سابين عويس: الكلام “الملتبس والمريب” لسلامة يشعل المواجهة مجدداً “حزب الله” يستشعر خطراً ويرى استهدافاً أميركياً لبيئته

216

الكلام “الملتبس والمريب” لسلامة يشعل المواجهة مجدداً “حزب الله” يستشعر خطراً ويرى استهدافاً أميركياً لبيئته
سابين عويس/النهار/11 حزيران 2016

أربع دقائق من التصريح كانت كفيلة بإعادة إشعال المواجهة بين ” حزب الله” وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خلفية مواقف الحاكم من التزام لبنان تطبيق قانون العقوبات الأميركي في حق الحزب. على أهمية المضمون الذي أشعل غضب كتلة “الوفاء للمقاومة”، بدا توقيت كلام الحاكم والوسيلة الإعلامية التي عبَر خلالها عن مواقفه، السببين الرئيسيين لذلك الغضب. فكلام سلامة لم يحمل جديدا بتأكيده التزام لبنان تطبيق القانون، والعمل من أجل بقائه ضمن النظام المالي العالمي. وحتى كلامه على إقفال 100 حساب لم يكن جديدا للحزب الذي يتابع من كثب آليات تطبيق القانون والحسابات التي يجري إقفالها. ولكن الجديد الذي أزعج الحزب أن أولوية الحاكم تكمن في الحرص على الانخراط في الممارسات المالية الدولية، وتعزيز صدقيته في الأسواق الدولية، عندما قال “كلما حسنت سمعتك، تحصل على المزيد من الأموال”، ذاهبا في كلامه في اتجاه استفزاز الحزب في بيئته من خلال قوله “لا نريد أموالاً غير مشروعة في نظامنا، كما لا نريد لعدد قليل من اللبنانيين أن يفسد صورة البلاد أو الأسواق المالية في لبنان”. وتذهب مصادر قريبة من الحزب الى اعتبار هذا الكلام ومن وسيلة اعلامية اميركية، أبعد من الإستفزاز، تحدياً للحزب في بيئته المستهدفة أميركيا، إذ حمَل سلامة ” قلة من اللبنانيين” المسؤولية عن إفساد صورة لبنان بـ”أموالها غير المشروعة”، خصوصا أن الكلام الصادر عن أعلى سلطة نقدية في لبنان والمعنية مباشرة بهذا الملف يأتي غداة زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايتزر الى بيروت والذي حمل فيها رسائل جازمة إلى المسؤولين اللبنانيين بضرورة الالتزام الكامل بتنفيذ القانون.

والواقع أن كلام غلايتزر ولا سيما الجزء الذي غازل فيه سلامة منوها بجهوده وحنكته، وواصفا إياه بأحد أهم حكام المصارف المركزية في العالم، لم ينزل بردا وسلاما على الحزب، خصوصا بعدما رصد جنوحا واضحا لدى السلطات المالية والنقدية والمصرفية إلى التنفيذ الأعمى للقانون من دون أخذ في الاعتبار لخصوصيات التكوين اللبناني. وقد بات “حزب الله” ينظر الى عمق الأمور من منطلق أن القانون الاميركي لا يستهدف الحزب وعناصره ومؤسساته، بقدر ما يستهدف البيئة المجتمعية الحاضنة، والتي تتغذى من الحزب وباتت عرضة للعقوبات والتشكيك لمجرد قربها أو إفادتها من الحزب.

في المقابل، يدرك الحزب أن مسألة قفل 100 حساب ليست أمرا جديدا علما أن أزمة رواتب النواب والوزراء كانت تمت معالجتها، كذلك الأمر بالنسبة إلى بعض المؤسسات الاجتماعية والتربوية التابعة للحزب، ولكن ظلت الشكوك تحوم حول مؤسسات أخرى لا تزال تدور في فلك الاتهام وقد تطاولها أي لوائح جديدة منتظر أن تصدر قريبا عن الخزانة الأميركية، علما ان بعضها مثل “مستشفى الرسول الأعظم” رفضت هيئة التحقيق الخاصة طرحه قبل إستكمال الملف. أما سلامة، الذي ازعج بكلامه الحزب ودفع كتلته إلى شن هجوم شديد عليه قارب التهديد، (وصفه بـ”الملتبس” و”المريب”)، فقدم ما يطمئن الاميركيين حيال التزامات لبنان ومصارفه، وأعطى الحزب من خلال هيئة التحقيق الخاصة ما يطمئنه إلى أن تنفيذ القانون سيكون ضمن الحدود المعقولة والمقبولة. والواقع أن امورا ثلاثة يمكن ملاحظتها في الشروط الاميركية: أن الحسابات بالليرة اللبنانية المخصصة للإستعمال المحلي ( توطين رواتب… ) لن تكون مشمولة بالقانون، وأن المراقبة تتم على حركة الحسابات ووتيرة تبدلها سلبا أو إيجابا. وفي هذا المجال يكشف أحد النواب الشيعة وهو رجل أعمال أنه أتم صفقة لبيع عقار يملكه خارج لبنان، وعندما حول المبلغ على حسابه، تعرض لاستجوابات دقيقة عن سبب دخول مبلغ غير إعتيادي إلى حسابه. اما الامر الثالث فيتعلق بضرورة إلتزام لبنان اللوائح الصادرة عن الإدارة الاميركية، بينما تبقى مبادرات المصارف في التشكيك بحسابات معينة مجرد إجتهادات ليس المطلوب من المصارف أن تذهب فيها أبعد مما هو مطلوب، وهذا ما كان كشفه غلايتزر للمسؤولين اللبنانيين في سياق تفسيره لآليات تطبيق القانون. ولكن السؤال المحير والمقلق في آن واحد: ماذا لو توسعت اللائحة المقبلة، أو ماذا لو تعددت اللوائح بما يتعذر ضبطها وتطبيقها؟