النهار: هل يُواجه حزب الله غلايزر وكيف؟ أميركا ترفض استثناءات في العقوبات/حزب الله في دائرة الاستهداف المالي والعقوبات لإخراجه من النظام العالمي

178

 هل يُواجه “حزب الله” غلايزر وكيف؟ أميركا ترفض استثناءات في العقوبات
س. ن./النهار/30 أيار 2016

رد فعل “حزب الله” على قرار جمعية المصارف اللبنانيّة تنفيذ ما ورد في المراسم التطبيقيّة التي صدرت أخيراً لوضع قانون تشديد العقوبات عليه الذي أقرّه الكونغرس الأميركي كان غاضباً في البداية. إذ اعتبر أنها التزمت التفسير الضيّق له واعتزمت عدم المخاطرة بالاجتهاد في أثناء تطبيقه تجنباً لمشكلات صعبة أبرزها الخروج من النظام المصرفي الأميركي الذي صار عالميّاً من زمان، ودفع غرامات ماليّة باهظة قد تقضي عليها في حال إحالتها إلى القضاء غير اللبناني طبعاً. ورد فعله على موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان فيه الكثير من الانزعاج رغم العلاقة الجيدة بينهما إذ اعتبر التزامه الرسمي تطبيق المراسيم المشار إليها من دون أي نقاش، وعدم تدخّله مع جمعية المصارف لدفعها إلى التوسّع في التفسير أو إلى الاجتهاد في أثناء تطبيقها نوعاً من الإسهام في الحرب عليه لا بد أن يؤدّي عند قصد أو من دون قصد منه إلى الاضرار “بشعب” الحزب، وتالياً إلى تخييره بين الاستمرار في الولاء له أو بين الانتفاض عليه، هو الذي يخوض حرباً شرسة منذ نيف وأربع سنوات في سوريا تحوّلت أو قد تتحوّل حرب استزاف له ولـ”شعبه” المضطر من لا يواليه منه إلى تأييده جرّاء الطابع المذهبي المتصاعد للحرب المذكورة.
طبعاً عقد الحزب وجمعية المصارف أكثر من لقاء للبحث في المشكلة وإيجاد مخرج منها، كما توالت الاتصالات بينه وبين الحاكم سلامة. وعندما أعلن الأخير شفهياً تعميمه إلى المصارف بعدم إقفال أي حساب أو برفض فتح أي حساب قبل مراجعة هيئة مختصة في مصرف لبنان، طلب إليه تحويله خطياً ففعل. أثار ذلك نوعاً من الارتياح ودفع المعنيين بهذا الموضوع كلّهم إلى انتظار زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي دانيال غلايزر بيروت للتأكّد من موافقة بلاده، أو بالأحرى من عدم ممانعتها في اجتهاد مصرفي لا يمس جوهر القانون ولا يعاقب في الوقت نفسه جمهور “حزب الله”.
هل عزّزت نتائج زيارة غلايزر العاصمة اللبنانية الأسبوع الماضي الارتياح المشار إليه أو قضت عليه؟
الكلام الذي قاله لوسائل الإعلام تضمن تأكيداً لعدم قبول استثناءات في أثناء تنفيذ القانون يستفيد منها نواب “الحزب” ووزراؤه ونوع من العاملين معه، فضلاً عن جمعيات خيرية له ومؤسّسات اجتماعية وتربوية واستشفائية. والمعلومات التي حصل عليها معنيون مباشرة بهذا الموضوع من الجهات التي التقاها مساعد وزير الخزانة الأميركي لم تنفِ هذا التأكيد، وأعاد ذلك الغضب إلى قادة “الحزب” لأنهم أدركوا الصعوبات التي ستعانيها مؤسّساته المتنوّعة كما شعبه. إذ كيف يمكن تأمين الأدوية والمعدّات لمستشفياته ومراكزه الصحية ومؤسّساته الأخرى؟ وهل يسلم العاملون فيها من أطباء وغيرهم من آثار العقوبات؟ كما أعاد القلق لا بل الخوف إلى المصارف وأصحابها وجمعيتها وحتى المودعين فيها. إذ وجدوا أنفسهم بين نارين. نار التطبيق الاستنسابي للمراسيم التطبيقيّة من دون موافقة “خزانة” أميركا وتالياً الخروج من النظام المصرفي الأميركي العالمي. ونار المواجهة مع “حزب الله” أو بالأحرى نار مواجهة ما قد يقدم عليه من قرارات ومواقف وإجراءات من شأنها إما المس بالمصارف أو بالاستقرار العام، وإما هدّ الهيكل على رؤوس الجميع وإدخال البلاد في مرحلة القضاء على الدولة رغم تحوّلها دولة فاشلة منذ سنوات.
ماذا سيفعل “حزب الله” تجاه هذا الموضوع؟
لا أحد يعرف حتى الآن. فهو يدرس ويتشاور مع حلفائه في الداخل ومع حلفاء الخارج الذين قد يعدونه بتعويض ما سيتعرّض له جرّاء عقوبات جديدة بوسائل عدّة. لكن هل يستطيع هؤلاء التعويض فعلاً هم الذين يسعون بعد عودتهم إلى المجتمع الدولي إلى التخلّص من العقبات التي تحول دون التعامل معه للحصول على ما يحتاجون إليه؟ وطبعاً ليس هناك جواب جاهز عن هذا السؤال. لكن يتردّد أنه منح المعنيّين مهلة غير طويلة للبحث عن مخرج لا يعتقد كثيرون بوجوده، ومنهم مسؤولون كبار أكّد لهم غلايزر رفض أميركا من استثناء المؤسّسات الخيريّة التابعة “للحزب” من العقوبات. ولا يعتقدون أيضاً أن استقالة الحاكم رياض سلامه تحلّ شيئاً وإن حلّ مكانه نائبه الأوّل “الشيعي” إلا أنهم يخافون أن يقدم “حزب الله” على أمر ما، 7 أيار جديد من نوع آخر ربما، لأنه لا يستطيع السكوت رغم أنّه لن يحل المشكلة القائمة بل يفاقمها.

“حزب الله” في دائرة الاستهداف المالي والعقوبات لإخراجه من النظام العالمي
سابين عويس/النهار/30 أيار 2016
لا تحجب الانتخابات البلدية والاختيارية في جولتها الاخيرة شمالاً الاهتمام عن زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر، لما حملته من رسائل وأجوبة تضع حداً للالتباسات التي سادت أخيراً، نتيجة بدء تطبيق قانون العقوبات الأميركي في حق “حزب الله”، وما رافقه من مواجهة بين الحزب والمصارف من جهة ومع المصرف المركزي من جهة أخرى، بعدما اتهم الحزب المصارف والمركزي بالانصياع للقرار الأميركي. أكثر من رسالة حملها غلايزر الى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، ومثلها الى المصارف المعنية بتنفيذ القانون. وبدا لافتا حرص المسؤول الأميركي على التنويه بالحاكم رياض سلامة وبالأداء المصرفي الذي يسهم في “تطبيق سليم وعادل ومقبول للقانون” على ما قالت مصادر أميركية واكبت زيارة غلايزر لـ”النهار”، مضيفة أن هذا الموقف يهدف الى التعبير عن تمييز الادارة الأميركية بين السلطات النقدية والمصرفية، والحزب “المستهدف الوحيد بالقانون، هو وكل عناصره ومن يخضع لسيطرته”. لا تعتبر الادارة الأميركية نفسها معنية بأي خلاف لبناني داخلي ينتج من تطبيق القانون، فهذا الامر بالنسبة اليها شأن داخلي وعلى الحكومة اللبنانية ان تتعامل معه. كما تعتبر نفسها غير معنية بما سيؤدي اليه استهداف الحزب على المشهد الداخلي. كل ما يعنيها هو ضبط عمليات “حزب الله” المالية ومنع ولوجه الى النظام المالي العالمي عموما والاميركي تحديدا. وهذا يرتب في نظرها التزاما تاما بالقانون الأميركي اذا كان لبنان يرغب في الحفاظ على موقعه في هذا النظام. ذلك أن التطبيق العادل والمعقول للإجراءات المقترحة يمنع استعمال المصارف ممراً لعمليات الحزب.
وتشدد المصادر على التأكيد أن القانون لا يمس السيادة اللبنانية ولا ينتقص منها. والسلطات اللبنانية تدرك تماماً أن الانخراط في النظام العالمي يرتب التزاما واحتراما للقوانين الدولية، والقانون الأميركي ليس حصرا بلبنان وإنما ينطبق على كل دول العالم وعلى كل المنظمات المصنفة إرهابية، وأخصها “حزب الله” وتنظيم “داعش”. الرسائل الأميركية حيال الجدية المطلقة في تطبيق القانون، وفي اللجوء الى فرض العقوبات في حال عدم الامتثال، قابلتها رسائل متفهمة للوضع اللبناني ولضرورة حماية الاستقرار المالي، تماماً كما هناك حرص على حماية الاستقرار السياسي والامني. لكن الاولوية الأميركية تبقى في الدرجة الاولى لحماية النظام المالي الأميركي. الرسائل بُلِّغت الى السلطات اللبنانية، وكان الاجتماع مع وزير المال علي حسن خليل جيدا جداً وعمليا جداً، كما تقول المصادر، لكن المسؤول الأميركي لم يحمل وزير المال أي رسالة للحزب. فالعلاقات المقطوعة مع الأخير منذ تصنيفه إرهابيا من الادارة الأميركية، تحول دون حصول أي لقاء علني أو حتى اتصال مباشر، كما أن لا رسائل لنقلها، باعتبار أن الأميركيين لا يحملون رسائل في هذا المجال، بل قراراً بتنفيذ القانون، على أن أي تخلف يتحمل مسؤوليته الحزب حصرا، لأن العقوبات محصورة بأصحاب الحسابات المشكوك في أمرها، وليس بالمصارف، إلا إذا كانت تقوم بتغطية هذه الحسابات.
لكن إذا كانت هذه هي الرسائل الأميركية التي تبلّغتها السلطات اللبنانية من غلايزر، فبمَ ردت الاخيرة عليها؟ وهل يمكن لبنان بحكومته ومصارفه تحمل أوزار التشدد الأميركي؟ إذا كان “حزب الله” مصنفا إرهابيا لدى الولايات المتحدة، فهو حتما ليس كذلك بالنسبة الى الحكومة التي يتمثل فيها بوزيرين، على ما تقول أوساط حكومية بارزة، مؤكدة أن لبنان لم يتخلف يوما عن احترام القوانين الدولية، لكن في المقابل، لا يمكنه تحمل استهداف مكون لبناني، من دون ان يشكل خطرا على الكيان وعلى البلاد. من هنا، تؤكد الاوساط التزام لبنان تطبيق القانون، ولكن مع التنبه والحذر لمنع تعريضه لأي هزة. وهذا يتطلب في رأيها متابعة دقيقة للإجراءات التي يفرضها القانون وللوائح التي يصدرها. تعي الاوساط ان العالم كله يعيش تحت الحكم الأميركي وان هامش التحرك ضيق في ظل التضييق والضغط الأميركيين في هذا الشأن، لكن هذا لا يعني في رأيها ألا يتمكن لبنان من الالتزام وتطبيق القانون من دون ان يعرض بيئته ومجتمعه واقتصاده ومصارفه لأي خطر، مشيرة الى أن الامر متروك لعناية السلطات المالية والنقدية التي تدرك تماماً حجم الاخطار وتدرك كيفية تفاديها بتغطية كاملة من السلطة السياسية في الحكومة.
تبقى المشكلة في سبل التطبيق من دون استنسابية، بحيث تصيب الإجراءات العقابية الحزب وليس الطائفة الشيعية كما يريد القانون. والواقع أنه لدى سؤال المصادر عن هذه المسألة وكيف يمكن الفصل بين الحزب وبيئته، تؤكد أن الاستهداف محصور به وليس بالطائفة، والإدارة الأميركية قادرة على التمييز بين الاثنين.
لكن يفوت هذه الادارة أن الفصل بين الحزب وبيئته شبه مستحيل، وهذا ما يفسر المخاوف التي بدأت تظهر في أوساط الحزب والطائفة على السواء، على مصادر تمويل المؤسسات والسلطات والموظفين بمن فيهم الوزراء والنواب وعائلاتهم. فهل هذا ما يهدف اليه القانون فعلا، ويرمي الى عزل الحزب عن بيئته؟