مقالة تكشف فشل ثنائية عون-جعجع وسقوط الأقنعة والأوهام/حنا صالح: الدينامية المسيحية انتصرت للتعددية

568

الدينامية المسيحية انتصرت للتعددية
حنا صالح /المدن/ الخميس 19/05/2016

قدم النائب حكمت ديب، عضو “التيار الوطني الحر”، قراءة أولية لنتائج انتخابات جبل لبنان لخصها بالآتي: “هناك خطة مبرمجة لتحجيم الزعيم الأول لدى المسيحيين ميشال عون”.

هذا الاستنتاج يذكر المتابع بالمظلومية العونية الشهيرة وهي أن الجنرال يواجه حرباً كونية (المعزوفة المعروفة)، لكن أخذاً بالاعتبار مشهدية معراب وما أسفر عنها من تحالف سياسي جمع الاخوة الأعداء في “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، فإن استنتاج النائب ديب يشمل بالضرورة د. جعجع إلى جانب الجنرال. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو من هي هذه القوى الكونية، الفضائية ربما، التي وضعت خطة مبرمجة لتحجيم الطرفين المذكورين؟ وما أهدافها القريبة والبعيدة؟

بداية، لا بد من التذكير بأنه غداة مشهدية معراب في 18 كانون الثاني الماضي، راجت في البلد معطيات عن “تسونامي” جديد سيجتاح الشارع المسيحي، وأن طرفي تحالف الثنائية المسيحية يحوزان تأييد 86%، وهذه النسبة إلى ازدياد، واستفاض كثيرون من “الجرنلجية” والمحللين التابعين لبلاطي معراب والرابية في شرح حسنات التحالف الجديد الذي سيستعيد الحقوق (..) ويعيد توازناً مفقوداً (..)، (وكنا بعد الدوحة قد شهدنا اليافطات التي رفعت عن استعادة الحقوق)، وأنه آن للوسط المسيحي أن ينعم بالقيادة ذات الحيثية الشعبية إسوة بما هو سائد في الطوائف الاخرى.. وألصقت الموبقات بالتركيبة النيابية القائمة حيث القسم الأكبر من النواب المسيحين يتم انتخابهم بأصوات مسلمة، وارتبطت دعوات عديدة لقانون انتخابي جديد بضرورة إيجاد القانون الذي يجب أن يعبّر عن هذا التطور.. وشكل موعد الانتخابات البلدية الفرصة لهذا الثنائي للدخول في الاختبار الموعود. وباكرا تم التحذير من ارجاء استحقاق الانتخابات المحلية، وكان سمير جعجع أول من استنفر حزبه وحدد بالصوت والصورة رؤيته للعمل البلدي والاختياري، وكان حاسماً في توجيه حزبه القوات بالتعاون مع التيار العوني لخوض غمار الاستحقاق البلدي والاختياري، طارحاً المواصفات للمرشحين ومؤكداً أنه من غير الجائز استمرار إدارة العمل المحلي بعقلية بيوت الاقطاع التي تعود إلى القرن السابع عشر.

هكذا، أطل الاستحقاق ودخل التحالف القواتي العوني في الاختبار الأدق، بعدما أمعن المروجون، وهم كثيرون، في عملية ترهيب غير مسبوقة مما ستكون عليه النتائج، وجاءت نتائج المرحلة الأولى مخيبة للآمال فاضحة للرغبات. ففي الدائرة الأولى مثلاً و”الأشرفية البداية” كما يرددون، شهدت ككل بيروت احجاماً عن لائحة المحاصصة المعلبة، وسجل حجم التصويت الاعتراضي الذي نالته “بيروت مدينتي” صفعة مدوية لأطراف التحالف السلطوي، وبينت الأرقام أن الأحزاب المسيحية مع القيادات المحلية لم تحز إلا نحو 40% مقابل 60% لـ”بيروت مدينتي”. والتحالف إياه الفائز في زحلة لم ينل أكثر من 40% من أصل 26 الف مقترع، فيما كانت حصة القوى المحلية معاً 60%.. والكل انتظر المرحلة الثانية، أي جبل لبنان حيث الثقل المسيحي لاكتشاف اتجاه الرياح.

دون ادنى شك حققت غالبية القوى مكاسب بعدما سيّست الانتخابات المحلية، لكن مع بعض التدقيق يتبين أن زعامة تقليدية مثل ميشال المر اكتسحت 41 مجلساً بلدياً (من أصل 54) في المتن إضافة إلى 64 مختاراً. ويتبيّن أن “حزب الكتائب” ربح أكثر من 30 مجلساً بلدياً في الجبل.. وبعد التدقيق لم يبرز الـ”تسونامي” الذي تم تهديد المواطنين به. وأكثر من ذلك، إذا كان التحالف الثنائي اعتبر سن الفيل هي الموقعة الكبرى فقد نال فشلاً ذريعاً، وفي مواجهة دير القمر احتفظت زعامة آل شمعون التقليدية بـ35% من المقاعد. أما في الدامور فكان الفشل كاملاً للثنائية الجديدة، إلا في قرى جبيلية وشوفية متواضعة. وخارج هذه المواجهات لم تتمكن هذه الثنائية من التوحد، فذاب المناصرون في عائلاتهم وتحالفاتهم المحلية. فكان العوني في قائمتين متواجهتين، ومثله القواتي. وشهدنا كثيراً عملية قطع كاملة بين قيادات هذه الأحزاب وقواعدها المنخرطة في كل أشكال الصراع العائلي وعصبيات القرى وخلافاتها وتحالفاتها.. ما أفضى إلى تكريس ثابتة معروفة مفادها أنه في زمن السلم قوة تأثير الجماعات العائلية، والزعامات المحلية، أكبر بكثير من الأحزاب والتنظيمات الطائفية، وأن العائلات عموماً تتعامل بحذر مع القوى المنظمة، مهما ادعى بعض قادتها وبعض مريديها أنها تحمل توجهات وطنية وأن الشأن العام بالنسبة إليها هو أولوية الأولويات.

وفي سياق المرحلة الثانية من هذه الانتخابات المحلية، استأثرت جونية بالصدارة، وهي تستحق وقفة خاصة للمؤشرات الكثيرة التي قدمتها، فالعماد عون المرشح الرئاسي عن تفاهم معراب، ذهب باللغة التي يتقن لاعتبارها المعركة على “عاصمة المسيحيين”، ولم يخبر الناس من أين يأتي استهداف جونية ومن يستهدفها؟ (..). وذهب إبعد إلى حد تحويلها استفتاء على زعامته وحجمه التمثيلي. وهو النائب المنتخب، مع كتلة كاملة، عن المدينة والقضاء منذ برلمان العام 2005.. لكن المواجهة، التي التحق شريكه القواتي بحلف خصومه، قدمت صورة مغايرة عما أراده، فاختراق تحالفه بأربعة مقاعد كرس ميزان قوى آخر في عاصمة كسروان، وتأكد أن الجنرال الذي حاز نصف انتصار أو نصف انكسار، مدين للصوت الكتائبي الذي حفظ له ماء وجهه.

من زحلة وتجربة الكتلة الشعبية مثلاً، إلى المتن وما أثبته على أرض الواقع رجل التقليد ميشال المر، شهدنا قدرة هذه الزعامات على تقديم الدليل عن إطالة العمر السياسي لما يمثلون، حتى أن المر رأى في النتائج مؤشراً على ما ستكون عليه نتائج الانتخابات النيابية المقبلة (..).

يفضي ذلك إلى حقيقة وهي أن الدينامية الأساسية في الوسط المسيحي، رجحت كفة التعددية القائمة، بما لها وما عليها، ومنعت إحداث محاولة للالغاء بهدف الاستئثار، وفضحت مشروع الثنائية الذي أجهضته/ حتى الآن/ صناديق الاقتراع، بعدما ظهرت حقيقته، وهي أنهم، إذا التقوا أو تخاصموا، فالعنوان هو مصالح حزبية ضيقة بعيدة كل البعد عن أي مشروع وطني، بل إن ما يحركهم هو مصالح سلطوية ومحاصصة وفساد، وأبرز دليل هو أن وجود ما يزيد عن مليار دولار في صندوق بلدية بيروت جمع كل الأضاد.

حتى تاريخه، إن مشروع الثنائية المسيحية الجديدة أصيب بتصدعات كبيرة ربما لأنّه حوِّل إلى فزاعة للناس، والتوجه للانتخابات المحلية في موعدها بدا وكأنه بديلا من ضائع نتيجة التمديد المتكرر لبرلمان 2009. ما أطلق حالة يقظة شعبية حاصرت في غير مكان محاولات الاستئثار الحزبي.

يبقى ان نشير الى ايجابية وسلبية، أما الايجابية فتمثلت بتحرك الناس لبدء كسر الاصطفافات المقفلة وخرق التسويات والتركيبات الفوقية، والذهاب لآخذ أمورهم بأيديهم، وهذا ما يعول عليه. أما السلبية (وربما الايجابية الثانية) فهي أن هذا الكم من التسيس الذي طغى على ما عداه فضح غياب البرامج والتعهدات والشفافية والمساءلة، بحيث لم نسمع أن مجلساً بلدياً واحداً أقدم على نشر بيان قطع حساب يعرض فيه مالية فترة اقامته سعيداً في بلديته.