصرفي اللبناني، التي هي في وجه آخر عقوبات على الحزب الإلهي. أواخر العام الماضي، تم إيقاف أربعة عناصر من الحزب الإلهي في فرنسا، محمد نور الدين وعلي زبيب ومازن الأتات وأسامة فحص، بتهمة تبييض الأموال لمصلحة الحزب الإلهي ودعمه ماليا، وتمت عملية التوقيف في إطار عملية دولية شاركت فيها أجهزة أميركية وأوروبية (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وبلجيكا). القبض على نور الدين ورفاقه هو نتيجة لعملية سابقة وقعت أحداثها بين 2011 – 2013، اتهمت الولايات المتحدة البنك اللبناني الكندي بتبييض أموال الحزب الإلهي، دفع البنك مبلغا ناهز المئة مليون دولار لشطب اسمه من لوائح الإرهاب ثم بيع لبنك آخر (سوستيه جنرال). من هنا بدأ طرف الخيط لما يسمى “قسم الأعمال التجارية في جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله”، وهو شعبة ضمن الحزب الإلهي مهمتها تمويل شراء الأسلحة ونشاطات الحزب في لبنان وسوريا والعراق وغيرها، أسس الشعبة القيادي الحزبي الذي اغتيل قبل سنوات، عماد مغنية، ويديره راهنا عبدالله صفي الدين وأدهم طباجة، وتقوم هذه الشعبة بإغراق السوق الأميركية والأوروبية بالمخدرات انطلاقا من مراكز تصنيع وتوزيع في غير دولة بأميركا الجنوبية.

وقبل أن تتكشف هذه الحقائق كانت وسائل الإعلام تنشر أخبارا عن نشاطات مشبوهة للحزب في غير دولة، القبض على شبكات اتجار وتهريب المخدرات تابعة لما يسمّى بحزب الله، في يونيو 2005 بالإكوادور، وفي أغسطس 2008 بكولومبيا، وفي أبريل 2009 بهولندا، وفي أكتوبر 2009 بألمانيا، وفي يناير 2014 في أستراليا (وهناك شبكة أخرى أوقفت وأدينت بتبييض الأموال)، وهذا غيض من فيض لا يستثني غينيا بيساو والمكسيك والأرجنتين والولايات المتحدة. هذا الملف بالكامل ليس خاضعا لتقلبات السياسة، إنما هو في عهدة إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، ومكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية، وقد قرأنا تصريحات لغير مسؤول أميركي تحدثت عن تفرغ هذه الجهات ونظيراتها في أوروبا لتجفيف المنابع المالية لداعش والقاعدة وحزب الله، إذ وقعت أضرار جسيمة (بشرية ومالية واجتماعية وأمنية) في أوروبا وأميركـا جراء النشـاطات “الماليـة والتجارية” لهذه الميليشيات، فضلا عن إرهابها المباشر في كرة الأرض من أقصاها إلى أقصاها. وإذا أردنا تبسيط الضوابط الأميركية على المصارف اللبنانية، فهي تشمل تدقيقا صارما في جهة الإيداع وحجمه وكيفية صرفه وغايته، أما العقوبات فهي تستهدف 100 شخصية – كخطوة أولى – ضمن شبكة تمويل الحزب الإلهي ومن تعامل معها، بداية من عبدالله صفي الدين وأدهم طباجة والموقوفين الأربعة في فرنسا وغيرهم، وما وضع حزب الله في مأزق، هو أن هذه العقوبات كدوائر الماء، تتسع وتتزايد، ومن المنتظر أن تشمل شخصيات لبنانية رفيعة متحالفة مع الحزب، بما في ذلك حلفاؤه المسيحيون (تم بالفعل خلال الأشهر الماضية توقيف لبناني مسيحي في أوروبا على علاقة بنشاطات الحزب المالية)، وهذا ينسف ادعاء الحزب الإلهي بأن العقوبات الأميركية طائفية تستهدف الشيعة. وقد قـادت هذه العقوبات منـذ فرضهـا إلى حقائق مريعة، إذ تضمنت الأسماء المعاقبة رجل أعمال لبناني يعمل في مجال الإعـلام، استهـدفته العقـوبات لأنـه قـام بشراء طائرات تصوير سلمها للحزب الإلهي الذي حولها – بعد تعديلات تقنية – إلى طائرات تستخدم في المجهود الحربي في سوريا. تعامل مصرف لبنان المركزي مع العقوبات بحذر، حاول حاكم مصرف لبنان التخفيف من حدتها باستثناء الحسابات المفتوحة بالليرة اللبنانية، لكن المراسم التطبيقية الأميركية الصادرة في أبريل الماضي حسمت الأمر، فالعقوبات تطال كل العملات وكل البلدان والمصارف، وإذا حاول أي بنك التذاكي لن يختلف مصيره عن مصير البنك اللبناني الكندي، وهذا أهون الضرر، إذ في حال عدم التزام الدولة اللبنانية بالقانون الأميركي فالعقوبات ستطال القطاع المصرفي كله، ما يعني أن لبنان سيتحول إلى دولة مارقة ككوريا الشمالية ليس لها أي نافذة على العالم.

اللافت في هذه التطورات هو أن الحزب الإلهي نزع كل أقنعة الخجل، يعلن التهديدات علنا وينفذها، ويجب أن لا ننسى أن التهديدات لم تقف عند المصارف، بل وصلت إلى رياض سلامة، والأهم منه جوزيف طربيه (رئيس جمعية المصارف) الذي أثبت إيمانه بمنطق الدولة وحرصه على نظافة وسلامة وكفاءة القطاع المصرفي اللبناني. الحزب الإلهي يناهض العقوبات المصرفية بذريعة سيادة لبنان، مع أن هذا الحزب لم يحترم سيادة لبنان حين عطل الدولة واتجر بالمخدرات وبيض الأموال ومارس الإرهاب داخل لبنان وخارجه. وجود الحزب الإلهي بحد ذاته مناف لمعنى لبنان ونقيض لقيمة السيادة، لقد أصبحت الدولة اللبنانية بحاجة إلى إنقاذ عاجل من هذا القدر الأسود، لكن – على ما يبدو – أن الأحصنة البيضاء قد شاخت بعد تخاذل فرسانها.